السبت، ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٧ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

تلوث الهواء... القاتل المجهول!

تلوث الهواء... القاتل المجهول!
الاثنين ١٩ يونيو ٢٠٢٣ - ١٠:٥٢ ص
107

 

تلوث الهواء... القاتل المجهول!

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فيُعد التَّعرُّض للهواء الملوث بنوعيه: الداخلي (أي: في الأماكن المغلقة)، والخارجي (أي: في الأماكن المفتوحة) من أشد الأمور ضررًا على صحة وحياة الإنسان في كلِّ أنحاء العالم؛ إذ قدَّرت الدراسات والأبحاث العلمية: أن عدد الوفيات بسبب تلوث الهواء في عام 2019، بلغ نحو سبعة ملايين حالة وفاة على صعيد العالم، وهذا يمثِّل 12 % من إجمالي عدد الوفيات في العالم سنويًّا. 

وإذا كان فيروس كوفيد - 19 قد سبَّب حالة من الفزع لكثرة ضحاياه في قارات العالم المختلفة؛ فإن ضحايا تلوث الهواء في كل القارات كانت -وما زالت- أكثر من ضحايا هذا الفيروس، بل إن نسبة ليست قليلة من ضحايا الفيروس فاقم إصاباتهم تعرُّض رئاتهم وأجسامهم للتلوث بالهواء لفترات طويلة قبل الإصابة بالفيروس.

فالناس الذين يعيشون في أماكن ملوثة الهواء هم أكثر عرضة للإصابة بالأمراض المزمنة الصدرية وغير الصدرية من غيرهم، ومرضى كهؤلاء كانوا هم الأكثر عرضة لخطر الإصابة بمرض كوفيد - 19. 

علاوة على ذلك: فإن بمقدور تلوث الهواء أن يضعف مناعة الجسم، ويلهب المجاري التنفسية، جاعلًا الجسم أقل قدرة على التصدي لأي فيروس أو ميكروب يهاجم الجهاز التنفسي. 

إن تلوث الهواء ضار على المدى البعيد على جسم الإنسان؛ حتى وإن كان يتعرض لمستويات متدنية من التلوث، والوفيات التي تحدث بسبب الإصابة بمرض كورونا تكون أسرع، أما تلوث الهواء فإنه يتراكم فتحدث الوفيات بسببه بعد فترة من الزمن وفقًا لمعدلات التلوث، فتلوث الهواء جائحة كجائحة كورونا، لكن تتوالى أحداثها رويدًا كما لو كنا نشاهد فيلمًا بالعرض البطيء، ويكون الوضع أسوأ وأسوأ مع الأطفال خاصة الصغار منهم. 

ورغم أنه من المسلَّم به أن تأثير تلوث الهواء قاتل على المدى البعيد، فإن الاهتمام الذي يحظى به التلوث أقل بكثير من الاهتمام بفيروس قاتل كفيروس كورونا، مع أن تلوث الهواء يقتل سنويًّا من الناس أعدادًا أكبر بكثير.   

(وتفيد منظمة الصحة العالمية أن تلوث الهواء يتسبب في وفاة نحو سبعة ملايين وفاة على مستوى العالم، أي: أكثر من ضعفي ما يسببه استهلاك الكحول، وأكثر من خمسة أضعاف ما تسببه حوادث السير، بل إن بعض البحوث تفيد أن عدد ضحايا التلوث يفوق تقديرات هذه المنظمة. ومعظم تلك الوفيات ناتج عن تلوث الهواء الخارجي)، (وصحيح أن أغلب الوفيات يحدث في الدول النامية، ونصف ذلك في الصين والهند وحدهما، لكن تلوث الهواء يظل قاتلًا لا يستهان به في الدول المتقدمة أيضًا. ويقدر البنك الدولي التكلفة الاقتصادية لذلك على مستوى العالم بأكثر من خمسة تريليونات دولار سنويًّا، وفي الولايات المتحدة الأمريكية بعد مرور 50 عامًا على اعتماد الكونجرس (قانون الهواء النظيف) ما زال أكثر من 45 % من الأمريكيين يتنفسون هواء غير صحي وفقًا لجمعية الرئة الأمريكية. 

كما أن هذا الهواء ما زال يتسبب بأكثر من 60 ألف وفاة سنويًّا، من دون حساب الآلاف المؤلفة الذين قضوا لأنه جعلهم أكثر عرضة لتداعيات كوفيد - 19، فالتلوث قاتل خفي على أنه لا يدرج في شهادات الوفاة بوصفه مسببًا) (راجع مجلة "ناشيونال جيوغرافيك العربية" عدد إبريل 2021م، ص 54)

وقد ثبت من خلال مشروع رائد تم في عام 1993م عرف باسم: دراسة المدن الست: (أن الناس الذين عاشوا في المدن الأكثر تلوثًا بين المدن الأمريكية الصغيرة الست التي درسها باحثو جامعة هارفارد كانوا أكثر عرضة للوفاة بنسبة 26% من الذين عاشوا في أنظف المدن). 

قال رئيس الدراسة: (كانت النتائج مفاجئة جدًّا جدًّا، وفي الواقع وجدنا التأثير كبيرًا على درجة لم نصدقها). 

على أن مجموعة بيانات طويلة الأمد أخرى من الجمعية الأمريكية للسرطان ما لبثت أن أكدت النتائج، (وكذلك أظهرت المزيد من البحوث حقيقتين آخرتين عن تلوث الهواء، هما: أنه مؤذٍ جدًّا حتى في أدنى مستوياته على خلاف ما كان يعتقد سابقًا. وأن أذاه يتخذ أشكالًا أكثر بكثير). 

وأفادت لجنة من (جامعة إلينوي) بمدينة شيكاغو قامت بمراجعة واختصار بحوث تم إنجازها على مرِّ عقودٍ من الزمن: (أن الهواء الملوث يؤثر في جميع أنظمة الجسم الأساسية تقريبًا، فقد يتسبب في نحو 20% من وفيات السكتات الدماغية وداء الشريان التاجي، مثيرًا النوبات القلبية واضطرابات نبض القلب، وقصور القلب، وارتفاع ضغط الدم) (المصدر السابق، ص 54 - 55)

وعلى المستوى العالمي يعد انتشار استخدام الفحم في الحصول على الطاقة أو التدفئة من أشد وأخطر أسباب تلوث الهواء بما يؤثر سلبيًّا على الصحة والمناخ معًا؛ حيث توجد محطات لإنتاج الكهرباء تدار باستخدام الفحم، كما يتم تحويل الفحم الخام إلى قطع صغيرة (قويلبات) تستخدم في المواقد المنزلية والتدفئة؛ إذ قد تحرق العائلة الواحدة ثلاثة أطنان من الفحم كل شتاء للتدفئة في البلاد الباردة.  

ويعد الديزل -الذي هو أردأ من البنزين- مرغوبًا فيه: لأن المركبات تقطع به مسافات أطول قليلًا مما تقطعه بالبنزين، لكن دخان هذه المركبات الذي يتجاوز الحدود القانونية يجعل هواء الطرق كثيفًا بما يؤثر على الرئتين خاصة لدى الصغار، ومع ذلك فما زالت الإخفاقات السياسية والتنظيمية تسمح لمصنعي هذه السيارات ببيعها. 

و(في عام 2015 اكتشف الناس أن شركة (فولكس فاجن) كانت قد برمجت 11 مليون سيارة تعمل بالديزل، (وقد أجبرت السلطات الأمريكية الشركة على إنفاق مليارات من الدولارات لتعويض الزبائن وإصلاح السيارات أو إعادة شرائها منهم، لكن أوروبا سمحت لواحد وخمسين سيارة أو شاحنة مغلقة -مِن شركات متعددة لتصنيع المركبات- بالبقاء على الطرق مطلقة انبعاثات لثاني أوكسيد النيتروجين أكبر من الحد المسموح به بثلاثة أضعاف أو أكثر، وفقًا لجماعة الضغط التي تحمل اسم: (الاتحاد الأوروبي للنقل والبيئة). 

وقد توصلت إحدى الدراسات إلى أن هذا التلوث الزائد يتسبب بنحو 7000 وفاة سنويًّا، وبدلًا من أن تجبر أوروبا المصنعين على جعل سياراتهم تخضع للمعايير البيئية؛ فإنها في الغالب تلقي بعبء معالجة المشكلة على كاهل المدن على امتداد القارة، وتحظر السلطات المحلية أقذر السيارات أو تغرم أصحابها، وهي خطوة نحو تحقيق هواء أنظف، وهناك مؤشرات على أن إجراءات كهذه تدفع السائقين بعيدًا عن الديزل، لكن هذه الجهود متفرقة لا تقارب في فاعليتها الفعالية التي يمكن أن يكون عليها إجراء تتخذه جهات رسمية عليا) (راجع المصدر السابق، ص 55 بتصرفٍ)

أما الدخان الناتج عن حرائق الغابات والبراري فيعد كارثيًّا؛ فأينما وجد حريق فثم دخان سام، فحريق يزحف على غابة جافة يتحول إلى إعصار من اللهب يندفع لآلاف من الهكتارات جاعلًا من كل شيء في طريقه وقودًا له، ويتسبب في حرق الأشجار والمراعي، والأكواخ الجبلية، وجسور المشاة، وأعمدة الإنارة، والأسوار والسيارات في الطرق القريبة، وقد يودي بحياة أشخاص وبعض رجال إطفاء، ويلف الدخان المتصاعد كل مكان في مسار الحريق، وينتشر ويتصاعد ويحجب الأجواء أبعد بكثير من مكان اللهب الفعلي، وعلى امتداد آلاف الكيلومترات. 

وفي كل عام تشتعل حرائق في البراري في مساحات شاسعة من العالم، ويقوم الخبراء برسم خرائط ترصد تداعياتها باستخدام صور القمر الصناعي التابع لوكالة ناسا. 

وتعد حدائق البراري في غرب الولايات المتحدة خلال شهري: أغسطس وسبتمبر عام 2020 من بين الأسوأ في التاريخ؛ إذ نتج عنها دخان هائل ظل مهيمنًا على مدن، مثل: سان فرانسسكو لأسابيع عديدة، وفي الهند يؤدي حرق النفايات الزراعية لتهيئة الحقول بشمال غربي دلهي -الأكثر سكانًا في الهند إذ بها نحو 30 مليون نسمة- إلى تفاقم نوعية الهواء الرديئة بها أصلًا. 

أما في أستراليا، فإن الحرائق الموسمية ظاهرة طبيعية هناك، لكن شهد عامي: 2019 و2020م، درجات حرارة مرتفعة قياسيا وأمطارًا شحيحة للغاية؛ مما أنذر بحدوث قحط ووقوع مزيد من الحرائق الموسمية المرتقبة، وتشهد قارة إفريقية في أغسطس موجة من الحرائق يشعل معظمها لتهيئة الأرض للزراعة.

وجدير بالذكر: أن جل تلوث الهواء في العالم لا يزال ينشأ من مصادر أخرى: كعوادم المركبات، والأفران، ودخان حرق الأخشاب والمنشآت الصناعية، والحرائق الزراعية لإزالة مخلفات الحاصلات الزراعية، وأوراق الشجر ونيران الطهي في الأماكن المغلقة. 

وهناك فوق ذلك تلوث ناتج من الزراعة الصناعية الحديثة؛ إذ يطلق السماد العضوي (الزبل) -بالإضافة إلى الأسمدة الكيميائية- كميات كبيرة من غاز النشادر الذي يتفاعل مع ملوثات أخرى في الهواء لإنتاج جسيمات دقيقة ضارة تلوث الهواء.

والهواء الملوث هو خليط من الغازات والجسيمات الدقيقة، ومن هذه الجسيمات ما هو دقيق جدًّا، وبإمكانه دخول مجرى الدم مسببًا أضرارًا خطيرة بأجهزة الجسم المختلفة.

ومن أخطر الملوثات الرئيسية في الهواء:

- غاز ثاني أكسيد النيتروجين: الذي ينتج من إحراق الوقود الأحفوري المستخدم في تشغيل المركبات ومحطات إنتاج الطاقة، وهو غاز مهيج للمجاري الهوائية. 

- غاز ثاني أكسيد الكبريت: وينتج أيضًا من إحراق الوقود الأحفوري، وأكبر مصادره محطات إنتاج الطاقة والمنشآت الصناعية، ومن مصادره الطبيعية: البراكين، وهو يصيب الإنسان حال التعرض له بصعوبة في التنفس.  

- غاز الأوزون: الذي يتولد عند مستوى الأرض من تفاعل انبعاثات المركبات والمصانع كيميائيًّا في وجود أشعة الشمس، ويسبب تهيج الحلق والتهابه، ويحدث آلامًا في الصدر.

 - الجسيمات الدقيقة: منها الجسيمات الدقيقة (بي أم 10) التي تنتج من عوادم المركبات، وغبار الطرق والحرائق، وهي تعلق بالأنف مجرى الهواء العلوي، وللتخلص الجسم منها يكون العطاس والسعال. ومنها الجسيمات الدقيقة جدًّا (بي أم 2.5) التي تنتج من المصانع، وعوادم المركبات وإحراق النفايات، والخشب وحرائق البراري، وهي جسيمات دقيقة جدًّا معلقة في الهواء بحجم أصغر من 5و2 ميكرومتر، أي: أن قطرها أصغر من قطر شعرة في الرأس بنحو 30 مرة، ويمكنها لصغرها أن تسير في مجاري التنفس إلى أن تبلغ الحويصلات الهوائية في الرئة والدخول إلى مجرى الدم. 

وقد وجد العلماء جسيمات منها في القلب والدماغ والمشيمة، وفي جائحة كورونا كانت معدلات الوفاة بالجائحة أكبر في الأماكن التي حوت كميات أكبر من هذه الجسيمات الدقيقة جدًّا. 

ومن خلال البيانات الخاصة بنوعية الهواء على مستوى الولايات المتحدة، وسجل وفيات مرض كوفيد - 19 أجرته جامعة (جونز هوبكنز) في عام 2020 م، وجد أن التعرض للتلوث بتلك الجسيمات في الهواء الفاسد لعقود سابقة تسبب في 15 % من وفيات مرض كورونا (المصدر السابق، ص 54).

تداعيات التلوث بالجسيمات الدقيقة جدًّا على الجسم: 

- في الدماغ: يؤدي التعرض طويل الأمد لتلك الجسيمات، ولثاني أوكسيد النيتروجين، ولثاني أوكسيد الكبريت إلى حالات تدهور إدراكي، وزيادة خطر الإصابة بالزهايمر. وفي دراسة عام 2019 وجد أن 26 % من حالات السكتة الدماغية عالميًّا بسبب جسيمات (بي أم 2.5).

- في الجهاز العصبي: يقترن التلوث باضطرابات في النمو العصبي، وبالوفيات الناتجة من مرض (باركنسون). 

 - في القلب والأوعية الدموية: يسبب التلوث زيادة خطر الوفاة بالأمراض القلبية الوعائية، ومنها: داء الشريان التاجي، والنوبات القلبية، وجلطات الدم. 

- في الجهاز التنفسي: يهيج التلوث المجاري التنفسية، ويتسبب في العطس والسعال، والإصابة بالربو وسرطان الرئة، ويزيد بنسبة 40 % الإصابة بمرض الانسداد الرئوي المزمن.

- في الغدد الصماء: يسبب التلوث خللًا في عملها، فيساهم في حدوث اضطرابات استقلابية (أيضية) في الجسم.

- في الجهاز البولي: يسبب التلوث طويل الأمد زيادة احتمالات الإصابة أكثر بمرض الكلى المزمن.

- في الجهاز التناسلي: يتسبب التلوث في ضعف الخصوبة، وزيادة حالات الحمل غير الناجح، وزيادة الولادات المبكرة.

- في المواليد والأطفال: يتسبب التلوث في نقص في أوزان المواليد، وزيادة إصاباتهم بالأمراض التنفسية، وزيادة معدل وفيات حديثي الولادة بنسبة 20 %. (راجع المصدر السابق، ص 68). وقد وجد أن التلوث يقلل عمل رئة الأطفال بنحو 40 % عن نظيرتها في الهواء غير الملوث.

و(ما زالت الصين تتصدر العالم في عدد الوفيات الناتجة عن تلوث الهواء، لكنها قطعت أشواطًا كبيرة في الآونة الأخيرة في تنظيف أجوائها، على حين نجد أن تصدي الهند للمشكلة نفسها كان في أغلبه غير مجدٍ؛ إذ تحتل مدن هندية تسعًا من المراتب العشر في قاعدة بيانات منظمة الصحة العالمية لمستويات التلوث بجسيمات (بي أم 2.5)، ضريبتها البشرية مرعبة إذ تبلغ نحو 7و1 ملايين وفاة مبكرة في الهند كل عام. 

وللتلوث الذي يخيم على الهند تشكيلة مذهلة من المصادر، فحرائق النفايات تحترق ببطء في الشوارع حيث لا تجد القمامة مَن يجمعها، أما الانقطاعات المتكررة للكهرباء فتؤدي إلى شيوع استخدام المولدات الكهربائية العاملة بالديزل. 

ثم إن أهالي القرى ومشردي المناطق الحضرية يحرقون الخشب والروث، بل وحتى البلاستيك للطهي والاستدفاء، وفي كل خريف تنساب سحب دخان فوق مدينة دلهي من ولايتي: (البنجاب) و(هاريانا)، حيث يضرم المزارعون النيران في حقولهم لإخلائها بعد الحصاد) (راجع: ناشيونال جيوغرافيك العربية عدد إبريل 2021، ص 56).

 و(كانت هناك فترة في تسعينيات القرن الماضي، وبداية العقد الأول من الألفية الجديدة بدا فيها أن هناك ما يدعو إلى التفاؤل في دلهي، فبضغط من المحكمة العليا طالبت المدينة أصحاب الحافلات وعربات (التوك توك) الآلية الشائعة في المدينة بتحويل مركباتهم إلى العمل بالغاز الطبيعي المضغوط، لكن النمو الاقتصادي ما لبث أن تجاوز جميع الإجراءات المضادة للثلوث. وعلى سبيل المثال: فإن أعداد السيارات على شوارع الهند تضاعفت أكثر من أربع مرات بين عامي: 2001 و2017. كما ازدادت صناعة (الطابوق) بشدة لتلبية ازدهار حركة البناء. 

وكان الطابوق يصنع من مواقد تحرق الفحم من غير تصفية دخانه، لكن ظلت هناك دائمًا نقطة مشرقة؛ إذ إن حملة لمنح هنود الأرياف بدائل لأنواع وقود الطهي كثيرة الدخان خففت التلوث الداخلي، وأنقذت أرواح مئات الآلاف من الأشخاص كل عام، ولكن لم يحدث تحسن يذكر في وضع التلوث الخارجي منذ عقد من الزمان) (المصدر السابق، ص 60-61)

و(في الولايات المتحدة يضيف التلوث بعدا آخر لانعدام المساواة الصارخ الذي يعيشه البلد (أمريكا). فقد خلصت دراسة إلى أن الأمريكيين السود معرضون لجسيمات (بي أم 5و2) أكثر بمرة ونصف مرة مما يتعرض له سكان البلد عمومًا. وهذا التفاوت يتعلق بالعرق أكثر من تعلقه بالوضع الاقتصادي للأشخاص المعنيين)، فـ(يتنفس أغنياء السود باستمرار هواء أكثر تلوثًا مما يتنفس فقراء البيض)، (وكثيرًا ما تخصص الأحياء الصناعية للسكان غير البيض بموجب قيود من الرهون العقارية العنصرية الموروثة، وتبني الشركات منشآت ملوثة جديدة في هذه المناطق؛ لأن أراضيها أرخص ثمنًا؛ ولأن سكانها بلا نفوذ سياسي في الغالب) (المصدر السابق، 61 بتصرفٍ)

تنظيف الهواء يجعل المستقبل أفضل:

(يتذكر سكان لوس أنجلوس القدامى الأيام التي كانت فيها الجبال المحيطة بالمدينة بالكاد ترى بسبب التلوث الشديد، أما اليوم فقد أصبحت تلك الجبال جزءًا أساسيًّا من جمال هذه المدينة)، (فبفضل قانون الهواء النظيف الذي صدر عام 1970 أصبح الهواء على امتداد الولايات المتحدة أنظف بنسبة 77% حتى مع ازدياد عدد السكان وحجم الاقتصاد وعدد السيارات على الطرق. وقد حسن هذا صحة ملايين الناس، ووفر على الدولة تريليونات الدولارات، وجعل البلد (أمريكا) قصة نجاح عالمية في مجال التصدي لتلوث الهواء). 

وكان هذا القانون إنجازًا للحزبين الرئيسيين في أمريكا (إذ فاز بموافقة مجلس الشيوخ بالإجماع واجتاز مجلس النواب فلم يعارضه إلا نائب واحد، ومرد نجاح القانون إلى الأدلة العلمية التي استند إليها والمساءلة، وأهدافه التي تحمل طموحات كبيرة وترتكز على الصحة)، (وكان من بين أحكام هذا القانون أن يقلل صناع السيارات التلوث الصادر من عوادم سياراتهم بنسبة 90 بالمائة، فسيارات اليوم أنظف بنسبة 99 بالمائة من تلك المصنعة قبل عام 1970، وكان كل ذلك بثمن زهيد فقد قدر الباحثون أن الفوائد الإجمالية للقانون فاقت تكلفته بأكثر من 40 مرة. 

ويذكرنا ذلك النجاح بمدى قدرتنا على تنظيف الهواء وحل مشكلات قد تبدو مستعصية عندما يكون زعماؤنا السياسيون مستعدين للعمل وفقًا للدلائل العلمية) (المصدر السابق، ص 72 بتصرفٍ يسيرٍ)

لقد أثبتت التجربة العملية: أن التحول نحو طاقة أنظف تعني تفادي مستقبل مرعب، والتحول إلى مستقبل أكثر صحة، (فمجرد التحول إلى استعمال مركبات كهربائية قد أنقذ آلاف الأرواح، ووفَّر 72 مليار دولار من مصاريف معالجة الأضرار الصحية سنويًّا بالولايات المتحدة وفقًا لجمعية الرئة الأمريكية) (المصدر السابق، ص 66 بتصرفٍ).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة