الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الكبائر (11) الزنا (موعظة الأسبوع)

الكبائر (11) الزنا (موعظة الأسبوع)
الأربعاء ١٥ مارس ٢٠٢٣ - ١٧:٥٠ م
125

 

الكبائر (11) الزنا (موعظة الأسبوع)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

المقدمة:

- الكبائر هي تلك الذنوب المهلكة، التي ضمن الله لمن اجتنبها في الدنيا، الجنة في الآخرة: قال -تعالى-: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) (النساء: 31).

- الزنا مِن أكبر الكبائر، وأفحش الجرائم، حتى قَرَنَه الله بالشرك والقتل، وتوعَّد صاحبه بالوعيد الشديد، والعقاب الأليم: قال -تعالى-: (‌وَالَّذِينَ ‌لَا ‌يَدْعُونَ ‌مَعَ ‌اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) (الفرقان: 68-69).

قال السعدي -رحمه الله-: "هذه الثلاثة؛ لأنها من أكبر الكبائر؛ فالشرك فيه فساد الأديان، والقتل فيه فساد الأبدان، والزنا فيه فساد الأعراض".

(1) قبح الزنا وأثره على الإيمان:

- أجمعت الشرائع السماوية على تحريم الزنا: قال -تعالى-: (وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ) (الأنعام: 151)، وقال -تعالى- (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا) (الإسراء: 32).

- الزنا يعرِّض دين العبد للخطر، ويوشك أن يسقطه في هاوية الكفر(1): قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (‌لَا ‌يَزْنِي ‌الزَّانِي ‌حِينَ ‌يَزْنِي ‌وَهُوَ ‌مُؤْمِنٌ) (متفق عليه). وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إذَا زَنَى الْعَبْدُ خَرَجَ مِنْهُ الْإِيمَانُ فَكَانَ فَوْقَ رَأْسِهِ كَالظُّلَّةِ فَإِذَا خَرَجَ مِنْ ذَلِكَ الْعَمَلِ عَادَ إلَيْهِ الْإِيمَانُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

- الزنا يعرِّض المجتمع الذي ينتشر فيه للخراب: (اختلاط الأنساب - فساد الأخلاق - الأمراض الفتاكة - ضنك المعيشة - ظلم الحكام - ...)، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (‌إِذَا ‌ظَهَرَ ‌الزِّنَا ‌وَالرِّبَا ‌فِي ‌قَرْيَةٍ، ‌فَقَدْ ‌أَحَلُّوا ‌بِأَنْفُسِهِمْ ‌عَذَابَ ‌اللَّهِ) (رواه الطبراني والحاكم، وصححه الألباني).

- ولذا توعد الله كل من يعين على انتشار الفواحش بأشد العذاب: قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) (النور: 19).

(2) أضرار الزنا وعاقبته:

أولًا: في الدنيا:

- استحقاق حد الزنا، ولحوق العار بالزاني وعشيرته والفضيحة بين الناس: عن عبادة بن الصامت أن النبي -صلى الله عليه وسلم-: قال: (خُذُوا عنِّي خُذُوا عنِّي، قدْ جعل اللهُ لهنَّ سَبِيلًا، البِكرُ بالبِكرِ؛ جَلدُ مِائةٍ، ونَفْيُ سَنةٍ، والثَّيِّبُ بالثَّيِّبِ، جَلدُ مائةٍ والرَّجْمُ) (رواه مسلم)، وقال -تعالى-: (وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ) (المؤمنون: 2).

ثانيًا: في الآخرة:

- توعدهم الله بأشد العذاب، فيعذب الزناة في النار عراة كما كانوا حال الزنا، ويُركَّز العذابُ على مواضع الشهوة التي مارسوا بها الزنا: قال -تعالى-: (وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا) (الفرقان: 68 -69)، وفي حديث رؤيا النبي -صلى الله عليه وسلم-: قال: (فَانْطَلَقْنَا فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ قَالَ: فَأَحْسَبُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ، قَالَ: فَاطَّلَعْنَا فِيهِ، فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللهَبُ ‌ضَوْضَوْا - أي: صاحوا من شدة حرِّه- فقلت: (قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَؤُلَاءِ؟)... فقال جبريل: (وَأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ، فَإِنَّهُمُ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي) (رواه البخاري).

(3) أسباب انتشار الزنا:

1- مخالفة التعاليم والتدابير الوقائية في الشريعة الإسلامية لمنع الزنا، في حياة كثيرٍ من المسلمين في البيوت والمصالح والمؤسسات (سيأتي الكلام عن ذلك مفصَّلًا).

2- دور وسائل الإعلام العصرية، ووسائل الاتصالات الحديثة في نشر الفواحش والعرى والمجون، وتسهيل الوصول لذلك: (الأفلام والأغاني الماجنة، قنوات الرقص والعري، المواقع الإباحية، السخرية من الدين والمتدينين، محاربة الفضيلة ومَن يدعو لها، وغير ذلك كثير...).

3- تعسير الزواج بالنفقات الباهظة، أو تأخير سن الزواج؛ بحجة التعليم، وغيره؛ سواء من الأولياء أو من الشباب أنفسهم.

4- عدم إقامة حد الزنا على الزناة واستبداله بالقوانين الغربية التي لا تجرِّم الزنا إلا في حدود ضيقة جدًّا جدًّا!

(4) تدابير وقائية في الشريعة الإسلامية لمنع الزنا(2):

- تمهيد: يعتبر إصلاح القلب وتطهيره وتعميره بتقوى الله ومراقبته هو أعظم رادع عن المعاصي، غير أن الشريعة المطهرة لم تكلنا إلى ذلك فقد نضعف؛ ولذا جعلت هذه التدابير.

1- فرض الحجاب على النساء، وتحريم التبرج وإظهار الزينة: قال -تعالى-: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) (الأحزاب: 33)، وقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ ‌قُلْ ‌لِأَزْوَاجِكَ ‌وَبَنَاتِكَ ‌وَنِسَاءِ ‌الْمُؤْمِنِينَ ‌يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) (الأحزاب: 59)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (المَرْأَةُ عَوْرَةٌ، فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

2- الأمر بغض البصر؛ لأنه أول سهام الشيطان(3): قال -تعالى-: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ) (النور: 30)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (كُتِبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِنَ ‌الزِّنَا مُدْرِكٌ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَالْعَيْنَانِ زِنَاهُمَا ‌النَّظَرُ...) (متفق عليه).

3- تحريم مس الأجنبية ومصافحتها: قال -صلى الله عليه وسلم-: (لَأَنْ يُطْعَنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطٍ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لا تَحِلُّ لَهُ) (رواه الطبراني والبيهقي، وصححه الألباني).

4- تحريم خروج المرأة متطيبة متعطرة: قال -صلى الله عليه وسلم-: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا رِيحَهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ، وَكُلُّ عَيْنٍ زَانِيَةٌ) (رواه أحمد والنسائي، وحسنه الألباني).

5- تحريم الخضوع بالقول: قال -تعالى-: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا) (الأحزاب: 32).

6- تحريم الاختلاط: (الزيارات - الوظائف - المدارس والجامعات - العمال والخدم والصناع - ...)؛ قال -تعالى-: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ) (الأحزاب: 53).

7- أخطر وأعظم أسباب الوقوع في الزنا: (تحريم الخلوة بالأجنبية): (الزيارات العائلية - المصاعد والعيادات ونحوها - الصناع والحرفيين - المصالح والمؤسسات - ...)؛ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (‌أَلَا ‌لَا ‌يَخْلُوَنَّ ‌رَجُلٌ ‌بِامْرَأَةٍ ‌إِلَّا ‌كَانَ ‌ثَالِثَهُمَا ‌الشَّيْطَانُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (‌إِيَّاكُمْ ‌وَالدُّخُولَ ‌عَلَى ‌النِّسَاءِ!) فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَفَرَأَيْتَ الْحَمْوَ؟ قَالَ: (الْحَمْوُ الْمَوْتُ) (متفق عليه).

خاتمة: هل للزاني توبة؟

- الزاني تُقبَل توبته إن صدق: قال -تعالى-: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر: 53).

وعن بريدة بن الحصيب الأسلمي قالَ: جَاءَتِ الغَامِدِيَّةُ، فَقالَتْ: يا رَسولَ اللهِ، إنِّي قدْ زَنَيْتُ فَطَهِّرْنِي، وإنَّه رَدَّهَا، فَلَمَّا كانَ الغَدُ، قالَتْ: يا رَسولَ اللهِ، لِمَ تَرُدُّنِي؟ لَعَلَّكَ أَنْ تَرُدَّنِي كما رَدَدْتَ مَاعِزًا، فَوَاللَّهِ إنِّي لَحُبْلَى، قالَ: (إمَّا لا، فَاذْهَبِي حتَّى تَلِدِي)، فَلَمَّا وَلَدَتْ أَتَتْهُ بالصَّبِيِّ في خِرْقَةٍ، قالَتْ: هذا قدْ وَلَدْتُهُ، قالَ: (اذْهَبِي فأرْضِعِيهِ حتَّى تَفْطِمِيهِ)، فَلَمَّا فَطَمَتْهُ أَتَتْهُ بالصَّبِيِّ في يَدِهِ كِسْرَةُ خُبْزٍ، فَقالَتْ: هذا يا نَبِيَّ اللهِ قدْ فَطَمْتُهُ، وَقَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ، فَدَفَعَ الصَّبِيَّ إلى رَجُلٍ مِنَ المُسْلِمِينَ، ثُمَّ أَمَرَ بهَا فَحُفِرَ لَهَا إلى صَدْرِهَا، وَأَمَرَ النَّاسَ فَرَجَمُوهَا، فأقْبل خَالِدُ بنُ الوَلِيدِ بحَجَرٍ، فَرَمَى رَأْسَهَا، فَتَنَضَّحَ الدَّمُ علَى وَجْهِ خَالِدٍ، فَسَبَّهَا، فَسَمِعَ نَبِيُّ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- سَبَّهُ إيَّاهَا، فَقالَ: (مَهْلًا يا خَالِدُ؛ فَوَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ لقَدْ تَابَتْ تَوْبَةً لو تَابَهَا صَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ له)، ثُمَّ أَمَرَ بهَا فَصَلَّى عَلَيْهَا، وَدُفِنَتْ. (رواه مسلم).

فاللهم استر عورات المسلمين، واحفظ أعراضهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ولخطورة جريمة الزنا على الإيمان، واحتمال أن يفقد الزاني إيمانه، فلا يعود إليه أبدًا، كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- يَعْرِضُ عَلَى مَمْلُوكِهِ الْزواج، وَيَقُولُ: "مَنْ أَرَادَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ زَوَّجْتُهُ، فَإِنَّهُ لَا يَزْنِي زَانٍ إِلَّا نَزَعَ اللَّهُ مِنْهُ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ، فَإِنْ شَاءَ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِ بَعْدُ رَدَّهُ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَمْنَعَهُ مَنَعَه" (رواه عبد الرزاق)، وفي رواية لابن نصر: "مَنْ أَرَادَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ زَوَّجْتُهُ، فَإِنَّهُ لَا يَزْنِي زَانٍ إِلَّا نَزَعَ اللَّهُ مِنْهُ نُورَ الْإِيمَانِ، فَإِنْ شَاءَ أَنْ يَرُدَّهُ رَدَّهُ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يَمْنَعُهُ مَنَعَه".

(2) سنذكرها كعناوين دون تفصيل؛ لعدم الإطالة، وإلا فكل واحدٍ منها يحتاج إلى حديثٍ منفردٍ.

(3) مِن أعظم المفسدات في هذا الباب (وسائل الإعلام والاتصالات العصرية التي سَهَّلت ذلك إلى أسوأ درجة).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة