السبت، ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٧ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

عِبَر من قصة أيوب -عليه السلام- (3)

عِبَر من قصة أيوب -عليه السلام- (3)
الجمعة ١٨ أغسطس ٢٠٢٣ - ١٨:٥٠ م
85

 

عِبَر من قصة أيوب -عليه السلام- (3)

كتبه/ عصام حسنين

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛ 

العِبَر من القصة الكريمة:

- الابتلاء طبيعة الطريق، بل هو تطهير للمؤمن ورفعة.

- وله سببان، وكلاهما خير للمؤمن إن صبر: 

السبب الأول: الذنوب والمعاصي، وحينئذٍ يكون على وجه المجازاة والعقوبة العاجلة، كما قال الله- تعالى-: (وَمَا أَصَابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ) (النساء: 79)، أي: بذنبك. وقال -سبحانه وتعالى-: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) (الشورى: 30)، "أي: مهما أصابكم أيها الناس من المصائب فإنما هو عن سيئات تقدَّمت لكم. (وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) أي: من السيئات، فلا يجازيكم عليها، بل يعفو عنها" (تفسير ابن كثير).

وعن أَنَسٍ -رضي الله عنه- قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الْخَيْرَ عَجَّلَ لَهُ الْعُقُوبَةَ فِي الدُّنْيَا، وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِعَبْدِهِ الشَّرَّ أَمْسَكَ عَنْهُ بِذَنْبِهِ حَتَّى يُوَافِيَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) (رواه الترمذي، وقال الألباني: "حسن صحيح").

- السبب الثاني: إرادة الله -تعالى- رفعة درجات المؤمن الصابر، فيبتليه بالمصيبة ليرضى ويصبر؛ فيُوفَّى أجر الصابرين في الآخرة، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا سَبَقَتْ لَهُ مِنْ اللَّهِ مَنْزِلَةٌ لَمْ يَبْلُغْهَا بِعَمَلِهِ ابْتَلَاهُ اللَّهُ فِي جَسَدِهِ أَوْ فِي مَالِهِ أَوْ فِي وَلَدِهِ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

وقد لازم البلاء الأنبياء مكرمة لهم من الله؛ لينالوا به الدرجة العالية في الجنة؛ فقد سُئِل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً؟ قَالَ: (الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الصَّالِحُونَ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ، فَالْأَمْثَلُ مِنَ النَّاسِ، يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ صَلابَةٌ زِيدَ فِي بَلائِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ خُفِّفَ عَنْهُ، وَمَا يَزَالُ الْبَلاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَمْشِيَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ لَيْسَ عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ) (رواه أحمد والترمذي، وصححه الألباني).

- والمؤمن أمره كله له خير، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (عَجَبًا ‌لِأَمْرِ ‌الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ) (رواه مسلم)

- إن أصابه ضرٌ صبر بحبس قلبه عن الجزع، ولسانه عن التسخط، وجوارحه عن المعصية، وأن يرضى عن الله -تعالى- فيما أصابه، أي: لا يتمنى خلاف ما وقع.

- وأن يتضرع لربه -تعالى-، ويدعوه دعاءً بعد دعاء؛ لأنه -تعالى- يحب ذلك من عبده، ويحب أن يسمع دعاء عبده المبتلى الذي ملؤه الذل والانكسار مع الحب والتعظيم لمولاه الرحمن الرحيم.

- وأن يأخذ بالأسباب المباحة في رفع البلاء. 

- وفي قول الله -تعالى- عن أيوب -عليه السلام-: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي ‌مَسَّنِيَ ‌الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ) (الأنبياء: 83): استحباب الشكوى لله -تعالى-، والتوسل إلى الله -تعالى- بذلك، كما قال الله عن يعقوب -عليه السلام-: (إِنَّمَا أَشْكُو ‌بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) (يوسف: 86)؛ ولأن الله -تعالى- قال: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ) (الأنبياء: 84).

ولا بأس أن يخبر عن حاله مع رضائه بقضاء ربه؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قال لعائشة -رضي الله عنها- في ابتداء مرض موته -صلى الله عليه وسلم-: (‌بَلْ ‌أَنَا ‌وَارَأْسَاهُ) (رواه البخاري)؛ قاله سفيان بن عيينة.

- وفي قوله: (أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ ‌بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ) (ص: 41): نسب أيوب -عليه السلام- ما أصابه إلى الشيطان -لعنه الله- مِن باب إضافة المسببات إلى أسبابها، وأدباً مع الله -تعالى- في عدم نسبة الشر إليه -وهو تعالى- خالق كل شيء، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (‌وَالشَّرُّ ‌لَيْسَ ‌إِلَيْكَ) (رواه مسلم).

ومما يعين على الصبر: 

- أن يعلم العبد أن الله -تعالى- قَدَّر عليه ذلك قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وأنه لا بد أن يقع.

- وأن يعتبر بقصة أيوب -عليه السلام-، إذ جعلها الله -تعالى- ذكرى للعابدين.

- وأن ينظر لمَن هو أشد منه بلاءً؛ لتهون عليه مصيبته.

- وأن يعلم أنه إن صبر ورضي عن الله في مقدوراته؛ أحبه الله -تعالى-، ورضي عنه، وعاجله بفرجه.

وفي قوله -تعالى-: (‌نِعْمَ ‌الْعَبْدُ ‌إِنَّهُ ‌أَوَّابٌ) (ص: 44): بيان لأهمية التوبة، وأثرها في رفع البلاء.

- في قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فجعل يحثي في ثوبه)، قال ابن حجر -رحمه الله-: "وفي الحديث جواز الحرص على الاستكثار من الحلال، في حقِّ مَن وثق مِن نفسه بالشكر عليه. وفيه: تسمية المال الذي يكون من هذه الجهة بركة. وفيه: فضل الغني الشاكر".

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 


الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة