الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

آية العِزِّ

آية العِزِّ
عصام حسنين
الأحد ٠٧ مارس ٢٠٢١ - ١٠:١١ ص
335

آية العِزِّ

كتبه/ عصام حسنين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد قال الله- تعالى-: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا) (الإسراء:111).

- هذه الآية الكريمة هي خاتمة سورة الإسراء، وهي خاتمة التوراة كما قال عبد الله بن كعب -رحمه الله-: "افتتحت التوراة بفاتحة سورة الأنعام، وخُتمت بخاتمة هذه السورة" (تفسير ابن عطية).

- وسمّاها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- آية العز؛ فقد أخرج أحمد بسنده عن معاذ بن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "آيَةُ الْعِزِّ: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيُّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا)" (قال الهيثمي في مجمع الزوائد: رواه أحمد من طريقين في إحداهما: رشدين بن سعد، وهو ضعيف، وفي الأخرى: ابن لهيعة وهو أصلح منه، وكذلك الطبراني).

وهي آية العز حقًّا، ونحن نؤمن بما تضمنته من معاني العز لربنا -سبحانه وتعالى-؛ فهو العزيز، وصفته العزة.

- والعزة والعز خلاف الذُّل، وهي في الأصل بمعنى القوة والشدة، والغلبة والامتناع.

والأعزُّ: ذو العزة والغلبة.

وعزة الجانب: القوة والمنعة والسمو.

وأعزّه الله: قوَّاه، وجعله عزيزًا.

- ولله -تعالى- عزة الامتناع والغلبة -سبحانه وتعالى-، غنيّ بذاته، لا يحتاج إلى أحدٍ، ولا يبلغ العبادُ كيدَه وضره لعزته؛ بل هو الضار النافع، المعطي المانع.

- وله عزة القهر والغلبة؛ فجميع مخلوقاته خاضعة له ذليلة، منقادة لإرادته،لا يتحرك منها متحرك، ولا يسكن منها ساكن إلا بإذنه؛ فما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن.

- وله عزة القوة؛ فهو القويّ المتين شديد المحال -سبحانه وتعالى-.

- وهذه المعاني الثلاثة لصفة العزة نثبتها لله -تعالى- على أتمّ وجه وأكمله.

قال ابن القيم -رحمه الله- في النونية:

وهو العزيز فلن يُـرَام جـنـابُـه               أنى يُـرام جـنـاب ذي سـلطـان

وهـو الـعـزيز القـاهـر الغـلاب               لم يغـلـبه شـيء هذه صـفـتان

وهو العزيز بقوة هي وصـفه                فـالـعـز حـيـنـئـذٍ ثـلاث مـعـان

وهي التي كملت له سبـحـانه                 من كل وجه عادم الـنـقـصان

- وهذا العز الكريم لربنا -سبحانه وتعالى- ظاهر في هذه الآية الكريمة من نفي السلوبات الثلاثة: نفي الولد، ونفي الشريك، ونفي أن يكون له وليٌّ مِن الذل.

قال ابن كثير -رحمه الله-: "لما أثبت -تعالى- لنفسه الكريمة الأسماء الحسنى، نزَّه نفسه عن النقائص".

- قال -تعالى-: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا):

قال السعدي -رحمه الله-: "له الكمال والثناء، والحمد والمجد مِن جميع الوجوه، المنزَّه عن كل آفة ونقص".

- (الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ).

قال الطبري -رحمه الله-: "( الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا): فيكون مربوبًا لا ربًّا؛ لأن رب الأرباب لا ينبغي أن يكون له ولد. (وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ): فيكون عاجزًا ذا حاجة إلى معونة غيره، ضعيفًا، ولا يكون إلهًا مَن يكون محتاجًا إلى مُعين على ما حاول، ولم يكن منفردًا بالملك والسلطان. (وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ): ولم يكن له حليف حالفه مِن الذل الذي به؛ لأن مَن كان ذا حاجة إلى نصرة غيره؛ فذليل مهين، ولا يكون مَن كان ذليلًا مَهينًا، يحتاج إلى ناصر، إلهًا يطاع".

وهذه السلوبات الثلاث، والأمر بحمده وتكبيره، يدور حولها القرآن كله.

ومن أمثلة ذلك:

قال الله -تعالى- في صفته: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ . اللَّهُ الصَّمَدُ . لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ . وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) (الصمد)؛ فهو أحدٌ لا مَثِيل له، وصَمَد تقصده الخلائق في حوائجها، ولا يأكل أو يشرب كالمخلوق، ولم يلد ولم يولد، ولم يكن له مثيل وشبيه -سبحانه وتعالى-.

وقال الله -تعالى-: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُم مِّن دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِن شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُم مِّن ظَهِير) (سبأ:22)، وقال -سبحانه وتعالى-: (قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (يونس:68). أي: تنزَّه أن يكون له ولدٌ؛ لغناه وعدم حاجته، كالبشر الذين يحتاجون إلى الولد لضعفهم وحاجتهم؛ بل الجميع خلقه وملكه، وتحت سلطان قهره -سبحانه وتعالى-، وملكه لكل شيء ينافي الولادة؛ فهل عندكم يا مَن جئتم بهذا الافتراء العظيم مِن حجة بذلك؛ بل هو قول على الله بلا علم، وهو مِن أعظم المحرمات.

قال الله -تعالى- عن الملائكة الذين قال مشركو العرب عنهم: "بنات الله!": (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ) (الأنبياء:26)، وقال الله -تعالى- عن عيسى -عليه السلام- الذي قال فيه النصارى: "ابن الله": (إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ) (الزخرف:59).

وقال الله -تعالى- في هذه السورة الكريمة -سورة الاسراء-: (أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُم بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا) (الإسراء:40)، أي: في الإثم عند الله -عز وجل-

- (وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا) (الإسراء:41)؛ أي: نوَّع وغاير -سبحانه- بين المواعظ؛ ليذكروا ويعتبروا، ولكن ما زادهم ذلك إلا نفورًا وبُعدًا عن الحق، وغفلة عن النظر والاعتبار؛ لتكذيبهم القرآن.

- (قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقُولُونَ إِذًا لَابْتَغَوْا إِلَى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا) (الإسراء:42).

- ثم ينزّه -سبحانه- نفسه عن النقائص فيقول: (سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرً) (الإسراء:43).

- (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) (الإسراء:44).

سبحانه، سبحانه أن يكون له شريك أو ولد!

- ومِن رحمته بعباده المؤمنين -سبحانه وتعالى-: أنه اتخذ منهم أولياء؛ تكريمًا وإحسانًا إليهم، لا ليتعزز بهم كرؤساء الدنيا؛ فإنه -سبحانه وتعالى- الغني الذي له جميع معاني الغنى التي استغرقت ذاته -سبحانه-.

ومِن غناه -تعالى-: أنه لا تنفعه طاعة الطائعين، ولا يضره فجر الفاجرين -سبحانه وتعالى-.

- ومِن غناه: أنه يمن ويتفضل على عباده المؤمنين أن هداهم للإيمان، وله المنة على خلقه أجمعين في خلقهم، وتدبير أمرهم -عز وجل-.

- وكما أمره الله -تعالى- بحمده، أمره بتكبيره وتعظيمه؛ فقال -سبحانه وتعالى-: (وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا).

قال القرطبي -رحمه الله-: "أي عظّمه عظمة تامة. ويُقال: أبلغ لفظة للعرب في معنى التعظيم والإجلال: الله أكبر، أي: صِفه بأنه أكبر من كل شيء. قال عمر -رضي الله عنه-: قول العبد: (الله أكبر) خير من الدنيا وما فيها" (تفسير القرطبي).

- (تَكْبِيرًا): قال ابن عطية -رحمه الله-: "أكَّدها بالمصدر تحقيقًا لها، وإبلاغًا في معناها".

- وتكبيره -عز وجل- يكون في ذاته وأسمائه وصفاته، وفي أفعاله وأحكامه.

قال السعدي -رحمه الله-: "وعظّمه، وأجلّه، بالإخبار بأوصافه العظيمة، وبالثناء عليه بأسمائه الحسنى، وبتمجيده بأفعاله المقدسة، وبتعظيمه وإجلاله بعبادته وحده لا شريك له، وإخلاص الدين كله".

- فجمع الله -تعالى- في افتتاح السورة وخاتمتها بين التسبيح والتحميد والتكبير، وهو مِن أفضل الذكر؛ لما فيه من الثناء على الله -تعالى- وتعظيمه وتنزيهه عما نسبه إليه المشركون والجاهلون، -تعالى- علوًّا كبيرًا؛ وقد جاء في فضل ذلك خير عظيم، كقوله -صلى الله عليه وسلم-: (أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللهِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَاللهُ أَكْبَرُ. لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأْتَ) (رواه مسلم). وقوله: (كَلِمَتَانِ خَفِيفَتَانِ عَلَى اللِّسَانِ، ثَقِيلَتَانِ فِي المِيزَانِ، حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ، سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ العَظِيم) (متفق عليه، وختم به البخاري صحيحه).

- ولعظم هذه الآية، وما تضمنته مِن الحمد والتكبير، وتنزيه الله -تعالى- عن النقائص: رُوي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يُعلِّم الغلام من بني هاشم إذا أفصح سبع مرات: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا) (أخرجه ابن السني في عمل اليوم والليلة).

ورُوي عن قتادة أنه قال: "ذُكر لنا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يُعلِّم أهله هذه الآية -وذكرها- للصغير مِن أهله والكبير" (أخرجه ابن جرير في تفسيره).

وهذا فيه ما فيه مِن عناية النبي -صلى الله عليه وسلم- بأهله، وتربية تعظيم الله -تعالى- وتوحيده، وتنزيهه عن النقائص في نفوسهم، وهذا واجب على كل أبوين؛ أداءً للمسئولية التي كلَّفهم الله بها.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

تصنيفات المادة

ربما يهمك أيضاً