السبت، ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٧ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

من أسبابِ النَّجَاة... التَّعَرُّض لنفحاتِ رحمةِ الله

من أسبابِ النَّجَاة... التَّعَرُّض لنفحاتِ رحمةِ الله
الأحد ٢٥ يونيو ٢٠٢٣ - ١٠:٢١ ص
63

 

من أسبابِ النَّجَاة... التَّعَرُّض لنفحاتِ رحمةِ الله

كتبه/ محمود عبد الحفيظ البرتاوي

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (افْعَلُوا الْخَيْرَ دَهْرَكُمْ، وَتَعَرَّضُوا لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللهِ، فَإِنَّ لِلَّهِ نَفَحَاتٍ مِنْ رَحْمَتِهِ يُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ، وَسَلُوا اللهَ أَنْ يَسْتُرَ عَوْرَاتِكُمْ، وَأَنْ يُؤَمِّنَ رَوْعَاتِكُمْ) (رواه الطبراني في المعجم الكبير، وحسنه الألباني).

(وَتَعَرَّضُوا) أي: تعرضوا لها بطلبكم منه -سبحانه وتعالى-، وتَصَدُّوا لها. (لِنَفَحَاتِ رَحْمَةِ اللهِ) أي: اسلكوا طرقها حتى تصيرَ عادة، وطبيعة وسجية، وتعاطوا أسبابها، وهو فعل الأوامر، وتجنب المناهي؛ رجاء أن تهبَّ مِن رياح رحمته نفحة بسعدكم.

وإن أيامَ العَشْر مِن ذي الحجة من أعظم مواسم الخيرات والبركات؛ فإنها أعظمُ أيام الدنيا على الإطلاق؛ فعن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (‌أفضلُ ‌أيامِ ‌الدُّنْيا أيامُ العَشْرِ) (رواه البزار في مسنده، وصححه الألباني).

وعن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أن النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: (مَا مِنْ أَيَّامٍ العَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ العَشْرِ)، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وَلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ، فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ) (رواه البخاري والترمذي واللفظ له).

فجَعَل اللهُ -عز وجل- العمل الصالح في هذه الأيام العشر أحب إليه مِن سائر الأيام، بل أحب مِن الجهاد في سبيله؛ إلا رجل خَرَجَ مجاهدًا في سبيل الله، وبذل نفسه وماله لله -تعالى-، ولم يرجع مِن ذلك بشيء.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وَاسْتِيعَابُ ‌عَشْرِ ‌ذِي ‌الْحِجَّةِ ‌بِالْعِبَادَةِ ‌لَيْلًا ‌وَنَهَارًا، ‌أَفْضَلُ ‌مِنْ ‌جِهَادٍ لَمْ يَذْهَبْ فِيهِ نَفْسُهُ وَمَالُهُ" (الفتاوى الكبرى).

وقال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: "هذا الحديث نصٌّ في أن العملَ المفضول يصير فاضلًا إذا وقع في زمانٍ فاضلٍ حتى يصير أفضل مِن غيره مِن الأعمال الفاضلة؛ لفضل زمانه، وفي أن العمل في عشر ذي الحجة أفضل مِن جميع الأعمال الفاضلة في غيرها، ولا يُستثنَى مِن ذلك سوى أفضل أنواع الجهاد، وهو: أن يخرج الرجل بنفسه وماله، ثم لا يرجع منهما بشيءٍ" (فتح الباري).

وقال -رحمه الله-: "فيا مَن ذنوبه بعدد الشفع والوتر؛ أما تستحيي مِن الكِرَام الكَاتِبين؟

أم أنت ممَّن يكذب بيوم الدِّين؟!

يا مَن ظلمة قلبه كالليل إذا يسر؛ أما آن لقلبك أن يستنير أو يلين؟!

تَعَرَّض لنفحاتِ مولاك في هذه العشر؛ فإن فيها لله نفحات يصيب بها مَن يشاء، فمَن أصابته سعد بها آخر الدهر" (لطائف المعارف).

و"الغنيمة الغنيمة... بانتهاز الفرصة في هذه الأيام العظيمة؛ فما منها عِوَض ولا لها قيمة.

والمبادرة المبادرة بالعمل، والعجل العجل قبل هجوم الأجل؛ قَبْل أن يندمَ المفرِّط على ما فَعَل، قبل أن يسأل الرجعة ليعمل صالحًا؛ فلا يُجَاب إلى ما سَأَل!

قبل أن يحول الموت بين المؤمِّل وبلوغ الأمل.

قبل أن يصير المرء مرتهنًا في حفرته بما قَدَّم مِن عَمَلٍ" (لطائف المعارف).

فبادر -أيها المسلم- باستثمار كل لحظة وثانية في هذا الزمن المبارك لتصيبك نفحة من تلك النفحات؛ فإنها تصيب القلوبَ المتيقظة، وتخطئ القلوب النائمة الغافلة، والسعيد مَن اغتنَم مواسمَ الشهورِ والأيامِ والسَّاعاتِ، وتقرَّبَ فيها إلى مولاهُ بما فيها مِن وظائفِ الطَّاعاتِ؛ فعسى أن تصيبَهُ نفْحةٌ مِن تلكَ النَّفحاتِ، فيسعدُ بها سعادةً يأمَنُ بعدَها من النَّارِ وما فيها مِن اللَّفَحَاتِ.

تعرَّض لنفحات رحمة مولاك أبدًا، لعل العنايةَ تواجهك يومًا.

وَإِذَا ‌العِنَايَةُ ‌لَاحَظَتْكَ ‌عُيُونُهَا                   نَـمْ فَـالـمَخَـاوِفُ كُـلُّهُنَّ أَمَانُ

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


الكلمات الدلالية