الأحد، ٢٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

اثبت... فإنك على الحق المُبِين (3)

اثبت... فإنك على الحق المُبِين (3)
الثلاثاء ٠٨ أغسطس ٢٠٢٣ - ١٠:٠٣ ص
64

 

اثبت... فإنك على الحق المُبِين (3)

كتبه/ أحمد شهاب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فما زال حديثنا موصولًا حول الشبهات المتعددة التي تتحطم -بفضل الله ومِنَّتِه- على صخرات الوحي، وبنور كلمات الأجيال الأُوَل تضمحل هذه الظلمات وتنقشع. 

ومن ذلك -إضافة إلى ما سبق فيما مضى-: تشغيب أهل البدع والضلال عليك حذرَك من البدعة ومحاربتك لها! فتقرأ الأدلة وتستمع إلى كلمات الصحابة فتتأكد أنك على طريقهم تسير؛ قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "عليكم بالاستقامة والأثر، وإياكم والبدع"، وقال يوصي عثمان الأزدي: "عليك بتقوى الله -تعالى- والاستقامة، اتبع ولا تبتدع".

وقال ابن عمر -رضي الله عنهما-: "كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة"، وقال عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-: "تعلموا العلم قبل أن يقبض، وقبضه ذهاب أهله؛ ألا وإياكم والتنطع والتعمق والبدع، وعليكم بالعتيق"، وقال: "اتبعوا ولا تتبدعوا فقد كفيتكم"، وقال: "عليكم بالأمر الأول"، وقال: "كل عبادة لم يتعبَّد بها أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فلا تتعبدوا بها، فإن الأول لم يدع للآخر مقالًا؛ فاتقوا الله يا معشر القراء، خذوا طريق من كان قبلكم".

وعن الحسن -رحمه الله- قال: "سنتكم -والله الذي لا إله إلا هو- بين الغالي والجافي، فاصبروا عليها رحمكم الله، فإن أهل السنة كانوا أقل الناس فيما مضى وهم أقل الناس فيما بقي؛ الذين لم يذهبوا مع أهل الإتراف في إترافهم، ولا مع أهل البدع في بدعهم، وصبروا على سنتهم حتى لقوا ربهم، فكذلك إن شاء الله فكونوا".

وقال ابن الماجشون -رحمه الله-: "سمعت مالكًا يقول: مَن ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدًا خان الرسالة؛ لأن الله يقول: (‌الْيَوْمَ ‌أَكْمَلْتُ ‌لَكُمْ ‌دِينَكُمْ) (المائدة: 3)، فما لم يكن يومئذٍ دينًا؛ فلا يكون اليوم دين".

وكما قال أبو بكر عبد الله بن سليمان بن الأشعث -رحمه الله- (ابن أبي داود) في قصيدته:

تمسك بحبل الله واتـبـع الـهـدى               ولا تـك بـدعـيـًا لـعـلـك تـفـلـحُ

ودِنْ بـكـتـاب الله والسنن التي                أتت عن رسول له تنجُ وتربحُ

فيعرضون عن ذلك ويتهمونك بالخطأ في التطبيق، والغلو في العمل به!

فانظر لتطبيقات السلف لترى كيف كانوا؛ هذا عبد الله بن داود الخريبي المتوفي (86هـ) يقول: "والله لو بلغنا أن القوم لم يزيدوا في الوضوء على غسل أظفارهم، لما زدنا عليه". قال أبو بكر بن خزيمة -رحمه الله-: "يريد أن الدِّين الاتباع". 

وورد عن سعيد بن المسيب أنه رأى رجلًا يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين يكثر فيهما الركوع والسجود فنهاه، فقال: "يا أبا محمد يعذبني الله على الصلاة؟! قال: لا، ولكن يعذبك على خلاف السُّنَّة". 

وهذا البراء بن عازب -رضي الله عنه- صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتعلَّم دعاء النوم: (اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَهْبَةً وَرَغْبَةً إِلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، فَإِنْ مُتَّ مُتَّ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَقُولُ). يقول البراء: ‌فَقُلْتُ ‌أَسْتَذْكِرُهُنَّ: "وَبِرَسُولِكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ"، قَالَ: (لَا، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ).

وعن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه كان يعلِّم رجلًا التشهد، فلما وصل إلى قوله: "أشهد أن لا إله الله، قال الرجل: وحده لا شريك له. فقال عبد الله: هو كذلك، ولكن ننتهي إلى ما عُلِّمنا".

وقد ورد عن نافع: "أن رجلًا عطس إلى جنب ابن عمر -رضي الله عنهما- فقال: الحمد لله والسلام على رسول الله. قال ابن عمر: وأنا أقول: الحمد لله والسلام على رسول الله، وليس هكذا علمنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ علمنا أن نقول: الحمد لله على كل حال".

وحكى ابن العربي عن الزبير بن بكار قال: "سمعت مالك بن أنس وأتاه رجل فقال: يا أبا عبد الله، مِن أين أحرم؟ قال: مِن ذي الحليفة، من حيث أحرم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال: إني أريد أن أحرم من المسجد. فقال: لا تفعل. قال: فإني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر. قال: لا تفعل؛ فإني أخشى عليك الفتنة. فقال: وأي فتنة هذه؟! إنما هي أميال أزيدها. قال: وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصَّر عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟! إني سمعت الله يقول: (فَلْيَحْذَرِ  الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (النور:63)".

وعن طلحة بن مصرف قال: "زاد ربيع بن خيثم في التشهد: (وبركاته ومغفرته!)، فقال علقمة: نقف حيث عُلِّمنا: السلام عليك أيها النبي، ورحمة الله وبركاته". 

ثم اقرأ هذه القصة العجيبة، قال الدارمي -رحمه الله-: "أخبرنا الحكم بن المبارك أخبرنا عمر بن يحيى قال: سمعت أبي يحدث عن أبيه، قال: كنا نجلس على باب عبد الله بن مسعود قبل صلاة الغداة فإذا خرج مشينا معه الى المسجد، فجاءنا أبو موسى الأشعري فقال: أخرج عليكم أبو عبد الرحمن بعد؟ قلنا: لا. فجلس معنا حتى خرج، فلما خرج قمنا إليه جميعًا، فقال: يا أبا عبد الرحمن، إني رأيت في المسجد آنفًا أمرًا أنكرته ولم أرَ والحمد لله إلا خيرًا. قال: فما هو؟ قال: إن عشت فستراه، قال: رأيت في المسجد قومًا حلقًا جلوسًا ينتظرون الصلاة في كل حلقة رجل، وفي أيديهم حصى، فيقول: كبروا مائة، فيكبرون مائة. فيقول: هللوا مائة فيهللون مائة. فيقول: سبِّحوا مائة فيسبحون مائة. قال: فماذا قلتَ لهم؟ قال: ما قلتُ لهم شيئًا انتظار رأيك، أو انتظار أمرك. قال: أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم، وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء! 

ثم مضى ومضينا معه حتى أتى حلقة من تلك الحلق، فوقف عليهم فقال: ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن حصى نعد به التكبير والتهليل، والتسبيح والتحميد؟ قال: فعدوا سيئاتكم، فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء؛ ويحكم يا أمة محمد! ما أسرع هلكتكم، هؤلاء أصحابه متوافرون، وهذه ثيابه لم تبلَ، وآنيته لم تكسر، والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد أو مفتتحو باب ضلالة. قالوا: والله يا أبا عبد الرحمن، ما أردنا إلا الخير. قال: وكم من مريد للخير لن يصيبه؛ إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حدثنا أن قوما يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم، وأيم الله لا أدري لعل أكثرهم منكم ثم تولى عنهم. فقال عمرو بن سلمة: رأينا عامة أولئك يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج". 

وللحديث بقية -إن شاء الله-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة