الثلاثاء، ١٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ١٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

فإني قريب

فإني قريب
الاثنين ٢٧ مارس ٢٠٢٣ - ١٤:١٤ م
101

 

فإني قريب

كتبه/ أبو بكر القاضي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فإن نعيم الدنيا في القُرب مِن الرب أعظم من نعمة إجابة الدعاء، ونعيم الآخرة في القرب مِن الرب أعظم من نعيم الجنة، فأعظم نعمةٍ مِن نِعم الله -تبارك وتعالى- على العبد أن يكون قريبًا من الله -عز وجل-.

فالله خلق الموت والحياة؛ وخلق تلك الدنيا وما فيها مِن: مرضٍ، وما فيها مِن صحةٍ، وما فيها مِن استضعاف، وما فيها من تمكين، وما فيها من فقر، وما فيها من غنى؛ ليس إلا لنعبده -تبارك وتعالى- في كل أحوالنا، وفي كل لحظاتنا، قال -عز وجل-: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ) (الملك:1-2)؛ لماذا؟ (لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) (الملك:2).

وغاية البلاء ومقصوده: أن تكون أحسن عملًا في كل لحظة، وفي كل دقيقة، وفي كل حال، وفي كل زمان، وفي كل مكان.

وأعظم عبودية تتوجَّه بها إلى الله -تبارك وتعالى- لكي يجعلك على الصراط المستقيم، هي: عبودية الدعاء والتضرع لله -تبارك وتعالى-، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أَعْجَزُ النَّاسِ مَنْ عَجَزَ عَنِ الدُّعَاءِ) (رواه الطبراني في المعجم الأوسط، وصححه الألباني)، وقال صلى الله وسلم: (إِنَّهُ مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

والله -تبارك وتعالى- يحب الإلحاح في الدعاء، قال -عز وجل-: (فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُم بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام:43).

فبأسه هو الذي جاءك، وبلاؤه هو الذي جاءك؛ فهو -عز وجل- يبتليك، لكن مِن أجل أن تتضرع، ومن أجل أن تظهر شكواك: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) (البقرة:186).

وقد سأل الصحابةُ -رضوان الله عليهم- النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-، فقالوا: أرَبنا قريبٌ فنناجيه، أم بعيدٌ فنناديه؟ فلم يقل الله -تبارك وتعالى-: "وإذا سألك عبادي عني فقل" كغاية أي سؤالٍ في القرآن، مثل: إذا سألك، ويسألونك؛ فقل، بل نَزَل قول الله غير ذلك، فقال -عز وجل-: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ)؛ أي: لا تجب أنتَ يا محمد -صلى الله عليه وسلم-، بل أجيب أنا مِن فوق سبع سماوات: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ).

فأعظم نعيمٍ أن تكون قريبًا من الله -تبارك وتعالى- قبل استجابة الدعاء؛ فاحرص على ذلك، قال -تعالى-: (وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ . أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ . فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ) (الواقعة:10-12)، فقبل النعيم المادي في جنات النعيم، القرب من الرحمن -تبارك وتعالى- هو أعظم نعيم؛ قال الله -عز وجل-: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ) (التحريم:11). فقالت امرأة فرعون: (عِندَكَ) أولًا، ثم: (بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ).

قال ابن القيم -رحمه الله-: "اختارت الجار قبل الدار" (الفوائد).

فكن قريبًا من ربك -تبارك وتعالى-، وهنالك تُلهم الدعاء، وتلهم التضرع والسؤال مِن الله، وهنا يكون النعيم الحقيقي.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة