الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

أهمية السكينة في حياتنا

أحيانًا تمر بحياتنا أوقات شدة، وخوف وهلع وفزع؛ بسبب مصاعب نجدها

أهمية السكينة في حياتنا
حسن حسونة
الاثنين ٠٧ ديسمبر ٢٠٢٠ - ٠٩:٤٦ ص
773

أهمية السكينة في حياتنا

كتبه/ حسن حسونة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فحياة الإنسان لا تسير على وتيرة واحدة، فهي بين بلية وعطية، وفرح وحزن، وأمن وخوف، بين عطاء وحرمان، فيحتاج حينها لجملة من العبادات؛ حتى يتعايش بها مع هذه الأحول من شكر وصبر، وذل وانكسار، وإخبات وخضوع، وبخاصة أن المؤمن يوقن بأن قَدَر الله نافذ وسلطانه باسط، فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (الحديد:22)، وقال: (وَكُلُّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ مُسْتَطَرٌ) (القمر:53)، أي: مكتوب.

وأحيانًا تمر بحياتنا أوقات شدة، وخوف وهلع وفزع؛ بسبب مصاعب نجدها، أو مخاوف مِن الأعداء أو تربص بمن نحب ونخاف عليهم، فنحتاج إلى ما يطمئِن القلب، ويسكِّن الفؤاد، ويربط على جأش الواحد منا، وهذه هي السكينة.

فاصل السكينة: الطمأنينة والوقار، والسكون الذي ينزله الله على قلب عبده عند اضطرابه مِن شدة المخاوف؛ فلا ينزعج بعد ذلك، وهذه السكينة توجِب للعبد زيادة الإيمان، وقوة اليقين والثبات.

قال ابن القيم -رحمه الله-: "وَمِنْ مَنَازِلِ: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (الفاتحة:5): مَنْزِلَةُ السَّكِينَةِ؛ هَذِهِ الْمَنْزِلَةُ مِنْ مَنَازِلِ الْمَوَاهِبِ، لَا مِنْ مَنَازِلِ الْمَكَاسِبِ. وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ -سُبْحَانَهُ- السَّكِينَةَ فِي كِتَابِهِ فِي سِتَّةِ مَوَاضِعَ:

الْأَوَّلُ: قَوْلُهُ -تَعَالَى-: (وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ) (البقرة:248) -(أي: علامة ملك طالوت أن يأتي بالتابوت الذي هو موروث الأنبياء قبله فيه سكينة، قال الإمام القرطبي: أي سبب سكون قلوبكم فيما اختلفتم فيه من أمر طالوت. وقيل: أراد أن التابوت كان سبب سكون قلوبهم فأينما كانوا سكنوا إليه، ولم يفروا من التابوت إذا كان معهم في الحرب)-.

الثَّانِي: قَوْلُهُ -تَعَالَى-: (ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (التوبة:26). -(قال القرطبي: أي: أنزل عليهم ما يسكنهم ويذهب خوفهم حتى اجترؤوا على قتال المشركين بعد أن تولوا، وكان ذلك في غزوة حنين)-.

الثَّالِثُ: قَوْلُهُ -تَعَالَى-: (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا) (التوبة:40). -(قال القرطبي: فيها قولان: أحدهما على النبي -صلى الله عليه وسلم-. والثاني: على أبي بكر، ورجح ابن العربي الثاني؛ لأن أبا بكر خاف على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مِن القوم، فأنزل الله سكينته عليه؛ ليطمىنه، ويثبِّت فؤاده؛ فسكن جأشه، وذهب روعه)-.

الرَّابِعُ: قَوْلُهُ -تَعَالَى-: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) (الفتح:4). -(أي: السكون والطمأنينة، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: كل سكينة في القرآن هي الطمأنينة)-.

الْخَامِسُ: قَوْلُهُ -تَعَالَى-: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا) (الفتح:18).

السَّادِسُ: قَوْلُهُ -تَعَالَى-: (إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ) (الفتح:26). -(أي: الطمأنينة والوقار، وثبتهم على الرضا والتسليم، ولم يُدْخِل في قلوبهم ما دَخَل في قلوب أولئك مِن الحمية)-".

فالايات كلها تتحدث عن مواطن خوف وهلع وفزع قد يصيب أهل الإيمان، فيحتاجون إلى ما يسكِّن القلب ويطمئن الفؤاد، قال ابن القيم -رحمه الله-: "وَكَانَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ -رَحِمَهُ اللَّهُ- إِذَا اشْتَدَّتْ عَلَيْهِ الْأُمُورُ: قَرَأَ آيَاتَ السَّكِينَةِ. وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ فِي وَاقِعَةٍ عَظِيمَةٍ جَرَتْ لَهُ فِي مَرَضِهِ، تَعْجِزُ الْعُقُولُ عَنْ حَمْلِهَا -مِنْ مُحَارَبَةِ أَرْوَاحٍ شَيْطَانِيَّةٍ، ظَهَرَتْ لَهُ إِذْ ذَاكَ فِي حَالِ

ضَعْفِ الْقُوَّةِ- قَالَ: فَلَمَّا اشْتَدَّ عَلَيَّ الْأَمْرُ، قُلْتُ لِأَقَارِبِي وَمَنْ حَوْلِيَ: اقْرَءُوا آيَاتِ السَّكِينَةِ، قَالَ: ثُمَّ أَقْلَعَ عَنِّي ذَلِكَ الْحَالُ، وَجَلَسْتُ وَمَا بِي قَلْبَةٌ".

قال ابن القيم -رحمه الله-: " وَقَدْ جَرَّبْتُ أَنَا أَيْضًا قِرَاءَةَ هَذِهِ الْآيَاتِ عِنْدَ اضْطِرَابِ الْقَلْبِ بِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ؛ فَرَأَيْتُ لَهَا تَأْثِيرًا عَظِيمًا فِي سُكُونِهِ وَطُمَأْنِينَتِهِ". وهذه وصفة مجرَّبة من خبراء وعلماء، وأطباء للقلوب؛ فأقبل عليها ولا تتهاون بها،

وقد تنزل السكينة لقراءة القرآن، فعن البراء بن عازب -رضي الله عنه- قال: كَانَ رَجُلٌ يَقْرَأُ سُورَةَ الْكَهْفِ وَعِنْدَهُ فَرَسٌ مَرْبُوطٌ بِشَطَنَيْنِ، فَتَغَشَّتْهُ سَحَابَةٌ فَجَعَلَتْ تَدُورُ وَتَدْنُو، وَجَعَلَ فَرَسُهُ يَنْفِرُ مِنْهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: (تِلْكَ السَّكِينَةُ تَنَزَّلَتْ لِلْقُرْآنِ) (متفق عليه). وفي رواية أبي سعيد: أن القارئ هو أسيد بن حضير -رضي الله عنه-.

وقد تنزل السكينة في مجالس العلم والذِّكر كما في الحديث: (وَمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللهِ، يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ، إِلَّا نَزَلَتْ عَلَيْهِمِ السَّكِينَةُ، وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ، وَذَكَرَهُمُ اللهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ) (رواه مسلم)، فتأتي في مواضع الطاعة وسبل الإيمان، ومواطن الذكر لله.

فالسكينة من منازل المواهب يهبها الله -تعالى- للمؤمن الصادق، المخبت المراقب لربه، لتنقله مِن حالة الهلع والخوف والفزع التي قد تنتابه في بعض الأوقات إلى حالة السكون والطمأنينة والرضا التام.

أسأل الله أن تغشانا السكينة، وتنزل علينا الرحمات والخيرات مِن الله رب الأرض والسماوات.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

 

تصنيفات المادة