الثلاثاء، ١٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ١٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

جهاد النفس

ادعُ الله أن يصلح قلبك ونيتك؛ فإنك لن تعالِج شيئًا هو أشد عليك منهما

جهاد النفس
محمد سرحان
الجمعة ٢٢ يناير ٢٠٢١ - ٠٨:٥٦ ص
287

جهاد النفس

كتبه/ محمد سرحان

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

قال علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-: "أول ما تفقدون مِن دينكم جهاد أنفسكم".

وقال عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- لمن سأله عن الجهاد: "ابدأ بنفسك فجاهدها، وابدأ بنفسك فاغزُها".

وقال سفيان الثوري -رحمه الله-: "ليس عدوك الذي إن قتلته كان لك به أجر؛ إنما عدوك نفسك التي بين جنبيك، فقاتل هواك أشد مما تقاتل عدوك".

وقال أويس القرني لهرم بن حيان: "ادعُ الله أن يصلح قلبك ونيتك؛ فإنك لن تعالِج شيئًا هو أشد عليك منهما، بينما قلبك مقبل إذ هو مدبر، فاغتنم إقباله قبل إدباره، والسلام عليك".

وسيظل هذا الميدان، ميدان غزو للشيطان لا ينقطع عن غزوه، وميدان جهادك الأول الذي لابد -بإذن الله تعالى- أن تنتصر فيه؛ تنتصر على الشهوات والشبهات، والتأويلات والترخصات، والمبررات والحِيَل، وغلبات الهوى، وغيرها.

قد ينتصر عليك الشيطان فيه مرات، وقد تكون له جولات، ولكن المؤمن لا ييأس، بل يستعين بربه -تعالى- في قهر عدوه، وإصلاح نفسه، ويلتمس أسباب الإصلاح كلها، حتى يصلح الله نفسه ويطهر قلبه. 

وتأمل في قصة طالوت -عليه السلام- وكيف مَرَّت بالمؤمنين ابتلاءات وشدائد، لتتمحص فيها النفوس المؤمنة؛ لتكون أهلًا لحمل راية هذا الدِّين ونصرته، وتنال شرف الجهاد في سبيل الله، فلا ينال هذا الشرف إلا مَن جاهد نفسه فجهدها، وتغلب عليها وقهرها وملكها، وألزمها كتاب الله -تعالى- وسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، فلا ينصر الله -تعالى- إلا هذه النفوس الصالحة، والقلوب التقية النقية.

ووجود النفوس المضطربة، وغير المؤهلة، يضر الصف المسلم والفئة المؤمنة، ويؤخِّر النصر، وتأتي الابتلاءات والامتحانات لتطهر الصف من هذه الشوائب، حتى يتأهل للنصر، ويصلح لقيادة الناس، فلا ينتصر في الميادين الأخرى، إلا مَن انتصر في هذا الميدان أولًا.

قال السعدي -رحمه الله-: "فلما فصل طالوت بجنود بني إسرائيل، وكانوا عددًا كثيرًا، وجَمًّا غفيرًا، امتحنهم بأمر الله؛ ليتبين الثابت المطمئن ممن ليس كذلك، فقال: (إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي) (البقرة:249)، فهو عاصٍ ولا يتبعنا؛ لعدم صبره وثباته، ولمعصيته، (وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ) أي: لم يشرب منه (فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ): فلا جناح عليه في ذلك، ولعل الله أن يجعل فيها بركة فتكفيه، وفي هذا الابتلاء ما يدل على أن الماء قد قَلَّ عليهم؛ ليتحقق الامتحان، فَعَصَى أكثرهم وشربوا من النهر الشرب المنهي عنه، ورجعوا على أعقابهم، ونكصوا عن قتال عدوهم، وكان في عدم صبرهم عن الماء ساعة واحدة، أكبر دليل على عدم صبرهم على القتال الذي سيتطاول، وتحصل فيه المشقة الكبيرة، وكان في رجوعهم عن باقي العسكر ما يزداد به الثابتون توكلًا على الله، وتضرعًا واستكانة، وتبرُّؤًا مِن حَوْلهم وقوتهم، وزيادة صبر لقلتهم وكثرة عدوهم" (تفسير السعدي).

فلابد من مراجعة، ومحاسبة حقيقية للنفس؛ لإصلاحها، ونفي الخبث عنها، حتى لا نُستَبدل، أو نكون معول هدم لا معول بناء، وسببًا للهزيمة لا سببًا للنصر.

فاللهم أصلح نفوسنا، وطهِّر قلوبنا، واستعملنا ولا تستبدلنا.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً