الثلاثاء، ١٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ١٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

القواعد العشر الحسان لاغتنام شهر رمضان (1)

القواعد العشر الحسان لاغتنام شهر رمضان (1)
الاثنين ٢٧ مارس ٢٠٢٣ - ١٤:٢٩ م
93

 

القواعد العشر الحسان لاغتنام شهر رمضان (1)

كتبه/ أحمد يحيى وزير

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

القاعدة الأولى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ ‌تَوْبَةً ‌نَصُوحًا) (التحريم: 8):

قال ابن كثير في تفسيره: "وَلِهَذَا قَالَ الْعُلَمَاءُ: التَّوْبَةُ النَّصُوحُ هُوَ: أَنْ يُقلعَ عَنِ الذَّنْبِ فِي الْحَاضِرِ، ويندمَ عَلَى مَا سَلَفَ مِنْهُ فِي الْمَاضِي، ويعزِم عَلَى أَلَّا يَفْعَلَ فِي الْمُسْتَقْبَلِ، ثُمَّ إِنْ كَانَ الْحَقُّ لِآدَمِيٍّ رَدَّهُ إِلَيْهِ بِطَرِيقِهِ.

قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ، أَخْبَرَنِي زِيَادُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَعقِل قَالَ: دَخَلْتُ مَعَ أَبِي عَلى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَقَالَ: أَنْتَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: (النَّدَمُ تَوْبَةٌ؟). قَالَ: نَعَمْ. وَقَالَ مَرَة: نَعَمْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: (النَّدَمُ تَوْبَةٌ) (صححه الألباني)".

وقال تعالى: (‌وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور: 31).

وفي صحيح مسلم من حديث أنس -رضي الله عنه-: (لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ، مِن أَحَدِكُمْ كانَ علَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فلاةٍ، فَانْفَلَتَتْ منه وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ، فأيِسَ منها، فأتَى شَجَرَةً، فَاضْطَجَعَ في ظِلِّهَا، قدْ أَيِسَ مِن رَاحِلَتِهِ، فَبيْنَا هو كَذلكَ إِذَا هو بِهَا، قَائِمَةً عِنْدَهُ، فأخَذَ بِخِطَامِهَا، ثُمَّ قالَ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ: اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ، أَخْطَأَ مِن شِدَّةِ الفَرَح).

وعند مسلم أيضًا من حديث أبى سعيد الخدري -رضي الله عنه-: مرفوعًا: (كانَ فِيمَن كانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ قَتَلَ تِسْعَةً وتِسْعِينَ نَفْسًا، فَسَأَلَ عن أعْلَمِ أهْلِ الأرْضِ فَدُلَّ علَى راهِبٍ، فأتاهُ فقالَ: إنَّه قَتَلَ تِسْعَةً وتِسْعِينَ نَفْسًا، فَهلْ له مِن تَوْبَةٍ؟ فقالَ: لا، فَقَتَلَهُ، فَكَمَّلَ به مِئَةً، ثُمَّ سَأَلَ عن أعْلَمِ أهْلِ الأرْضِ فَدُلَّ علَى رَجُلٍ عالِمٍ، فقالَ: إنَّه قَتَلَ مِئَةَ نَفْسٍ، فَهلْ له مِن تَوْبَةٍ؟ فقالَ: نَعَمْ، ومَن يَحُولُ بيْنَهُ وبيْنَ التَّوْبَةِ؟ انْطَلِقْ إلى أرْضِ كَذا وكَذا، فإنَّ بها أُناسًا يَعْبُدُونَ اللَّهَ فاعْبُدِ اللَّهَ معهُمْ، ولا تَرْجِعْ إلى أرْضِكَ، فإنَّها أرْضُ سَوْءٍ، فانْطَلَقَ حتَّى إذا نَصَفَ الطَّرِيقَ أتاهُ المَوْتُ، فاخْتَصَمَتْ فيه مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ ومَلائِكَةُ العَذابِ، فقالَتْ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ: جاءَ تائِبًا مُقْبِلًا بقَلْبِهِ إلى اللهِ، وقالَتْ مَلائِكَةُ العَذابِ: إنَّه لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَطُّ، فأتاهُمْ مَلَكٌ في صُورَةِ آدَمِيٍّ، فَجَعَلُوهُ بيْنَهُمْ، فقالَ: قِيسُوا ما بيْنَ الأرْضَيْنِ، فَإِلَى أيَّتِهِما كانَ أدْنَى فَهو له، فَقاسُوهُ فَوَجَدُوهُ أدْنَى إلى الأرْضِ الَّتي أرادَ، فَقَبَضَتْهُ مَلائِكَةُ الرَّحْمَةِ. قالَ قَتادَةُ: فقالَ الحَسَنُ ذُكِرَ لَنا، أنَّه لَمَّا أتاهُ المَوْتُ نَأَى بصَدْرِهِ).

فإن لم نتب في رمضان؛ فمتى نتوب؟!

هذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي غفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخر، يقول: (واللَّهِ إنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وأَتُوبُ إلَيْهِ في اليَومِ أكْثَرَ مِن سَبْعِينَ مَرَّة) (رواه البخاري).

القاعدة الثانية: النظر في مقاصد التشريع في العبادات، لا النظر في أدائها مُجَرَّدة:

إن مَن ينظر في مقاصد الشرع في العبادات يجد لها طعمًا ويتلذذ بها ويشعر بمعنى العبودية، فيشعر المؤمن بأثرها في القلب، ويظهر ذلك على الجوارح، ولهذه القاعدة أمثلة وصور كثيرة، منها:

الحكمة من فرض الصوم: المقصد من فرض الصوم والعبادات ليس تعذيب النفس وإجهادها، ولكن تهذيب النفس وتربيتها على الفضائل، وجاءت الإشارة إليه في قول النبي -صلى الله عليه وسلم-: (‌مَنْ ‌لَمْ ‌يَدَعْ ‌قَوْلَ ‌الزُّورِ ‌وَالْعَمَلَ ‌بِهِ، فَلَيْسَ لِلهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) (رواه البخاري)، فالصوم شرع لتهذيب القلوب والسلوك، والله -عز وجل- قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ‌كُتِبَ ‌عَلَيْكُمُ ‌الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة: 183)، فالفقيه مِن المسلمين الذي يحقق هذه الغاية؛ فيجتنب الحرام، ويؤدي الواجبات، فيحقق المقصود من هذه العبادة العظيمة، والمقصود الأعظم من الصيام هو: تحقيق التقوى (لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).

والتقوى هي: أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية بفعل المأمور وترك المحظور.

والتقوى هي: خير الزاد، قال -تعالى-: (‌وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) (البقرة: 197).

والتقوى خير لباس، قال -تعالى-: (‌وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ) (الأعراف: 26).

وقد سأل عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أُبَيَّ بن كعب -رضي الله عنه- عن التقوى، فقال له: "أما سلكتَ طريقًا ذا شوك. قال: بلى. قال: فما عَمِلتَ؟ قال: شَمَّرتُ واجتهدتُ. قال: فذلك التقوى".

فاللهم اجعلنا من عبادك المتقين.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com