الأربعاء، ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٤ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الكبائر (13) الربا (موعظة الأسبوع)

الكبائر (13) الربا (موعظة الأسبوع)
الأربعاء ٠٣ مايو ٢٠٢٣ - ١٥:٥٧ م
61

 

الكبائر (13) الربا (موعظة الأسبوع)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

- المقدمة:

- الكبائر هي تلك الذنوب المهلكة التي ضمن الله لمَن اجتنبها في الدنيا الجنة في الآخرة: قال -تعالى-: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) (النساء: 31).

- الربا من أكبر الكبائر وأشنع الجرائم؛ لما له مِن أثر عظيم في إفساد حياة الناس، وقد جاء النص على كونه من الكبائر: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ) قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا هُنَّ؟ فذكر منها: (وَأَكْلُ الرِّبَا) (متفق عليه)(1)، وسيأتي زيادة بيان حول ذلك.

(1) حكم الربا:  

- جاءت شريعة الإسلام بالمقاصد العظيمة لحفظ حياة الناس، ومنها (المال): قال -تعالى-: (‌وَلَا ‌تَأْكُلُوا ‌أَمْوَالَكُمْ ‌بَيْنَكُمْ ‌بِالْبَاطِلِ) (البقرة: 188).

- ومِن تشريعات منع أكل الأموال بالباطل، منع المعاملات المالية الربوية: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ) قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَمَا هُنَّ؟ فذكر منها: (وَأَكْلُ الرِّبَا).

- وقد كان تحريم الربا مِن الأحكام المبكرة حيث نزل التنفير منه في العهد المكي: قال الله -تعالى-: (وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) (الروم: 39).

- وفي العهد المدني كان التحريم صراحة للقليل والكثير منه: قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (آل عمران: 130)، وقال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) (البقرة: 278-279)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الرِّبا ثَلاَثَةٌ وَسَبْعُونَ بَاباً أَيْسَرُها مِثْلُ أَنْ يَنْكِحَ الرَّجُلُ أُمَّهُ، وَإِنَّ أَرْبَى الرِّبا عِرْضُ الرَّجُلِ المُسْلِمِ) (رواه الحاكم في المستدرك، وصححه الألباني).  

- ومع كمال الشريعة وإتمام النعمة، كان التأكيد على تحريمه في ختام حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في خطبة الوداع: (وَرِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ رِبًا أَضَعُ رِبَانَا: رِبَا عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؛ فَإِنَّهُ مَوْضُوعٌ كُلُّهُ) (رواه مسلم).

(2) حكمة تحريم الربا:

- الإسلام يدعو إلى التعاون والتراحم والإيثار والاحتساب بيْن المؤمنين: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ، يَسَّرَ اللهُ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا، سَتَرَهُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ) (رواه مسلم).

- المعاملات الربوية تفسد العلاقات بيْن أفراد المجتمع، ولا سيما الجانب المالي.

وذلك مِن وجوه:

1- الربا يؤدي إلى التباغض والعداوة بين أفراد المجتمع حيث استغلال جهة لجهة.

2- الربا يؤدي إلى خلق طبقة مترفة لا تعمل شيئًا؛ لأنها تنمو على حساب المحتاجين.

3- الربا يسبب الاضطراب في التجارة والأسواق، حيث تتفاوت النسب الربوية بين المتعاملين، بما يؤدي إلى عدم الاستقرار.

4- الربا طريقة خبيثة لتدمير الشعوب والبلاد: "يهود يثرب، ويهود فلسطين وإغراقهم أهل الديار بالديون ثم الاستعمار والاحتلال".

(3) عاقبة المتعاملين بالربا في الدنيا والآخرة:

أولًا: في الدنيا:

- المتعامل بالربا ملعون هو وكل مَن سَهَّل له طريق الربا: عن جابر -رضي الله عنه- قال: لَعَنَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آكِلَ الرِّبَا، وَمُؤْكِلَهُ، وَكَاتِبَهُ، وَشَاهِدَيْهِ"، وَقَالَ: (هُمْ سَوَاءٌ) (رواه مسلم).

- المتعامل بالربا لا يُستجاب دعاؤه؛ لأن كسبه مِن حرام: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّ اللهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا، وَإِنَّ اللهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ، فَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا، إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) (المؤمنون: 51)، وَقَالَ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ) (البقرة: 172)، ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ، يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ، يَا رَبِّ، يَا رَبِّ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ؟) (رواه مسلم).

- المتعامل بالربا متوعد بذهاب بركة المال، وحلول الخراب والوبال؛ فهو في حرب مع مَن له جنود السماوات والأرض، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) (البقرة: 278-279)، وقال الله -تعالى-: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) (البقرة: 276)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الرِّبَا وَإِنْ كَثُرَ، فَإِنَّ عَاقِبَتَهُ تَصِيرُ إِلَى قُلٍّ) (رواه أحمد، وصححه الألباني). (اسألوا عنابر السجون الممتلئة بمَن عجزوا عن سداد الديون الربوية أو استدانوا بسببها، ثم عجزوا عن السداد).

ثانيًا: في الآخرة:

- المتعامل بالربا متوعد بالنار: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُّ لَحْمٍ نَبَتَ مِنْ سُحْتٍ، فَالنَّارُ أَوْلَى بِهِ) (رواه الطبراني، وصححه الألباني).

- المتعامل بالربا معذَّب في قبره إلى يوم القيامة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّهُ أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ، وَإِنَّهُمَا ابْتَعَثَانِي، وَإِنَّهُمَا قَالاَ لِي انْطَلِقْ، وَإِنِّي انْطَلَقْتُ مَعَهُمَا... فَانْطَلَقْنَا، فَأَتَيْنَا عَلَى نَهَرٍ -حَسِبْتُ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ- أَحْمَرَ مِثْلِ الدَّمِ، وَإِذَا فِي النَّهَرِ رَجُلٌ سَابِحٌ يَسْبَحُ، وَإِذَا عَلَى شَطِّ النَّهَرِ رَجُلٌ قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ حِجَارَةً كَثِيرَةً، وَإِذَا ذَلِكَ السَّابِحُ يَسْبَحُ مَا يَسْبَحُ، ثُمَّ يَأْتِي ذَلِكَ الَّذِي قَدْ جَمَعَ عِنْدَهُ الحِجَارَةَ، فَيَفْغَرُ لَهُ فَاهُ فَيُلْقِمُهُ حَجَرًا فَيَنْطَلِقُ يَسْبَحُ، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِ كُلَّمَا رَجَعَ إِلَيْهِ فَغَرَ لَهُ فَاهُ فَأَلْقَمَهُ حَجَرًا، قَالَ: قُلْتُ لَهُمَا: مَا هَذَانِ؟ قَالَ: قَالاَ لِي: انْطَلِقِ انْطَلِقْ...) إلى أن قال: (قُلْتُ لَهُمَا: فَإِنِّي قَدْ رَأَيْتُ مُنْذُ اللَّيْلَةِ عَجَبًا، فَمَا هَذَا الَّذِي رَأَيْتُ؟ قَالَ: قَالاَ لِي: أَمَا إِنَّا سَنُخْبِرُكَ... وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يَسْبَحُ فِي النَّهَرِ وَيُلْقَمُ الحَجَرَ، فَإِنَّهُ آكِلُ الرِّبَا) (رواه البخاري).

خاتمة:

- أيها المسلم، احذر الدعوات الزائفة لترويج الربا تحت مسميات كاذبة: "فائدة - أرباح - استثمار - عائد - ونحوها"؛ فإنك مسئول عن كلِّ مليم أخذته أو أعطيته، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ... وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

- أيها المسلم... احذر الفتاوى الفاسدة لعلماء السوء؛ فأنتَ المسئول وحدك يوم القيامة: قال الله -تعالى-: (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) (المدثر: 38)، وقال: (يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ) (عبس: 34).

فاللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وبفضلك عمَّن سواك.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الإشارة إلى إقدام كثيرٍ مِن الناس على المعاملات الربوية كحلول للخروج مِن الأزمة الاقتصادية عند الآخذ، وكاستغلال للأزمة عند المعطي: "صور مِن ذلك: القروض الربوية - تمويل جهات للمشروعات الصغيرة أو الكبيرة بمعاملة ربوية - حبس كثير مِن الأغنياء أموالهم في البنوك الربوية بحجة الأمان والضمان - مضاربات وهمية بيْن الأفراد - قلب الدَّين على المعسر (فائدة على التأخير - وغير ذلك)".

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة