الجمعة، ١٨ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٦ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

شريعة الإسلام كاملة وكفيلة بالسياسة العادلة (1)

شريعة الإسلام كاملة وكفيلة بالسياسة العادلة (1)
الخميس ١٢ يناير ٢٠٢٣ - ١٦:٢٥ م
46

 

شريعة الإسلام كاملة وكفيلة بالسياسة العادلة (1)

كتبه/ طارق علي السيد

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فإن الله -سبحانه وتعالى- قد خلق البشر لعبادته؛ فقال: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ) (الذاريات: 56)، واستخلفهم في الأرض؛ فقال: (إِنِّي جَاعِلٌ ‌فِي ‌الْأَرْضِ ‌خَلِيفَةً) (البقرة:30)، ومن رحمته بهم أنه لم يكِلهم في ذلك إلى أنفسِهم، بل أرسل لهم الرُّسُل، وأنزل عليهم الكتب؛ هدايةً وتزكيةً لهم، وكما تفرَّد بالإيجاد فلا خالق سواه؛ فقد تفرَّد بالتشريع فلا حاكم غيره؛ حيث قال: (‌إِنِ ‌الْحُكْمُ ‌إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ) (يوسف: 40)، فجعل له وحده حق الحكم، كما جعل له وحده حق العبادة؛ ومِن ثَمَّ أوجب عليهم الحكم بما أنزله حتى لا يتحاكموا إلى غيره فيبغوا ويضلوا، قال تعالى: (أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ ‌مُفَصَّلًا) (الأنعام: 114).

وكذلك أخبر الله تعالى أن مَن لم يؤمن بكونه حاكمًا بأنه مِن المنافقين؛ إذ قال عز وجل: (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا . وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا... ) إلى أن قال: (فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ ‌وَيُسَلِّمُوا ‌تَسْلِيمًا) (النساء: 60-65).

وبما أن الله أوجب علينا الحكم بما أنزل، وبما أن شريعة الإسلام هي آخر الشرائع؛ فإن ذلك يقتضي أن تكون هذه الشريعة كاملة، فيها تبيان لكل شيء، (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ ‌تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ) (النحل: 89)، وأن يكون الإسلام نظامًا شاملًا متكاملًا، صالحًا ومصلحًا لكلِّ زمان ومكان، وهذا من مقتضى حكمة الله -سبحانه وتعالى -ورحمته بالإنسان؛ حيث إنه لم يتركه وحده، ولم يكله إلى نفسه في هذا المحيط الواسع يخبط فيه بمجهوده وبعقله فقط؛ فيضل أو يهتدي؛ يهلك أو ينجو، بل أرشده وهداه إلى ما يصلحه في دنياه وآخرته، على يد رسلٍ اختارهم مِن أنفسهم؛ ليكونوا لهم قادة وقدوة بما يحملون من شرائع ونظم، تسعد بها الأفراد والجماعات.

ولذلك جاء كل رسول يحمل مِن التعاليم ما يصلح به قومه، ويقر القواعد والأصول العامة التي سبقه بها غيره من الرسل، والتي لا تختلف باختلاف العصور وتبدل الأحوال؛ كما يدل على ذلك قوله تعالى: (‌شَرَعَ ‌لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) (الشورى: 13)، ويبيِّن لهم الأحكام الجزئية التي شرعها الله لهم، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ ‌شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا) (المائدة: 48).

وهكذا كان شأن الشرائع السماوية في تتابعها؛ حتى جاءت شريعة الإسلام، وكانت هي آخر الشرائع، ورسولها آخر المرسلين، (مَا ‌كَانَ ‌مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) (الأحزاب: 40)، وبهذه الشريعة اكتمل الدين، ويشهد بذلك قول الله تعالى: (‌أَكْمَلْتُ ‌لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) (المائدة: 3)، ومِن ثَمَّ وجب أن تكون شريعة الإسلام وافية بجميع الأحكام التي تحتاج إليها الأمم  في تدبير شؤونها وتنظيم حياتها، ووجب أيضًا أن تكون هذه الأحكام صالحة لمسايرة الحياة في تطورها ومراحل تقدمها ورقيها، بل أمرنا أن نجعل الواقع محكومًا بها.

وهذا ما يشهد به قول الله تعالى: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ ‌تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ) (النحل: 89)، ويشهد به أيضًا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ ‌لَنْ ‌تَضِلُّوا ‌مَا ‌تَمَسَّكْتُمْ ‌بِهِمَا: كِتَابَ اللَّهِ، وَسُنَّةَ رَسُولِهِ) (أخرجه مالك في الموطأ، وحسنه الألباني).

وللحديث بقية إن شاء الله.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة