الأحد، ٢٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الزلازل الشديدة والبراكين دعوة إلى التوبة والاستغفار (2)

الزلازل الشديدة والبراكين دعوة إلى التوبة والاستغفار (2)
الأربعاء ١٤ يونيو ٢٠٢٣ - ٠٩:٥١ ص
49

 

الزلازل الشديدة والبراكين دعوة إلى التوبة والاستغفار (2)

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد بيَّنَّا -فيما سبق- ما توصَّل إليه العلم الحديث حتى الآن بما يتعلق بالزلازل والبراكين، ونبحث الآن فيما يتعلَّق بما ورد في الكتاب والسنة بما يتعلَّق بهذا الأمر، وما ينبغي أن يعلمه المسلم، وأن يتعامل بناءً عليه في هذا الشأن. 

وهذا يتضمن الإيمان بأمورٍ، منها:

- أن الله يعلم كلَّ ما يحدث على الأرض:

مما لا شك فيه عند كلِّ مسلم: أن الله -تعالى- يعلم كل شيء يحدث في السماوات أو في الأرض، لا يغيب عنه كبير أو صغير فيهما مهما كان، وقد جاءت الآيات القرآنية الكثيرة التي تؤكِّد هذا الأمر، قال -تعالى-: (‌وَعِنْدَهُ ‌مَفَاتِحُ ‌الْغَيْبِ ‌لَا ‌يَعْلَمُهَا ‌إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (الأنعام: 59)، وقال: (‌وَمَا ‌يَعْزُبُ ‌عَنْ ‌رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) (يونس: 61). (‌وَمَا ‌يَعْزُبُ) أي: لا يغيب. 

وقال: (‌أَلَمْ ‌تَعْلَمْ ‌أَنَّ ‌اللَّهَ ‌يَعْلَمُ ‌مَا ‌فِي ‌السَّمَاءِ ‌وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) (الحج: 70)، وقال: (‌وَمَا ‌يَعْزُبُ ‌عَنْ ‌رَبِّكَ ‌مِنْ ‌مِثْقَالِ ‌ذَرَّةٍ ‌فِي ‌الْأَرْضِ ‌وَلَا ‌فِي ‌السَّمَاءِ ‌وَلَا ‌أَصْغَرَ ‌مِنْ ‌ذَلِكَ ‌وَلَا ‌أَكْبَرَ ‌إِلَّا ‌فِي ‌كِتَابٍ ‌مُبِينٍ) (يونس: 61)، وقال: (يَابُنَيَّ ‌إِنَّهَا ‌إِنْ ‌تَكُ ‌مِثْقَالَ ‌حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ) (لقمان: 16)، وقال: (‌لِتَعْلَمُوا ‌أَنَّ ‌اللَّهَ ‌عَلَى ‌كُلِّ ‌شَيْءٍ ‌قَدِيرٌ ‌وَأَنَّ ‌اللَّهَ ‌قَدْ ‌أَحَاطَ ‌بِكُلِّ ‌شَيْءٍ ‌عِلْمًا) (الطلاق: 12)، وقال: (‌وَاللَّهُ ‌بِكُلِّ ‌شَيْءٍ ‌عَلِيمٌ) (الحجرات: 12)، وقال: (‌وَسِعَ ‌رَبُّنَا ‌كُلَّ ‌شَيْءٍ ‌عِلْمًا) (الأعراف: 89)، وقال: (‌وَمَا ‌مِنْ ‌غَائِبَةٍ ‌فِي ‌السَّمَاءِ ‌وَالْأَرْضِ ‌إِلَّا ‌فِي ‌كِتَابٍ ‌مُبِينٍ) (النمل: 75)، والآيات في هذا المعنى كثيرة.

فكل ما يوجد في باطن الأرض أو على سطحها يحيط الله -تعالى- به إحاطة تامة، لا يخفى عنه حال أي ذرة هنا أو هناك، ساكنة كانت أو متحركة، فكل حركة تقع أو سكون يحدث بلا استثناء هو بإذنه -تعالى-، ويقع تحت علمه وسمعه وبصره -عز وجل-، وكل ما يحدث في باطن الأرض من صدوع وحركة صخور، وكل ما يجري في أعماق الأرض ومركزها من زيادات في درجات الحرارة أو ارتفاع في الضغط، وكل ما ينصهر فيها من معادن وصخور، لا يغيب عن الله -تعالى- منه شيء، بل هو في ملكه وتحت مشيئته، قال -تعالى-: (‌لَهُ ‌مَا ‌فِي ‌السَّمَاوَاتِ ‌وَمَا ‌فِي ‌الْأَرْضِ ‌وَمَا ‌بَيْنَهُمَا ‌وَمَا ‌تَحْتَ ‌الثَّرَى) (طه: 6)

- أن المصائب والكوارث كلها مقدَّرة:

فكل ما يقع في الأرض من حوادث أو كوارث، صغرت أو كبرت طالت أو قصرت، إنما هي بعلم الله -تعالى-، تحت ملكه وبإذنه ومشيئته؛ لا راد لحكمه فيها، ولا معقِّب لأمره؛ فهو -عز وجل- يجعل لها الأسباب ويمضيها، ولو شاء عطلها ومنع حدوثها، قال -تعالى-: (‌مَا ‌أَصَابَ ‌مِنْ ‌مُصِيبَةٍ ‌فِي ‌الْأَرْضِ ‌وَلَا ‌فِي ‌أَنْفُسِكُمْ ‌إِلَّا ‌فِي ‌كِتَابٍ ‌مِنْ ‌قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ . لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) (الحديد: 22 -23)، فالله الذي أبرأها وهو الذي قدَّرها وهي عنده مكتوبة، لا يعجزه ذلك ولا يشق عليه، بل هو على كل ذلك قدير، وهو عليه يسير. 

وقال: (‌مَا ‌أَصَابَ ‌مِنْ ‌مُصِيبَةٍ ‌إِلَّا ‌بِإِذْنِ ‌اللَّهِ ‌وَمَنْ ‌يُؤْمِنْ ‌بِاللَّهِ ‌يَهْدِ ‌قَلْبَهُ) (التغابن: 11)، وقال: (‌قُلْ ‌لَنْ ‌يُصِيبَنَا ‌إِلَّا ‌مَا ‌كَتَبَ ‌اللَّهُ ‌لَنَا) (التوبة: 51)، وقال: (وَمَا كَانَ اللَّهُ ‌لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا) (فاطر: 44).

- أن الله -تعالى- يهلك مَن يشاء متى شاء وينجي مَن يشاء:

يتعرَّض الناس للكوارث والحوادث في وقتٍ واحدٍ، فينجو هذا ويهلك هذا، وربما هلك القوي العفي، ونجا الضعيف، وربما لم تنفع الاحتياطات مَن احتاط بها، ولم تسعف الأسباب مَن أخذ بها، فيهلك هذا رغم ما احتاط به، وأصيب هذا بما يكره رغم الأخذ بأسباب منعه، وربما تجاوز صغير أو مولود خطرًا ليس له أدنى قدرة على دفعه والإفلات منه، فنجا بلا حول منه ولا قوة؛ فنرى زلازل تهلك أصحاء أقوياء، ونرى أطفالًا ورضع ينجون في نفس الزلزال، بل ربما أخرجوا من تحت الأنقاض أحياء بعد أيام؛ كل ذلك بقدر الله -تعالى- ومشيئته النافذة وتابع لحكمته فيها، فلكل أجل كتاب، قال -تعالى-: (‌وَلَمَّا ‌جَاءَتْ ‌رُسُلُنَا ‌إِبْرَاهِيمَ ‌بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ . قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ . وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لَا تَخَفْ وَلَا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلَّا امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ . إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ . وَلَقَدْ تَرَكْنَا مِنْهَا آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (العنكبوت: 31 - 35) .الغابرين: الهالكين.

وقال -تعالى- في شأن نجاة إبراهيم -عليه السلام- مِن قومه: (‌قَالُوا ‌حَرِّقُوهُ ‌وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ . قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ . وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ) (الأنبياء: 68 - 70)، وقال: (‌فَمَا ‌كَانَ ‌جَوَابَ ‌قَوْمِهِ ‌إِلَّا ‌أَنْ ‌قَالُوا ‌اقْتُلُوهُ ‌أَوْ ‌حَرِّقُوهُ ‌فَأَنْجَاهُ ‌اللَّهُ ‌مِنَ ‌النَّارِ ‌إِنَّ ‌فِي ‌ذَلِكَ ‌لَآيَاتٍ ‌لِقَوْمٍ ‌يُؤْمِنُونَ) (العنكبوت: 24)، وقال: (‌قَالُوا ‌ابْنُوا ‌لَهُ ‌بُنْيَانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ . فَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَسْفَلِينَ) (الصافات: 97 - 98)، وقال: (‌وَلَقَدْ ‌أَرْسَلْنَا ‌نُوحًا ‌إِلَى ‌قَوْمِهِ ‌فَلَبِثَ ‌فِيهِمْ ‌أَلْفَ ‌سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا فَأَخَذَهُمُ الطُّوفَانُ وَهُمْ ظَالِمُونَ . فَأَنْجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ) (العنكبوت: 14- 15)

وفي أيامنا هذه، فإن التسونامي من جنس الطوفان مع الفارق، فالطوفان أكبر وأعم، وقال: (‌وَلَقَدْ ‌نَادَانَا ‌نُوحٌ ‌فَلَنِعْمَ ‌الْمُجِيبُونَ . وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ) (الصافات: 75 - 76).

والملائكة بأمر الله -تعالى- تحرس بني آدم، وتحفظهم من كلِّ سوء، قال -تعالى-: (سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ ‌الْقَوْلَ ‌وَمَنْ ‌جَهَرَ ‌بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ . لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) (الرعد: 10- 11)

قال د. عمر الأشقر -رحمه الله-: (وقد بَيَّن ترجمان القرآن ابن عباس: أن المعقبات مِن الله هم الملائكة؛ جعلهم الله ليحفظوا الإنسان من أمامه ومن ورائه، فإذا جاء قَدَر الله الذي قدَّر أن يصل إليه خلوا عنه. وقال مجاهد: ما مِن عبد إلا له مَلَك موكل بحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوام، فما منها شيء يأتيه إلا قال له الملك: وراءك، إلا شيء أذن الله فيه فيصيبه. 

وقال رجل لعلي بن أبي طالب: إن نفرًا مِن مراد يريدون قتلك، فقال: -أي: علي-: إن مع كل رجل ملكين يحفظانه مما لم يقدر، فإذا جاء القدر خليا بينه وبينه، إن الأجل جنة حصينة.  

والمعقبات المذكورة في آية الرعد هي المرادة بالآية الأخرى: (‌وَهُوَ ‌الْقَاهِرُ ‌فَوْقَ ‌عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ) (الأنعام: 61)، فالحفظة الذين يرسلهم الله يحفظون العبد حتى يأتي أجله المقدر له) (انظر: عالم الملائكة الأبرار).

- أن الزلازل كانت لأمم عقوبة ربانية:

أخبر الله -تعالى- أنه عاقب أقوامًا عديدة سابقة بأنواع مختلفة من العقوبات الشديدة، وأن منهم مَن أهلكهم بأن خسف بهم الأرض، ومنهم مَن أخذتهم الرجفة، والخسف والرجف من جنس الزلزلة؛ جاءهم ذلك بغتة من حيث لا يحتسبون. 

ومن أشهر الأمثلة التي وردت في الكتاب والسنة في ذلك:

- ما وقع مع قارون: قال الله -تعالى- في شأنه: (‌فَخَرَجَ ‌عَلَى ‌قَوْمِهِ ‌فِي ‌زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ . وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ . فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ . وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلَا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ . تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (القصص: 79- 83). وقال: (‌فَكُلًّا ‌أَخَذْنَا ‌بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (العنكبوت: 40).

- وما وقع مع قوم نبي الله شعيب -عليه السلام- قال -تعالى-: (‌وَقَالَ ‌الْمَلَأُ ‌الَّذِينَ ‌كَفَرُوا ‌مِنْ ‌قَوْمِهِ ‌لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْبًا إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ . فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ) (الأعراف: 90 -91). (فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ): فأهلكتهم الزلزلة الشديدة. (التفسير الميسر).

وقال: (‌وَإِلَى ‌مَدْيَنَ ‌أَخَاهُمْ ‌شُعَيْبًا فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ . فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ) (العنكبوت: 36 - 37).

قال -تعالى-: (‌أَأَمِنْتُمْ ‌مَنْ ‌فِي ‌السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ) (الملك: 16). والمعنى: (أأمنتم أيها الناس مَن في السماء، وهو الله -تعالى- أن يذهب الأرض بكم، فإذا هي تمور وتضطرب) (التفسير الميسر)

- ومنه ما ورد في السنة النبوية: فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (‌بَيْنَمَا ‌رَجُلٌ ‌يَمْشِي ‌فِي ‌حُلَّةٍ ‌تُعْجِبُهُ ‌نَفْسُهُ مُرَجِّلٌ جُمَّتَهُ، إِذْ خَسَفَ اللهُ بِهِ فَهُوَ يَتَجَلَّلُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) (متفق عليه).   

- أن عقوبة الله -تعالى- الدنيوية تأتي بغتة:

قال -تعالى-: (‌وَكَمْ ‌مِنْ ‌قَرْيَةٍ ‌أَهْلَكْنَاهَا ‌فَجَاءَهَا بَأْسُنَا بَيَاتًا أَوْ هُمْ قَائِلُونَ . فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ) (الأعراف: 4 -5). وقال: (‌وَلَقَدْ ‌أَرْسَلْنَا ‌إِلَى ‌أُمَمٍ ‌مِنْ ‌قَبْلِكَ ‌فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ . فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ . فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الأنعام: 42 - 45)، وقال: (‌قُلْ ‌أَرَأَيْتَكُمْ ‌إِنْ ‌أَتَاكُمْ ‌عَذَابُ ‌اللَّهِ ‌بَغْتَةً ‌أَوْ ‌جَهْرَةً ‌هَلْ ‌يُهْلَكُ ‌إِلَّا ‌الْقَوْمُ ‌الظَّالِمُونَ) (الأنعام: 47)، وقال: (‌كَذَلِكَ ‌سَلَكْنَاهُ ‌فِي ‌قُلُوبِ ‌الْمُجْرِمِينَ . لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ . فَيَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ . فَيَقُولُوا هَلْ نَحْنُ مُنْظَرُونَ . أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ . أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ . ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ . مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ) (الشعراء: 200 - 207) (مُنْظَرُونَ) أي: مؤخَّرون. (التفسير المسير)

وقال: (‌وَلَا ‌يَزَالُ ‌الَّذِينَ ‌كَفَرُوا ‌فِي ‌مِرْيَةٍ ‌مِنْهُ ‌حَتَّى ‌تَأْتِيَهُمُ ‌السَّاعَةُ ‌بَغْتَةً ‌أَوْ ‌يَأْتِيَهُمْ ‌عَذَابُ ‌يَوْمٍ ‌عَقِيمٍ) (الحج: 55). (‌بَغْتَةً): فجأة. (‌يَوْمٍ ‌عَقِيمٍ): لا مِثْل له في هوله وشدته. (التفسير الميسر)

وقال: (‌كَذَّبَ ‌الَّذِينَ ‌مِنْ ‌قَبْلِهِمْ فَأَتَاهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ . فَأَذَاقَهُمُ اللَّهُ الْخِزْيَ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) (الزمر: 25 - 26)، وقال: (‌وَلَا ‌نُكَلِّفُ ‌نَفْسًا ‌إِلَّا ‌وُسْعَهَا ‌وَلَدَيْنَا ‌كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ . بَلْ قُلُوبُهُمْ فِي غَمْرَةٍ مِنْ هَذَا وَلَهُمْ أَعْمَالٌ مِنْ دُونِ ذَلِكَ هُمْ لَهَا عَامِلُونَ . حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ . لَا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ إِنَّكُمْ مِنَّا لَا تُنْصَرُونَ . قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ . مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ) (المؤمنون: 62 - 67)، وقوله -تعالى-: (حَتَّى إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذَابِ) أي: حتى إذا ما أنزلنا العذاب بالمترفين الذين استعملوا نعم الله في المعاصي. (إِذَا هُمْ يَجْأَرُونَ) أي: يتضرعون إلينا بالدعاء. (فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ) أي: تعرضون عن آياتنا وتولونها ظهوركم باستهزاء. (مُسْتَكْبِرِينَ بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ) أي: تعرضون عن آياتنا بغرور واستهزاء، واستخفاف بكلِّ ما هو حق. (التفسير الميسر)

وقال -تعالى- في قوم لوط -عليه السلام-: (‌لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ . فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ  فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ . إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ . وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ . إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ) (الحجر: 72-77)، (مُشْرِقِينَ) أي: فأخذتهم الصيحة الشديدة التي دمَّرتهم وقت شروق الشمس. (لِلْمُتَوَسِّمِينَ): المتأملين المتفكرين. و(وَإِنَّهَا) أي: القرى التي كان يسكنها قوم لوط. (لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ) أي: لبطريق ثابت واضح يسلكه الناس. (التفسير الميسر)

وقال: (‌وَلَقَدِ ‌اسْتُهْزِئَ ‌بِرُسُلٍ ‌مِنْ ‌قَبْلِكَ ‌فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ) (الرعد: 32).

- أنه لا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون:

قال -تعالى-: (‌أَفَأَمِنَ ‌الَّذِينَ ‌مَكَرُوا ‌السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ . أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ . أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ) (النحل: 45 -47)، وقال: (‌أَفَأَمِنَ ‌أَهْلُ ‌الْقُرَى ‌أَنْ ‌يَأْتِيَهُمْ ‌بَأْسُنَا ‌بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ . أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ . أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ . أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ) (الأعراف: 97 - 100)، وقال: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ ‌بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا مَاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ . أَثُمَّ إِذَا مَا وَقَعَ آمَنْتُمْ بِهِ آلْآنَ وَقَدْ كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ . ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا بِمَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ) (يونس: 50 - 52)، وقال: (‌وَكَأَيِّنْ ‌مِنْ ‌قَرْيَةٍ ‌أَمْلَيْتُ ‌لَهَا ‌وَهِيَ ‌ظَالِمَةٌ ‌ثُمَّ ‌أَخَذْتُهَا ‌وَإِلَيَّ ‌الْمَصِيرُ) (الحج: 49). (‌أَمْلَيْتُ ‌لَهَا) أي: أمهلت عقوبة أهلها إلى وقت معين ثم أهلكتها إهلاكًا شديدًا، وسيعود أهلها إلى يوم القيامة فيجدون عذابًا أشد. (التفسير الميسر)

وقال: (حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ ‌زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (يونس: 24).

- أن إهلاك العصاة يكون بعد بلوغ الحجة عليهم: 

قال -تعالى-: (‌وَمَا ‌كَانَ ‌رَبُّكَ ‌مُهْلِكَ ‌الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ) (القصص: 59)، وقال: (‌ذَلِكَ ‌أَنْ ‌لَمْ ‌يَكُنْ ‌رَبُّكَ ‌مُهْلِكَ ‌الْقُرَى ‌بِظُلْمٍ ‌وَأَهْلُهَا ‌غَافِلُونَ) (الأنعام: 131)، وقال: (‌وَكَمْ ‌قَصَمْنَا ‌مِنْ ‌قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ . فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ . لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ . قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ . فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ) (الأنبياء: 11-15)، (يَرْكُضُونَ): يهربون بسرعة. (خَامِدِينَ): هالكين. (التفسير الميسر)

وقال: (‌فَكَأَيِّنْ ‌مِنْ ‌قَرْيَةٍ ‌أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ) (الحج: 45)، وقال: (‌وَكَمْ ‌أَهْلَكْنَا ‌مِنْ ‌قَرْيَةٍ ‌بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ) (القصص: 58)، وقال: (‌وَإِنَّكَ ‌لَتَدْعُوهُمْ ‌إِلَى ‌صِرَاطٍ ‌مُسْتَقِيمٍ (??) وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ  . وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِنْ ضُرٍّ لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ . وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ . حَتَّى إِذَا فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا ذَا عَذَابٍ شَدِيدٍ إِذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) (المؤمنون: 73-77). (لَنَاكِبُونَ) أي: لمائلون وخارجون. (لَلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) أي: لتمادوا في كفرهم وفي بغيهم بتردد وتحير. (وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ) أي: ولقد عاقبناهم بالعذاب الدنيوي من الجدب والمرض. (فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ) أي: فما انقادوا لأوامر ربهم وما تضرَّعوا إليه بالدعاء ليكشف عنهم البلاء. (التفسير الميسر)

- أن عقاب الله الدنيوي يعم الجميع إذا كَثُر الخبث: 

قال -تعالى-: (‌وَاتَّقُوا ‌فِتْنَةً ‌لَا ‌تُصِيبَنَّ ‌الَّذِينَ ‌ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (الأنفال: 25)، ولما سُئِل النبي -صلى الله عليه وسلم-: أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: (‌نَعَمْ، ‌إِذَا ‌كَثُرَ ‌الْخَبَثُ) (متفق عليه).

- أنه لا ينجو إلا المصلحون:

إنما ينجو من العقوبة والإهلاك، والعذاب الدنيوي: الصالحون المصلحون؛ الذين يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، قال -تعالى- في قصة أصحاب السبت: (‌وَإِذْ ‌قَالَتْ ‌أُمَّةٌ ‌مِنْهُمْ ‌لِمَ ‌تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ . فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) (الأعراف: 164-165)، وقال: (‌فَلَوْلَا ‌كَانَ ‌مِنَ ‌الْقُرُونِ ‌مِنْ ‌قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ . وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) (هود: 116-117).

وقال: (‌وَقَالَ ‌الَّذِينَ ‌كَفَرُوا ‌لِرُسُلِهِمْ ‌لَنُخْرِجَنَّكُمْ مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ . وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ) (إبراهيم:13-14)، وقال: (حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا ‌فَنُجِّيَ ‌مَنْ ‌نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) (يوسف: 110).

- أن النجاة من عذاب الله -تعالى- تكون بالتوبة والاستغفار والدعاء:

قال -تعالى-: (‌وَمَا ‌كَانَ ‌اللَّهُ ‌مُعَذِّبَهُمْ ‌وَهُمْ ‌يَسْتَغْفِرُونَ) (الأنفال: 33)، وهذا خطيب الأنبياء شعيب -عليه السلام- يقول لقومه: (‌وَيَاقَوْمِ ‌لَا ‌يَجْرِمَنَّكُمْ ‌شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ . وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ . قَالُوا يَاشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ) (هود: 89-91)، فكانت عاقبتهم كما قال -تعالى-: (‌وَلَمَّا ‌جَاءَ ‌أَمْرُنَا ‌نَجَّيْنَا ‌شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ . كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا (هود: 89-95)، وقال: (قُلْ مَا ‌يَعْبَأُ ‌بِكُمْ ‌رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا) (الفرقان: 77)، وقال: (‌هُوَ ‌الَّذِي ‌يُسَيِّرُكُمْ ‌فِي ‌الْبَرِّ ‌وَالْبَحْرِ حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ . فَلَمَّا أَنْجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (يونس: 22 -23).

وقال: (‌وَإِذَا ‌مَسَّكُمُ ‌الضُّرُّ ‌فِي ‌الْبَحْرِ ‌ضَلَّ ‌مَنْ ‌تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ فَلَمَّا نَجَّاكُمْ إِلَى الْبَرِّ أَعْرَضْتُمْ وَكَانَ الْإِنْسَانُ كَفُورًا . أَفَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جَانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلًا . أَمْ أَمِنْتُمْ أَنْ يُعِيدَكُمْ فِيهِ تَارَةً أُخْرَى فَيُرْسِلَ عَلَيْكُمْ قَاصِفًا مِنَ الرِّيحِ فَيُغْرِقَكُمْ بِمَا كَفَرْتُمْ ثُمَّ لَا تَجِدُوا لَكُمْ عَلَيْنَا بِهِ تَبِيعًا) (الإسراء: 67 - 69)، وقال: (‌وَإِذَا ‌غَشِيَهُمْ ‌مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ) (لقمان: 32).

وقد سُئِل الإمام الشافعي يومًا: "إذا كان الله يرمينا بسهام القدر؛ فكيف بالنجاة؟ فقال: كن بجوار الرامي تنجو".

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة