الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الكبائر (7) السرقة (موعظة الأسبوع)

الكبائر (7) السرقة (موعظة الأسبوع)
الخميس ٠٩ فبراير ٢٠٢٣ - ١٠:١٩ ص
77

 

الكبائر (7) السرقة (موعظة الأسبوع)

كتبه/ سعيد محمود  

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

المقدمة:

- الكبائر هي تلك الذنوب المهلكة الموبقة، التي ضَمِن الله -تعالى- لمَن اجتنبها في الدنيا، الجنة في الآخرة: قال -تعالى-: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) (النساء: 31).

- السرقة من أكبر الكبائر، وأقبح الجرائم؛ لأنه قد جاء فيها اللعن والحد والوعيد: قال -تعالى-: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (المائدة: 38)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ، يَسْرِقُ البَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ) (متفق عليه).

تعظيم الإسلام لحرمة الأموال:

- عَظَّم الإسلامُ مِن حق التملك للمال، وأن للإنسان أن يعيش آمنًا على ماله في المجتمع، وجعل حفظه من ضروريات الحياة، وجعل الاعتداء عليه بغير حق من المخالفة المقتضية للعقوبة في الدنيا والآخرة: قال -تعالى-: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ) (البقرة: 188)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ) (متفق عليه).

- وسدَّ الإسلام ذرائع الاعتداء على أموال الناس، فحذر مِن اليسير الذي يجر إلى الكبير: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ امْرِئٍ بغيرِ إِذْنِهِ؛ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تُؤْتَى مَشْرُبَتُهُ، فَتُكْسَرَ خِزَانَتُهُ، فيُنْتَقَلَ طَعَامُهُ؟! فإنَّما تَخْزُنُ لهمْ ضُرُوعُ مَوَاشِيهِمْ أَطْعِمَاتِهِمْ، فلا يَحْلُبَنَّ أَحَدٌ مَاشِيَةَ أَحَدٍ إِلَّا بإذْنِهِ) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لا يَحِلُّ لامْرِئ أَنْ يَأْخُذَ عَصَا أَخِيهِ بَغَيْرِ طِيبِ نَفْسِهِ، وَذَلِكَ لِشِدَّةِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَالَ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ) (رواه أحمد، وصححه الألباني).

تحريم السرقة وبيان قبحها:

- والسرقة أشد أنواع الاعتداء على الأموال بغير حق(1): فالسارق يلتمس غفلات الناس، فيكسر الحواجز، ويتجاوز السدود المنيعة، ويسوق الأموال ظلمًا وعدوانًا، ويدخِل على أصحابها الحزن والغم والهم، وربما الموت والأمراض، ويدخل بينهم الشكوك والتخوين وغيره، قَالَ ابْنُ عَرَفَةَ: "السَّارِقُ عِنْدَ الْعَرَبِ هُوَ مَنْ جَاءَ مُسْتَتِرًا إِلَى حِرْزٍ فَأَخَذَ مِنْهُ مَا لَيْسَ لَهُ" (تفسير القرطبي)، وجاء في القاموس: "السرقة: المجيء مستترًا، لأخذ مال الغير مِن حرز"(2).

- ولذا كان العهد بعدم السرقة من أعظم شروط النبي -صلى الله عليه وسلم- على أتباعه: ففي يوم العقبة في أحلك الظروف، قال للأنصار: (بَايِعُونِي علَى أنْ لا تُشْرِكُوا باللَّهِ شيئًا، ولَا تَسْرِقُوا، ولَا تَزْنُوا، ولَا تَقْتُلُوا أوْلَادَكُمْ، ولَا تَأْتُوا ببُهْتَانٍ تَفْتَرُونَهُ بيْنَ أيْدِيكُمْ وأَرْجُلِكُمْ...) (متفق عليه).

عقوبة السارق في الدنيا والآخرة:

أولًا: في الدنيا:

- يوشك أن تذهب السرقة بدين السارق وإيمانه: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَلَا يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهو مُؤْمِنٌ) (متفق عليه).

- السارق عنصر فاسد في المجتمع إذا تُرِك استشرى فساده في جسم المجتمع، فلا بد من حسمه وعلاجه بالعقوبة: قال -تعالى-: (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) (المائدة: 38)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إِلَّا ‌فِي ‌رُبُعِ ‌دِينَارٍ فَصَاعِدًا) (متفق عليه)(3).  

- لا ينبغي لأحدٍ أن يمنعَ العقوبةَ عن السارق؛ فهو حق لله وللمجتمع كله فلا تساهل فيه: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأسامة بن زيد -رضي الله عنهما-: (أتَشْفَعُ في حَدٍّ مِن حُدُودِ اللَّهِ؟ وايْمُ اللَّهِ لو أنَّ فَاطِمَةَ بنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا) (رواه البخاري).

ثانيًا: في الآخرة:

- السارق إن لم يتب في الدنيا بشروط التوبة في حقه(4)، فالفضيحة على الأشهاد، ثم العذاب في النار ينتظره في الآخرة: قال -صلى الله عليه وسلم-: (لا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَومَ القِيَامَةِ علَى رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ له رُغَاءٌ يقولُ: يا رَسولَ اللهِ، أَغِثْنِي، فأقُولُ: لا أَمْلِكُ لكَ شيئًا، قدْ أَبْلَغْتُكَ، لا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَومَ القِيَامَةِ علَى رَقَبَتِهِ فَرَسٌ له حَمْحَمَةٌ، فيَقولُ: يا رَسولَ اللهِ، أَغِثْنِي، فأقُولُ: لا أَمْلِكُ لكَ شيئًا، قدْ أَبْلَغْتُكَ، لا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَومَ القِيَامَةِ علَى رَقَبَتِهِ شَاةٌ لَهَا ثُغَاءٌ يقولُ: يا رَسولَ اللهِ، أَغِثْنِي، فأقُولُ: لا أَمْلِكُ لكَ شيئًا، قدْ أَبْلَغْتُكَ، لا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَومَ القِيَامَةِ علَى رَقَبَتِهِ نَفْسٌ لَهَا صِيَاحٌ، فيَقولُ: يا رَسولَ اللهِ، أَغِثْنِي، فأقُولُ: لا أَمْلِكُ لكَ شيئًا، قدْ أَبْلَغْتُكَ، لا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَومَ القِيَامَةِ علَى رَقَبَتِهِ رِقَاعٌ تَخْفِقُ، فيَقولُ: يا رَسولَ اللهِ، أَغِثْنِي، فأقُولُ: لا أَمْلِكُ لكَ شيئًا، قدْ أَبْلَغْتُكَ، لا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَجِيءُ يَومَ القِيَامَةِ علَى رَقَبَتِهِ صَامِتٌ، فيَقولُ: يا رَسولَ اللهِ، أَغِثْنِي، فأقُولُ: لا أَمْلِكُ لكَ شيئًا، قدْ أَبْلَغْتُكَ) (متفق عليه).

وفي حديث الكسوف قال -صلى الله عليه وسلم-: (وعُرِضَتْ عليَّ النارُ، فجعلْتُ أنْفُخُ خشيَةَ أنْ يَغشاكُمْ حَرُّها، ورأيتُ فيها سارِقَ بدَنةِ رسولِ اللهِ، ورأيتُ فيها أخَا بَنِي دَعدَعٍ سارِقَ الحَجِيجِ، فإذا فُطِنَ لهُ قال: هذا عملُ الْمِحْجَنِ) (متفق عليه).

- السارق قبل أن يساق إلى النار، تأخذ منه أموال الناس التي سرقها في الدنيا، ولكن بالحسنات والسيئات: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَتَدْرُونَ ما المُفْلِسُ؟) قالوا: المُفْلِسُ فِينا مَن لا دِرْهَمَ له ولا مَتاعَ، فقالَ: (إنَّ المُفْلِسَ مِن أُمَّتي يَأْتي يَومَ القِيامَةِ بصَلاةٍ، وصِيامٍ، وزَكاةٍ، ويَأْتي قدْ شَتَمَ هذا، وقَذَفَ هذا، وأَكَلَ مالَ هذا، وسَفَكَ دَمَ هذا، وضَرَبَ هذا، فيُعْطَى هذا مِن حَسَناتِهِ، وهذا مِن حَسَناتِهِ، فإنْ فَنِيَتْ حَسَناتُهُ قَبْلَ أنْ يُقْضَى ما عليه أُخِذَ مِن خَطاياهُمْ فَطُرِحَتْ عليه، ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ) (رواه مسلم).

من أسباب انتشار السرقة:

1- الجهل بعظم الجريمة وعظم أثرها في المجتمع(5): قال -صلى الله عليه وسلم-: (وَمَن سَنَّ في الإسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً، كانَ عليه وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَن عَمِلَ بهَا مِن بَعْدِهِ، مِن غيرِ أَنْ يَنْقُصَ مِن أَوْزَارِهِمْ شَيءٌ) (رواه مسلم).

2- عدم تطبيق العقوبة الشرعية الرادعة الحافظة: قال -تعالى-: (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ) (المائدة: 50)، وقال عثمانَ بنِ عفانَ -رَضِيَ اللَّهُ عنْه-: "إنَّ اللهَ يزَعُ بالسلطانِ ما لا يزَعُ بالقرآنِ" (مجموع فتاوى ابن تيمية).

3- غياب التربية الإسلامية في البيوت(6): قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ البَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم- للحسن بن علي -رَضِيَ اللَّهُ عنْهما- لما أخذ تمرة من تمر الصدقة: (كِخْ كِخْ)، لِيَطْرَحَهَا، ثُمَّ قالَ: (أَمَا شَعَرْتَ أنَّا لا نَأْكُلُ الصَّدَقَةَ) (متفق عليه).

4- انتشار العنف والجريمة في وسائل الإعلام(7): قال -تعالى-: (وَاللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا) (النساء: 27).

5- انتشار الفقر والبطالة، مع ضعف الدِّين، وقلة التكافل: قال -تعالى-: (وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) (البقرة: 155)، وقال -تعالى-: (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَ?كِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام: 43)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (وَاللَّهُ في عَوْنِ العَبْدِ ما كانَ العَبْدُ في عَوْنِ أَخِيهِ) (رواه مسلم).

خاتمة: نصيحة إلى السارق:

- أيها السارق... كف عدوانك، ولا تطع شيطانك؛ فحرمة أخيك المسلم كحرمة نفسك، وحرمة ماله كحرمة مالك، وحرمه داره وأهله كحرمة أهلك ودارك.

- تذكر يوم لا ينفع مال ولا بنون: قال -تعالى-: (يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ) (آل عمران: 30).

فاللهم اهدِ عصاة المسلمين، واحفظ أموال المسلمين ودمائهم وأعراضهم، ووسِّع لهم في أرزاقهم، وأغنهم بحلالك عن حرامك، وبفضلك عمن سواك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) هناك أنواع كثيرة من الاعتداء على أموال الغير بغير حق، مثل: الغش والاحتيال في البيع وغيره، والرشوة، والغصب والنهب، والغلول، ولكن أقبح ذلك كله السرقة.

(2) السارق خائن ظلوم، دني جريء، غشوم، هَجُوم على مال غيره بفجور ونذالة، يعيش على آلام الناس وحزنهم.

(3) الدينار يساوي 4 جرامات وربع من الذهب الخالص عيار 24، وتقطع اليد اليمنى من مفصل الكف، فإن عاد بعدها قطعت رجله اليسرى من مفصل الكعب، ولا يجوز إعادتها بعملية جراحية بعد القطع؛ لأن الحكمة تظهر بفقده يده، ويراه الناس كذلك بعد جريمته، قال -تعالى-: (جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ) (المائدة: 38).

(4) توبة السارق لا بد فيها مِن ردِّ المال إلى صاحبه على أي صورة كانت؛ فإن تعذر الوصول إلى أصحابه، فعليه أن يتصدق به لهم، كما قال ابن مسعود -رَضِيَ اللَّهُ عنْه-.

(5) كم من العصابات المتخصصة في السرقات، تروِّج مسروقاتها علانية ويعرفهم الناس، ومع ذلك يشترون منهم المسروقات لمجرد رخص ثمنها! والكثير من السراق يسرق ليشرب المخدرات، أو ليزني، أو... فأما الصالح؛ فلا يسرق.

(6) كانت بداية الكثير من السراق: التساهل من البيوت، عندما كان يسرق الأشياء الحقيرة فلا ينكر عليه، وربما وَجَد التشجيع والإعانة (سرقة لعب الآخرين - سرقة مقابض الأبواب - ...).

(7) فكم مِن الأفلام والمسلسلات تعلِّم الجرائم والسرقة، وكم من سارق أخذ طريقة سرقته من فيلم أو مسلسل، بل بعض الأعمال الفنية تجعل المشاهد يتعاطف مع السارق، ويبغض المسروق!

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة