الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الفساد (82) سلبيات أبرزتها أزمة كورونا (10) ضعف البحث العلمي في مصر

البحث العلمي: أسلوب منظم في جمع المعلومات الموثوقة وتدوين الملاحظات، والتحليل الموضوعي لتلك المعلومات باتباع أساليب ومناهج علمية

الفساد (82) سلبيات أبرزتها أزمة كورونا (10) ضعف البحث العلمي في مصر
علاء بكر
السبت ٣٠ يناير ٢٠٢١ - ١٧:٠١ م
394

الفساد (82) سلبيات أبرزتها أزمة كورونا (10) ضعف البحث العلمي في مصر

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فلم يعد البحث العلمي ترفًا تمارسه الأمم المتقدمة، ولكنه أصبح ضرورة لا غنى عنها للأمم المتقدمة والبلدان النامية على حدٍّ سواء، وهو عملية تعاونية تنهض بها الجامعات والمؤسسات والمراكز البحثية العامة والخاصة، ويتم تفعيل البحث العلمي وتطويره من خلال تبادل المعرفة والتواصل المعرفي بين الباحثين في مختلف دول العالم.

والبحث العلمي: أسلوب منظم في جمع المعلومات الموثوقة وتدوين الملاحظات، والتحليل الموضوعي لتلك المعلومات باتباع أساليب ومناهج علمية.

ويحتاج البحث العلمي إلى رصيد ضخم من العلماء والخبراء القادرين على تطويع المنجزات العلمية لخدمة المجتمع وتنمية موارده وقدراته من خلال البحث العلمي؛ فإن الترانزستور المستخدم في كل الأجهزة الكهربائية تقريبًا هو نتاج أكثر من 50 عامًا من البحث في مجال أشباه الموصلات، واشترك في التوصل إليه وتطويره مئات العلماء، بعضهم معروف جهده الذي قدَّمه، وبعضهم غير معروف.

ويعد البحث العلمي مِن أبرز سمات التعليم الجامعي، ومهمة أساسية مَن مهام الجامعات اليوم، ومن خلاله يزيد الارتباط بين الجامعة وحركة المجتمع، ويقدم الحلول المناسبة لكثير من المشاكل التي تواجهها مؤسسات المجتمع المختلفة، ونظرًا لهذه الأهمية الكبيرة للبحث العلمي ودوره في دفع عملية التنمية وحل مشاكل المجتمع، فإن قضية تطوير البحث العلمي تعد في زماننا قضية أمن قومي.

وقد بينت أزمة كورونا أهمية البحث العلمي، من بدايتها من خلال تعامل البحث العلمي الجاد المثمر مع الأزمة كما فعلت كوريا الجنوبية، ومع نهايتها من خلال قيام العديد من شركات الأدوية العالمية ومراكز البحوث الطبية في الغرب والشرق بإنتاج لقاح فعال ومؤثر؛ للحد من انتشار فيروس كورونا.

تجربة كوريا الجنوبية:

نجحت كوريا الجنوبية نجاحًا واضحًا في مكافحة وباء كورونا والسيطرة على الفيروس، حيث نجحت في أن تخرج من دائرة الدول الأكثر معاناة من هذه الجائحة؛ فبعد أن كانت عدد المصابين فيها في نهاية شهر فبراير2020م يتعدى 900 حالة يوميًّا فإن العدد انخفض إلى 90 فقط حالة يوميًّا في شهر مارس، ثم إلى 40 حالة يوميًّا في شهر أبريل، وبلغت نسبة الوفيات لديها 77و0 % مقابل النسبة العالمية، وهي: 4و3 %، ولم تحتج إلى ما احتاجت إليه الدول الأخرى من فرض العزل الاجتماعي والحجر الصحي الصارم والإغلاق الاقتصادي الكامل.

و(إنما احتفظت كوريا الجنوبية بمنشآتها الاقتصادية، وغير الاقتصادية، مثل: المطاعم والمقاهي والمحلات التجارية والنوادي مفتوحة، ولم تحظر سير الناس في الشوارع أو تفرض عليهم حظرًا للتجول، ولم توقف العمل في المصانع، وبقيت حدودها مفتوحة، وطيرانها يعمل ويستقبل الزائرين بعد أن اكتفت فقط بفحصهم وإلزامهم بالعزل الصحي لمدة أسبوعين، وهذا ما أعفى المواطنين من وطأة العزل الاجتماعي العام والشامل، وقلل من التداعيات السلبية على الاقتصاد الكوري الجنوبي، حيث كانت معظم هذه التداعيات وافدة إليها من الخارج نتيجة ما أصاب الاقتصاد العالمي، والقليل منها كان ناجمًا عن غلق بعض المصانع والمنشآت الاقتصادية بعد اكتشاف إصابة عاملين بها بالفيروس، كان أبرزها شركة (تيوتا) للسيارات) (انظر: "رؤساء وكورونا" عبد القادر شهيب - كتاب الجمهورية - أغسطس 2020م، ص 110 -111).

(وكلمة السر في هذا النجاح الذي حققته كوريا الجنوبية في مواجهة فيروس كورونا التاجي هي: التكنولوجيا؛ فقد اعتمدت كوريا الجنوبية على التكنولوجيا اعتمادًا كبيرًا في عملية الكشف والرصد والتقصي للمصابين بالفيروس، وحتى الذين لم تظهر أعراض عليهم، وفي توقيت مبكر أتاح لها الإسراع في علاجهم قبل أن تسوء حالاتهم المرضية ويسلبهم الفيروس التاجي الحياة، مع اختصار زمن الحصول على نتائج التحاليل إلى أربع ساعات فقط مقابل يومين في غيرها من الدول؛ ولذلك حققت كوريا الجنوبية رقمًا قياسيًّا في كشف ورصد الحالات المصابة، حيث تمكنت من إجراء مسح لمليون شخص في زمن قياسي عالميًّا بعد أن امتلكت قدرات لإجراء الفحص لنحو عشرين ألفًا في اليوم الواحد، كما اعتمدت على التكنولوجيا أيضًا في تحذر الناس من وجود أشخاص مصابين بالفيروس يقتربون منهم وصاروا على بعد مائة متر منهم.

كذلك اعتمدت على التكنولوجيا في متابعة ومراقبة المصابين، والتأكد من التزامهم بالحجر الصحي حتى لا ينقلوا العدوى لأخرين، على غرار ما حدث في بداية ظهور الفيروس في البلاد وأدى إلى اتشاره سريعًا)، (وهذا لا ينفي وجود أسباب أخرى ساهمت في نجاح التجربة الكورية الجنوبية في مكافحة الوباء، كان من بينها: الجدية والتحرك السريع، والاستفادة من الأخطاء، وأيضًا من الخبرات السابقة، والقدرة على حشد كل قدرات الجدولة الحكومية وغير الحكومية) (المصدر السابق، ص 111 بتصرفٍ يسيرٍ).

كيف حدث هذا؟

(وضعت كوريا منذ عام 2008 م سياسة التعامل مع الذكاء الاصطناعي، وفي عام 2016م أعلنت استثمار 863 مليون دولار لتطوير الأبحاث الخاصة باستخدام الذكاء الاصطناعي حتى تصير عام 2022م من أكبر أربع دول في هذا المجال بالعالم.

وأعدت عام 2017م خطة موسعة يتم تنفيذها على مراحل أطلقتها وزارة العلوم والتكنولوجيا والمعلومات والاتصالات بتكلفة 6و2 مليار دولار؛ لتشييد بنية تكنولوجية عالية المستوى، ولذلك أتيح لعلماء كوريا الجنوبية حين دعت الحاجة، ابتكار أجهزة يسرت إجراء الفحص والتحليل وأخذ المسحات بمعدلات كبيرة، وبشكل آمن، وبدون الحاجة للذهاب للمستشفى، واختصرت فترة انتظار نتائج التحليل من 48 ساعة إلى أربع ساعات فقط؛ ففي يوم 27 يناير بعد ظهور الفيروس في البلاد واكتشاف أول حالة مصابة بسبعة أيام استدعت الحكومة كل مصنعي أدوات الاختبار الطبي، وطلبت منهم تطوير جهاز وبرنامج لاكتشاف الفيروس في أسرع وقت، وبعد أسبوع واحد -أي في 4 فبراير- اتفقت الجهات الحكومية على اختبار المشروع الفائز من بين المشروعات التي قُدِّمت لها.

وكان صاحب المشروع طالب دكتوراه كوري، ويعمل رئيسًا تنفيذيًّا لإحدى الشركات، وعلى الفور بدأ هو وفريقه في تنفيذ مشروعه، أو جهاز فحص الفيروس، وفي غضون ثلاثة أسابيع كان جهاز الفحص جاهزًا للاستخدام، وهذا الجهاز أتاح إجراء الفحوصات والتحاليل الطبية خارج المستشفيات؛ في الشوارع والسيارات، وبمعدلات كبيرة أتاحت للنظام الطبي إجراء نحو عشرين ألف تحليل يوميًّا؛ فهو استبدل عملية التحليل اليدوي لأخذ المسحات التي تقوم بها الفرق الطبية إلى تحليل آلي، حيث اعتمد على مجموعة من زجاجات المحاليل للكشف عن وجود أو عدم وجود الفيروس، وبهذا الابتكار ذراع روبوت خاصة تقوم بسحب العينة وخلطها بسوائل المحاليل الكيميائية، وقد منحت الدولة الكورية الجنوبية دعمها لهذا الاختراع حينما لم تستغرق الاختبارات الطبية للجهاز سوى أسبوع واحد، بينما كان في السابق يحتاج إلى سنة ونصف السنة، وبذلك صار ممكنا أن يتم للسلطات الطبية الكورية الجنوبية استخدام الجهاز الجديد في إجراء الاختبارات قبل تفشي الفيروس، ولم يمكنها الجهاز فقط من إجراء أعداد أكبر من التحاليل في أي مكان خارج المستشفيات ومعامل التحاليل والاختبارات، في المنزل أو الشارع أو السيارة، وإنما أيضًا وفَّر حماية للأطقم الطبية الني كانت تتولى بنفسها يدويًّا أخذ العينات وإجراء التحاليل الخاصة بالكشف عن الفيروس، والأهم: مكَّنها من الاكتشاف المبكر للمصابين بالفيروس في البلاد؛ خاصة وأنه لم يعد ثمة حاجة لانتظار نتيجة التحليل 48 ساعة كما هو في التحليل اليدوي (بي سي آر)، وساعد ذلك السلطات الطبية على القيام بمطاردة ناجحة للفيروس وحصاره، والعلاج الفوري للمصابين وإنقاذ حياة أعداد كبيرة منهم) (المصدر السابق، ص 113 - 114).

و(قد ابتكر شاب كوري تطبيق أو برنامج أطلق عليه: (كورونا 100 م)، يتيح لمن يستخدمه الدخول على البيانات الحكومية لتجنب الأماكن القريبة من الأشخاص الذين ثبت إصابتهم بالفيروس، كما يعطي البرنامج تحذيرًا إذا اقترب المستخدم مائة متر لمكان تم زيارته من مريض ثبت إصابته، وباستخدام أجهزة الهواتف الذكية وبطاقات الائتمان المصرفية أتيح للناس في كوريا الجنوبية تجنب مواقع المصابين، وأمكن للسلطات الصحية مراقبة المشتبه بإصابتهم، والتأكد من التزامهم بالحجر الصحي المنزلي؛ لضمان عدم خروجهم، مع استخدام الطائرات بدون طيار (الدرون) لتعقيم الأماكن والمناطق الأكثر خطورة: كالمستشفيات والمناطق المحيطة بها، حيث صار متاحًا رصد تحركات الشخص المصاب من خلال استخدامه بطاقات الائتمان المصرفية والهاتف المحمول الذي يتم إلزامه باستخدام تطبيق (كورونا 100 م)، مع صور الكاميرات المغلقة، ونشر هذه المعلومات على مواقع حكومية، مع وسائل تحذيرية ترسل إلى الأشخاص عندما يتم رصد إصابة جديدة بالفيروس في المنطقة التي يسكنون فيها أو يعملون بها، ومن خلال هذه المعلومات أيضًا يتم محاسبة من خرق الحجر الصحي، حيث قررت السلطات الكورية فرض غرامة مالية قدرها 2500 دولار وعقوبة بالسجن لمن ينتهك الحجر الصحي، وفي ذات الوقت قدَّمت حافزًا ماليًّا لمن يلتزم بهذا الحجر الصحي في شكل منحة مالية قدرها 170 دولارًا شهريًّا) (المصدر السابق، ص 114 - 115).

وقد تمكَّنت كوريا الجنوبية أيضًا: (مِن الاحتفاظ بحدودها مفتوحة وطيرانها يعمل؛ لأنها اطمأنت على عدم نشر الفيروس عبر القادمين من الخارج حينما ألزمتهم بهذا التطبيق على هواتفهم الذكية حتى تتمكن السلطات الصحية من مراقبتهم خلال فترة الحجر الصحي، ولم يلقَ هذا التطبيق الذي يستخدم خاصية (جي بي أس) معارضة أو رفضًا بين الكوريين الجنوبيين؛ نظرًا لأن السلطات الكورية كانت صارمة في فرضه.

ومِن ناحية أخرى: لأن هذه السلطات التزمت بأخلاقيات الاستخدام الواسع للتكنولوجيا، ومنها: عدم إساءة استخدام المعلومات التي توفرها لها عن الناس، أو استخدامها في الحد من حرياتهم وانتقاص حقوقهم، وهذا تحديدًا سبب وجود معارضة داخل ألمانيا التي فكرت في استخدام تلك الخاصية لملاحقة الفيروس المستجد والمصابين به لفرض الحجر الصحي عليهم، وحماية الناس من أن تنتقل لهم العدوى من هؤلاء المصابين المخالفين للحجر الصحي، ولا تظهر عليهم أعراضًا واضحة تؤكد إصابتهم به) (المصدر السابق، ص 115).

(وقد استفادت كوريا وهي تواجه الوباء من خبراتها السابقة في مواجهة متلازمة الشرق الأوسط التنفسية، حيث تسلَّحَت حكومتها بالشفافية في التعامل مع المواطنين، وحرصت على تعاون كل الأجهزة والمؤسسات الحكومية ورجال الأعمال والشركات والمجتمع المدني، واستخدمت أسلوب الترغيب والترهيب لتحقيق التزام الكوريين لقواعد التباعد الاجتماعي، والتزام المصابين بالحجر الصحي، بعد أن قررت عدم فرض قيود عليهم بقرارات إدارية لفرض العزل الاجتماعي عليهم، ولم تلزمهم بالبقاء في المنازل وتركت المقاهي والمتاجر مفتوحة؛ فقد وضعت السلطات الكورية الجنوبية كل المعلومات والإحصاءات التي تخص فيروس كوفيد 19 على صفحة الإنترنت الخاصة بالمركز الكوري للسيطرة والوقاية من الأمراض، وأتاحت للبرلمان والإعلام كل المعلومات المتاحة عن هذا الفيروس المستجد، وقد استخدمت السلطات الكورية فِرَقًا مختلفة لإيصال المعلومات التثقيفية للمواطنين، مثل: التلفزيون والصحف، والرسائل النصية على الهواتف المحمولة، والإعلانات على شبكة التواصل الاجتماعي، وذلك بهدف زيادة الوعي المجتمعي ومنع انتشار العدوى، وتفشي الفيروس) (المصدر السابق، ص 117 - 118).

لقد استفادت كوريا الجنوبية من أكبر أخطائها في مواجهة فيروس كورونا المستجد، والذي اعتبرته السلطات الصحية الكورية هو سبب تفشي الفيروس في البلاد (وارتفاع أعداد المصابين في شهر فبراير إلى قرابة الألف، في ذلك الخطأ الذي ارتكبته ما تعرف بالمصابة رقم (12) في كوريا الجنوبية، وهي سيدة حضرت وهي مصابة بالفيروس تجمعًا لكنيسة صادف وجود مراسيم تأبين لجنازة فيها، كما ذهبت للإفطار في أحد الفنادق، وخالطت عددًا غير معروف خلال فترة وجودها بالفندق والكنيسة، ولم تتخذ تدابير السلامة المتبعة لمنع انتشار المرض)، (ولذلك تحملها السلطات الكورية مسئولية 80 % من الإصابات الأولى بفيروس كورونا المستجد التي تسارعت معدلاتها بعدها، وهذا الخطأ الفادح استثمرته السلطات الكورية لإقناع المواطنين بأهمية الالتزام بالإجراءات الاحترازية الصحية للوقاية من الإصابة بالفيروس والحد من انتشاره والسيطرة عليه، وقد لاقت السلطات الكورية استجابة ملحوظة من المواطنين في هذا الصدد) (المصدر السابق، ص 119 بتصرفٍ).

(والأغلب أن النجاح الذي أحرزته الكورية شجعها على إجراء الانتخابات البرلمانية دون تأجيل، وإن كانت اتخذت مجموعة من الإجراءات الاحترازية والوقائية لحماية الناخبين المشاركين فيها)، (ولم يخذل الناخبون في كوريا الجنوبية رئيسهم وحكومتهم، فقد أقبلوا على مراكز التصويت للإدلاء بأصواتهم؛ لأنهم اطمأنوا إلى أن الحكومة التي نجحت في السيطرة على الفيروس ستوفِّر لهم الحماية منه. وقد بلغت المشاركة في الانتخابات نسبة غير مسبوقة منذ 82 عامًا مضت، حيث بلغت 2و66 %؛ ما يعني أن الناخبين من ناحية لم يكونوا يشعرون بالقلق على حياتهم من تهديد فيروس كورونا المستجد.

ومن ناحية أخرى: أرادوا أن يكافئوا الرئيس وحكومته لنجاحها في مكافحة الوباء في بلدهم، وهكذا ما تؤكده نتيجته فعلًا، حيث حصل حزب الرئيس على 163 مقعدًا في الجمعية الوطنية (البرلمان)، إلى جانب 17 مقعدًا حصل عليها حزب صغير متحالف مح حزب الرئيس، وبذلك صار للرئيس الكوري (مون جيه أن) أغلبية مريحة في البرلمان تتيح له المضي قدمًا في تنفيذ خططه للإصلاحات الهيكلية للاقتصاد الكوري التي تراجع عنها من قبل في مواجهة اعتراضات حزب المحافظين المعارض، وكذلك تنفيذ خططه للانفتاح على كوريا الشمالية وإصلاح العلاقات معها) (المصدر السابق، ص 124-125).

ولهذا نصح (أهانوك غيبريسوس) مدير منظمة الصحة العالمية دول العالم بمحاكاة أو استنساخ تجربة كوريا الجنوبية في مكافحة وباء كورونا (المصدر السابق، ص 110).

ميزانية البحث العلمي في مصر:

احتلت مصر في عام 2018 م المرتبة رقم 38 في مجال الأبحاث العلمية المنشورة من بين 230 دولة، وقد زادت ميزانية البحث العلمي في مصر زيادات بلغت 17 مليار و569 مليون جنيه خلال الثلاث أعوام الأخيرة. ورغم هذه الزيادات فما زالت ميزانية البحث العلمي في مصر دون المستوى المطلوب؛ إذ إن دستور 2014م المصري ينص على أن ميزانية البحث العلمي هي 1 % من الناتج القومي، والنسبة الحالية هي نحو 87و0 % من الناتج القومي، أي: ما زالت أقل من 1 %، وهذه الميزانية موزعة على كل الجهات البحثية في مصر، ومنها: أكاديمية البحث العلمي والمراكز البحثية المتعددة في مختلف الوزارات، كوزارة: الصحة والطاقة والكهرباء، والزراعة والري، وهيئة الطاقة الذرية والنووية؛ بالإضافة إلى الجامعات على مستوى الجمهورية، وكلها تشارك وتنفذ أبحاثًا علمية.

وللأسف: فإن ميزانية البحث العلمي في إسرائيل بلغت 7و4% من الناتج القومي، حيث بلغت حوالي 9 مليار دولار أمريكي؛ لذا فليس بغريب أن تنفرد إسرائيل بـ79 % من إجمالي صادرات منطقة الشرق الأوسط (المنطقة العربية) نتيجة ما تنفقه على البحث العلمي وتطويره، وهي ميزانية تفوق ميزانيات البحث العلمي في الدول العربية كلها مجتمعة، والتي تبلغ صادراتها مجتمعة ال 21% المتبقية من صادرات منطقة الشرق الأوسط.

عوائق وتحديات:

رغم وجود علماء وباحثين مصريين على كفاءة عالية؛ إلا أن البحث العلمي في مصر أشبه بهواية يمارسها محترفون، نتيجة عدم قدرة هؤلاء الباحثين على ممارسة البحث العلمي بالشكل الصحيح الفعال لاعتبارات كثيرة، منها:

قد لا يجد الباحثون الأجهزة والأدوات الحديثة المتقدمة التي يحتاجون إليها في أبحاثهم، وإن وجدت فلا تعليم ولا تدريب عليها بالقدر الكافي، وبالتالي: لا قدرة له على استخدمها وتوظيفها التوظيف المرجو منها.

والأسوأ من ذلك: أنه توجد أجهزة حديثة يمكن من خلالها إنتاج بجوث جيدة، لكنها موزعة بشكل غريب، لا يعلم الكثير من الباحثين عنها شيئا إلا بالصدفة! وغالب هذه الأجهزة لا يهتم بصيانتها، فمع تعطيلها وعدم صيانتها تصبح بعد فترة كأنها غير موجودة، وهناك أجهزة في مؤسسات تابعة لوزارات لها صلة بالبحث العلمي لا تجد قرارات للاستفادة منها، وإن وجدت القرارات فهي للأسف تتميز بالبطء الشديد وعدم الحرفية في التعامل، ولا تقوم هذه الوزارات بدورها في المتابعة لما تموله من مشروعات بحثية، بل تكتفي بتقارير شكلية، مع التحجج بالمشاكل الإدارية ونقص المال اللازم ونقص العاملين؛ ولهذا نجد العديد من الأكاديميين والباحثين يقيمون مشروعات بحثية مع شركاء في الغرب ليحصلوا على الدعم المناسب!

وللتغلب على هذه العوائق: يمكن تجميع كل الأجهزة -خاصة الحديثة منها أو باهظة الثمن- في معامل مركزية مع تعريف الجميع بها وبإمكانياتها، من خلال موقع إلكتروني، ومن خلال نشرات تصدر دوريًّا، مع تشجيع المعامل الصغيرة للتعامل والتنسيق مع هذه المعامل المركزية، على أن تدار هذه المعامل المركزية بشكل دقيق ليس فقط من خلال أساتذة في الجامعة أو مراكز بحوث، بل أيضًا من خلال فنيين يتم الإنفاق على تدريبهم تدريبًا عاليًا ومتقنًا؛ سواء تم ذلك في خارج البلاد أو من خلال استقدام خبراء أجانب لهذا الغرض.

ومشكلة الفنيين من مشاكل البحث العلمي في مصر بسبب الاستهانة بالفنيين والنظرة الدونية لهم من قِبَل الأكاديميين والباحثين، والواجب الاهتمام بالفني من خلال تدريبه تدريبًا جيدًا على تشغيل وصيانة الأجهزة العلمية الحديثة الدقيقة، ثم هو الذي يدرب ويتابع استخدام الباحثين لهذه الأجهزة.

ومما يذكر في هذا الموضع: أنه لما أعلن د."مجدي يعقوب" في بداية إنشائه مركز القلب في أسوان عن حاجته إلى فنيين من خريجي كليات العلوم، ثار عليه نقيب المعلمين واعتبرها إهانة، ولم يدرك في ذلك الوقت أن الفنيين في معامل البحوث في الخارج لا يقلون قدرًا عن الباحثين، وأنه إذا تم إنجاز شيء يضاف لبحث علمي وضع اسم مَن شارك فيه من الفنيين إلى جانب مَن شارك فيه مِن الأكاديميين والباحثين.

وللتغلب على مشكلة عدم توفر المال والتمويل للبحث العلمي؛ فلا بد من توفُّر قاعدة صناعية وشركات منتجة يكون لها وحدات بحثية خاصة تمول البحث العلمي المتعلق بمجال إنتاجها، وتدعم كذلك باحثيه؛ فهذا التمويل وهذه المساهمة في البحث العلمي هي مساهمة في زيادة تقدم وتطوير إنتاج هذه الشركات، وتقديم الحلول لما تتعرض له من مشاكل، وبالتالي: تقدم الصناعة في البلاد، فالعلم لا ينمو ويتقدم وحده من غير وجود من يحفزه من جهة ويستعمل نتاجه من جهة أخرى.

والمشاريع عامة على نوعين:

مشاريع قصيرة الأجل: وهي المشاريع التي تستغرق من ثلاث إلى خمس سنوات، وهذه ينبغي أن تمول من الجهات الصناعية التي تبحث عن حلول وتطوير لإنتاجها.

ومشاريع طويلة الأجل: وهي المشاريع التي تقوم على دراسة أساسيات يمكن أن تؤدي إلى نظريات جديدة، وهي مشاريع تستغرق سنوات طويلة تصل إلى 10 - 15 سنة، وهذه تمولها الوزارات والمراكز البحثية، ولا غنى بالطبع عن وجود هذين النوعين، ولكن للأسف فإن فكرة المغامرة بالمال غير موجودة في بلادنا على أي نطاق، وهذا يتطلب أن يكون هناك توجهًا حكوميًّا لتوفير محفزات لإقامة مصانع منتجة بدلًا من شركات مستهلكة.

باحثون مصريون في الخارج:

تملك مصر الكثير من الباحثين والأكاديميين، منهم مَن يعمل داخل مصر، ومنهم مَن يعمل خارجها، حيث ينتشر الكثير من المصريين أصحاب الكفاءات العلمية في دول العالم المختلفة حيث تتوافر هناك التكنولوجيا المتقدمة والإمكانيات المادية العالية، ولهؤلاء المصريين مساهمات ملموسة لا تنكر في هذه الدول، فهناك مع أزمة كورونا العديد من العلماء المصريين خارج مصر يشاركون في الجهود المبذولة لإنتاج لقاح فعال ضد فيروس كورونا، منهم على سبيل المثال: الدكتور "ياسر الشربيني"، المصري المشارك في أبحاث (لقاح أكسفورد)، وهو محاضِر واستشاري تصنيع أدوية العلاج الجيني في لندن، وحاصل على درجة الدكتوراة في العلاج الجيني والخلايا الجذعية من جامعة أكسفورد، ونائب رئيس جامعة النهضة.

شاب مصري يخترع روبوت لمواجهة كورونا:

ساهم العديد من الباحثين في مختلف دول العالم في اختراع العديد من أنواع (الروبوت) التي يمكن استخدامها في مواجهة وباء الكورونا، والتي أسفرت عن اختراع العديد من أشكال (الروبوت).

وقد نجح أيضًا في تحقيق ذلك أحد الشباب المصريين، كما ورد في مجلة أكتوبر، حيث جاء فيها: (استطاع مهندس مصري شاب مؤخرًا اختراع روبوت يساهم في إجراء فحوصات للكشف عن فيروس كورونا المستجد ويحمي الأطباء من العدوى.

والمهندس "محمود الكومي" ابن مدينة طنطا مخترع الروبوت تم تكريمه من محافظ الغربية، حيث قال: (أتمنى تنفيذ كافة الوعود بتعميم فكرة الاختراع في المجال الطبي وغيره، مشيرًا إلى أن هذا الاختراع هدفه خدمة البشرية، وإيقاف نزيف الدم في جيش مصر الأبيض، وخلال التكريم عرض المخترع المتخصص في (الميكايرونيكس) تجربته، بداية من فكرة الروبوت ونهاية بالنسخة الثالثة، والتي تم تجربتها داخل أحد المستشفيات الخاصة، حيث أشار إلى قدرة الروبوت على أخذ مسحة من الأشخاص المشتبه في إصابتهم بالفيروس دون الحاجة للتدخل البشري؛ مما يساعد على تقليل المصابين بكوفيد بين الأطقم الطبية) (مجلة أكتوبر عدد الأحد 21 ربيع الآخر - 1442هـ - 6 ديسمبر 2020م،  ص 8).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة