الخميس، ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٥ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

هبت نسائم الخيرات!

هبت نسائم الخيرات!
السبت ٠١ أبريل ٢٠٢٣ - ١٠:٤٠ ص
67

 

هبت نسائم الخيرات!

كتبه/ نصر رمضان

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

لقد هبت نسائم الخيرات وحلَّ بساحتنا ضيفٌ حبيب، طالما انتظرته القلوب المؤمنة، وتشوّقت لبلوغه النفوس الزاكية، وتأهّبت له الهمم العالية, ضيف رفع الله شأنه، وأعلى مكانه، وخصه بمزيد من الفضل والكرامة، وجعله موسماً عظيماً لفعل الخيرات، والمسابقة بين المؤمنين لنيل أعلى الدرجات: ?وفي ذلك فليتنافس المتنافسون? ضيف تواترت النصوص والأخبار بفضله، ومعلنة عن محبة الله تعالى له وتعظيمه لشأنه, ضيف يجلب لك الخير الكثير والثواب الجزيل والأجر الكبير، إن أنت عرفت قدره، وأحسنت استقباله وأكرمت وفادته، واستثمرته فيما يقربك إلى الله ويرفع درجاتك عنده.

إنه: ?شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان?، سيد الشهور وأفضلها على الدوام، تُرفع فيه الدرجات، وتُضاعف فيه الحسنات، وتُكفر فيه السيئات .

كان النبي يبشر أصحابه بقدومه، يقول: «قد جاءكم شهر رمضان، شهر مبارك، فرض الله عليكم صيامه، فيه تُفتح أبواب الجنان، وتُغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغلّ فيه مردة الشياطين، فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرم خيرها فقد حُرم» رواه الإمام أحمد والنسائي والبيهقي، وحسنه الألباني.

قال ابن رجب : «هذا الحديث أصل في تهنئة الناس بعضهم بعضاً بشهر رمضان, وكيف لا يُبشّر المؤمن بفتح أبواب الجنان؟ وكيف لا يُبشر المذنب بغلق أبواب النيران؟ وكيف لا يُبشر العاقل، بوقت يُغل فيه الشيطان، ومن أين يشبه هذا الزمان زمان؟» «اللطائف» (154) .

قال المُعلى بن الفضل: «كان السلف يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان!» . 

فرمضان فرصة نادرة ثمينة, فيها الرحمة والمغفرة, أبواب الجنة مفتحة، وأبواب النيران مغلقة, ودواعي الخير ميسرة, والأعوان عليها كثيرون, ومردة الشياطين مصفَّدون, فيه ليلةُ القدر خيرٌ من ألفِ شهر، من حُرم خيرها فهو المحروم, من صامه وقامه غُفر له ما تقدّم من ذنبه، ولله تعالى فيه عتقاءُ من النّار, فمن لم تنله الرحمة مع كل ذلك فمتى تناله إذن؟ ولا يهلك على الله إلا هالك, فالواجب على العبد أن يتقدم فيه ولا يتأخر, ويمضي ولا يلتفت, ويطرق أبواب الخير, وما فتح له من بابٍ فليلزمه؛ قال خـالد بن معـدان: «إذا فُتح لأحدكم بـابُ خيـر؛ فليسرع إليه، فـإنه لا يـدري متى يُغلـق عنه» .

فالخيبة والخسران لمن أدرك مواسم الغفران ولم يغفر له, والمحروم من حرم فيه رحمة الله, كيف لا وجبريل ـ عليه السلام ـ يقول كما في الصحيح: «من أدرك شهر رمضان ولم يغفر له فدخل النار فأبعده الله» فيؤمِّن النبي صلى الله عليه وسلم على دعائه «آمين»!.

لقد تلمح الصالحون حقيقة الوجود؛ وفهموا المقصود, فجمعوا الرحل قبل الرحيل, وشمروا في سواء السبيل, فالناس مشغولون في حرارة الاكتساب, وهم في ظل القناعة, وكسالى البطالة على فراش التواني, وهم في حلبات السباق ‏?‏يرجون تجارة لن تبور‏?, غناهم في قلوبهم, ‏?سيماهم في وجوههم‏?‏ ما ضرهم ما عزهم, هان عليهم طول الطريق؛ لعلمهم بشرف المقصد, وحلت لهم مرارات البلاء؛ لتعجيل السلامة فيا بشراهم يوم ‏?‏هذا يومكم?‏‏.‏

فيا مؤخرًا توبته بمطل التسويف، اكتب بمداد الدمع حسن الظن إلى من يحققه, ولا تقنع في توبتك إلا بمكابدة حزن يعقوب عن البين، أو بعبرة داود, ومناداة أيوب لربه في ظلمات ثلاث: ?لا اله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين? <الأنبياء:87>، أو بصبر يوسف عن الهوى، فإن لم تطق ذلك فبذل إخوته يوم أن قالوا: ?إنا كنا خاطئين? <يوسف:97>.

إن غائبًا يحدوه الجديدان الليل والنهار لحري بسرعة الأوبة، فرحم الله امرأ قدم توبته وغالب شهوته، فإن أجله مستور عنه، وأمله خادع له، فالدنيا غرارة ضرارة زائلة، لا تعدو أن تكون بزخرفها كما قال الله تعالى: ?كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض فأصبح هشيما تذروه الرياح? <الكهف:45>, والشيطان موكل به، يزين له المعصية والتفريط ليركبهما، ويمنيه التوبة ليسوفها، ?يعدهم ويمنيهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا? <النساء:120>.

فيـا من قـد ألقاه الهوى في جب حب الدنيا, سيارة القدر تبعث كل ليلة وارد‏:‏ «‏هل من سائل» فكن متيقظـًا للوارد إذا أدلى دلو التخليص, وقم على قدم ‏?‏تتجافى‏?,‏ وامدد أنامل ‏?يـدعون ربهم‏?, وألق ما في يمينك؛ لتتعجل الخروج, ولا تتشبث بأرجاء بئر الهوى, فإنها رمل تنهار عليك, فإذا تخلصت بعزائم الإنابة, فاحذر من الطريق المسبعة, وسر في مصباح اليقين خلف دليل الهوى‏:‏ فعنـد الصبـاح يحمـد القـوم السُّـرى‏.‏ 

يا هــذا: لا ضرر يلحقنا في معاصيك، إنما المراد صيانتك، ولا نفع لنا في طاعتك، إنما المقصود ربحك، فتدبر أمرك, كم ندعوك وتأبى إلا الهجر، فلا العهد رعيت، ولا للتقويم استويت, إذ صدق التائب أجبناه وأحييناه ?‏وجعلنا له نورا يمشي به في الناس?,‏ يا معاشر التائبين ‏?‏أوفوا بالعقود‏?,‏ وانظروا لمن عاهدتم ?‏ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها‏?,‏ فإن زللتم من بعد التقويم فارجعوا إلى دار المداراة ‏«‏فإن الله لا يمل حتى تملوا‏» ‏‏.‏

فيا نائمـًا طول الليل, سارت الرفقة، وما انتهت الرقدة، لو قمت وقت السحر رأيت طريق العباد قد غص بالزحام، ويا أيها العاصي, ما يقطع من صلاحك الطمع, ما نصبنا اليوم شَرَك المواعظ إلا لتقع, فإذا عزمت على التوبة, قالت لك ملائكة الرحمة: مرحبًا وسهلًا, فإن قال لك رفقاؤك في المعصية: هلم إلينا فقل لهم: كلا, ذاك خمر الهوى الذي عهدتموه قد استحال خلَّا, فيا لفوز من سعوا في فكاك رقابهم من قبل أن تغلق عليهم رهائنها، «ألا إن لله عتقاء من النار في هذا الشهر المبارك» . 

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


الكلمات الدلالية