الأحد، ٢٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

محن في طياتها منح

محن في طياتها منح
الاثنين ١٢ يونيو ٢٠٢٣ - ١٣:٥٢ م
66

 

محن في طياتها منح

كتبه/ عبد العزيز خير الدين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فالمصائب والآلام والمِحَن قَدَر لَازِم لا ينفك عن العبد، ولا يزال المرء في تعب ونصب بين الأزمات والمحن والابتلاءات، ويتقلَّب من فتنة إلى أخرى، ولا راحة له إلا حينما يضع قدمه في الجنة، لكن البصير بحقيقة الدنيا وصغر شأنها، والمطلع على أحداث التاريخ يرى النور في ثقوب الظلام، ويتيقَّن بالنصر؛ رغم ما يراه من صعوبات، ويستبشر بكلِّ بارقة أمل.

والمؤمن على وجه الخصوص لا تزلزله فتنة، ولا تضعفه مصيبة؛ فإيمانه كالجبل الراسي لا تغيره الرياح، ولا تحركه الأعاصير، بل تزيده الابتلاءات قوة وثباتًا، كالمعدن الأصيل لا يزيده العرض على النار إلا لمعانًا وبريقًا، كعودٍ زاده الإحراق طِيبًا.

فهذه محنة نوح -عليه السلام- مع قومه، وما لاقاه منهم، حتى جاءت منحة لم تخطر على عقولهم، ولا على إمكانياتهم وقتها بأن نَجَّاه الله ومَن آمن معه بركوبهم السفينة.

وما أشد البلاء حينما ألقي إبراهيم -عليه السلام- في النار، وظنوا أنه قد أحرق فيها، حتى جاءت منحة ربانية بأن تكون النار بردًا وسلامًا عليه، واستمر في دعوته حتى مَكَّن الله له ونصره!

وكذا المحن المتتالية والمتعاقبة ليوسف -عليه السلام- من إلقائه بالجب، وفقدان أبويه، وتعرُّضه للفتنة، ودخوله السجن، ثم منحه الله التمكين، وأصبح عزيز مصر، وعاد إلى حضن أبويه وإلى إخوته.

وما أخطر ما عاناه موسى -عليه السلام- مع فرعون، ووصوله إلى البحر، ولم يكن له إلا خيار الاستسلام، أو الدخول إلى البحر الذي نهايته الموت، حتى مَنَّ الله عليه بالأمر بشقِّ البحر، فكان كل فرق كالطود العظيم، ونَجَى هو ومَن معه مِن المؤمنين. 

بل ما لاقاه النبي -صلى الله عليه وسلم- مِن أذى قومه بالقول والفعل، حتى وصل الأمر إلى وقوع أكبر محنة تعرَّض لها، وهي: التشكيك في عفة وطهارة أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها-، حتى ظهر الحق من قِبَل الحق -سبحانه وتعالى- مبيِّنًا أن هذه المحنة أخرجت مِنَحًا، فقال -تعالى-: (لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ) (النور: 11).

وما أحداث كورونا منا ببعيدٍ؛ حيث ضاقت علينا الأرض بما رحبت، وفقدنا الأحباب، وهبط الاقتصاد، وتعطَّلت المصالح، لكن حملت هذه المحنة في طياتها منحًا كثيرة، وأوصلت رسائل وحقائق، فهمها واجتمع عليها كثيرٌ من الناس.

وقد كان أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يستقبلون المحن، والترويع والتخويف، بالثبات واليقين؛ فمنحهم الله زيادة الإيمان والأمان، قال -تعالى-: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ ‌قَدْ ‌جَمَعُوا ‌لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ . فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ) (آل عمران: 173-174).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة