الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ

فاتقوا الله أيها الناس أن يطَّلع عليكم ربكم وأنتم عاملون بخلاف أمره، فإنه ذو علم بما تعلمون

فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ
أحمد حسين أبو مالك
الأحد ٢١ فبراير ٢٠٢١ - ١١:٠٧ ص
299

فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ

كتبه/ أحمد حسين أبو مالك             

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فكانت هذه جزء من آية من سورة هود شيبت النبي -صلى الله عليه وسلم-، بعد سنين من الدعوة والجهاد وبذل الغالي والنفيس يأتي الأمر بقوله -تعالى-: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (هود:112).

قال ابن جرير -رحمه الله-: "يقول تعالى ذكره لنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم- فاستقم أنت يا محمد على أمر ربك، والدين الذي ابتعثك به والدعاء إليه كما أمرك ربك، ومَن رجع معك إلى طاعة الله والعمل بما أمره به ربه من بعد كفره، ولا تعدوا أمره إلى ما نهاكم عنه، إن ربكم بما تعملون من الأعمال كلِّها -طاعتها ومعصيتها- ذو علم بها، لا يخفى عليه منها شيء، وهو لجميعها مبصرٌ، فاتقوا الله أيها الناس أن يطَّلع عليكم ربكم وأنتم عاملون بخلاف أمره، فإنه ذو علم بما تعلمون، وهو لكم بالمرصاد" (انتهى باختصارٍ يسيرٍ من تفسير الطبري).

وقال الشيخ ابن باز -رحمه الله-: "يعني دعوة مع استقامة؛ حتى يكون داعية إلى الله بالفعل والقول، فالداعي إلى الله يدعو إلى الله بالآيات والأحاديث، ويدعو إلى الله أيضًا بفعله باستقامته هو على الحق حتى يرى الناس عمله يطابق قوله: (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ) (الشورى:15)، وفي الآية الأخرى: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا) (هود:112).

والمعنى متشابه، ولعل ما نراه نماذج على الساحة جرت ثوب العلم وتلفحت به، ولم يخالط القلوب، بل قشرة خارجية رقيقة، والنموذج الأسوأ: مَن خالف مَن يدعو إليه، بل ويجاهر بذلك دون أن يستحيي مقلدًا لنماذج نكدة طفت على سطح الدعوة منذ سنوات، ثم طُمس ذكرهم بعدهم، فهل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزًا؟!

وقد بلغني أن الأخت القائمة على الدار، بل وتُحَفظ فيها تنشر أغنية عاطفية علي صفحتها التي عرفت نفسها في بداية الصفحة أنها معلمة قرآن! والقائمة على تعليم الصغار؛ فكيف يؤتمن مثل هذا؟!

نعم كلنا أصحاب ذنوب، ولكن كلٌّ معافى إلا المجاهرين؛ فكيف ندعو للشيء ونقيضه في نفس الوقت؟!

كيف نرتل كلام الرحمن إن كان في القلب قرآن، ونستمع لقرآن الشيطان؟!

اسمع لابن القيم وهو يقول في نونيته:

حب الكتاب وحب ألحان الغنـا           في قــلـب عــبــد ليس يجتمعـان

ثقل الكتاب عـليهـم لـمـا رأوا            تـقـيــيــده بــشـرائــع الإيـــمــان

واللهو خـف عـليهـم لما رأوا            ما فـيه من طــرب ومـن ألـحـان

قـوت النـفـوس وإنما الـقـرآن           قوت القلب أنى يستـوي القوتان

ولذا تراه حظ ذي النـقــصـان            كالــجـهـال والصبيان والنسوان

ولعل مِن أعظم أسباب انتشار تلك النماذج:

?- التقليد الأعمى للنماذج التي ظهرت، وما زالت تظهر على الساحة من قليل البضاعة في العلم والحياء، وإن صبغهم الإعلام بغير ذلك.

?- البُعد عن تعلم العلم الشرعي والصبر على تحمله، والاكتفاء بالقشور دون الجوهر، والاقتصار على البعض دون الكل.

?- التعجل في التصدر، وقد قال الشافعي: "إذا تصدر الحدث فاته الخير الكثير".

?- الإغفال عن تزكية النفس، وتقويم اعوجاجها، وحسن الظن بها.

?- قلة الحياء الناتج عن قلة الإيمان، والناتج عن قلة العلم والورع.

والأمر يطول ذكره؛ فعلى كل عاقل يعرف مراده، ويجدد نيته، ويعزم أمره.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

تصنيفات المادة