الثلاثاء، ١٥ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٣ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الكبائر (16) التبرج (موعظة الأسبوع)

الكبائر (16) التبرج (موعظة الأسبوع)
السبت ٠٣ يونيو ٢٠٢٣ - ١٣:٤٠ م
79

 

الكبائر (16) التبرج (موعظة الأسبوع)

كتبه/ سعيد محمود    

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

- المقدمة:

- الكبائر هي تلك الذنوب المهلكة، التي ضَمِن الله لمَن اجتنبها في الدنيا، الجنة في الآخرة: قال -تعالى-: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) (النساء: 31).

- التبرج(1) من الكبائر العظام، والمنكرات الجسام، وقد جاء فيه الوعيد الشديد: قال النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: (‌صِنْفَانِ ‌مِنْ ‌أَهْلِ ‌النَّارِ ‌لَمْ ‌أَرَهُمَا: قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ(2)، مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا) (رواه مسلم).

خطر التبرج في الدنيا والآخرة:

- التبرج كبيرة ومن أخلاق الجاهلية: ففي حديث أميمة بنت رُقَيْقَةَ -رضي الله عنها- حينما جاءت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تبايعه على الإسلام فقال: (أُبَايِعُكِ عَلَى أَنْ لَا تُشْرِكِي بِاللهِ شَيْئًا، وَلَا تَسْرِقِي وَلَا تَزْنِي، وَلَا تَقْتُلِي وَلَدَكِ، وَلَا تَأْتِي بِبُهْتَانٍ تَفْتَرِينَهُ بَيْنَ يَدَيْكِ وَرِجْلَيْكِ، وَلَا تَنُوحِي، وَلَا تَبَرَّجِي تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) (رواه أحمد، وحسنه الألباني).

- التبرج نفاق، ومخالفة لصدق الانتماء لدين الإسلام: عن أبي أذينة الصدفي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (‌خَيْرُ ‌نِسَائِكُمُ ‌الْوَدُودُ ‌الْوَلُودُ، ‌الْمُوَاتِيَةُ ‌الْمُوَاسِيَةُ إِذَا اتَّقَيْنَ اللهَ، وَشَرُّ نِسَائِكُمُ الْمُتَبَرِّجَاتُ الْمُتَخَيِّلَاتُ، وَهُنَّ الْمُنَافِقَاتُ، لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْهُنَّ إِلَّا مِثْلُ الْغُرَابِ الْأَعْصَمِ)(3) (أخرجه البيهقي في السنن الكبرى، وصححه الألباني).

- التبرج يستجلب اللعن على صاحبته، فتمشي في سخط الله ولعنته: فقد روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (سَيَكُونُ ‌فِي ‌آخِرِ ‌أُمَّتِي ‌رِجَالٌ ‌يَرْكَبُونَ ‌عَلَى ‌سُرُوجٍ، ‌كَأَشْبَاهِ ‌الرِّجَالِ ‌يَنْزِلُونَ ‌عَلَى ‌أَبْوَابِ ‌الْمَسَاجِدِ؛ نِسَاؤُهُمْ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ، عَلَى رُءُوسِهِمْ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْعِجَافِ، الْعَنُوهُنَّ فَإِنَّهُنَّ مَلْعُونَاتٌ، لَوْ كَانَتْ وَرَاءَكُمْ أُمَّةٌ مِنَ الأُمَمِ لَخَدَمْنَ نِسَاؤُكُمْ نِسَاءَهُمْ كَمَا يَخْدُمْنَكُمْ نِسَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمْ) (رواه أحمد وابن حبان، وحسنه الألباني).

- التبرج سبب في انتشار الفواحش، وذهاب الحياء، وتفشي الجرائم والدياثة، وإثارة الغرائز، وغير ذلك من المنكرات (حادثة فتاة العتبة في شهر رمضان - حوادث التحرش التي لا تُحصَى - ... ): خطب علي بن أبي طالب في الناس يومًا، فقال: "ألا تستحيون؟ ألا تغارون؟ يترك أحدكم امرأته بين الرجال تنظر إليهم، وينظرون إليها"، وفي رواية: "إنه لا خير فيمن لا يغار".

- التبرج سبب في نزول البلاء والكوارث والعقوبات: عن زينب أم المؤمنين: أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا، يقولُ: (لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ! ويْلٌ لِلْعَرَبِ مِن شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ؛ فُتِحَ اليومَ مِن رَدْمِ يَأْجُوجَ ومَأْجُوجَ مِثْلُ هذِه). وحَلَّقَ بإصْبَعِهِ الإبْهَامِ والَّتي تَلِيهَا، قالَتْ زَيْنَبُ بنْتُ جَحْشٍ: فَقُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، أَنَهْلِكُ وفينَا الصَّالِحُونَ؟ قالَ: (نَعَمْ؛ إذَا كَثُرَ الخَبَثُ) (متفق عليه)، وقال -تعالى-: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً) (الأنفال: 25).

الحجاب في مواجهة التبرج:

- جاء الإسلام بالعفة والستر، فحذَّر من فتنة النساء أشد التحذير: (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ) (آل عمران: 14)، عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَا ‌تَرَكْتُ ‌بَعْدِي ‌فِتْنَةً ‌هِيَ ‌أَضَرُّ ‌عَلَى ‌الرِّجَالِ ‌مِنَ ‌النِّسَاءِ) (متفق عليه)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (‌إِنَّ ‌الدُّنْيَا ‌حُلْوَةٌ ‌خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا، وَاتَّقُوا النِّسَاءَ فَإِنَّ أَوَّلَ فِتْنَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَتْ فِي النِّسَاءِ) (رواه مسلم)(4).

- وجعل الإسلام التدابير الكثيرة لسدِّ فتنة المرأة، ومنها: فرض الحجاب، وتحريم التبرج: قال -تعالى- لخير النساء: (يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا . وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) (الأحزاب: 32- 33)، وقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ) (الأحزاب: 59).

وعن أم سلمة -رضي الله عنها- قالت: "لَمَّا نَزَلَتْ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ، خَرَجَ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِهِنَّ الْغِرْبَانَ مِنْ الْأَكْسِيَةِ" (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

صورة مشرقة في العفة والتصون:

- غيرة الزبير -رضي الله عنه-: ذكر أبو عمر في التمهيد: أن عمر -رضي الله عنه- لما خطب عاتكة بنت زيد، شرطت عليه ألا يضربها، ولا يمنعها من الحق، ولا من الصلاة في المسجد النبوي، ثم شرطت ذلك على الزبير، فتحيل عليها أن كَمَن لها لما خرجت إلى صلاه العشاء، فلما مَرَّت به ضرب على عجيزتها، فلما رجعت قالت: "إنا لله! فَسَد الناس، فلم تخرج بعد" (نقلًا عن عودة الحجاب).

- غيرة رجل صالح، ذكر ابن كثير -رحمه الله- في حوادث سنة 286 هـ قال: "من عجائب ما وقع من الحوادث في هذه السنة: أن امرأة تقدمت إلى قاضي الري، فادعت على زوجها بصداقها خمسمائة دينار، فأنكره، فجاءت ببينة تشهد لها به، فقال القاضي: نريد أن تسفر لنا عن وجهها حتى نعلم أنها الزوجة أم لا؟ فلما صمموا على ذلك قال الزوج: لا تفعلوا، هي صادقة فيما تدعيه. فأقر بما ادَّعت ليصون زوجته عن النظر إلى وجهها، فقالت المرأة حين عرفت ذلك منه -وأنه إنما أقر ليصون وجهها عن النظر-: هو في حلٍّ من صداقي عليه في الدنيا والآخرة. وزاد الحافظ السمعاني في الأنساب: "فقال القاضي وقد أعجب بغيرتهما: يكتب هذا في مكارم الأخلاق" (البداية والنهاية).

خاتمة:

- أيتها المسلمة... احذري التبرج، وكذا الحجاب المقنع.

- أولياء النساء... أنتم مسئولون كذلك؛ إن دافع الغيرة وحده عندكم كفيل بحفظ النساء وأمرهن بالحجاب الشرعي؛ فكيف إذا انضاف إليه الأمر الشرعي من رب العالمين، قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ ‌يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) (الأحزاب: 59)، وقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ ‌وَأَهْلِيكُمْ ‌نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) (التحريم: 6)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كُلُّكُمْ ‌رَاعٍ، ‌وَكُلُّكُمْ ‌مَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) (متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ ‌اللهَ ‌سَائِلٌ ‌كُلَّ ‌رَاعٍ ‌عَمَّا ‌اسْتَرْعَاهُ، أَحَفِظَ ذَلِكَ أَمْ ضَيَّعَ؟ حَتَّى يُسْأَلَ الرَّجُلُ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ) (رواه ابن حبان، وحسنه الألباني).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) التبرج: هو أن تُظهر المرأة للرجال الأجانب -الذين ليسوا من محارمها- ما يوجب عليها الشرع أن تستره من زينتها ومحاسنها، وهذا مجمل ما شرح به هذه الكلمة أكابر علماء اللغة والتفسير؛ قال مجاهد، وقتادة، وابن أبي نجيح: "التبرج هو المشي بتبختر، وتكسر، وتغنج". وقال مقاتل: "هو أن تُلقي المرأة خمارها على رأسها، ولا تشده فيواري قلائدها، وقرطها، وعنقها"، وفسَّره المبرد بقوله: "أن تُبدي من محاسنها ما يجب عليها ستره"، وفسره أبو عبيدة بقوله: "أن تُخرج من محاسنها ما تستدعي به شهوة الرجال".

(2) قال النووي في المراد من ذلك: "أما (الكَاسِيَاتٌ العَارِيَاتٌ): فمَعْنَاهُ: تَكْشِف شَيْئًا مِنْ بَدَنهَا إِظْهَارًا لِجَمَالِهَا، فَهُنَّ كَاسِيَات عَارِيَات. وقيل: يَلْبَسْنَ ثِيَابًا رِقَاقًا تَصِف مَا تَحْتهَا، كَاسِيَات عَارِيَات فِي الْمَعْنَى. وَأَمَّا (مَائِلَاتٌ مُمِيلَاتٌ): فَقِيلَ: زَائِغَات عَنْ طَاعَة اللَّه -تعالى-، وَمَا يَلْزَمهُنَّ مِنْ حِفْظ الْفُرُوج وَغَيْرهَا، وَمُمِيلَات يُعَلِّمْنَ غَيْرهنَّ مِثْل فِعْلهنَّ. وَقِيلَ: مَائِلَات مُتَبَخْتِرَات فِي مِشْيَتهنَّ، مُمِيلات أَكْتَافهنَّ. وَقِيلَ: مَائِلات إِلَى الرِّجَال مُمِيلات لَهُمْ بِمَا يُبْدِينَ مِنْ زِينَتهنَّ وَغَيْرهَا. وَأَمَّا (رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ) فَمَعْنَاهُ: يُعَظِّمْنَ رُءُوسهنَّ بِالْخُمُرِ وَالْعَمَائِم، وَغَيْرهَا مِمَّا يُلَفّ عَلَى الرَّأْس، حَتَّى تُشْبِه أَسْنِمَة الإِبِل الْبُخْت، هَذَا هُوَ الْمَشْهُور فِي تَفْسِيره. قَالَ الْمَازِرِيّ: وَيَجُوز أَنْ يَكُون مَعْنَاهُ: يَطْمَحْنَ إِلَى الرِّجَال وَلا يَغْضُضْنَ عَنْهُمْ، وَلا يُنَكِّسْنَ رُءُوسهنَّ...) (شرح النووي على صحيح مسلم).

(3) الغُرَاب الأَعْصَم: الأبيض الجناحين أو الرجلين، أَرَادَ قلَّة من يدْخل الْجنَّة مِنْهُنَّ؛ لَأن هَذَا النَّعْت فِي الْغرْبَان عَزِيز.

(4) للحجاب شروط، وضعها العلماء من خلال النصوص القرآنية والسنن النبوية، وهي كالتالي:

الأول: ستر جميع بدن المرأة على الراجح.

الثاني: أن لا يكون الحجاب زينة في نفسه، بحيث لا يلفت أنظار الرجال إلى مَن تلبسه.

الثالث: أن يكون ثخينًا لا يشف حتى يستر المرأة، فالشفاف يزيد المرأة فتنة للرجال.

الرابع: أن يكون فضفاضًا واسعًا غير ضيق؛ لأن الضيق يصف حجم الجسم أو بعضه، ويزينه في أعين الناظر إليه.

الخامس: أن لا يكون مُبَخَّرًا أو مُطيَّبًا.

السادس: أن لا يشبه ملابس الكافرات؛ لحرمة التشبه بهم.

السابع: أن لا يشبه ملابس الرجال.

الثامن: أن لا يُقصد به الشهرة بين الناس.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة