السبت، ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٧ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

عِبَر من قصة أيوب -عليه السلام- (2)

عِبَر من قصة أيوب -عليه السلام- (2)
الخميس ٠٣ أغسطس ٢٠٢٣ - ١٦:١٩ م
67

 

عِبَر من قصة أيوب -عليه السلام- (2)

كتبه/ عصام حسنين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فنستكمل حديثنا عن قصة نبي الله أيوب -عليه السلام-.

والذي يظهر من الآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة: أن أيوب -عليه السلام- كان في نعمة من الله -تعالى- واسعة؛ ثم ابتلاه الله -عز وجل- بتسليط الشيطان على بدنه بنصبٍ وعذابٍ؛ بمرض في بدنه، وفقدٍ لماله وولده، وأنه استمر به البلاء ثلاث عشرة سنة، وفي رواية ابن حبان، "ثماني عشرة سنة"، وأنه صبر على ذلك صبرًا عظيمًا؛ لأن الله -تعالى- مدح صدقه في الصبر بقوله -تعالى-: (إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِّعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ) (ص: 44)، أي: رَجَّاع إلى ربِّه، كثير التوبة والأوبة.

وأنه دعا ربه -تعالى- لما قال له صاحبه: "إنه لم يرحمه ربه من هذا البلاء إلا لذنب، ما أذنبه أحدٌ من العالمين"، خشية إساءة الظن به؛ فقام يشكو لربِّ العالمين، كما في رواية: "فَحَزِنَ وَدَعَا اللَّهَ حِينَئِذٍ"، وفي رواية: "فَسَجَدَ، وَقَالَ: وَعِزَّتِكَ لَا أَرْفَعُ رَأْسِي حَتَّى تَكْشِفَ عَنِّي؛ فَكَشَفَ عَنْهُ".

قال -تعالى- عنه: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (الأنبياء:83)، وفي سورة (ص) نَسَب ما أصابه للشيطان أدبًا منه مع الله -تعالى- كما في دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم-: "والشر ليس إليك"؛ أي: ليس في أفعال الله شر، وإنما أفعاله خير كلها، وهذا دليل على أن البلاء للمؤمن خير له؛ فاستجاب الله -تعالى- دعاءه، وأمره أن يقوم مِن مقامه، وأن يضرب الأرض برجله، ففعل، فأنبع الله عينًا، وأمره أن يغتسل منها، فأذهب الله جميع ما كان ببدنه من الأذى: (ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ . وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ ‌رَحْمَةً ‌مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ) (ص: 42-43)، (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) (الأنبياء:84).

قال ابن عباس وابن مسعود -رضي الله عنهم-: "أحياهم الله -تعالى- له بأعيانهم، وزادهم مثلهم معهم".

(‌رَحْمَةً ‌مِنَّا) أي: على صبره وثباته، وإنابته، وتواضعه واستكانته.

(وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ): قال السعدي -رحمه الله-: "أي: وليتذكر أولو العقول بحالة أيوب، ويعتبروا، فيعلموا أن مَن صبر على الضر، أن الله -تعالى- يُثيبه ثوابًا عاجلًا وآجلًا، ويستجيب دعاءَه إذا دعاه".

(وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ): قال ابن كثير -رحمه الله-: "أي: وجعلناه في ذلك قدوة؛ لئلا يظن أهل البلاء أنما فعلنا بهم ذلك لهوانهم علينا، وليتأسوا به في الصبر على مقدورات الله، وابتلائه لعباده بما يشاء، وله الحكمة البالغة في ذلك".

(نِعْمَ الْعَبْدُ) (ص: 44)، أي: الذي كمَّل مراتب العبودية في حال السراء والضراء، والشدة والرخاء.

(إِنَّهُ أَوَّابٌ) أي: كثير الرجوع إلى الله.

وهذا الفرج كان له ولزوجته الكريمة؛ تلكم الزوجة الصالحة الطيبة التي اصطفاها الله لنبيه الطيب الكريم كما قال -تعالى-: (‌وَالطَّيِّبَاتُ ‌لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ) (النور: 26)، فإن الله -تعالى- قد أصلحها له؛ بأن أرجعها شبابًا، وأنجب منها أولادًا كثيرين.

وكان -عليه السلام- لأمرٍ ما يتعلَّق بالدِّين، ولعله ما ذكره ابن حجر عن بعضهم أنها طلبت منه أن يدعو الله أن يعافيه-، أقسم إن شفاه الله -تعالى- ليضربنها مائة جلدة!

هذه الصالحة الطيبة "ما كان جزاؤها مع هذه الخدمة التامة، والرحمة والشفقة والإحسان أن تُقَابَل بالضرب؛ فأفتاه الله -تعالى- بعد أن شفاه، أن يأخذ ضغثًا -وهو الشمراخ- فيه مائة قضيب، فيضربها به ضربة واحدة، وقد بَرَّت يمينه بذلك، وخرج من حِنثه، ووفَّى بنذره، وهذا من الفرج والمخرج لمَن اتقى الله، وأناب إليه" (تفسير ابن كثير).

وللحديث بقية -إن شاء الله- مع بعض الفوائد والعِبَر من القصة الكريمة.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة