الخميس، ٢٤ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٠٢ مايو ٢٠٢٤
بحث متقدم

الكبائر (25) الحسد (موعظة الأسبوع)

الكبائر (25) الحسد (موعظة الأسبوع)
الثلاثاء ٠٨ أغسطس ٢٠٢٣ - ١٠:٠٦ ص
64

 

الكبائر (25) الحسد (موعظة الأسبوع)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

المقدمة:

- الكبائر هي تلك الذنوب المهلكة، التي ضَمِن الله لمَن اجتنبها في الدنيا، الجنة في الآخرة: قال -تعالى-: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) (النساء: 31).

- الحسد من الكبائر الخطيرة، والصفات الذميمة، وهو مِن الأمراض القلبية التي تصيب بعض الناس بسبب الغيرة، وعدم الرضا بالقضاء، وقد جاء الدليل على كونه من الكبائر: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لَا يَجْتَمِعَانِ فِي قَلْبِ عَبْدٍ: ‌الْإِيمَانُ ‌وَالْحَسَدُ) (رواه النسائي، وصححه الألباني).

تعريف الحسد:

- هو كره النعمة عند الغير وتمني زوالها، وقد روي في بعض الآثار الإلهية: "الحاسد عدو نعمتي، متسخط لفعلي، غير راضٍ بقسمتي التي قسمت لعبادي" (كتاب مختصر منهاج القاصدين).

- بخلاف الغبطة -فهي حسد محمود-، وهي: أن يتمنى الإنسان أن يكون له مثل الذي عند الغير، دون تمني زوال تلك النعمة عن الغير، فعن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (‌لَا ‌حَسَدَ ‌إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ اللهُ مَالًا فَهُوَ يُنْفِقُهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ) (متفق عليه).

أنواع الحسد:

1- حسد الكفار للمسلمين:

الكفار يحسدون المسلمين على نعمة الهداية، ومِنَّة التوفيق: قال -تعالى-: (‌وَدَّ ‌كَثِيرٌ ‌مِنْ ‌أَهْلِ ‌الْكِتَابِ ‌لَوْ ‌يَرُدُّونَكُمْ ‌مِنْ ‌بَعْدِ ‌إِيمَانِكُمْ ‌كُفَّارًا ‌حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة: 109).

2- حسد الأقران بينهم (المتشابهون في الأحوال والأعمال):

"قيل لأحدهم: ما بال فلان يبغضك؟ قال: لأنه شقيقي في النَّسَب، وجاري في البلد، وشريكي في الصناعة"، فذكر جميع دواعي الحسد(1).

- هذا النوع شاع وانتشر في الدنيا، وبسببه تقطعت كثيرٌ من الأواصر بين الناس، وبسببه حصلت الكراهية والبغضاء بين الأقارب والأنساب، وتنافر الناس عن بعضهم: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمْ: الحَسَدُ وَالبَغْضَاءُ، هِيَ الحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ ‌تَحْلِقُ ‌الدِّينَ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني)، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (‌لَا ‌يَزَالُ ‌النَّاسُ ‌بِخَيْرٍ ‌مَا ‌لَمْ ‌يَتَحَاسَدُوا) (رواه الطبراني في المعجم الكبير، وحسنه الألباني).

ذم الحسد والتنفير منه:

- الحسد أول ذنب وقع في السماء: قال -تعالى-: (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا . قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلَّا قَلِيلًا) (الإسراء: 61-62).

- الحسد أول ذنب وقع في الأرض، وذلك عندما حَسَد أحد ابني آدم أخاه فقتله، فأصبح من النادمين الخاسرين: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (‌لَا ‌تُقْتَلُ ‌نَفْسٌ ‌ظُلْمًا ‌إِلَّا ‌كَانَ ‌عَلَى ‌ابْنِ ‌آدَمَ ‌الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ) (متفق عليه).

- الحسد يورث البغضاء بين الناس؛ لأن الحاسد يبغض المحسود، وهذا يتنافى مع واجب الأخوة بين المؤمنين: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَجَسَّسُوا، وَلَا تَحَسَّسُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا وَكُونُوا ‌عِبَادَ ‌اللهِ ‌إِخْوَانًا) (متفق عليه).

آثار الحسد وخطورته:

للحسد خطورة على صاحبه؛ فهو يورده المهالك -والعياذ بالله-، ومن ذلك:

1- الحاسد معترض على قضاء الله -تعالى- وقَدَرِه، ويعارض أمر الله -تعالى-: قال -تعالى-: (‌أَهُمْ ‌يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) (الزخرف: 32)، وقيل: "الحسود غضبان على القدر" (كتاب المستطرف في كل فن مستطرف).

وقال الشاعر:

أيـا حـاسـدًا لـي عـلى نعمتي                  أتدري على مَن أسأتَ الأدب

أسـأت عـلـى الله فـي حـكـمه                  لأنك لـم تـرض لي ما وهـب

فــأخـزاك ربـي بـأن زادنــي                  وسـدَّ عـليـك وجـوه الطـلـب

2- الحاسد يصاب بالعجب والكبر؛ لأنه لا يحب أن يعلو عليه أحدٌ، بل يحب أن يكون شأنه الشأن الأعلى؛ كل ذلك طمعًا في الدنيا، وحب الظهور فيها: قال -تعالى-: (‌تِلْكَ ‌الدَّارُ ‌الْآخِرَةُ ‌نَجْعَلُهَا ‌لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (القصص: 83).

3- الحاسد يصاب بالحقد والعداوة والبغضاء لأصحاب النعم؛ لأنها أمراض مقترنة بالحسد: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (دَبَّ إِلَيْكُمْ دَاءُ الأُمَمِ قَبْلَكُمْ: الحَسَدُ وَالبَغْضَاءُ، هِيَ الحَالِقَةُ، لَا أَقُولُ تَحْلِقُ الشَّعَرَ وَلَكِنْ ‌تَحْلِقُ ‌الدِّينَ) (رواه الترمذي، وحسنه الألباني).

4- الحاسد لا يهنأ له عيش: قال عمر -رضي الله عنه-: " يكفيك من الحاسد، أنه يغتم وقت سرورك" (كتاب أدب الدنيا والدين).

وقال أبو الليث السمرقندي -رحمه الله-: "يصل إلى الحاسد خمس عقوبات قبل أن يصل حسده إلى المحسود: أولاها: غم لا ينقطع. والثانية مصيبة لا يؤجر عليها. والثالثة: مذمة لا يُحمَد عليها. والرابعة: سخط الرب. والخامسة: يغلق عنه باب التوفيق" (المستطرف للأبشيهي).

علاج الحسد:

1- أن يتذكر الحاسد ويعلم أن ما أصابه مِن خير فمَن الله، وما أصابه مِن شرٍّ فمِن نفسه، وأن قضاء الله واقع لا محالة، فالله يؤتي ملكه مَن يشاء، وينزعه ممَّن يشاء، ويعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، فربما كان عطاؤه استدراجًا؛ فليرضَ بما قَسَم الله، فالله -تعالى- حكم عدل، لا يظلم مثقال ذرة، يعطي ويمنع، فمَن أعطي عليه أن يشكر، ومن مُنع عليه أن يصبر، والصبر منزلة عظيمة لا يؤتاها أي إنسان، بل هو سبيل إلى الجنة، ورضا الرحمن -جل جلاله-.

2- أن يستحضر الأدلة الواردة في التنفير من هذه الصفة الذميمة.

3- أن يستشعر مدى الهم والغم الذى يلحق بالحاسد، وما يصيبه من أمراض عضوية، وآلام نفسية من جراء الحسد، قال أعرابي: "قاتل الله الحسد ما أعدله، بدأ بصاحبه فقتله"(2).

4- أن يعلم أن ذلك ينافي الإيمان، ويفسد علاقته بالأحبة والإخوان: (‌لَا ‌يُؤْمِنُ ‌أَحَدُكُمْ ‌حَتَّى ‌يُحِبَّ ‌لِأَخِيهِ ‌مَا ‌يُحِبُّ ‌لِنَفْسِهِ) (متفق عليه).

5- أن يكثر الدعاء بأن يطهِّرَ الله قلبه من الحسد على غيره.

نسأل الله أن يطهِّرَ قلوبنا من الحسد والحقد والغل، وأن يجعلنا إخوة متحابين متعاونين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ، وعلى آله وأًصحابه أجمعين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فحسد الأقران نراه اليوم واضحًا جليًّا بين الأئمة والمعلِّمين، والخطباء، والبارزين في أعمالهم، ونراه بين الطلاب أنفسهم صغارًا وكبارًا، فيكثر الحسد أيام الاختبارات، وأثناء الحفلات والزيارات وغير ذلك. فحسد الأقران اليوم هو ما تعانيه الأمة الإسلامية قاطبة؛ يحسدون شخصًا؛ لأن الله مَنَّ عليه بالعلم الوافر، ويحسدون آخر؛ لأن الله -عز وجل- مَنَّ عليه بالخُلُق الجَمِّ، ويحسدون آخر؛ لمكانته العلمية أو لمكانته في المجتمع، أو لمنصبه الذي حباه الله إياه، أو لما أغدق الله عليه من الخيرات والأموال، أو لكثرة أولاده أو زوجاته، أو يحسدون المرأة لجمالها أو لحسن أدبها، وتربيتها وإجادة طبخها، وغير ذلك كثير؛ قال -تعالى-: (أمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ) (النساء: 54).

(2) حكاية وعظية في الترهيب من الحسد: "حكي أن رجلًا من العرب دخل على المعتصم فقربه وأدناه وجعله نديمه، وصار يدخل عليه من غير استئذان، وكان له وزير حاسد، فغار من البدوي وحسده، وقال في نفسه: إن لم أحتل على هذا البدوي في قتله، أخذ بقلب أمير المؤمنين وأبعدني منه، فصار يتلطف بالبدوي حتى أتى به إلى منزله، فطبخ له طعامًا وأكثر فيه من الثوم، فلما أكل البدوي منه قال له: احذر أن تقترب من أمير المؤمنين فيشم منك فيتأذى من ذلك، فإنه يكره رائحته، ثم ذهب الوزير إلى أمير المؤمنين فخلا به وقال: يا أمير المؤمنين! إن البدوي يقول عنك للناس: إن أمير المؤمنين أبخر، وهلكت مِن رائحة فمه، فلما دخل البدوي على أمير المؤمنين، جعل كمه على فمه مخافة أن يشم منه رائحة الثوم، فلما رآه أمير المؤمنين وهو يستر فمه بكمه قال: إن الذي قاله الوزير عن هذا البدوي صحيح، فكتب أمير المؤمنين كتابًا إلى بعض عماله يقول فيه: إذا وصل إليك كتابي هذا فاضرب رقبة حامله، ثم دعا البدوي ودفع إليه الكتاب، وقال له: امضِ به إلى فلان، وائتني بالجواب، فامتثل البدوي ما رسم به أمير المؤمنين، وأخذ الكتاب وخرج به من عنده، فبينما هو بالباب إذ لقيه الوزير فقال: أين تريد؟ قال: أتوجه بكتاب أمير المؤمنين إلى عامله فلان، فقال الوزير في نفسه: إن هذا البدوي يحصل له من هذا التقليد مال جزيل، فقال له: يا بدوي ما تقول فيمن يريحك من هذا التعب الذي يلحقك في سفرك، ويعطيك ألفي دينار، فقال: أنت الكبير، وأنت الحاكم، ومهما رأيته من الرأي أفعل، قال: أعطني الكتاب فدفعه إليه، فأعطاه الوزير ألفي دينار، وسار بالكتاب إلى المكان الذي هو قاصده، فلما قرأ العامل الكتاب أمر بضرب رقبة الوزير، فبعد أيام تذكر الخليفة في أمر البدوي، وسأل عن الوزير، فأخبر بأن له أيامًا ما ظهر، وأن البدوي بالمدينة مقيم، فتعجب من ذلك، وأمر بإحضار البدوي فحضر، فسأله عن حاله، فأخبره بالقصة التي اتفقت له مع الوزير من أولها إلى آخرها، فقال له: أنت قلت عني للناس إني أبخر؟ فقال: معاذ الله يا أمير المؤمنين أن أتحدث بما ليس لي به علم، وإنما كان ذلك مكرًا منه وحسدًا، وأعلمه كيف دخل به إلى بيته وأطعمه الثوم وما جرى له معه، فقال أمير المؤمنين: قاتل الله الحسد ما أعدله، بدأ بصاحبه فقتله، ثم خلع على البدوي، واتخذه وزيرًا، وراح الوزير بحسده" (موسوعة قصص ونوادر العرب لإبراهيم شمس الدين).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 


الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة