الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

من هدايات القرآن (1)

من هدايات القرآن (1)
الخميس ٠٩ فبراير ٢٠٢٣ - ١٩:٥٩ م
67

 

من هدايات القرآن (1)

كتبه/ إسلام صبري

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فإن كلَّ إنسانٍ في هذه الحياة له سعيه الخاص، حتى قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُّ ‌النَّاسِ ‌يَغْدُو فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا) (رواه مسلم)، فـ(كُلُّ ‌النَّاسِ ‌يَغْدُو) أي: يذهب باكرًا يسعى لنفسه، (فَبَائِعٌ نَفْسَهُ): إما لله -عز وجل- بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، وإما للشيطان بفعل معصية الله وسخطه، (فَمُعْتِقُهَا) أي: مِن خزي الدنيا وعذاب الآخرة إن كان من الطائعين، (أَوْ مُوبِقُهَا): بتعريضها للخزي، والعذاب الأليم إن كان من العاصين.

وهذا السعي هو لازم لكلِّ إنسان؛ فهو صفة من صفات البشر -السعي لنيل المطلوب-.

وهذا السعي لا بد له من هداية ليصل الإنسان إلى مطلوبه الصحيح؛ وإلا صار سعيه حيرةً، وشكًّا، واضطرابًا.

والسعيد كل السعادة هو مَن كان له هداية، ونور، وبصيرة أثناء سعيه هذا الذي سوف يترتب عليه مصيره في الدنيا والآخرة؛ إما السعادة والنعيم المقيم، وإما -عياذًا بالله- الشقاء والعذاب الأليم.

وكانت هداية القرآن هي أفضل ما يستعين به المرء في سعيه هذا، بل لا هداية إلا هداية القرآن، وما سوى ذلك فشقاء وضنك، وحيرة واضطراب.

ومِن أجلِّ ما وصفَ الله به -عز وجل- به كتابه: قوله -تعالى-: (‌ذَلِكَ ‌الْكِتَابُ ‌لَا ‌رَيْبَ ‌فِيهِ ‌هُدًى ‌لِلْمُتَّقِينَ) (البقرة: 2)، فوصَفَه -سبحانه- بأنه هدى للمتقين، أي: هو في نفسه هدى، أو(‌فِيهِ ‌هُدًى ‌لِلْمُتَّقِينَ) ولا تعارض بين القولين؛ فهو في نفسه هدى وكُلُّه هدى، وهو كذلك يشتمل على الهداية، والإرشاد، والبيان؛ فالقرآن في نفسه هدى، ويشتمل على الهداية والإرشاد والبيان.       

وهذا الهدى لا ينتفع به إلا المتقون، أي: المؤمنون الذين يتقون الشرك بالله -عز وجل-، ويعملون بطاعته -سبحانه-، ويحذرون من الله عقوبته في ترك ما يعرفون من الهدى، ويرجون رحمته في التصديق بما جاء به. (تفسير ابن كثير بتصرفٍ).

وجاء في آية أخرى: (‌هُدًى ‌لِلنَّاسِ) (البقرة: 185)، فعمّمَ.

وفي هذه الآية: (‌هُدًى ‌لِلْمُتَّقِينَ) فخصص.

فكما قال السعدي -رحمه الله-: "فهو في نفسه هدى لجميع الخلق، فالأشقياء لم يرفعوا به رأسًا، ولم يقبلوا هدى الله، فقامت به عليهم الحجة، ولم ينتفعوا به لشقائهم، وأما المتقون فاهتدوا به، وانتفعوا غاية الانتفاع" (تفسير السعدي).

فهداية القرآن ينتفع بها المؤمنون، ويُحرمُ منها غيرُ المؤمنين، وهذه الهداية التي في القرآن هداية عامة شاملة، فلم يقل: هدىً للمصلحة الفلانية، فحذف المعمول هنا؛ لإرادة العموم، فهو هداية لجميع مصالح الدارين، فهدايات القرآن هدايات عامة، تشمل مصالح الدين والآخرة، وكذلك تشمل جميع مصالح العباد الدنيوية والحياتية.

وأما قوله -سبحانه-: (‌لَا ‌رَيْبَ ‌فِيهِ) أي: لا شك فيه بإجماع المفسرين.

قال السعدي: "ونفي الشك هنا يستلزم اشتماله على علم اليقين، ولمَّا كانت الهداية لا تحصل إلا باليقين، قال: (‌لَا ‌رَيْبَ ‌فِيهِ ‌هُدًى ‌لِلْمُتَّقِينَ)" (تفسير السعدي بتصرفٍ يسيرٍ).

فهدايات القرآن هدايات يقينية، (‌لَا ‌رَيْبَ ‌فِيهِ): تورث اليقين والاطمئنان.

فكتاب فيه اليقين -كل اليقين-، وفيه الهدايات اليقينية التي تورث الاطمئنان، والثبات والاستقرار النفسي، والارتقاء الإيماني ليقينيتها، وهداياته عامة شاملة تتضمن جميع مصالح الدين والدنيا، والأولى والآخرة؛ حريٌ بأن تُتدبَّر آياته، وتتبع هدايته، ويذعن لدلالاته الظاهرة، ويخضع لمعجزاته الباهرة، ويقتفى أثره، ويُصَدَّق خبره، ويمتثل حكمه وأمره، وبهذا نكون من أهل الانتفاع بالقرآن العظيم.  

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


تصنيفات المادة