الخميس، ٢٤ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٠٢ مايو ٢٠٢٤
بحث متقدم

الكبائر (24) النميمة (موعظة الأسبوع)

الكبائر (24) النميمة (موعظة الأسبوع)
الخميس ٠٣ أغسطس ٢٠٢٣ - ١٦:٢٠ م
59

 

الكبائر (24) النميمة (موعظة الأسبوع)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

المقدمة:

- الكبائر هي تلك الذنوب المهلكة، التي ضَمِن الله لمَن اجتنبها في الدنيا، الجنة في الآخرة: قال -تعالى-: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) (النساء: 31).

- النميمة من الكبائر الخطيرة، والمنكرات المفسدة، والأخلاقيات القبيحة؛ لما لها من أثر عظيم في الإفساد بين الناس، وقد جاء الدليل على كونها من الكبائر: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (‌لَا ‌يَدْخُلُ ‌الْجَنَّةَ ‌نَمَّامٌ) (متفق عليه)، وفي رواية: (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ ‌قَتَّاتٌ) (متفق عليه).

- النَّمِيمَة هي: نَقْلُ الحديث من قومٍ إلى قوم على جهة الإفْسادِ والشَّرِّ. وقيل هي: التحريش بين النَّاس والسعي بينهم بالإفساد.

- الفرق بين الغيبة والنَّمِيمَة؟: قال ابن حجر -رحمه الله-: "النَّمِيمَة نقل حال شخص لغيره على جهة الإفساد بغير رضاه؛ سواء كان بعلمه أم بغير علمه. والغيبة ذكره في غيبته بما لا يرضيه، فامتازت النَّمِيمَة بقصد الإفساد، ولا يشترط ذلك في الغيبة. وامتازت الغيبة بكونها في غيبة المقول فيه، واشتركتا فيما عدا ذلك".

(1) ذم النَّمِيمَة والترهيب منها:  

- النمام يمشي بين الناس، ويحرِّش بينهم ويفسد ذات البَيْن: قال -تعالى-: (‌وَلَا ‌تُطِعْ ‌كُلَّ ‌حَلَّافٍ ‌مَهِينٍ . هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ . مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ . عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ) (القلم:10-13).

- النمام يوقع الخصومة والقطيعة بين الناس: عن عبد اللّه بن مسعود -رضي الله عنه- قال: إنَّ محمدًا -صلى الله عليه وسلم- قال: (‌أَلَا ‌أُنَبِّئُكُمْ ‌مَا ‌الْعَضْهُ؟ هِيَ النَّمِيمَةُ الْقَالَةُ بَيْنَ النَّاسِ) (رواه مسلم)، قال المناوي: (الْقَالَةُ بَيْنَ النَّاسِ). أي: كثرة القول، وإيقاع الخصومة بينهما، فيما يحكي للبعض عن البعض. (فيض القدير).  

- النمام يفسد أشد من الساحر: ذكر ابن عبد البر عن يحيي بن أبي كثير قال: "يفسد النمام والكذاب في ساعة، ما لا يفسد الساحر في سنة" (فتح المجيد شرح كتاب التوحيد)، وروي: "كادت النميمة أن تكون سحرًا" (إسناده ضعيف). ومن عجيب التصنيف ولطيفه: إيراد الشيخ محمد بن عبد الوهاب هذا الحديث في باب ما جاء في شيء من السحر، في كتاب التوحيد.  

- النَّمِيمَة تفسد الدِّين: قال النَّبي -صلى الله عليه وسلم-: (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَفْضَلَ مِنْ دَرَجَةِ الصِّيَامِ وَالصَّلَاةِ وَالصَّدَقَةِ)، قَالُوا: بَلَى، قَالَ: (صَلَاحُ ذَاتِ البَيْنِ، فَإِنَّ فَسَادَ ذَاتِ البَيْنِ هِيَ الحَالِقَةُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).  

حكاية في أثر النميمة في الإفساد بين الناس:

قال حماد بن سلمة: "باع رجل عبدًا، وقال للمشتري: ما فيه عيب إلا النَّمِيمَة. قال: رضيت، فاشتراه، فمكث الغلام أيَّامًا، ثم قال لزوجة مولاه: إنَّ سيدي لا يحبك، وهو يريد أن يتسرى عليك، فخذي الموسى واحلقي من شعر قفاه عند نومه شعرات، حتى أسحره عليها فيحبَّك، ثم قال للزَّوج: إنَّ امرأتك اتخذت خليلًا، وتريد أن تقتلك، فتناوم لها حتى تعرف ذلك، فتناوم لها، فجاءت المرأة بالموسى، فظن أنَّها تريد قتله، فقام إليها فقتلها، فجاء أهل المرأة فقتلوا الزَّوج، ووقع القتال بين القبيلتين" (إحياء علوم الدين للغزالي).

(2) عاقبة النمام في الدنيا والآخرة:

- النميمة من أعظم أسباب عذاب القبر: عن ابن عبَّاس -رضي الله عنهما- قال: مَرَّ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- بِقَبْرَيْنِ، فَقَالَ: (إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ. ثُمَّ أَخَذَ جَرِيدَةً رَطْبَةً، فَشَقَّهَا نِصْفَيْنِ، فَغَرَزَ فِي كُلِّ قَبْرٍ وَاحِدَةً. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، لِمَ فَعَلْتَ هَذَا؟ قَالَ: ‌لَعَلَّهُ ‌يُخَفَّفُ ‌عَنْهُمَا ‌مَا ‌لَمْ ‌يَيْبَسَا) (متفق عليه)(1).

- النمام متوعد بعدم دخول الجنة: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (‌لَا ‌يَدْخُلُ ‌الْجَنَّةَ ‌نَمَّامٌ) (متفق عليه)، وفي رواية: (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ ‌قَتَّاتٌ) (متفق عليه).

- النمام متوعد بالويل والعذاب يوم القيامة: قال -تعالى-: (وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ) (الهمزة: 1)، قيل: اللُّمزة: النَّمَّام. عن أبي الجوزاء، قال: "قلتُ لابن عباس: مَن هؤلاء؟ هم الذين بدأهم الله بالويل؟ قال: هم المشاءون بالنَّمِيمَة، المفرِّقون بين الأحبَّة، الباغون أكبر العيب" (جامع البيان للطبري).

(3) ما يتوجب على المسلم عند سماع النميمة؟:

- تمهيد: كم من بيوت خربت، وكم من أوصال وأرحام قطعت، وكم من دماء سفكت، وكم من حقوق ضيعت؟! كل ذلك وغيره بسبب قبول سماع النميمة!

1- عليه نصح النمام وزجره: قال النَّبي -صلى الله عليه وسلم-: (‌مَنْ ‌رَأَى ‌مِنْكُمْ ‌مُنْكَرًا ‌فَلْيُغَيِّرْهُ ‌بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ) (رواه مسلم)، وقال الحسن: "مَن نَمَّ إليك نمَّ عليك" (من أقوال الشافعي).

2- التحقق من مقولته: قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) (الحجرات: 6).

3- ألا يتسرع بإبغاض المنقول عنه، أو الانتقام منه، بل يظن به خيرًا ما استطاع: قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ) (الحجرات: 12).

خاتمة: ما يجوز من النميمة؟

1- نميمة واجبة: وهي التي تكون للتحذير من شرٍّ واقع على إنسان ما، فيُخبر بذلك الشر ليحذره: قال ابن الملقن: "أمَّا إذا كان فعلها نصيحة في ترك مفسدة أو دفع ضرر، وإيصال خير يتعلق بالغير لم تكن محرمة ولا مكروهة، بل قد تكون واجبة أو مستحبة" (الإعلام بفوائد عمدة الأحكام)، وقال النووي: "وهذا كله إذا لم يكن في النقل مصلحة شرعية، وإلا فهي مستحبة، أو واجبة، كمَن اطلع مِن شخص أنه يريد أن يؤذي شخصًا ظلمًا فحذَّره منه" (فتح الباري لابن حجر).

2- نميمة مباحة: إذا كانت لحاجة تقتضيها مصلحة المسلمين عامة، كالإيقاع بين الأعداء بعضهم بعضًا، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (‌الْحَرْبُ ‌خَدْعَةٌ) (متفق عليه)، كما فعل نعيم بن مسعود في تفريقه بين كلمة الأحزاب وبين بني قريظة، فقد جاء إلى هؤلاء فنمى إليهم عن هؤلاء كلامًا، ونقل من هؤلاء إلى أولئك شيئًا آخر، ثم لأم بين ذلك، فتناكرت النفوس وافترقت.

- وكالإصلاح ذات بين الناس: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ، ‌فَيَنْمِي ‌خَيْرًا أَوْ يَقُولُ خَيْرًا) (متفق عليه).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) قال السيوطي: (قد ذكر بعضهم السرَّ في تخصيص البول، والنَّمِيمَة، والغيبة بعذاب القبر، وهو: أنَّ القبر أول منازل الآخرة، وفيه أنموذج ما يقع في يوم القيامة من العقاب والثواب، والمعاصي التي يعاقب عليها يوم القيامة نوعان: حقٌّ لله، وحقٌّ لعباده، وأوَّل ما يقضى فيه يوم القيامة من حقوق الله: الصلاة، ومن حقوق العباد: الدِّماء، وأمَّا البرزخ فيقضى فيه في مقدمات هذين الحقين ووسائلهما، فمقدمة الصَّلاة: الطهَّارة من الحدث والخبث، ومقدمة الدَّماء: النَّمِيمَة والوقيعة في الأعراض، وهما أيسر أنواع الأذى، فيبدأ في البرزخ بالمحاسبة والعقاب عليهما).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة