الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

قصة أصحاب السبت (موعظة الأسبوع)

قصة أصحاب السبت (موعظة الأسبوع)
سعيد محمود
الخميس ٢٤ ديسمبر ٢٠٢٠ - ١٢:٢٨ م
902

قصة أصحاب السبت (موعظة الأسبوع)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

المقدمة:

- وردت القصة في القرآن في مواضع مختلفة لعظيم فائدتها: قال الله -تعالى-: (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ . فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) (البقرة:65-66).

- الإشارة إلى بعض الدروس والعِبَر في القصة: (أثر الذنوب والانحراف عن دين الله - خطورة الحيل المحرمة - أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر - ...).

(1) مَن أصحاب السبت؟ وما قصتهم؟

- جاءت الإشارة والاختصار للقصة في خمسة مواضع، وبسطها الله -تعالى- في سورة الأعراف: قال الله -تعالى-: (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لَا يَسْبِتُونَ لَا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ . وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ . فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ . فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) (الأعراف:163-166).

- الشرح الإجمالي للقصة: "واسأل يا نبينا هؤلاء اليهود الذين يجحدون دعوتك ويكذبون رسالتك، عن القرية التي كانت بقرب البحر؛ إذ يعتدي أهلها مِن أسلافهم اليهود في يوم السبت على حرمات الله، حيث أمروا أن يعظموا يوم السبت ولا يصيدوا فيه سمكًا، فابتلاهم الله وامتحنهم بسبب إسرافهم وانحرافهم عن دين الله، فكانت الحيتان تأتيهم يوم السبت كثيرة طافية على وجه البحر، وإذا ذهب يوم السبت تذهب الحيتان في البحر، ولا يرون منها شيئًا، فجعلوا يحتالون على حبسها في يوم السبت، برمي الشباك في البحر يوم الجمعة، وجمعها يوم الأحد.

وعند ذلك قامت جماعة منهم صالحة تنهى المعتدين وتنذرهم من عقوبة ذلك، وجعلت جماعة ثالثة تقول للناهين المنكرين: لمَ تعظون مصرين على المعصية، ولا فائدة من دعوتهم، فالله سيهلكهم في الدنيا ومعذبهم في الأخرة بمعصيتهم؟ فقالت لهم الطائفة الناهية: نعظهم وننهاهم لنعذر فيهم مِن السؤال مِن الله، فنؤدي فرض الله علينا في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ورجاء أن يرجعوا ويتوبوا من معصيتهم. فلما تركت الطائفة المعتدية التذكير وأعرضت عن النصيحة واستمرت على غيها، أنزل الله العذاب بأهل القرية، فأخذ الذين ظلموا فصاروا قردة وخنازير ثم أهلكهم بعد ثلاث، ونجى الله الطائفة الناهية عن المنكر، ولم يذكر مصير الساكتين. فكانت القصة عبرة وموعظة لكل زمان ومكان أن مَن فعل فعلهم -من الطوائف الثلاثة- كان مصيره كمصيرهم".

الدروس والعِبَر:

(2) أثر الذنوب والمعاصي والانحراف عن دين الله:

- لما أسرفوا في المعاصي والانحراف، ابتلاهم الله بضيق الأرزاق لعلهم يرجعون، وهذا مِن عظيم رحمته بالخلق، فالبلاء إنذار وتنبيه كي يتوبوا: (كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ)، (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم:41).

- الكرام يوم أُحد ابتلاهم الله بالهزيمة، لما خالفوا أمرًا واحدًا متأولين؛ فكيف باللئام الذين خالفوا واحتالوا؟! (أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (آل عمران:165).

- الصالحون إذا نزل بهم البلاء انكسروا وتابوا، وفتشوا عن ذنبهم: "لما استسقى عمر بالعباس تقدَّم العباس فقال: اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة، وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك، وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة، فاسقنا الغيث؛ فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض وعاش الناس" (فتح الباري لابن حجر)(1).

- وأما اللئام فما تابوا ولا أنابوا، ولقد عاقبهم الله بالمسخ، وهو سنة ماضية بعدهم: (فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا) (البقرة:66)، وعن عمران بن حصين عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (فِي هَذِهِ الأُمَّةِ خَسْفٌ وَمَسْخٌ وَقَذْفٌ)، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ المُسْلِمِينَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَتَى ذَاكَ؟ قَالَ: (إِذَا ظَهَرَتِ القَيْنَاتُ وَالمَعَازِفُ وَشُرِبَتِ الخُمُورُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

(3) خطر التحايل على الشرع:

- تحايلوا على الحرام بصيد السمك يوم السبت، واستحلوا الحرام كما هي عادتهم وسمتهم: عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما-: " ... فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ شُحُومَ الْمَيْتَةِ، فَإِنَّهُ يُطْلَى بِهَا السُّفُنُ، وَيُدْهَنُ بِهَا الْجُلُودُ، وَيَسْتَصْبِحُ بِهَا النَّاسُ، فَقَالَ: (لَا، هُوَ حَرَامٌ)، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ ذَلِكَ: (قَاتَلَ اللهُ الْيَهُودَ، إِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- لَمَّا حَرَّمَ عَلَيْهِمْ شُحُومَهَا أَجْمَلُوهُ، ثُمَّ بَاعُوهُ فَأَكَلُوا ثَمَنَهُ)(2)(متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَرْتَكِبُوا مَا ارْتَكَبَتِ الْيَهُودُ، فَتَسْتَحِلُّوا مَحَارِمَ اللهِ بِأَدْنَى الْحِيَلِ) (رواه ابن بطة في إبطال الحيل، وحسنه الألباني).

- اختلف العلماء في الحيل إلى مذاهب، وخلاصتها أنها ثلاثة أقسام:

الأول: حيل جائزة، وهي ما كانت وسيلتها مشروعة، والمقصد منها مشروع، كما كان من يوسف -عليه السلام-: (فَبَدَأَ بِأَوْعِيَتِهِمْ قَبْلَ وِعَاءِ أَخِيهِ ثُمَّ اسْتَخْرَجَهَا مِنْ وِعَاءِ أَخِيهِ كَذَلِكَ كِدْنَا لِيُوسُفَ) (يوسف:76).

الثاني: حيل محرمة، وهي ما كانت وسيلتها محرمة، ومقصدها محرم: (نكاح المحلل - بيع العينة - رشوة لنيل وظيفة - أصحاب الجنة)، (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ) (القلم:17).

الثالث: حيل مختلف فيها، وهي ما كانت وسائلها محرمة، ومقاصدها مشروعة، صور ذلك يعتبرها بعضهم من النوازل، مثل: (الرشوة لرد حق).

(4) أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- نجَّى الله الناهين عن المنكر وسكت عن الساكتين: كان ابن عباس -رضي الله عنهما- إذا قرأ الآيات: (فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ) يبكي ويقول: كم سكتنا عن أشياء رأيناها!".

فائدة مهمة جدًّا:

لماذا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟

- الإعذار إلى الله: (قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

- احتمال الاستجابة من أصحاب المنكر(3): (وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ).

- رجاء الأثر الآجل (إحداث نكاية في القلوب): (وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)(4) (إسلام سعيد بن عامر الجمحي، وكثير من الصحابة).

خاتمة: أهمية الاستفادة والاعتبار من قصص القرآن:

- لقد كان أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يستفيدون أعظم الاستفادة من قصص القرآن، فيحذرون من الوقوع فيما وقع فيه أصحابها: قال حذيفة -رضي الله عنه- لمَن خَصُّوا قوله -تعالى-: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) (المائدة:44)، ببنى إسرائيل: فقال متهكمًا: "نعم الإخوة لكم بنو إسرائيل، أن تكون لكم كل حلوة، ولهم كل مرة!". وقال -تعالى-: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ) (يوسف:111).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) روي أن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- كانت إذا نزل بها الصداع، تأخذ برأسها وتقول: "بذنبي يا ربي، بذنبي يا ربي".

(2) اختلفوا في حكم الانتفاع، واتفقوا على منع البيع، والأظهر جواز الانتفاع وتحريم البيع، وهذا مذهب الشافعي وجماعة.

(3) كثير من الناس إذا بينت له الحكم الشرعي تراه يقول: "ما كنت أعرف"، وينصلح حاله.

(4) لا يشترط أن يتقوا الله على الفور؛ فكم مِن الناس ينتفع بالنصيحة بعد حين.   

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة