الجمعة، ٢٥ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٠٣ مايو ٢٠٢٤
بحث متقدم

الكبائر (19) الكبر (موعظة الأسبوع)

الكبائر (19) الكبر (موعظة الأسبوع)
الخميس ٢٢ يونيو ٢٠٢٣ - ١٠:٥١ ص
68

 

الكبائر (19) الكبر (موعظة الأسبوع)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

المقدمة:

- الكبائر هي تلك الذنوب المهلكة، التي ضَمِن الله لمَن اجتنبها في الدنيا، الجنة في الآخرة: قال -تعالى-: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) (النساء: 31).

- الكبر من الكبائر الجسام، ومنكرات الأعمال، وقبيح الخصال، وقد وَرَد في حقِّه شديد العقاب والوبال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا ‌يَدْخُلُ ‌الْجَنَّةَ ‌مَنْ ‌كَانَ ‌فِي ‌قَلْبِهِ ‌مِثْقَالُ ‌ذَرَّةٍ ‌مِنْ ‌كِبْرٍ) (رواه مسلم).

- معنى الكِبْر: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (‌الْكِبْرُ ‌بَطَرُ ‌الْحَقِّ ‌وَغَمْطُ ‌النَّاسِ) (رواه مسلم)(1)، وقال الزَّبيدي: "الكِبْر: حالةٌ يتخصَّص بها الإنسان من إعجابه بنفسه، وأن يرى نفسَه أَكْبَر من غيره". وقيل الكِبْر هو: "استعظام الإنسان نفسه، واستحسان ما فيه من الفضائل، والاستهانة بالناس، واستصغارهم، والترفع على مَن يجب التواضع له" (تهذيب الأخلاق للجاحظ).

(1) ذم الكبر والتنفير منه:

- الكِبْر أوَّل الذنوب التي عُصي الله -تبارك وتعالى- بها في هذا العالم: قال الله -تعالى-: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) (البقرة: 34).

- والكِبْر سبب رئيس في هلاك الأمم السابقة: قال -تعالى- على لسان نبيِّه نوح -عليه السلام-: (وَإِنِّي كُلَّمَا دَعَوْتُهُمْ لِتَغْفِرَ لَهُمْ جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا) (نوح: 7)، وقال -تعالى- عن قوم عاد: (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ) (فصلت: 15)، وقال -تعالى- في قوم ثمود: (قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُواْ لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُّرْسَلٌ مِّن رَّبِّهِ قَالُواْ إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ . قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ إِنَّا بِالَّذِيَ آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ) (الأعراف: 75-76)، وقال الله -تعالى- عن قوم نبي الله شعيب -عليه السلام-: (قَالَ الْمَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُواْ مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ) (الأعراف: 88)، وقال -تعالى- عن فرعون وجنده: (وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لا يُرْجَعُونَ فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ) (القصص: 39).

- الكبر سبب للصرف عن دين الله: قال -تعالى-: (سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ) (الأعراف: 146)(2).

- الكبر سبب لدخول النَّار والعذاب فيها: قال الله -تعالى-: (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ) (الأحقاف: 20)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (‌أَلَا ‌أُخْبِرُكُمْ ‌بِأَهْلِ ‌النَّارِ: ‌كُلُّ ‌عُتُلٍّ، ‌جَوَّاظٍ، ‌مُسْتَكْبِرٍ) (متفق عليه).

وقال: (تَحَاجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ، فَقَالَتِ النَّارُ: أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ، وَقَالَتِ الْجَنَّةُ: فَمَا لِي لَا يَدْخُلُنِي إِلَّا ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ وَغِرَّتُهُمْ؟ قَالَ اللهُ لِلْجَنَّةِ: إِنَّمَا أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَقَالَ لِلنَّارِ: إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِي أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا) (رواه مسلم).

- وذلك لأن الكبر صفة الرب، وليست صفة العبد الضعيف: قال ابن تيمية -رحمه الله-: "الكبر ينافي حقيقة العبوديَّة، كما ثبت في الصَّحيح، عن النَّبي -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال: يقول الله: العظمة إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني واحدًا منهما عذَّبته، فالعظمة والكبرياء من خصائص الرُّبوبيَّة". وقال مطرف بن عبد الله لرجل مستكبر لما قال له: "ألا تعرفني؟! قال: بلى أعرفك، فأولك نطفة مذرة، وآخرك جيفة قذرة، وأنت بين ذلك تحمل العذرة!".

- وأخبر النبي أنه كلما ضعف داعي الكبر عند الإنسان، اشتد عذابه وعقابه اذا فعله وباشره: قال -صلى الله عليه وسلم-: (ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: شَيْخٌ زَانٍ، ‌وَمَلِكٌ ‌كَذَّابٌ، ‌وَعَائِلٌ ‌مُسْتَكْبِرٌ) (رواه مسلم).

(2) فضل التواضع:

- كفى بهذا الخُلُق شرفًا أن صدرت به صفات عباد الرحمن: قال -تعالى-: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا) (الفرقان: 63).

- أمر به أعلى الناس منزلة وأحسنهم خلقًا أن يضع مِن قدره، ليسهل على إخوانه التعامل معه: قال -تعالى-: (وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ) (الحجر: 88).

- هو سبب لمحبة الخلق وإيثار القلوب في الدنيا، ونيل الجزاء الأعلى في الآخرة: قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ تَوَاضَعَ للهِ رَفَعَهُ اللهُ) (رواه البيهقي، وصححه الألباني).

- هو سبب للتوفيق والسداد في الرأي: قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِنْ آدَمِيٍّ إِلَّا فِي رَأسِهِ حَكَمَةٌ بِيَدِ مَلَكٍ، فَإِذَا تَوَاضَعَ، قِيلَ لِلْمَلَكِ: ارْفَعْ حَكَمَتَهُ، وَإِذَا تَكَبَّرَ قِيلَ لِلْمَلَكِ: ضَعْ حَكَمَتَهُ) (رواه الطبراني، وقال الألباني: حسن لغيره).

(3) نماذج من المتواضعين:

- سيد المتواضعين: عن أبي مسعود -رضي الله عنه- قال: أَتَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- رَجُلٌ، فَكَلَّمَهُ، فَجَعَلَ تُرْعَدُ فَرَائِصُهُ، فَقَالَ لَهُ: (هَوِّنْ عَلَيْكَ، فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ، إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ) (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني)، ويخبر أنه كان راعيًا للغنم فيقول: (كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لِأَهْلِ مَكَّةَ) (رواه البخاري)، بخلاف حال المتكبرين الذين يظنون أن ذلك يحقر مِن قدرهم؛ لا سيما الذين أعطوا مِن متاع الدنيا ما يعينهم على العلو وترك التواضع.

- السَّلَف الصالحون: عن عروة بن الزبير قال: "رأيت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- على عاتقه قربة ماء، فقلت: يا أمير المؤمنين! لا ينبغي لك هذا. فقال: لما أتاني الوفود سامعين مطيعين دَخَلَت نفسي نخوة، فأردت أن أكسرها" (تاريخ دمشق لابن عساكر). وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يحمل الحزمة من الحطب على ظهره، وهو أمير الناس في المدينة، ويقول: "طرقوا للأمير، طرقوا للأمير" (تنبيه الغافلين للسمرقندي)، وقال رجاء بن حيوة: "قام عمر بن عبد العزيز ليلة فأصلح السراج، فقلت: يا أمير المؤمنين: لمَ لمْ تأمرني بذلك؟ أو دعوت مَن يصلحه؟ فقال: قمتُ وأنا عمر، ورجعت وأنا عمر" (الطبقات الكبرى)، وقال الأصمعي: "كتب محمد بن كعب نسبه محمد بن كعب القرظي. فقيل له: قل الأنصاري. فقال: أكره أن أمن على الله ما لم أفعل" (قوت القلوب)، وعن مالك بن مغول قال: "قَالَ لِي إِبْرَاهِيمُ: يَا أَبَا حَمْزَةَ، وَاللَّهِ لَقَدْ تَكَلَّمْتُ، وَلَوْ وَجَدْتُ بُدًّا مَا تَكَلَّمْتُ، وَإِنَّ زَمَانًا أَكُونُ فِيهِ فَقِيهَ أَهْلِ الْكُوفَةِ زَمَانُ سُوءٍ!" (سنن الدارمي).

(4) أمور تعين على التواضع:

1- شهود ضعف النفس وعيوبها: قال الله -تعالى-: (فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ. خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ. يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ . إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ) (الطارق: 5-8)، وقال: (وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا) (النساء: 28)، وقال الحسن البصري -رحمه الله-: "عجبًا لابن آدم، يغسل الخرء بيده في اليوم مرة أو مرتين ثم يعارض جبار السماوات والأرض!" (التواضع والخمول).

2- تذكر عاقبة الكبر: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (يُحْشَرُ المُتَكَبِّرُونَ يَوْمَ القِيَامَةِ أَمْثَالَ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ يَغْشَاهُمُ الذُّلُّ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، فَيُسَاقُونَ إِلَى سِجْنٍ فِي جَهَنَّمَ يُسَمَّى بُولَسَ تَعْلُوهُمْ نَارُ الأَنْيَارِ يُسْقَوْنَ مِنْ عُصَارَةِ أَهْلِ النَّارِ طِينَةَ الخَبَالِ) (رواه أحمد والترمذي، وحسنه الألباني).

3- الإذعان للحق وقبوله مِن كل مَن جاء به: سُئِل الفضيل عن التواضع؟ فقال: "يخضع للحق وينقاد له، ويقبله ممَّن قاله" (مدارج السالكين لابن قيم الجوزية). وقال ابن القيم -رحمه الله-: "لَا تَصِحُّ لَكَ دَرَجَةُ التَّوَاضُعِ حَتَّى تَقْبَلَ الْحَقَّ مِمَّنْ تُحِبُّ وَمِمَّنْ تُبْغِضُ" (مدارج السالكين).

4- مجالسة المساكين والفقراء الصالحين وزيارتهم، ولا سيما لمَن كان كثير المجالسة للكبراء والوجهاء: قال -تعالى- للنبي -صلى الله عليه وسلم-: (وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) (الكهف: 28). "مَرَّ الحسن على صبيان معهم كسر خبزٍ فاستضافوه، فنزل فأكل معهم، ثُمَّ حملهم إلى منزله فأطعمهم وكساهم، وقال: البدء لهم" (شذرات الذهب).

5- ترك نفيس الطعام والثياب: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ تَرَكَ اللِّبَاسَ تَوَاضُعًا لِلَّهِ وَهُوَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ، دَعَاهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ عَلَى رُءُوسِ الْخَلَائِقِ حَتَّى يُخَيِّرَهُ مِنْ أَيِّ حُلَلِ الإِيمَانِ شَاءَ يَلْبَسُهَا) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ الْبَذَاذَةَ مِنْ الْإِيمَانِ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قال ابن القيم -رحمه الله-: "فَسَّر النَّبي الكِبْر بضده فقال: (‌الْكِبْرُ ‌بَطَرُ ‌الْحَقِّ، ‌وَغَمْطُ ‌النَّاسِ) (رواه مسلم)، فبطر الحق: رده وجحده، والدفع في صدره، كدفع الصائل. وَغَمْصُ الناس: احتقارهم، وازدراؤهم. ومتى احتقرهم وازدراهم: دفع حقوقهم وجحدها واستهان بها".

(2) مما يذكر في ذلك تنفيرًا؛ ما ذكره أصحاب السِّيَر: "أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه - لما بلغه إسلام جبلة بن الأيهم -آخر ملوك غسان- فَرِح بإسلامه، ثم بعث يستدعيه ليراه بالمدينة. وقيل: بل استأذنه جبلة في القدوم عليه، فأَذِن له، فركب في خلقٍ كثيرٍ مِن قومه، قيل: مائة وخمسون راكبًا. وقيل: خمسمائة. وتلقته هدايا عمر ونزله قبْل أن يصل إلى المدينة بمراحل، وكان يوم دخوله يومًا مشهودًا، دخلها وقد ألبس خيوله قلائد الذهب والفضة، ولبس هو تاجًا على رأسه، مرصعًا باللآلئ والجواهر، وخرج أهل المدينة رجالهم ونساؤهم ينظرون إليه، فلما سَلَّم على عمر رحَّب به عمر وأدنى مجلسه، وشهد الحج مع عمر في هذه السَّنَة.

فبينما هو يطوف بالكعبة إذ وَطِئَ إزاره رجل من بني فزارة فانحل، فرفع جبلة يده فهشم أنف ذلك الرجل، ومِن الناس مَن يقول: إنه قلع عينه، فاستعدى عليه الفزاري عمر، ومعه خلق كثير من بني فزارة، فاستحضره عمر، فاعترف جبلة فقال له عمر: أقده. فقال جبلة: كيف وأنا ملك وهو سوقة؟ فقال: إن الإسلام جمعك وإياه، فلست تفضله إلا بالتقوى. فقال جبلة قد كنت أظن أن أكون في الإسلام أعز مني في الجاهلية. فقال عمر: دع ذا عنك، فإنك إن لم ترضِ الرجل أقدته منك. فقال: إذًا أتنصر. فقال: إن تنصرت ضربت عنقك.

فلما رأى الجد، قال: سأنظر في أمري هذه الليلة. فانصرف مِن عند عمر، فلما ادلهم الليل ركب في قومه ومَن أطاعه، فسار إلى الشام، ثم دخل بلاد الروم، ودخل على هرقل في مدينة القسطنطينية، فرحب به هرقل وأقطعه بلادًا كثيرة، وأجرى عليه أرزاقًا جزيلة" (السير للذهبي، البداية والنهاية حوادث سنة 53).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة