الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

خير ما تستقبل به مواسم الطاعات

خير ما تستقبل به مواسم الطاعات
السبت ٠١ أبريل ٢٠٢٣ - ١٠:٣٩ ص
68

 

خير ما تستقبل به مواسم الطاعات

كتبه/ محمد سرحان

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعد:

فإن خير ما تستقبل به مواسم الطاعات: كثرة الاستغفار؛ لأن ذنوب العبد تحرمه التوفيق، وما ألزم عبد قلبه الاستغفار إلا زكى، وإن كان ضعيفًا قوي، وإن كان مريضًا شفي، وإن كان مبتلىً عوفي، وإن كان محتارًا هُدي، وإن كان مضطربًا سكن، والاستغفار، هو الأمان الباقي لنا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وهو أشبه بغسل الثوب المتسخ وتنظيفه مما علق به، فهو طهارة وتنقية للقلب قبل دخول المواسم الفاضلة؛ ليتهيأ القلب للإقبال على الله تعالى، وليكون أقدر –بإذن الله- على الاجتهاد في الطاعة، والتأثر بالعبادة؛ فيكون للطاعة أثر على القلب والنفس والبدن والسلوك والمعاملة.

والاستغفار: هو طلب ستر ذنب العبد من الله تعالى، والعفوِ عنه، وعدم المؤاخذة به، وصيانته من أن يمسَّه العذاب، فالعبد يطلب أمرين عظيمن كبيرين وهما: ستر الذنب وعدم العقوبة عليه؛ فلذلك لابد من استحضار المؤمن عظمة ما يطلب وخطورته، فيخشع قلبه ويضرع، ويستحضر عظمة ربه وجلاله وكبريائه وسلطانه، فلا يكون الاستغفار مجرد كلمات تجري على اللسان دون حضور القلب وخشوعه، فمثل هذا الاستغفار يحتاج إلى استغفار.

وجعل الله الناس قسمين: تائب وظالم لنفسه، فقال تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} <الحجرات: 11>، فمن لم يتب من ذنوبه فقد ظلم نفسه وعرضها للعقوبة، والتائب متعرِّض لرحمة الله ومغفرته.

والعبد يستغفر من الذنب، ومن التقصير في حق الله تعالى، وعدم قيامه به كما ينبغي؛ فلذلك شرع الاستغفار عقب الصلوات وبعد الإفاضة من عرفات وغيرها من الطاعات؛ لجبر النقص والخلل الحادث في العبادة، فليس الاستغفار من الذنب فقط.

والاستغفار صفة الأنبياء والمرسلين، فرغم عصمتهم من الذنوب كثُر استغفارهم؛ لمعرفتهم بجلال الله تعالى وعظمته، وأنه لا يستطيع أحد أن يوفي الله تعالى حقه، مع قصر عُمر العبد، فإذا كانت الملائكة مع طول أعمارها وطاعتها وعدم معصيتها طرفة عين، تقول لربها تعالى: سبحانك، ما عبدناك حق عبادتك، وصدقوا والله.

 فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يُعَدّ له في المجلس الواحد أكثر من مائة مرة: أستغفر الله وأتوب إليه، مع مائة مرة في أذكار الصباح، ومثلها في أذكار المساء، فربما يستغفر في اليوم أكثر من ألف مرة، وهو سيد ولد آدم، وخير العباد صلى الله عليه وسلم.

ووصف الله تعالى إبراهيم عليه السلام بقوله تعالى: { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} <هود: 75>، وقال عن نوح عليه السلام: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} <نوح: 28>، وعن موسى عليه السلام: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} <الأعراف: 151>، وقال عن سليمان عليه السلام: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} <ص: 35>. 

وفي صفة المؤمنين عباد الله، قال جل وعلا: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ} <آل عمران: 135>، وقال عنهم: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} <الحشر: 10>، وقال تعالى: {وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} <آل عمران: 147>، وقال تعالى: {الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (16) الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} <آل عمران: 16، 17>، وقال سبحانه: {وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} <الذاريات: 18>.

والعبد لا يمل ولا يترك الاستغفار مهما عظمت ذنوبه أو تكرَّرت، ففي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا: «التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ»، <رواه ابن ماجه والطبراني والبيهقي، وحسنه الألباني>، وقال عَلِيٌّ رضي الله عنه: خِيَارُكُمْ كُلُّ مُفَتَّنٍ تَوَّابٍ، قِيلَ: فَإِذَا عَادَ؟ قَالَ: يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَتُوبُ، قِيلَ: فَإِنْ عَادَ؟ قَالَ: يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَتُوبُ، قِيلَ: فَإِنْ عَادَ؟ قَالَ: يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَيَتُوبُ، قِيلَ حَتَّى مَتَى؟ قَالَ: حَتَّى يَكُونَ الشَّيْطَانُ هُوَ الْمَحْسُورُ، وَقِيلَ لِلْحَسَنِ البصري: أَلَا يَسْتَحْيِي أَحَدُنَا مِنْ رَبِّهِ، يَسْتَغْفِرُ مِنْ ذُنُوبِهِ، ثُمَّ يَعُودُ، ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ، ثُمَّ يَعُودُ، فَقَالَ: وَدَّ الشَّيْطَانُ لَوْ ظَفِرَ مِنْكُمْ بِهَذِهِ، فَلَا تَمَلُّوا الِاسْتِغْفَارَ.

فاللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، وللمؤمنين والمؤمنات.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


الكلمات الدلالية