الخميس، ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٥ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

القواعد العشر الحسان لاغتنام شهر رمضان (4)

القواعد العشر الحسان لاغتنام شهر رمضان (4)
الأربعاء ١٢ أبريل ٢٠٢٣ - ١٢:٢٩ م
66

 

القواعد العشر الحسان لاغتنام شهر رمضان (4)

كتبه/ أحمد يحيى وزير

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

القاعدة العاشرة:

قال الله -تعالى-: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو ‌لِقَاءَ ‌رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) (الكهف: 110)

قال الفضيل بن عياض في هذه الآية: "أخلصه وأصوبه". قيل: "يا أبا علي، ما أخلصه وأصوبه؟"، قال: "إن العمل إذا كان خالصًا ولم يكن صوابًا لم يقبل، وإذا صوابًا ولم يكن خالصًا لم يقبل، حتى يكون خالصًا صوابًا؛ والخالص أن يكون لله، والصواب أن يكون على السنة.

إذًا العمل لا يُقبَل إلا بشرطين:

(1) أن يكون خالصًا لوجه الله -تعالى-، وقد قال سبحانه و-تعالى-: (‌وَمَا ‌أُمِرُوا ‌إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) <البينة: 5)، وعن أمير المؤمنين أبي حفص عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (إِنَّمَا ‌الْأَعْمَالُ ‌بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) <متفق عليه)، وفي الحديث المتفق عليه: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ).

- إيمانًا أي: تصديقًا بوجوبه.

- واحتسابًا: إخلاص الصوم لله وحده، وطلب الثواب منه -سبحانه وتعالى-.

وكذلك حديث: (مَنْ ‌قَامَ ‌رَمَضَانَ ‌إِيمَانًا ‌وَاحْتِسَابًا ‌غُفِرَ ‌لَهُ ‌مَا ‌تَقَدَّمَ ‌مِنْ ‌ذَنْبِهِ) (متفق عليه)، وحديث: (مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) (متفق عليه).

(2) أن يكون على وَفْق ما شرع الله على لسان رسوله الكريم -صلى الله عليه وسلم-، والأجر يعظم ليس بكثرة العمل ومشقته، وإنما بقدر متابعته وموافقته لسنة المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، قال -تعالى-: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ ‌فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (الحشر: 7)، وقال -تعالى-: (‌فَلَا ‌وَرَبِّكَ ‌لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) (النساء: 65).

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ ‌عَمِلَ ‌عَمَلًا ‌لَيْسَ ‌عَلَيْهِ ‌أَمْرُنَا، ‌فَهُوَ ‌رَدٌّ) (متفق عليه)، أي: مردود عليه، وقال -صلى الله عليه وسلم- أيضًا: (عليكم بسُنَّتي وسُنَّةِ الخُلَفاءِ الرَّاشِدين المَهْديِّين مِن بَعْدي، تمسَّكوا بها وعَضَّوا عليها بالنَّواجِذِ، وإيَّاكم ومُحْدَثاتِ الأُمورِ؛ فإنَّ كُلَّ بِدعةٍ ضَلالةٌ) (رواه أحمد وأبو داود، وصححه الألباني)، قال عبدُ اللهِ بنُ مسعودٍ -رضي الله عنه-: "اتَّبِعوا ولا تبتدِعوا؛ فقد كُفِيتُم، وكلُّ بدعةٍ ضلالةٌ".

بعض البدع الشائعة في رمضان:

(1) رفع الأيدي إلى الهلال، وقول: "هل هلالك شهر مبارك!"؛ فهذا لم يفعله النبي -صلى الله عليه وسلم-، بل كان النبي إذا رأى الهلال، يقول: (اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالْأَمْنِ وَالْإِيمَانِ، وَالسَّلَامَةِ وَالْإِسْلَامِ، وَالتَّوْفِيقِ لِمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، رَبُّنَا وَرَبُّكَ اللَّهُ) (رواه أحمد، وحسنه الألباني).

(2) صيام يوم الشك: وهو يوم الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال سحاب، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن صيامه كما في حديث ابن عباس: (صومُوا لرؤيتِه، وأفطِروُا لرؤيتِهِ، فإنْ حالَ بينكمْ وبينَهُ سحابٌ فأكمِلُوا عدةَ شعبانَ ولا تستقبلُوا الشهرَ استقبالًا، ولا تَصلُوا رمضانَ بيومٍ منْ شعبانَ) (رواه أحمد والنسائي، وصححه الألباني)، ولقول عمار بن ياسر -رضي الله عنهما-: (‌مَنْ ‌صَامَ ‌الْيَوْمَ ‌الَّذِي ‌يُشَكُّ ‌فِيهِ، ‌فَقَدْ ‌عَصَى ‌أَبَا ‌الْقَاسِمِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وهذا له حكم الرفع؛ لأنه لا يقال من قبل الرأي.

(3) الانشغال بسماع المسلسلات والحلقات الماجنة في ليل رمضان، وهذا لم يكن من هدي السلف، وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ ‌قَامَ ‌رَمَضَانَ ‌إِيمَانًا ‌وَاحْتِسَابًا ‌غُفِرَ ‌لَهُ ‌مَا ‌تَقَدَّمَ ‌مِنْ ‌ذَنْبِهِ) (متفق عليه).

(4) تلحين القرآن: فالتغني بالقرآن -وهو تحسين الصوت به- قد حَثَّ عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- ورغب فيه، روى الشيخان عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لَيْسَ ‌مِنَّا ‌مَنْ ‌لَمْ ‌يَتَغَنَّ ‌بِالْقُرْآنِ)، وروى أبو داود والنسائي -وغيرهما- عن البراء بن عازب -رضي الله عنه-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:": (‌زَيِّنُوا ‌الْقُرْآنَ ‌بِأَصْوَاتِكُمْ) (رواه أبو داود والنسائي، وصححه الألباني)، وهذا عام للرجال والنساء؛ إلا أن المرأة لا تفعل ذلك بحضرة الرجال الأجانب تجنبًا للفتنة. 

وينبغي أن يُفرَّق أيضًا بين تحسين الصوت بالقرآن وبين قراءته بالألحان؛ فلا يجوز شرعًا قراءة القرآن الكريم مع تلحينه تلحينًا موسيقيًّا؛ لكون هذا العمل يخرج القرآن عن جلالته وقدسيته، ويصرف السامع عن الخشوع والخضوع عند سماعه، ويجعله أداة لهوٍ وطربٍ، وكل عمل يخرج كتاب الله عن غايته يعد عملًا منكرًا لا يقره الدين.

وقال الشيخ علي محفوظ -رحمه الله في "الإبداع" بتصرفٍ: "إذا أدَّت القراءة إلى تمطيط فاحش، وتغن زائد، وإخراج الحروف عن أوضاعها العربية، حتى يقع النقص والزيادة في القرآن ويختل نظمه؛ فهو حرام بالإجماع، كما نقل ذلك النووي، والماوردي وغيرهما".

فالمطلوب شرعًا هو تحسين الصوت بحيث يعين على تدبر القرآن وفهمه؛ لا أن يتغنى به على أوزان موسيقية أو نغمات مرتبة، فإن القرآن منزه عن مثل هذا العبث.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


الكلمات الدلالية