الجمعة، ١١ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٩ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

القدس قضية أمة (1)

القدس قضية أمة (1)
الاثنين ٠١ مايو ٢٠٢٣ - ١٠:١٠ ص
120


القدس قضية أمة (1)

كتبه/ سامح بسيوني

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فالله -عز وجل- له الحكمة التامة في قضائه وقدره، خيره وشره؛ فله الحكمة البالغة في تداول الأيام بين المسلمين وأعدائهم، وفي تقدير البلاء عليهم بتسلط أراذل البشر من اليهود على مقدساتهم، فالله -عز وجل- ليس من صفاته ولا من أفعاله شر أبدًا، بل إن ما يخلقه من الشر يترتب عليه بحكمته أنواع من الخير لا يحصيها سواه، فالخير كله في يديه، والشر ليس إليه.

قال الله -تعالى-: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ، وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) (آل عمران:140).

فبيَّن الحكمة من تقدير البلاء والإدالة على المؤمنين، من تمحيص لهم وتبيين لصدق ما يحملونه في قلوبهم من محبة لدينهم، وحرص على عزة أمتهم بتحرير مقدساتها، وعلى رأسها: "المسجد الأقصى الأسير"؛ لا سيما أن المسجد الأقصى يعد عَبْر كل العصور مقياسًا لقوة المسلمين أو ضعفهم، وهو هدية الله لهم دائمًا إن عادوا إلى دينهم، وحرصوا على إصلاح أنفسهم ومجتمعاتهم، كما قال -تعالى-: (‌وَلَقَدْ ‌كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ) (الأنبياء:105).

لذا فمِن الواجب علينا -إن كنا صادقين- في هذه المرحلة تجاه قضية القدس والمسجد الأقصى عدة أمور:

أولًا: إدراك طبيعة الصراع:

فأرض فلسطين أرض عربية إسلامية لا يحق لأحدٍ -كائنًا من كان- أن يفرط فيها أو يتنازل عنها، وقضية المسجد الأقصى هي قضية عقدية عند كل مسلمي العالم، وليست قضية المقدسيين أو الفلسطينيين وحدهم، والمسجد الأقصى هو حق المسلمين الخالص وليس لليهود أي حق فيه -كما يزعمون!-؛ فهو أول قبلة للمسلمين، وثاني مسجد بعد الكعبة وقد بناه آدم -عليه السلام-، وجدد بناءه نبي الله سليمان -عليه السلام-، كما أن الكعبة قد أقام قواعدها آدم -عليه السلام- ورفع بنيانها إبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام-.

وقد أُسري بالنبي -صلى الله عليه وسلم- إليه، وصلى فيه بالأنبياء كلهم إيذانًا بأنه صار إرثًا خالصًا لخاتم النبيين وأمته من بعده؛ فأمة الإسلام هي الأمة الوحيدة التي تؤمن بجميع الأنبياء بخلاف اليهود والنصارى، وهي أحق الأمم بهذا الإرث، فالقضية عقدية في المقام الأول عند المسلمين، وليس الأمر أنها مجرد أرض يتنازل عنها الناس أو لا يتنازلون، بل هي دِين ودَين في الرقاب.

كما أنها أيضًا قضية دينية عند اليهود أنفسهم، فهي الأرض الموعودة عندهم اللازمة لإقامة المشروع الصهيوني الذي يرتكز على إقامة هيكل سليمان على أنقاض المسجد الأقصى كشرط لإقامة دولة إسرائيل الكبرى (من النيل للفرات) وعاصمتها القدس، والتي سيتحقق بها عندهم نبوءة نزول المسيح، وحكم العالم -كما يزعمون-، كما في التلمود المحرف عندهم.

وقد كان لـ"موشى ديان" مقولة مشهورة في ذلك لأتباعه يقول فيها: "إذا كنا نعتبر أنفسنا أننا شعب التوراة؛ فلا بد من امتلاك أراضي التوراة أيضًا".

فالصراع بوضوح مع اليهود في المقام الأول صراع عقدي؛ علاوة على ما يمارسونه من إجرام واحتلال لأراضينا، وسفك لدمائنا، وتدنيس لمقدساتنا.

ثانيًا: ضرورة معرفة طبيعة العدو:

فاليهود أهل غدر، وليسوا أهل سلام؛ فهم قتلة للأنبياء، يقتلون الأطفال والنساء والشيوخ بدم بارد، لا يرقبون في مؤمن إلًّا ولا ذمة، يرون أنفسهم فوق البشر، ويستحلون قتل غيرهم واستعبادهم كما جاء ذلك في كتبهم، وعلى ألسنة حاخاماتهم:

- فقد افتَرَوا أن في التوراة -المحرفة- بيان أفضليتهم على غيرهم من الشعوب، كما في هذا النص: "ولكن الرب إنما التصق بآبائك ليحبهم، فاختار من بعدهم نسلهم، الذي هو أنتم فوق جميع الشعوب".

- ودعوا إلى القتل وسفك الدماء مثل ما نسبوه إلى النبي حزقيال: "لا تشفق أعينكم، ولا تعفوا عن الشيخ والشاب والعذراء والطفل والنساء، واقتلوا للهلاك".

- وكذلك ما يتناقلونه مِن نصوصٍ في توراتهم، مثل: "العدل أن يقتل اليهودي بيده كافرًا؛ لأن مَن يسفك دم الكافر يقدم قربانًا لله، ومَلعونٌ مَنْ يَمنَعُ سَيفَهُ عَنِ الدم" (سفر إرميا)، "وأخذوا المدينة وحرموا كل ما في المدينة -أي: قتلوهم- من رجل وامرأة، من طفل وشيخ، حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف" (سفر يشوع).

- وجاء في سفر التثنية: "وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك؛ فاضرب جميع ذكورها بحد السيف، وأما النساء والأطفال والبهائم، وكل ما في المدينة غنيمتها فتغتنمها لنفسك، وتأكل غنيمة أعدائك التي أعطاك الرب إلهك، هكذا تفعل بجميع المدن البعيدة منك جدًّا، التي ليست في مدن هؤلاء الأمم هنا، أما مدن هؤلاء الشعوب التي يعطيك الرب إلهك نصيبًا، فلا تستبقِ منهم نسمة، بل تُحرمها تحريمًا: الحثيين، والأموريين، والكنعانيين، والفرزيين، والحويين، واليبوسيين، كما أمرك الرب إلهك".

- وجاء في سفر التثنية أيضًا: "فضَرْبًا تضربُ سُكان تلك المدينة بحدِّ السيفِ، وتُحرمُها بكلِّ ما فيها مع بهائمها بحدِّ السيفِ، واجْمَع كل أمتعتها إلى وسطِ ساحتها، وتحرق بالنار المدينة وكل أمتعتِها كاملة للرب إلهك، فتكون تلًّا إلى الأبد لا تُبنى بعدُ".

وللحديث بقية -إن شاء الله-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


الكلمات الدلالية