الصوفية.. رؤية من الداخل (3) تعريف التصوف

الصوفية.. رؤية من الداخل (3) تعريف التصوف
الخميس ٠٣ أغسطس ٢٠٢٣ - ١٤:٢٣ م
139

 

الصوفية.. رؤية من الداخل (3)

تعريف التصوف

كتبه/ إمام خليفة

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى لا سيما عبده المصطفى، وآله المستكملين الشرفا، وبعد..

تكلمنا في المقال السابق عن عن أصل كلمة الصوفية وتاريخ ظهور هذا اللفظ.

واليوم بإذن تعالى نتكلم عن تعريف التصوف.

رابعاً: تعريف التصوف

لا يعرف للتصوف تعريف جامع مانع , لأن التصوف مر بالعديد من المراحل والتغيرات لذا فقد اختلف المعرفون له حتى من اتباعهم  في مفهوم التصوف ومدلوله اختلافا شديدا وكذلك أقوالهم فيه فلكل تعريفه بحسب نظرته الخاصة للتصوف, وكلمة التصوف على شيوعها ألا انها غامضة تتعدد معانيها وربما كان للشخص الواحد أكثرمن تعريف يختلف باختلاف أحواله , فهو أشبه ما يكون بالتجربة الروحية الفردية وهذه التجربة تختلف من شخص لآخر ومع محاولة الصوفية أنفسهم في تقديم تعريف جامع مانع إلا أنهم تفرقوا أو تنوعوا أكثر ما التقوا أو اتفقوا وبثوها مبعثرة وأحيانا تكون سهلة ميسرة وأحيانا صعبة معقدة على الفهم

من تعريفات اوائل الصوفية

قال معروف الكرخي: التصوف الأخذ بالحقائق واليأس مما في أيدي الخلائق

قال بشر الحافي: "الصوفي من صفا قلبه لله"

وقال سري السقطي:"التصوف اسم لثلاثة معاني وهو  الذي لا يطفأ نور معرفته نور ورعه ولا يتكلم بباطن في علم ينقضه عليه ظاهر الكتاب  والسنة ولا تحمله الكرامات على هتك استار الله"

وسُئِلَ الْجُنَيْد عَن التصوف فَقَالَ: هوتصفية الْقلب عَن مُوَافقَة الْبَريَّة ومفارقة الْأَخْلَاق الطبيعية وإخماد الصِّفَات البشرية ومجانبة الدَّوَاعِي النفسانية ومنازلة الصِّفَات الروحانية والتعلق بالعلوم الْحَقِيقِيَّة وَاسْتِعْمَال مَا هُوَ أولى على الأبدية والنصح لجَمِيع الْأمة وَالْوَفَاء لله على الْحَقِيقَة وَاتِّبَاع الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الشَّرِيعَة وقال أيضا التصوف :  "أن تكون مع الله بلا علاقة" أي مع الخلق

وقال أبوسليمان الداراني: "أن تجري على الصوفي أعمال لا يعلمها الا الحق وان يكون دائما مع الحق"

وقال أبوبكر الشبلي:   "ان تكون مع الله بلا هم"

وقال سهل بن عبدالله:  "الصوفي من صفا من الكدر وامتلأ من الفكر واستوى عنده الذهب والحجر"

أما الصوفي عند غلاة الصوفية كابن عربي وابن سبعين  فهو من كان على طريقة الفلاسفة

قال شيخ الاسلام: ولهذا كان هؤلاء كابن سبعين ونحوه يعكسون دين الإسلام فيجعلون أفضل الخلق المحقق عندهم وهو القائل بالوحدة وإذا وصل إلى هذا فلا يضره عندهم أن يكون يهوديا أو نصرانيا بل كان ابن سبعين والتلمساني وغيرهم "فيجعلون افضل الخلق عندهم من قال بوحدة الوجود" كما صرح به السهروردي المقتول.

سبب العجز عن تعريف التصوف : بناء على ما سبق يمكـن القـول :أن أغلـب التعـاريف المـأثورة عجـزت بـصفة فرديـة عــن الإلمــام بحقيقــة التــصوف بكــل أجزائهــا الخفيــة والظاهرة،. وقد جاءت هذه التعاريف متقاربـة تـارة ومتباينـة تـارة أخـرى تبعـا لطبـائع أصحابها ومعتقداتهم، وسبب ذلك يعود إلى عاملين:

عدم التفريق بين الصوفي والزاهد من جهة وبين الصوفي والعابد من جهـة أخـرى.

اللـبس الأول( بـين الـصوفي والزاهــد ): حاصـل فـي كـون كــل منهمـا متجهـا نحـو ربــه منقطعا عن الخلق مستصغرا حسناته مستكبرا سيئاته، ولعل الفرق هـو أن زهـد الزاهـد محـصور في البعد عن حطام الدنيا ومتاعها رغبة في الآخـرة، بينمـا زهـد المتـصوف يـشمل زهـد الزاهـد ويتجاوزه غير آبه بنعيم الجنة نفسها، متطلعا إلى رؤية وجه المحبوب ألا وهو الذات الإلهية وفارق كبير بين زهده صلى الله عليه وسلم وزهد الصحابة وبين زهد هؤلاء الذي حذر منه صلى الله عليه وسلم وقال في حديث الثلاثة رهط فمن رغب عن سنتي فليس مني .

واللبس الثاني (بين الصوفي والعابد ): حاصـل فـي كـون كـل منهمـا ملتزمـا بمقتـضيات العبودية الله، غير أن غرض العابد هو الفوز برضا االله والدخول إلـى الجنـة، أمـا غـرض الـصوفي هـو أن الله أهـل للعبـادة، ولا شـيء وراء ذلـك حتـى لـو كـان الجنـة ونعيمهـا . كمـا أن ممارسـة العبادة لدى العابد أكثر أدواتها الجوارح، بينما العبادة لدى الصوفي تقوم علـى الجـوارح كمـا تقوم أيضا على التأمل ورياضة النفس لتزكيتها وتأهيلها للفيض الرباني , وطائفة العباد في الصوفية كانت في المراحل الأولى للتصوف ثم صاروا إلى الجلوس في التكايا والزوايا وظهرت البطالة والأكل بالسؤال

كذلك أغلـب التعـاريف حـصرت التـصوف فـي الثقافـة الإسـلامية وحـدها دون اعتبـار لعامل التأثر بالثقافات الأخرى كالهندية والفارسية واليونانيـة وغيرهـا، تلـك الثقافـات التـي حملــت معهــا أفكــارا ورؤى غريبــة كالاتحــاد والحلــول ووحــدة الوجــود والــدعوة إلــى توحيــد  الأديـان وغيرهـا . وهـذا مـا يجعلنـا نـستنتج أن تنـوع مـصادر التـصوف وتباينهـا تعتبـر عـاملا آخـر لصعوبة وضع تعريف مناسب ودقيق للتصوف .

إلى هنا ينتهي حديثنا اليوم ثم نكمل الحديث في المقال القادم بإذن الله تعالى حول بداية الإنحراف في الأمة وظهور الفرق .

 

أكاديمية أسس للأبحاث والعلوم

الكلمات الدلالية