الخميس، ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (101) دعوة إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- لأبيه وقومه إلى التوحيد وبراءته من الشرك (5)

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (101) دعوة إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- لأبيه وقومه إلى التوحيد وبراءته من الشرك (5)
الثلاثاء ٢٤ يناير ٢٠٢٣ - ١٠:١٩ ص
77

 

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (101) دعوة إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- لأبيه وقومه إلى التوحيد وبراءته من الشرك (5)

كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

قال الله -تعالى-: (‌وَإِذْ ‌قَالَ ‌إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ. وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ . فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ . فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّين َ. فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ . إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ . وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ . وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ . وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) (الأنعام: 74-83).

فيه فوائد:

الأولى: اهتمام الأنبياء -صلى الله عليهم وسلم- بدعوة أسرهم وأقاربهم؛ فإبراهيم بدأ بدعوة أبيه، وهكذا فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- حينما وَقَف على الصفا، ونادى قريش فعم وخص، وقال: (يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اللهِ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، لَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا عَبَّاسُ بْنَ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، ‌لَا ‌أُغْنِي ‌عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئًا، ‌يَا ‌صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللهِ، ‌لَا ‌أُغْنِي ‌عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا، يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ رَسُولِ اللهِ، سَلِينِي بِمَا شِئْتِ ‌لَا ‌أُغْنِي ‌عَنْكِ مِنَ اللهِ شَيْئًا) (رواه مسلم).

فعلى الداعي إلى الله أن يهتم بدعوة أهله وأسرته، وألا ينشغل عنهم بدعوة الآخرين قبل دعوتهم، قال الله -تعالى-: (‌يَا أَيُّهَا ‌الَّذِينَ ‌آمَنُوا ‌قُوا ‌أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم: 6)، قال علي بن أبي طالب: "علِّموهم وأدبوهم".

فإهمال البيت حتى يحصل فيه مِن ترك الالتزام بالدِّين مِن بعض أفراده، خطر عظيم على مستقبل الدعوة وقبولها بين الناس، وإن كنا بلا شك نوقن بأن الهداية من الله، وإن وجود أبناء الأبناء وآباء الأنبياء على غير التوحيد والإيمان أمرًا قد ذكره الله لنا في القرآن مواساة وتصبيرًا لمَن كان بعض أهله على غير الحق، لكن هذا بعد بَذْل الوسع واستفراغ الجهد في دعوة الأسرة، والحرص على طاعتهم لله -عز وجل-، لكن مع التقصير يكون الداعي مسئولًا عن ذلك، وتكون دعوته مطعونًا فيها عند الناس؛ فلا بد من الاهتمام بذلك.

الفائدة الثانية: إنكار إبراهيم صلى الله عليه وسلم على قومه عبادة الأصنام قبل أن ينظر في النجم والقمر والشمس، يدل دلالة واضحة على أنه كان يناظرهم، وليس ناظرًا باحثًا عن ربِّه سبحانه وصحة ربوبيته؛ لأنه كيف يستنكر عبادة الأصنام التي ترمز عندهم إلى النجوم التي اتخذوها آلهة، ويرى ذلك ضلالًا مبينًا، ثم يذهب يبعد النجم والقمر والشمس؛ فهذا ضلال مبين مماثل لعبادة الأصنام الرمزية، ولقد دَلَّ الكتاب والسنة على أن إبراهيم -صلى الله عليه وسلم-، كان مناظرًا لقومة وليس ناظرًا؛ فأما الكتاب: قول الله سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَالِمِينَ) (الأنبياء:51)، فآتاه الله عز وجل رشده: (إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ ‌مَا ‌هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ) (الأنبياء: 52)، فقد كان على رشده، وليس لا يزال باحثًا.

وأما السنة فهي أصرح؛ فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث الشفاعة الطويل الذي رواه مسلم وغيره في مجيء الناس لإبراهيم، قال إبراهيم -صلى الله عليه وسلم-: "لستُ لها، لستُ لها، إني كذبتُ ثلاث كذبات، ثنتين منهن في ذات الله"، وذكر منها قوله عن الكوكب: "هذا ربي"، وهذا صريح في أنه كذبها في ذات الله؛ لإقامة الحجة على قومه في بطلان عبادة آلهتهم، وليس أنه كان يقولها معتقدًا لذلك؛ وإلا لما كانت في ذات الله -سبحانه وتعالى-، فكونها في ذات الله، أي: لأجله -سبحانه وتعالى-، وكان ذلك تعريضًا في حقيقة الأمر -كما سيأتي بيانه إن شاء الله-.

فالصواب الذي لا شك فيه: أن إبراهيم كان مناظرًا لقومه ولا يعتد بقول مَن قال: إنه كان ناظرًا باحثًا عن الله.

الفائدة الثالثة: بيان القرآن أن إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- قد دعا أباه في هذا الموضع، وفي غيره من مواضع القرآن، كقوله -تعالى-: (‌وَاذْكُرْ ‌فِي ‌الْكِتَابِ ‌إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا . إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا) (مريم: 41-42).

فمحال أن يكون الله قد أخبرنا في جميع المواضع التي ذُكِرت في القرآن، وكذا الرسول -صلى الله عليه وسلم- في السنة، مثل قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يَلْقَى ‌إِبْرَاهِيمُ أَبَاهُ آزَرَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَعَلَى وَجْهِ آزَرَ قَتَرَةٌ وَغَبَرَةٌ، فَيَقُولُ لَهُ ‌إِبْرَاهِيمُ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ لَا تَعْصِنِي؟! فَيَقُولُ أَبُوهُ: فَالْيَوْمَ ‌لَا ‌أَعْصِيكَ، فَيَقُولُ ‌إِبْرَاهِيمُ: يَا رَبِّ، إِنَّكَ وَعَدْتَنِي أَنْ لَا تُخْزِيَنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ؛ فَأَيُّ خِزْيٍ أَخْزَى مِنْ أَبِي الْأَبْعَدِ؟! فَيَقُولُ اللهُ تَعَالَى: إِنِّي حَرَّمْتُ الْجَنَّةَ عَلَى الْكَافِرِينَ ثُمَّ يُقَالُ: يَا ‌إِبْرَاهِيمُ مَا تَحْتَ رِجْلَيْكَ فَيَنْظُرُ، فَإِذَا هُوَ بِذِيخٍ مُلْتَطِخٍ فَيُؤْخَذُ بِقَوَائِمِهِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ) (رواه البخاري).

وكلها صريحة في أنه يخاطب أباه، وليس أنه يخاطب عمه تأدبًا، فالخبر ليس فيه تأدب، وإنما فيه الخبر عن الحقيقة؛ فلا يصح أن يكون بعد ذلك رجلًا آخر غير أبيه؛ أنه عمه كما زعم مَن ينقل عن أهل الكتاب، بل نقول: صدق الله، وكذب النسابون وأهل الكتاب، وهذه المسألة يجادل فيها كثيرٌ مِن الناس لا لمجردها، بل لاستبعادهم كفر آباء الأنبياء أو أولادهم، وكذلك فعلوا في قصة نوح مع ابنه، فزعموا أنه ليس ابنًا له؛ ولذا قال ابن عباس ردًّا على ذلك: "ما بغت أو ما زنت امرأة نبي قط".

وفي حقيقة الأمر: لو تأملوا هذه المسألة؛ لعلموا أن البشرية جميعًا هي من ذرية آدم ونوح، وهما من الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهما-، وبالقطع فيهم مشركون وكفار لا يحصيهم إلا الله، وهذه المسألة عند الصوفية إنما يمهِّدون بها لنفي أحاديث كفر والدي النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهي في الصحيح ولا وجه لردها، مثل الحديث الذي في صحيح مسلم عن أنس -رضي الله عنه-: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَيْنَ أَبِي؟ قَالَ: (فِي النَّارِ)، فَلَمَّا قَفَّى دَعَاهُ، فَقَالَ: (إِنَّ ‌أَبِي ‌وَأَبَاكَ ‌فِي ‌النَّار).

ومثل حديث زيارة النبي -صلى الله عليه وسلم- لقبر أمه، وإذن الله -عز وجل- له في الزيارة، ثم استئذانه أن يستغفر لها، فلم يأذن الله له، وهي في صحيح مسلم.

وكل هذه المحاولات لمخالفة ظاهر الكتاب والسنة هي تمهيد للغلو في آل البيت، وفي ذريتهم كذلك؛ لكي لا ينسب إلى مَن ادَّعى أنه مِن أهل البيت منكرٌ ولا باطل، ولا شرك؛ فكل ما يفعله مَن كانوا مِن أهل البيت -وجميع مَن نسبوهم إلى الولاية يدعون أنهم مِن أهل البيت-، يقولون بأنواع الشرك، والقول بوحدة الوجود، وغير ذلك مِن الضلالات، مِن: ترك الصلاة، وترك الجمع والجماعات، والاطلاع على ما في قلوب الخلق، والقدرات الهائلة، مع كونهم إنما استنكروا عليهم ترك الصلاة، وغير ذلك؛ فإذا قيل: هؤلاء من أهل البيت، وهؤلاء من ذرية النبي -صلى الله عليه وسلم-، ويستحيل أن يقعوا في شرك أو ضلال؛ فلا بد إذًا أن تقبلوا ما يقولون!

وكل هذا من مظاهر الغلو في آل البيت، بل وصل الأمر ببعضهم أن دافع عن أبي لهب -لعنه الله-، وجوَّز أن يكون مصيره إلى الجنة، وهذا تكذيب للقرآن!

واحتجوا بأنه يجوز عند الأشاعرة أن يعذِّب اللهُ الأنبياءَ، وأن ينعِّمَ الكفار والمشركين، بل وإبليس، وفرعون، وأن يجعلهم في أعلى الدرجات، وأن العقل لا يحيل ذلك، لكن الخبر وَرَد بغير ذلك؛ فأهملوا الجزء الأخير، وقالوا بالأُولى، وقالوا: يفعل الله ما يشاء! وكأن الله عز وجل لم يخبرنا بما شاءه لإبليس، وفرعون، وأبي لهب، وغيرهم ممَّن نص الكتاب والسنة على مصيرهم في الآخرة؛ فلا يجوز ان يخلف الله عز وجل وعده ولا وعيده، كما يزعمون بأنهم يقولون: إن إخلاف الوعيد ليس مذمومًا، وغفلوا عن أن هذا فيه كذب في الخبر، ولا يمكن أن يُحمَل عليه كلام الله، بل مَن يقول ذلك يكون كافرًا.

وبعضهم كره قراءة "سورة المسد" في الصلاة! وهذا من الضلال المبين، وبعضهم يجادل بالباطل في إيمان أبي طالب، ويزعم أنه مؤمن في الباطن، وناجٍ يوم القيامة استنادًا منهم إلى أن الإيمان هو المعرفة، مع صحة الحديث المتفق عليه في موت أبي طالب على الشرك، كما رواه البخاري ومسلم وأحمد عن ابن المسيب عن أبيه قال: ‌لَمَّا ‌حَضَرَتْ ‌أَبَا ‌طَالِبٍ ‌الْوَفَاةُ، جَاءَهُ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَوَجَدَ عِنْدَهُ أَبَا جَهْلٍ، وَعَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي أُمَيَّةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَا عَمِّ، قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، كَلِمَةً أَشْهَدُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللهِ، فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ، أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ، وَيُعِيدُ لَهُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ، حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ، آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَبَى أَنْ يَقُولَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (أَمَا وَاللهِ، لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ)، فَأَنْزَلَ اللهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا ‌تَبَيَّنَ ‌لَهُمْ ‌أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ) (التوبة: 113)، وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِي أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لِرَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِين) (القصص: 56) (متفق عليه).

وذلك كله للمجادلة في أن ملة عبد المطلب التي مات عليها أبو طالب هي الشرك، وكل هذا من مظاهر تقديم آراء الشيوخ والعاطفة الجاهلة على نصوص الكتاب والسنة!

والمسألتان اللتان ضلَّ فيهما مَن انتسب إلى مذهب الأشعري في مسألة أن الإيمان هو المعرفة، والمبالغة في نفي التحسين والتقبيح العقليين حتى جوَّزوا أن يعذِّب الله الأنبياء والملائكة، وينعِّم الكفارَ، وأن ذلك جائز عقلًا، لولا الخبر؛ كلا المسألتين مِن أبطل ما نُقِل عن الأشعري -غفر الله له ورحمه-، وقد نُقِل عنه خاصة في مسألة الإيمان غيرُ ذلك؛ لأنه قال في "الإبانة" بأن الإيمان قول وعمل، وليس هو المعرفة فقط؛ فإنهم زَعَموا أن أبا طالب عَالِم بقلبه، ولكنه لم ينطق الشهادتين فهو عندنا ليس بمسلم، ولكنه عند الله مؤمن، والنجاة للمؤمنين، وهذا كله من الضلال البيِّن الذي لا بد مِن ردِّه، والله أعلى وأعلم.

وللحديث بقية إن شاء الله.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة