الأحد، ٢٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

إشارة على الطريق (1)

إشارة على الطريق (1)
الاثنين ١٢ يونيو ٢٠٢٣ - ١٣:٣٧ م
94

 

إشارة على الطريق (1)

كتبه/ أحمد شهاب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فهناك محطات غالبًا ما يمرُّ بها كلُّ إنسانٍ في حياته، تشكِّل في مجموعها قناعاته، والتي تؤثر على قرارات الإنسان فيما بعد؛ أدرك الإنسان ذلك أم لم يدركه؛ وخصوصًا القرارات المحورية، والتي تكون في مفترقات الطرق التي يتعرَّض لها الشخص؛ سواء كان مفترقًا فكريًّا أو ماديًّا أو اجتماعيًّا.

وقد تساعد في تشكيل تلك القناعات بعض المواقف الصغيرة، والتي لا تعد محطة رئيسية في تشكيل الشخصية، ولكن بمجموعها تكتمل الصورة، ومن تلك المواقف التي مَرَّت بي أنا شخصيًّا، ولا زالت عالقة بذهني: أن أحد الأشخاص -وكنت وقتها دون العشرين من عمري- أتى لي بكتابٍ في إحدى المسائل الشرعية لكاتبٍ من أبرز الشيوخ والمفكرين المعاصرين ممَّن ينتسب إلى مدرسة فكرية تخالف المنهج السلفي، وقام باستعراض عِدَّة مواضع منه، ثم قال لي: "انظر إلى عدد الآيات والأحاديث في تلك الصفحات، بل وفي الكتاب كله، وقارنها بكتابات فلان وفلان في نفس المسألة -مشيرًا إلى بعض أعلام المنهج السلفي قديمًا وحديثًا- حتى تعلم: أيهم أقرب إلى الحق في تلك المسائل؟".

وإلى هنا انتهى ما أتذكره من ذلك الحوار، لكن لم ينتهِ الأثر.

نعم، أعلم أنها ليست قاعدة مطردة، ولا هي وسيلة منضبطة، ولا أعتبر هذا سبيلًا للترجيح، لكنها إشارة لمعنى، ونقطة في طريق تعميق مرجعية الآيات والأحاديث والآثار في الأمور الشرعية؛ فكل إناء ينضح بما فيه، وما قد يخفيه صاحبه أو حتى لايدركه سيظهر في لحن القول وفلتات اللسان؛ شاء أم أَبَى.

فمَن يعتقد حقيقةً من داخله مرجعية الكتاب والسنة في معرفة الحق وبيان الهدى، سيظهر ذلك في كلامه لا محالة؛ فهو مستسلم للأدلة الشرعية استسلامًا تامًّا، قد شرح الله صدره للإسلام كله، ودخل في الإسلام بكليته، وليس في صدره حرج من شيء مما جاء به الوحي، وتجد الآيات والأحاديث بنصها أو معانيها أو دلالاتها مبثوثة في كلماته وكتاباته.

وكذلك مَن يعتقد مِن صميم قلبه: علو كعب علم الصحابة -رضي الله عنهم-، وعمق فهمهم، وفضل علم السلف على علم الخلف -وإن خالف بعض أفرادهم  في مسألة من المسائل-؛ إلا أنك لا بد أن ترى أثر ذلك، وإن لم يتكلَّف هو ذلك، بخلاف مَن يعتقد ثم يستدل، ومَن يتعامل مع الأدلة على أنها وسيلة مساعدة، لا قاعدة بناء؛ فضلًا عمَّن يتعامل معها على أنها إشكالات في طريقه، وكل همه تجاهها هو صرفها عن وجهها لتوافق ما اعتقده هو أولًا؛ فلا يراها منبع الهدى، ولا مصدر النور.

والغرض المقصود: أنه في ظل الهجمات على منهج أهل السنة، حيث تكالب على هذا المنهج: الملاحدة، والعلمانيون، والليبراليون، والشيعة والمتصوفة، وكذلك بعض مَن يريد تصفية حسابات شخصية ممَّن امتلأ قلبه حقدًا وحسدًا على هذا المنهج؛ فليس هو صاحب منهج فكري، بل هو مع عدوهم أيًّا ما كان!

وفي ظل تلك الهجمات -والمتزامنة مع توصيات مراكز البحوث الغربية- يخرج علينا مَن يحتج بكثرة وهمية للأشاعرة والصوفية، ومَن يتقوى بأسماء لامعة ورموز مشهورة قديمًا وحديثًا، صارخًا في وجهك: كيف تجرؤ على مخالفة الرازي والغزالي وأمثالهم؟!

وبغض النظر عن صحة تلك الكثرة الوهمية والمزعومة، وبعيدًا عن مغالطته في الاحتجاج بالكثرة -فليس الغرض الآن تفنيد تلك الطريقة، مع كثرة مخالفات هؤلاء القوم لطريقة ونهج مَن اتفقت الأمة على أنهم أعظم بكثير ممَّن ذكروهم-؛ إلا أنني سأتجاوز كل ذلك، لأقفز إلى مَثَل مِن تلك المقارنة التي بدأتُ بها الحديث، فأضع بين يديك كلامًا لأحد مَن تَكَثَّر بهم هؤلاء، وهو: "الرازي"، وكلامًا "لابن تيمية" في مسألةٍ واحدةٍ فقط؛ ألا وهي: مركزية الوحيين في تحصيل الهدى والنور.

وهذا ما سأبينه في المقال القادم -بإذن الله-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة