السبت، ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٧ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

هل سيهدد تناقص الأمن الغذائي العالم بالجوع؟

هل سيهدد تناقص الأمن الغذائي العالم بالجوع؟
الجمعة ١١ أغسطس ٢٠٢٣ - ١٩:٤٩ م
71

 

هل سيهدد تناقص الأمن الغذائي العالم بالجوع؟

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فتشير أحدث التقديرات العالمية المتوفرة إلى أن هناك مئات الملايين من الأشخاص يعانون من الجوع على المستوى العالمي.  

وقد ساهم في تفاقم ذلك الأمر تأثيرات جائحة فيروس كورونا في عام 2019م، ثم اندلاع الأزمة الأوكرانية في عام 2022م، ومن قبل ذلك كانت الأوضاع الصعبة التي واجهت -وتواجه- العديد من الدول النامية والفقيرة الناتجة من مواطن الضعف البيئية والاقتصادية والأمنية وراء تناقص الأمن؛ لذا فهناك نحو ثُلُث العالم يعاني من نقص (أو انعدام) الأمن الغذائي. 

لقد ساهمتِ العوامل المناخية -وبشكل كبير- في أزمات غذائية عبر التاريخ، وعلى رأسها: كانت الفيضانات أو موجات الجفاف، وموجات الحر الشديد، أو البرودة الشديدة، وما ينتج عن ذلك من تراجع في معدلات إنتاج المحاصيل الزراعية فلا تلبي حاجات سكان العالم؛ خاصة مع النمو السريع للسكان، خاصة في دول الجنوب. 

ولقد تطور مفهوم الأمن الغذائي العالمي منذ إرساء قواعده في مؤتمر الغذاء والزراعة الذي عقد في عام 1934م في الولايات المتحدة، فكان نص إعلان الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في عام 1948م على: حق الإنسان على الحصول على الغذاء، ثم برز مصطلح: (الأمن الغذائي) في عام 1974م في مؤتمر القمة العالمي للأغذية لتوفير إمدادات الغذاء في مقابلة التوسع في الاستهلاك. 

وفي مؤتمر الغذاء عام 1996 في روما تم تعريف الأمن الغذائي بأنه: (يتحقق الأمن الغذائي عندما يكون لجميع الناس في جميع الأوقات إمكانية الوصول المادي والاقتصادي إلى ما يكفي من الغذاء الآمن والمحتوي على الاحتياجات الغذائية التي تساعد على استمرار النشاط والحياة الصحية). 

وفي عام 2001م اشتمل تعريف الأمن الغذائي على البُعد الاجتماعي بتعريف منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) للأمن الغذائي بأنه: (يتحقق عندما تتاح إمكانية الوصول المادي والاقتصادي والاجتماعي للجميع، وفي جميع الوقت لغذاء كافٍ وآمنٍ ومغذٍّ يساعد في حياة صحية ونشيطة). وعليه يوصف انعدام الأمن الغذائي بأنه: (عدم القدرة الاجتماعية والاقتصادية للفرد على شراء طعام مغذٍّ غير ملوَّث بكميات كافية). 

وهناك عوامل عديدة تساهم في انعدام الأمن الغذائي في دول العالم، يدخل فيها: البطالة ونقص فرص العمل، وانخفاض الدخل أو عدم توافر أسواق وأماكن للبيع، أو عدم توافر وسائل الشحن والنقل، أو ارتفاع أسعار المواد الغذائية، أو عدم توافر أجهزة إعداد وطهي الطعام، أو عدم توافر الوقود اللازم لذلك. 

وقد أشار التقرير السنوي الذي أعلنته الشبكة العالمية لمكافحة الأزمات الغذائية -وهي عبارة عن تحالف دولي يضم الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وجهات حكومية وغير حكومية لمعالجة الأزمات الغذائية-، والذي يركِّز على البلدان والأقاليم التي تتجاوز فيها الأزمة الغذائية الموارد والقدرات المحلية: أن ما يقارب 193 مليون شخص في 53 دولة عانوا من انعدام الأمن الغذائي الحاد في عام 2021م، وأن منها بلدان وأقاليم في المرحلة الأشد خطرًا من انعدام الأمن الغذائي، والتي تتطلب اتخاذ إجراءات عاجلة لعلاجها منها جنوب مدغشقر، وجنوب السودان وإثيوبيا. 

وتوقع التقرير تفاقم الوضع خلال السنوات القادمة بشكل خاص في شمال نيجيريا واليمن والنيجر؛ بسبب الصراعات الداخلية، وانعدام الأمن هناك، وكذلك في الصومال وجنوب السودان وكينيا بسبب مستويات الأمطار الأقل عن المعدل العام لمواسم متتالية، ويزيد من خطر المجاعة عامل إضافي، وهو عدم زيادة المساعدات الإنسانية أو عدم وصولها إلى السكان الأكثر ضعفًا وفقرًا في هذه الدول.  

وعلى المستوى العالمي: فرغم التقدم العلمي الهائل، فهناك نقص فادح في الغذاء عالميًّا لأسباب تختلف عما سبق، وهي عوامل تتفاوت بين عالم ميسور لقلة ثرية تعيش في تخمة، وعالم فقير فقرًا نسبيًّا أو فقرًا مدقعًا، ويعيش أفراده على حدِّ الكفاف. 

ومن أكبر تحديات الأمن الغذائي في العالم، والتي تعد من أسباب نقص الغذاء عالميًّا ونقص التغذية:

- محدودية الرقعة الزراعية أو انخفاض خصوبتها، ووجود مساحات كبيرة من الصحارى غير صالحة للزراعة؛ بسبب مناخها الجاف، وحرارتها العالية.

 - انخفاض منسوب الموارد الطبيعية للماء ومياه الأمطار والمياه الجوفية اللازمة للري.

- ازدياد التصحر عامًا بعد عام، وزحف الرمال على المدن عامة وعلى الأراضي الزراعية خاصة.

- تدهور الغطاء النباتي خاصة بفعل الرعي الجائر.

- تفشي الآفات الزراعية. 

- التغيرات المناخية العالمية، ما بين ارتفاع كبير أو انخفاض كبير في درجات الحرارة، وتأثير ذلك على إنتاج المحاصيل الزراعية.

ويختلف مصطلح الأمن الغذائي عن تعريف الجوع المدرج في تقارير الأمم المتحدة عن حالة الأمن الغذائي والتغذية في العالم، فالجوع يعكس انعدام الأمن الغذائي المزمن، وعدم قدرة الشخص على تناول كميات كافية من الغذاء لفترات زمنية طويلة تؤدي إلى تعرض حياته لخطر مؤكد. 

أثر الاحتكارات الدولية لإنتاج الغذاء: 

مما يزيد الأمر تعقيدًا في أزمة الغذاء العالمي: السياسات الاقتصادية الاحتكارية الدولية المدعومة بتوظيفات مالية ضخمة، ومراكز أبحاث عالية القدرة، واتفاقات دولية لا تأخذ بعين الاعتبار مصالح الدول والمجتمعات الأكثر احتياجًا للغذاء؛ إذ كل ما تحرص عليه الدول الكبرى هو جني الأرباح الطائلة والسيطرة على الأسواق العالمية، والتحكم في تحديد الأسعار. 

ويزيد من التأثير السلبي لذلك: أن غالبية الدول النامية من العالم الثالث تخضع لتلك الاحتكارات العالمية كليًّا أو جزئيًّا لكونها تفتقد القواعد الأساسية المتعلقة بالتنمية والاستفادة من الموارد والثروات الطبيعية التي تمتلكها، ولا تملك الآليات الضرورية للصناعات المرتبطة بالزراعة، ولا تواكب العلوم الحديثة والتكنولوجيا المتطورة المتقدمة في مجالات الزراعة والثروة الحيوانية والسمكية.

أثر الحروب على الأمن الغذائي:

عَبْر التاريخ تؤثِّر الحروب والنزاعات العسكرية إقليمية كانت أو محلية -وهي من صنع الدول- سلبيًّا على وتيرة الإنتاج الزراعي، فتتسبب في استفحال أزمة الغذاء، حيث عادة يصاحب الحروب ضعف أو توقف إنتاج المحاصيل الغذائية في مناطق القتال على أقل تقدير، كما تتسبب في تشريد المنتجين، وتقليص سلاسل التوريد وحجبها، وبالتالي تزيد من أعداد الأفواه الجائعة. 

أثر أزمة كورونا على الأمن الغذائي العالمي:

لقد أدَّى ظهور وباء كورونا في سبتمبر 2019م وانتشاره في كل أنحاء العالم، وما تبع ذلك من إجراءات حجر وعزل صحي على صعيد العالم بأسره منذ عام 2020 م، إلى إجبار نسبة كبيرة من سكان العالم على ملازمة مساكنهم؛ مما ساهم في تراجع إنتاج الغذاء وتصديره وأدَّى إلى تفاقم أوضاع العالم الاقتصادية والاجتماعية. 

وقد ذكر البنك الدولي في عام 2021م أن جائحة كوفيد 19 ارتبطت بارتفاع مفاجئ في أسعار المواد الغذائية التي كانت متوفرة في بعض البلدان، فزادت تكلفة الأطعمة الأساسية، مثل: الأرز والقمح بنسبة 10 % و12% على التوالي. 

وكانت تلك الزيادة في الأسعار نتيجة لعوامل، منها:

- توقف حركة التجارة العالمية طوال عامين متتاليين نتيجة انتشار الوباء؛ سواء بالنقل البري أو البحري أو حتى الجوي، مما أدَّى إلى وقف نقل السلع الغذائية بما فيها السلع، والمواد الإستراتيجية: كالقمح والأرز، والبترول والغاز؛ مما فجر أزمة عالمية في الغذاء. 

 - الاعتماد المتبادل بين دول العالم في توفير السلع الأساسية، وفقدان معظم دول العالم للاكتفاء الذاتي في هذه السلع، مما أدى مع توقف حركة التجارة العالمية إلى انكشاف المخزون الإستراتيجي من هذه السلع في هذه الدول، وبالتالي انخفاض العرض وتزايد الطلب، مما أدَّى إلى ارتفاع الأسعار خلال عامي الأزمة. 

- تعرَّض الاقتصاد العالمي لهزة عنيفة أثَّرت على اقتصاديات العالم كله دون استثناء تقريبًا، فتعرض الاقتصاد العالمي لظاهرة التضخم الاقتصادي، وظاهرة الركود نتيجة توقف حركة التجارة العالمية، وتوقف حركة السياحة والسفر برًّا وبحرًا وجوًّا، فلم يعد العالم منفتحًا على بعضه كما كان قبل الجائحة، وأصبحت كل دولة (وكل إقليم) منكفئة على ذاتها إلى حدِّ العزلة تقريبًا.

- ارتفاع تكلفة الشحن بشكل قياسي، فمثلًا: قفز سعر شحن الحاوية 40 قدمًا من الصين إلى الساحل الشرقي للولايات المتحدة من 2000 دولار إلى 14 ألف دولار، وارتفع مؤشر تكلفة شحن الحاوية عالميا من 1446 دولار في إبريل عام 2020 م إلى 8152 دولار مع نهاية مارس 2022م، كما اتجهت أكثر البواخر المتاحة للشحن إلى تفضيل الخطوط والموانئ ذات العائد الأكبر والكفاءة المرتفعة، مما ترتَّب عليه تراجع الطلب على الموانئ ذات الكفاءة الأدنى، وبالتالي عدم انتظام شحنات المحاصيل الزراعية منها وإليها. 

أثر الحرب الروسية الأوكرانية على الأمن الغذائي العالمي: 

أدَّى اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في 24 فبراير 2022م بتداعياتها -والتي تجاوزت العام- إلى تفاقم جديد للأوضاع الاقتصادية على صعيد العالم ككل، لعوامل وتداعيات أخرى عديدة، منها:

 - حدوث هزة عنيفة في تجارة القمح على وجه الخصوص؛ حيث إن روسيا وأوكرانيا ينتجان نحو 50 % من إنتاج القمح في العالم، ويصدران نحو 30% من إجمالي صادرات القمح في العالم، حيث تصدر روسيا نحو 20% من صادرات القمح، وتصدر أوكرانيا نحو 11 %، ومع تأثر -بل وتوقف- تصدير الدولتين للقمح إلى الأماكن المستوردة والمستهلكة للقمح ارتفع سعره بصور غير مسبوقة؛ مما أثَّر على اقتصاديات الدول المستوردة للقمح، والتي اضطرت إلى استيراد القمح من دول وأماكن أخرى بأسعار أعلى بالمقارنة بأسعار القمح من روسيا وأوكرانيا، وبحسب تقرير لمنظمة الأغذية العالمية؛ فإن هناك 29 دولة تستورد 40 % من احتياجاتها من القمح من روسيا وأوكرانيا، وأن هناك 11 دولة تستورد 70 % من احتياجاتها من القمح من البلدين.

 - ارتفاع أسعار الزيوت النباتية وأسعار الذرة؛ إذ إن روسيا وأوكرانيا يصدِّران أكثر من 58 % من إجمالي صادرات زيت دوار الشمس العالمية، كما يصدران نحو 14 % من إجمالي صادرات الذرة في العالم.

- التأثير غير المباشر على الإنتاج الزراعي من خلال تأثر إنتاج السماد عالميًّا بتأثر تصدير البوتاسيوم بالحرب الروسية الأوكرانية، حيث إن روسيا وبلاروسيا مجتمعين يصدران نحو 41 % من إجمالي صادرات البوتاسيوم في العالم، والبوتاسيوم يعد مركبًا رئيسيًّا في إنتاج السماد الذي يضمن إنتاجًا وفيرًا للمحاصيل الزراعية.

- تأثر الصناعات عمومًا -والصناعات الغذائية خصوصًا- في دول الاتحاد الأوروبي نتيجة نقص -أو شبه التوقف- لتصدير الغاز والبترول من روسيا إلى دول الاتحاد الأوروبي في ظل فرض العقوبات الأمريكية والأوروبية على روسيا بعد الحرب، وهذا بدوره أدى إلى ارتفاع الأسعار أوروبيًّا وأمريكيًّا وعالميًّا.

- المبادرة الروسية في مواجهة العقوبات الأمريكية والأوروبية بفرض العملة الروسية (الروبل) كشرط لبيع الغاز والبترول الروسي، مما أدَّى إلى ارتفاع قيمة الروبل بعد أن كاد أن يسقط في مواجهة الدولار الأمريكي واليورو الأوروبي. 

وقد نجم عن ذلك ظهور نظام نقدي جديد بعملات وطنية غير الدولار نتيجة التحالف بين روسيا والصين والهند -وسكان هذه الدول الثلاث يبلغ 5 .3 مليار نسمة أي: نحو نصف سكان العالم-، وعدد من الدول الأسيوية الأخرى يتم بمقتضاه تبادل السلع فيما بين هذه الدول بالعملات الوطنية لهذا التجمع، ولهذا تأثيره على قيمة الدولار كعملة دولية لمعظم دول العالم؛ مما يعني اقتصاديًّا حتمية إعادة هيكلة الاقتصاد العالمي من جهة، وتحول (الروبل) الروسي و(اليوان) الصيني إلى عملات دولية ذات قيمة كبيرة.

- ظهور بوادر انشقاق في الاتحاد الأوروبي نتيجة تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية حيث رفضت بعض دول الاتحاد تطبيق العقوبات المفروضة ضد روسيا لشدة حاجتها إلى الغاز والبترول الروسي، بل ووافقت على استخدام عملة الروبل لتسديد قيمة الغاز والبترول الروسي، مما يؤثر بطبيعة الحال على اقتصاد الاتحاد الأوروبي، وقد يؤدي -على المدى القريب أو البعيد- إلى مزيدٍ من الانشقاق والتفكك التدريجي داخل الاتحاد الأوروبي؛ مما قد يهدد بانهياره.

- ارتفاع أسعار الشحن نتيجة زيادة مبالغ التأمين على البواخر القادمة من البحر الأسود حيث مكان النزاع الروسي الأوكراني وارتفاع تكلفة الشحن في الإمدادات الأخرى البديلة.

تأثر الدول العربية بالحرب الروسية الأوكرانية:

- ذكرت تقديرات وكالات الأمم المتحدة قبل تفشي جائحة كورونا أن 55 مليون نسمة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا -وهي المنطقة التي تضم الدول العربية- يعانون من نقص التغذية، وقد تفاقم الوضع بالطبع بعد جائحة كورونا، ومن ذلك أنه في عام 2020 م كان هناك قرابة 16 مليون يمني يحتاجون إلى مساعدات طارئة، وأكثر من 12 مليون سوري يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وكذلك أكثر من 4 ملايين عراقي يحتاجون إلى مساعدات إنسانية من جراء الصراعات المتقطعة وتقلبات أسعار البترول، مع ارتفاع كبير في معدلات التضخم في لبنان مما يزيد من انعدام الأمن الغذائي.

- ذكر الصندوق الدولي للتنمية الزراعية للأمم المتحدة (إيفاد): أن الحرب في أوكرانيا تسببت في زيادة نقص المحاصيل الأساسية وارتفاع أسعار الغذاء في أجزاء من وسط آسيا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا، حيث تستورد الدول العربية مجتمعة 60 % من احتياجاتها من الحبوب من روسيا وأوكرانيا؛ إضافة إلى فرنسا ورومانيا، لكن لروسيا وأوكرانيا ثقلهما الدولي في توريد الحبوب؛ نظرًا لأسعار الحبوب المنخفضة في البلدين.

- وتعد مصر أكبر مستورد للقمح في العالم وثاني أكبر مستورد للقمح من روسيا.

- بينما تحصل اليمن على نصف وارداتها من الحبوب من روسيا وأوكرانيا؛ لذا باتت اليمن مع اندلاع الحرب في أوكرانيا مهددة بتأزم الوضع الغذائي هناك أكثر مما هو عليه. 

- أما لبنان الذي يمر بأزمة اقتصادية طاحنة منذ سنوات فإنه يستورد نحو 80 % من وارداته من القمح من أوكرانيا.  

ولهذا يعد الأمن الغذائي من التحديات الرئيسية التي تواجه العالم العربي، فعلى الرغم من توافر الموارد الطبيعية والبشرية؛ إلا أن القطاع الزراعي لم يحقق حتى الآن المرجو منه لتلبية الطلب المتزايد على الغذاء وتحقيق أمن غذائي عربي واكتفاء ذاتي عربي من شأنه أن يجنب العالم العربي ويلات كثيرة، وهذا يتطلب وبصورة ملحة وعاجلة ضرورة إعادة النظر في الإستراتيجيات والسياسات الزراعية في العالم العربي. 

الأمن الغذائي المستدام: 

يعد الأمن الغذائي المستدام لأي دولة بمثابة أحد المكونات الإستراتيجية للتنمية الزراعية المستدامة من خلال المشروعات والبرامج التي من شأنها زيادة إنتاجية السلع الغذائية الأساسية من خلال الاستخدام الأمثل للموارد المحلية، والقضاء على كلِّ صور التلف والفقد والتبذير لكل السلع الغذائية ابتداءً من المنتج إلى المستهلك، مع ترشيد الاستهلاك وتحسين شروط التبادل التجاري لتلك السلع ومستلزمات إنتاجها؛ سواء في الاستيراد أو في التصدير، في ظل أكبر قدر ممكن من الاستقلالية وتقليص التبعية والضغوط الخارجية، على أن يكون الهدف النهائي هو توفير السلع الغذائية بكميات كافية ونوعية جيدة لمجموع السكان في مختلف أماكن تواجدهم في الدولة، وبأسعار تتوافق وتتناسب مع مستويات الدخل على أن يكون ذلك بصورة مستمرة ودائمة.  

حاجة العالم العربي الماسة للتكامل:

إن مشكلة النقص الغذائي في العالم العربي لا يمكن أن تحل من خلال الاعتماد على الاستيراد الذي أصبح يهدد السيادة الوطنية للدول والاستقلالية، وذلك من خلال وضع وتنفيذ إستراتيجية عربية عاجلة ومحكمة تتخذ من التنمية الزراعية المستدامة هدفًا لها، من خلال زيادة الإنتاج الزراعي كمًّا وكيفًا للاستجابة لمقتضيات زيادة الاستهلاك بزيادة النمو السكاني؛ بالإضافة إلى تحقيق التكامل الاقتصادي الزراعي، وتعديل أنماط الاستهلاك لترشيد الاستهلاك الغذائي، من خلال تكثيف برامج التوعية بذلك، بل وتعديل أذواق المستهلكين وأنماط الاستهلاك في هذا الاتجاه ووفقًا لطبيعة وظروف الإنتاج المحلي؛ هذا مع قصر الاستيراد على المواد الضرورية فقط وغير المتاحة في السوق المحلي، وترشيد الاستيراد عامة والاستيراد الغذائي خاصة.

إن قضية الأمن الغذائي العربي هي قضية مصيرية وإحدى محددات الأمن القومي العربي؛ لذا لا ينبغي تجاهلها أو تركها للظروف المتغيرة والعوامل الخارجية للتحكم فيها، بل يجب التحرك الجاد وبصورة عاجلة لضمان أمن عربي مستدام قوامه القطاع الزراعي من خلال رؤية إستراتيجية واضحة المعالم وخطة شاملة تقوم على أفضل وأنسب الآليات التي تضمن توفير الكثير من المحاصيل الزراعية والموارد الغذائية، وتقديم الدعم اللازم للمزارعين لزيادة وتحسين إنتاجهم وضمان وصوله إلى الأسواق.

 وهنا تكمن الفرصة المتاحة للتكامل العربي في مجال الزراعة من خلال الاستفادة من الإمكانيات العربية الكبيرة المتاحة، التي تتمثل في الأراضي الخصبة الشاسعة والمياه المتوافرة كما في السودان، والقوة العاملة الماهرة كما في مصر، ورأس المال الوفير كما في دول الخليج العربي التي بلا شك سترحب بأي استثمارات خارجية إستراتيجية ذات عوائد مجزية، مع توافر الأسمدة المغربية والجزائرية، لتحقيق أكبر تكامل اقتصادي زراعي في العالم يخدم شعوب المنطقة العربية أولًا، ويؤمن لها مستقبلها الزراعي والغذائي، ثم تفيض إن شاءت بعد ذلك على الدول الأخرى بالتصدير إليها.

وهي فرصة أخيرة وواعدة إن لم تتوفر لها الإرادة السياسية وتقديم الخبرات الكافية وإعداد آليات التخطيط والتنفيذ والمتابعة الجادة، فمن حق الأجيال القادمة أن تتهمنا بالتقصير والتفريط في حق أنفسنا وفي حقهم.

وللمملكة السعودية التي حققت الاكتفاء الذاتي في إنتاج القمح من قبل ومن التسعينيات تجربة استثمارية رائدة في شراء أراضي زراعية في بعض البلدان الإفريقية النامية، مثل: كينيا وإثيوبيا والسودان؛ بالإضافة إلى بناء محطات تحلية للمياه لتوفير المياه للزراعة.

آليات عالمية لمواجهة أزمة تناقص الأمن الغذائي:

يرى البعض أن أزمة تناقص الأمن الغذائي وأن تداعيات وباء كورونا والحرب الأوكرانية رغم ما خلفتاه من تداعيات سلبية على الاقتصاد العالمي والنظم الاقتصادية الإقليمية بشكل كبير؛ إلا أنهما قد يسفران ويساهمان في ميلاد نظام اقتصادي عالمي جديد يقوم على عدل أكثر وتكافؤ أكبر للفرص، وحماية غالبية الدول لاستقلالها الوطني وتحقيقها للاكتفاء الذاتي في مواجهة أزمة تناقص الغذاء العالمي.

آليات لمواجهة تناقص الغذاء عالميا:  

ومما ذكر من الآليات لمواجهة أزمة تناقص الغذاء في العالم؛ خاصة في أعقاب أزمتي كورونا والحرب الروسية الأوكرانية:

- ضرورة السعي للاكتفاء الذاتي؛ خاصة في السلع الإستراتيجية؛ تفاديًا لاحتمال وقوع أزمات اقتصادية مشابهة، وهي مرشحة للتكرار. 

- مراجعة الدول لاقتصادها بحيث تقوم بتخفيض الاستيراد تدريجيًّا وزيادة التصدير، بحيث على الأقل يكون كل استيراد يقابله تصدير بنفس الكمية أو العائد، فتكون بذلك الموازنة في العلاقات التجارية صفرا. 

- السعي إلى إيجاد نظام عالمي جديد يقوم على التعددية، تقل فيه الضغوط العالمية على دول العالم الثالث، وتزداد فيه مساحة الحرية، ويراعى فيه الاستقلال الوطني لكل دولة.

للاستزادة: راجع مقالات: (جوع العالم) بمجلة (المجلة العربية) عدد يوليو 2022 - ذو الحجة 1443، ص 4 إلى ص 49).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة