الخميس، ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ١٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (117) دعوة إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- لأبيه وقومه إلى التوحيد وبراءته من الشرك (21)

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (117) دعوة إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- لأبيه وقومه إلى التوحيد وبراءته من الشرك (21)
الاثنين ٢٢ مايو ٢٠٢٣ - ١٢:١٤ م
60

 

الدين الإبراهيمي بين الحقيقة والضلال (117) دعوة إبراهيم -صلى الله عليه وسلم- لأبيه وقومه إلى التوحيد وبراءته من الشرك (21)

كتبه/ ياسر برهامي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقال الله -تعالى-: (‌وَإِذْ ‌قَالَ ‌إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ. وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ . فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ . فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ . فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ . إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ . وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ . وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ . وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) (الأنعام: 74-83).

في قوله -تعالى-: (وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ) فوائد:

الفائدة الرابعة:

قوله -تعالى- عن إبراهيم -صلى الله عليه وسلم-: (وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا)، الاستثناء هنا منقطع عند جمهور المفسِّرين، والمعنى: لا أخاف ما تشركون به؛ إلا لو شاء الله أن يصيبني بضر أو شيء؛ فهو الذي يكون، وليس للآلهة الباطلة صنع فيه، فيكون دالًّا على كمال التعلُّق بالله وصدق التوكل عليه في جلب المناقع ودفع المضار؛ لأن كلَّ مَن سواه لا يملك شيئًا؛ لا ضرًّا ولا نفعًا، ولا موتًا ولا حياة، ولا نشورًا؛ لا لنفسه ولا لغيره، كما قال -تعالى-: (‌وَإِنْ ‌يَمْسَسْكَ ‌اللَّهُ ‌بِضُرٍّ ‌فَلَا ‌كَاشِفَ ‌لَهُ ‌إِلَّا ‌هُوَ ‌وَإِنْ ‌يَمْسَسْكَ ‌بِخَيْرٍ ‌فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ) (الأنعام: 17-18)، وقال -تعالى-: (‌وَلَا ‌تَدْعُ ‌مِنْ ‌دُونِ ‌اللَّهِ ‌مَا ‌لَا ‌يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ . وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (يونس: 106- 107).

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، ‌رُفِعَتِ ‌الأَقْلَامُ ‌وَجَفَّتْ ‌الصُّحُفُ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني)، وقال -سبحانه-: (وَاتَّخَذُوا مِن دُونِهِ آلِهَةً لَّا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا) (الفرقان: 3).

وهناك قول آخر في تفسير الآية ذكره القرطبي وغيره، فقال -رحمه الله-: "والهاء في (بِهِ) يحتمل أن تكون لله -عز وجل-، ويجوز أن تكون للمعبود. وقال: (إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا) يعني أن الله -تعالى- لا يشاء أن أخافهم.

وقال ابن عاشور في التحرير والتنوير: "وَقَوْلُهُ: (إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا) اسْتِثْنَاءٌ مِمَّا قَبْلَهُ، وَقَدْ جَعَلَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا بِمَعْنَى لَكِنْ. وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ الطَّبَرِيِّ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ؛ فَإِنَّهُ لَمَّا نَفَى أَنْ يَكُونَ يَخَافُ إِضْرَارَ آلِهَتِهِمْ وَكَانَ ذَلِكَ قَدْ يَتَوَهَّمُ مِنْهُ السَّامِعُونَ أَنَّهُ لَا يَخَافُ شَيْئًا، اسْتُدْرِكَ عَلَيْهِ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الِاسْتِثْنَاءُ الْمُنْقَطِعُ، أَيْ: لَكِنْ أَخَافُ مَشِيئَةَ رَبِّي شَيْئًا مِمَّا أَخَافُهُ، فَذَلِكَ أَخَافُهُ. وَفِي هَذَا الِاسْتِدْرَاكِ زِيَادَةُ نِكَايَةٍ لِقَوْمِهِ إِذْ كَانَ لَا يَخَافُ آلِهَتَهُمْ فِي حِينِ أَنَّهُ يَخْشَى رَبَّهُ الْمُسْتَحِقَّ لِلْخَشْيَةِ أنْ كَانَ قَوْمُهُ لَا يَعْتَرِفُونَ بِرَبٍّ غَيْرِ آلِهَتِهِمْ عَلَى أَحَدِ الِاحْتِمَالَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ.

وَجَعَلَ الزَّمَخْشَرِيُّ وَمُتَابِعُوهُ الِاسْتِثْنَاءَ مُتَّصِلًا مُفْرَغًا عَنْ مُسْتَثْنًى مِنْهُ مَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ الْكَلَامُ، فَقَدَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ مِنْ أَوْقَاتٍ، أَيْ: لَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ أَبَدًا، لِأَنَّ الْفِعْلَ الْمُضَارِعَ الْمَنْفِيَّ يَتَعَلَّقُ بِالْمُسْتَقْبَلِ عَلَى وَجْهِ عُمُومِ الْأَزْمِنَةِ لِأَنَّهُ كَالنَّكِرَةِ الْمَنْفِيَّةِ، أَيْ: إِلَّا وَقْتَ مَشِيئَةِ رَبِّي شَيْئًا أَخَافُهُ مِنْ شُرَكَائِكُمْ، أَيْ: بِأَنْ يُسَلِّطَ رَبِّي بَعْضَهَا عَلَيَّ فَذَلِكَ مِنْ قُدْرَةِ رَبِّي بِوَاسِطَتِهَا لَا مِنْ قُدْرَتِهَا عَلَيَّ. وَجَوَّزَ أَبُو الْبَقَاءِ أَنْ يَكُونَ الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ أَحْوَالًا عَامَّةً، أَيْ: إِلَّا حَالَ مَشِيئَةِ رَبِّي شَيْئًا أَخَافُهُ مِنْهَا".

وهذا المعنى المحتمل هو مثل ظاهر قوله -تعالى- عن شعيب -عليه الصلاة والسلام-: (‌قَدِ ‌افْتَرَيْنَا ‌عَلَى ‌اللَّهِ ‌كَذِبًا ‌إِنْ ‌عُدْنَا ‌فِي ‌مِلَّتِكُمْ ‌بَعْدَ ‌إِذْ ‌نَجَّانَا ‌اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ) (الأعراف: 89).

قال ابن جرير -رحمه الله-: "يقول جلَّ ثناؤه: قال شعيب لقومه إذ دعوه إلى العود إلى ملتهم والدخول فيها، وتوعَّدوه بطرده ومَنْ تبعه مِن قريتهم إن لم يفعل ذلك هو وهم: (‌قَدِ ‌افْتَرَيْنَا ‌عَلَى ‌اللَّهِ ‌كَذِبًا)، يقول: قد اختلقنا على الله كذبًا، وتخرَّصنا عليه من القول باطلًا إن نحن عدنا في ملتكم، فرجعنا فيها بعد إذ أنقذنا الله منها، بأن بصَّرنا خطأها وصوابَ الهدى الذي نحن عليه، وما يكون لنا أن نرجع فيها فندين بها ونترك الحق الذي نحن عليه (إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا) إلا أن يكون سبق لنا في علم الله أنّا نعود فيها، فيمضي فينا حينئذٍ قضاء الله، فينفذ مشيئته علينا.

(وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا)، يقول: فإن علم ربنا وسع كل شيء فأحاط به، فلا يخفى عليه شيء كان، ولا شيء هو كائن؛ فإن يكن سبق لنا في علمه أنَّا نعود في ملتكم، ولا يخفى عليه شيء كان، ولا شيء هو كائن؛ فلا بد مِن أن يكون ما قد سبق في علمه، وإلا فنحن غير عائدين في ملتكم.

وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل. ثم ذكر بسنده عن السدي في الآية: يقول: ما ينبغي لنا أن نعود في شرككم بعد إذ نجانا الله منها، (إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا)، فالله لا يشاء الشرك، ولكن يقول: إلا أن يكون الله قد عَلِم شيئًا، فإنه وسع كل شيء علمًا" (انتهى).

قلتُ: وقوله: إن الله لا يشاء الشرك، أي: شرعًا، مع أن لفظ المشيئة لم يرد في معنا الإرادة الشرعية، وإنما ورد في الإرادة الكونية، وقد كثر ذلك في كتاب الله -عز وجل-، وقال -عز وجل-: (فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ) (الأنعام: 149)، وقال -سبحانه-: (‌وَلَوْ ‌شَاءَ ‌اللَّهُ ‌مَا ‌أَشْرَكُوا) (الأنعام: 107).

وهذا المعنى من معاني التوكل على الله في الثبات على الدِّين، وشهود نفوذ مشيئة الله في إيمان المؤمن وكفر الكافر، وشهود العلم والمشيئة من الله ربنا -سبحانه وتعالى- في تدبير أعمال قلوب عباده وعقائدهم، وتقليب قلوبهم، واجب من واجبات الإيمان، فنحن لا نثق في أنفسنا في الثبات على الدين إلا بالله -عز وجل-، (‌وَمَا ‌كُنَّا ‌لِنَهْتَدِيَ ‌لَوْلَا ‌أَنْ ‌هَدَانَا ‌اللَّهُ) (الأعراف: 43)، وكما قال الصحابة والنبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَاللَّهِ لَوْلَا اللَّهُ ‌مَا ‌اهْتَدَيْنَا، ‌وَلَا ‌صُمْنَا ‌وَلَا ‌صَلَّيْنَا) (متفق عليه)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (سَدِّدُوا، وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا؛ فَإِنَّهُ لَا يُدْخِلُ أَحَدًا ‌الْجَنَّةَ ‌عَمَلُهُ) قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: (وَلَا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللهُ بِمَغْفِرَةٍ وَرَحْمَةٍ) (متفق عليه)، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يكثر أن يقول: (يَا ‌مُقَلِّبَ ‌القُلُوبِ ‌ثَبِّتْ ‌قَلْبِي ‌عَلَى ‌دِينِكَ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)، وكان أكثر قَسَمِه -صلى الله عليه وسلم-: "لا ومقلب القلوب"، وكان يقول: (اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ ‌صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى ‌طَاعَتِكَ) (رواه مسلم).

وقد قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ ‌لِمَا ‌يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (الأنفال: 24)، فالعبد يأخذ بالأسباب من العمل الصالح بالاستجابة لأمر الله ولرسوله -صلى الله عليه وسلم-، في الطاعات واجتناب المعاصي، ولكنه لا يتوكل على عمله، بل على ربِّه الذي وَسِع كل شيء عِلْمًا؛ فهو وحده الذي يحول بيننا وبين الكفر والفسوق والعصيان، وكم مِن أناسٍ عَمِلوا بالطاعة ثم انقلبوا، قال الله -تعالى-: (أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ ‌اللَّهُ ‌لَكُمُ ‌الْآيَاتِ ‌لَعَلَّكُمْ ‌تَتَفَكَّرُونَ) (البقرة: 266).

وهذا مَثَل ضربه الله للفساد بعد الصلاح، وللحور بعد الكور؛ نعوذ بالله من الحور بعد الكور، كما كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقوله في دعاء العودة من السفر، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرُهُ، إِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، ‌فَيَسْبِقُ ‌عَلَيْهِ ‌الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ فَيَدْخُلُهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُمْ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، ‌فَيَسْبِقُ ‌عَلَيْهِ ‌الْكِتَابُ فَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَدْخُلُهَا) (متفق عليه).

وهذا المعنى وإن لم يُشِر إليه أكثر المفسرين في تفسير قول إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-: (إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا)؛ إلا أنه معنى صحيح في نفسه، عظيم الأهمية في حياة المؤمن، وفي نظره لنفسه، وخوفه من أن يقدِّر الله عليه الكفر والردة، وسوء الخاتمة، وهو يزيل العجب بالعمل، وتوهم الكمال فيه، وتزكية النفس المذمومة، كما قال الله -تعالى-: (‌أَلَمْ ‌تَرَ ‌إِلَى ‌الَّذِينَ ‌يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا) (النساء: 49).

فاللهم يا مقلب القلوب، ثبِّت قلوبنا على دينك.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة