الجمعة، ٢٠ رمضان ١٤٤٥ هـ ، ٢٩ مارس ٢٠٢٤
بحث متقدم

الكبائر (16) تشبُّه الرجال بالنساء والعكس (موعظة الأسبوع)

الكبائر (16) تشبُّه الرجال بالنساء والعكس (موعظة الأسبوع)
الخميس ٠٨ يونيو ٢٠٢٣ - ١٥:٥٤ م
63

 

الكبائر (16) تشبُّه الرجال بالنساء والعكس (موعظة الأسبوع)

كتبه/ سعيد محمود  

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

المقدمة:

- الكبائر هي تلك الذنوب المهلكة، التي ضمن الله لمَن اجتنبها في الدنيا، الجنة في الآخرة: قال -تعالى-: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) (النساء: 31).

- تشبه الرجال بالنساء والعكس من الكبائر العظام، والمنكرات الجسام، وقد جاء فيه الوعيد الشديد: فَعَنِ ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ" (رواه البخاري).

- الإشارة إلى أن التشبه بين النوعين صار ظاهرة في هذا الزمان: قال -تعالى-: (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ) (سبأ: 20).

طبيعة خلق الإنسان:

- خلق الله الإنسان في أحسن صورة، وميَّزه وكرَّمه وفضَّله على كثيرٍ من المخلوقات: قال -تعالى-: (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) (التين: 4)، وقال: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) (الإسراء: 70).

- خلق الله الرجل والمرأة، وميَّز كلًّا منهما بصفاتٍ تناسب تكوينه وفطرته (الشكل - الكلام - الأفعال - اللباس - الوظائف - ...)(1): قال -تعالى-: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ) (النساء: 34)، وقال -تعالى-: (وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنثَى) (آل عمران: 36)، وقال -تعالى- عن طبيعة النساء: (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ) (الزخرف: 18). قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "هُنَّ النِّسَاءُ؛ فَرَّقَ بَيْنَ زِيِّهِنَّ وَزِيِّ الرِّجَالِ".

- وجعل سبحانه بين صفات النوعين حواجز؛ حتى لا يبغى أحدهما على الآخر، وكان مَن تشبَّه بالآخر مغيَّرًا لخلق الله، متبعًا لدعوة إبليس: قال -تعالى-: (وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) (النساء: 32)، وقال عن دعوة إبليس: (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ) (النساء: 119).

- حرمة التشبه بين النوعين(2):

- بناءً على ما سبق حَرَّم الإسلام التشبه بين النوعين؛ لما فيه مِن انتكاس الفِطَر السليمة، وتغيُّر الطباع القويمة، واعتبره من الذنوب الكبيرة: قال -تعالى-: (فِطْرَتَ اللَّهِ ‌الَّتِي ‌فَطَرَ ‌النَّاسَ ‌عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ) (الروم: 30)، وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المُتَشَبِّهِينَ مِنَ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ، وَالمُتَشَبِّهَاتِ مِنَ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ" (رواه البخاري).

وعنه -أيضًا- قال: "لَعَنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالمُتَرَجِّلاَتِ مِنَ النِّسَاءِ، وَقال: أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ" (رواه البخاري)، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرَّجُلَ يَلْبَسُ لِبْسَةَ الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَةَ تَلْبَسُ لِبْسَةَ الرَّجُلِ" (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

- ورتَّب الإسلام على ذلك العقوبة في الدنيا والآخرة: عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: "أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- أُتِيَ ‌بِمُخَنَّثٍ ‌قَدْ ‌خَضَبَ ‌يَدَيْهِ ‌وَرِجْلَيْهِ ‌بِالْحِنَّاءِ، فَقال النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: مَا بَالُ هَذَا؟ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، يَتَشَبَّهُ بِالنِّسَاءِ. فَأَمَرَ بِهِ فَنُفِيَ إِلَى النَّقِيعِ" (رواه أبو داود، وصححه الألباني). وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: "لَعَنَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَالمُتَرَجِّلاَتِ مِنَ النِّسَاءِ، وَقال: أَخْرِجُوهُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ. وَأَخْرَجَ فُلاَنًا، وَأَخْرَجَ عُمَرُ فُلاَنًا" (رواه البخاري).

وقال ابن تيمية -رحمه الله-: "فَالَّذِي يُعَظِّمُ الْمُخَنَّثِينَ مِنَ الرِّجَالِ، وَيَجْعَلُ لَهُمْ مِنَ الرِّيَاسَةِ وَالْأَمْرِ عَلَى الْأَمْرِ الْمُحَرَّمِ مَا يَجْعَلُ، هُوَ أَحَقُّ بِلَعْنَةِ اللهِ وَغَضَبِهِ". وقال النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ثَلَاثٌ لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ، وَلَا يَنْظُرُ اللهُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: الْعَاقُّ بِوَالِدَيْهِ، ‌وَالْمَرْأَةُ ‌الْمُتَرَجِّلَةُ، ‌الْمُتَشَبِّهَةُ ‌بِالرِّجَالِ، وَالدَّيُّوثُ...) (رواه أحمد والنسائي وصححه أحمد شاكر).

أسباب الوقوع في التشبه:

1- ضَعْفُ الْإِيمَانِ، وَغِيَابُ الْوَازِعِ الدِّينِيِّ.

2- َسُوءُ التَّرْبِيَةِ من الآباء لِلْأَبْنَاءِ.

3- حُبُّ الظُّهُورِ وَالشُّهْرَةِ.

4- َسُوءُ فَهْمِ الْحُرِّيَّةِ الشَّخْصِيَّةِ.

5- َالْبُعْدُ عَنْ صُحْبَةِ أَهْلِ الشِّيَمِ وَالْمُرُوءَاتِ، وَمُخَالَطَةُ أصحاب السوء.

ما ينبغي أن يتنافس عليه:

- لقد شرع الله المنافسة بين الناس عمومًا (ذكورًا وإناثًا) في أعمال الخير والبر، بل ورغَّب في ذلك: قال -تعالى-: (‌مَنْ ‌عَمِلَ ‌صَالِحًا ‌مِنْ ‌ذَكَرٍ ‌أَوْ ‌أُنْثَى ‌وَهُوَ ‌مُؤْمِنٌ ‌فَلَنُحْيِيَنَّهُ ‌حَيَاةً ‌طَيِّبَةً ‌وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ ‌أَجْرَهُمْ ‌بِأَحْسَنِ ‌مَا ‌كَانُوا ‌يَعْمَلُونَ) (النحل: 97)، وقال: (‌وَفِي ‌ذَلِكَ ‌فَلْيَتَنَافَسِ ‌الْمُتَنَافِسُونَ) (المطففين: 26).

- أين هؤلاء المتشبهين من النوعين مِن سلفنا الصالح؟! (إشارة الى قصة إسلام مصعب بن عمير وهجرته ووفاته، وتركه مباهج الدنيا وهو ابن الطبقة الراقية! - وقصة استشهاد أم حرام بنت ملحان بعد تمنيها الشهادة مع الرجال غزاة البحر الذين بشَّر بهم النبي -صلى الله عليه وسلم-).

علاج ظاهرة التشبه:

- النَّظَرِ إِلَى أَسْبَابِ انْتِشَارِهَا، فَمَعْرِفَةُ السَّبَبِ نِصْفُ الْعِلَاجِ، ثُمَّ يَشْتَرِكُ فِي هَذَا الْعِلَاجِ، الْمُجْتَمَعُ بِكُلِّ أَطْيَافِهِ.

- فعلى الْأُسْرَةِ: اتباع سُبُلَ التَّرْبِيَةِ الصَّحِيحَةِ، وَالتَّنْشِئَةِ الصَّالِحَةِ؛ فَإِنَّ عَلَى الْوَالِدَيْنِ دَوْرًا عَظِيمًا فِي الْقَضَاءِ عَلَى هَذِهِ الظَّاهِرَةِ.

- وعَلَى الدُّعَاةِ وَأَصْحَابِ التَّأْثِيرِ: نَشْرُ الْوَعْيِ الدِّينِيِّ فِي الْمُجْتَمَعِ، وَرَبْطُ الشَّبَابِ بِرَبِّهِمْ، وَتَذْكِيرُهُمْ بِتَقْوَاهُ وَمَخَافَتِهِ، وَإِشَاعَةُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ.

- وَعَلَى الشَّبَابِ: أَنْ يَبْتَعِدُوا عَنْ قُرَنَاءِ السُّوءِ، وَمَوَاطِنِ الِاخْتِلَاطِ، وَأَنْ يَعْتَزُّوا بِرُجُولَتِهِمُ الَّتِي فَضَّلَهُمُ اللهُ بِهَا.

- وَعَلَى الدَّوْلَةِ الْمُسْلِمَةِ ِأَنْ تَضَعَ الْأَنْظِمَةَ وَالْعُقُوبَاتِ لْمُكَافَحَةِ هَذَا السُّلُوكِ الْقَبِيحِ، مَعَ التَّرْكِيزِ عَلَى بَرَامِجِ التَّثْقِيفِ وَالتَّوْعِيَةِ فِي وَسَائِلِ الْإِعْلَامِ الْمُخْتَلِفَةِ.

اللهم احفظ شباب المسلمين، واهدهم إلى ما تحب وترضى.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) للرجل صفات تميِّزه مثل: قوة البدن والعضلات، وانتشار الشعر في الجسد والوجه، وخشونة الصوت والجرأة، والشجاعة، ونحو ذلك مما يناسب وظيفته في الحياة؛ فهو الذي يبني السدود ويحفر الآبار، ويكتشف المناجم ويقاوم الأعداء، ويحرس الثغور في حر الشمس وشدة البرد، وخشن العيش، وهكذا.

وأما المرأة فلها كذلك صفات تميزها، فهي: على عكس الرجل في كلِّ ما تقدَّم؛ بالإضافة إلى جمال الوجه والهيئة، وعوامل الفتنة، وطريقة المشية، وهيئة الثياب، والزينة بأنواعها: كالتحلي بالذهب والحرير، والتعطر، وغير ذلك.

(2) من مظاهر التشبه من الرجال بالنساء: لبس الذهب والحرير بصورٍ مختلفة، مثل: الأساور، والقلائد، وقص الشعور وجمعها على طريقة النساء، وارتداء الملابس المشابهة للنساء في هيئتها وألوانها، وصبغ الوجوه بالدهانات والزينات التي تشبه زينة النساء، والتحدث والممشى بطريقة تشبه النساء، وغير ذلك.

ومن مظاهر تشبه النساء بالرجال: ارتداء الملابس المشابهة للرجال في هيئتها وألوانها، وحلق الشعر بطريقة تشبه الرجال مع كشفه، ولبس الثياب التي تشبه ثياب الرجال، والتحدث بطريقة تشبه الرجال، وممارسة ألعاب رياضية لا تناسب المرأة، مثل: (كرة القدم، وحمل الأثقال، والملاكمة ونحوه)، وغير ذلك. ومن أقبح ذلك في حقِّ النوعين: محاولات التحول بعمليات التجميل من أنثى الى ذكر، والعكس!

قال الشاعر:

وَمَا عَجَبٌ أَنَّ النِّسَاءَ تَرَجَّلَتْ             وَلَكِنَّ تَأْنِيثَ الرِّجَالِ عـَجِـيـبُ

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة