الخميس، ٢٤ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٠٢ مايو ٢٠٢٤
بحث متقدم

الكبائر (28) ترك صلاة الجمعة (موعظة الأسبوع)

الكبائر (28) ترك صلاة الجمعة (موعظة الأسبوع)
الثلاثاء ٢٩ أغسطس ٢٠٢٣ - ١٤:٠٧ م
104

 

الكبائر (28) ترك صلاة الجمعة (موعظة الأسبوع)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

المقدمة:

- الكبائر هي تلك الذنوب المهلكة، التي ضمن الله لمن اجتنبها في الدنيا، الجنة في الآخرة: قال -تعالى-: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) (النساء: 31).

- ترك صلاة الجمعة كبيرة من الكبائر ومن أعظم المنكرات وأشد السيئات وله أثر سيئ على دين المؤمن: قال النبي -صلى الله عليه وسلم: (لَيَنْتَهِيَنَّ ‌أَقْوَامٌ ‌عَنْ ‌وَدْعِهِمُ ‌الْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ. ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ) (رواه مسلم).

- الإشارة إلى شيوع هذه الظاهرة في بعض الناس لا سيما الشباب.

مكانة صلاة الجمعة من الدِّين:

- شُرعت صلاة الجمعة لجمع المكلفين القادرين على تحمل المسئوليات، أول كل أسبوع في مكان واحد، ليسمعوا فيه الترغيب والترهيب، والوعد والوعيد، ما يحملهم على النهوض بواجباتهم الدينية والدنيوية: قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (الجمعة: 9).

- منع المسلم ساعتها من التصرفات الدنيوية، وأمره بالتفرغ لها: (فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ . فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (الجمعة: 9، 10)، وقال عطاء: "إذا نودي بالأذان حرم اللهو والبيع والصناعات كلها والرقاد، وأن يأتي الرجل أهله، وأن يكتب كتابًا" (فتح الباري).

- ولذا حكمها في الدين الوجوب والإلزام: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الجُمُعة حقٌّ واجبٌ على كلِّ مُسلمٍ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

- شرعت لها آداب وأحكام تدل على عظيم قدرها:

- خطبة الجمعة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم: (‌مَنْ ‌تَوَضَّأَ ‌فَأَحْسَنَ ‌الْوُضُوءَ. ‌ثُمَّ ‌أَتَى ‌الْجُمُعَةَ ‌فَاسْتَمَعَ ‌وَأَنْصَتَ. غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ. وَزِيَادَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ) (رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم- في التحذير من الانشغال عن الخطبة: (مَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا) (رواه مسلم).

- الاغتسال والتطيب والتسوك ولبس أحسن الثياب: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ ‌اغْتَسَلَ ‌يَوْمَ ‌الْجُمُعَةِ ‌وَلَبِسَ ‌مِنْ ‌أَحْسَنِ ‌ثِيَابِهِ، وَمَسَّ مِنْ طِيبٍ إِنْ كَانَ عِنْدَهُ، ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَلَمْ يَتَخَطَّ أَعْنَاقَ النَّاسِ، ثُمَّ صَلَّى مَا كَتَبَ اللَّهُ لَهُ، ثُمَّ أَنْصَتَ إِذَا خَرَجَ إِمَامُهُ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ صَلَاتِهِ كَانَتْ كَفَّارَةً لِمَا بَيْنَهَا وَبَيْنَ جُمُعَتِهِ الَّتِي قَبْلَهَا) (رواه أبو داود، وحسنه الألباني).

- التبكير إليها: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الْإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلَائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ) (متفق عليه).

وقال ابن القيم -رحمه الله-: "لما كان في الأسبوع كالعيد في العام، وكان العيد مشتملًا على صلاة وقربان، وكان يوم الجمعة يوم صلاة، جعل الله -سبحانه- التعجيلَ فيه إلى المسجد بدلًا مِن القربان، وقائمًا مقامه، فيجتمع للرائح فيه إلى المسجد الصلاةُ، والقربان" (زاد المعاد في هَدْي خير العباد).

عاقبة ترك صلاة الجمعة من غير عذر:

- أوجب الإسلام الجمعة -كما سبق-، ولم يستثنِ إلا أصحاب الأعذار: عن طارق بن شهاب -رَضِيَ اللهُ عنه- أنَّ النَّبيَّ -صلى الله عليه وسلم- قال: (الجُمُعة حقٌّ واجبٌ على كلِّ مُسلمٍ فِي جَمَاعَةٍ، إلَّا أَرْبَعَةً: عبْدٌ مملوكٌ، أو امرأةٌ، أو صَبيٌّ، أو مَرِيضٌ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

- ولذا رتب الشرع الوعيد الشديد في ترك الجمعات لغير المعذورين: قال -تعالى-: (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ? فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا) (مريم: 59)، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: )مَنْ تَرَكَ ‌ثَلَاثَ ‌جُمَعٍ ‌تَهَاوُنًا بِهَا، طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ) (رواه أبو داود، وقال الألباني: "حسن صحيح")، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (لَيَنْتَهِيَنَّ ‌أَقْوَامٌ ‌عَنْ ‌وَدْعِهِمُ ‌الْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ. ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ) (رواه مسلم). وقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "من ترك الجمعة ثلاث جمع متواليات فقد نبذ الإسلام وراء ظهره" (الترغيب والترهيب للمنذري، وأبو يعلى في مسنده). وقال ابن عبد البر -رحمه الله-: "مَن طبع على قلبه وختم عليه لم يعرف معروفًا ولم ينكر منكرًا" (الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار لابن عبد البر)، وقال العلماء: "على وليِّ الأمر أن يعاقب المتخلفين عن صلاة الجمعة بلا عذر، بما يكون رادعًا لهم عن جريمتهم".

- وإن لترك الجمع أسبابًا كثيرة من أخطرها: موت القلب، وضعف الإيمان، وقلة البصيرة وصحبة الفاسقين، وحب الدنيا وطول الأمل والغفلة عن حكمة الخلق، وهناك سبب مباشر لتركها يكثر وقوعه، وهو السهر على معصية الله والاستغراق في النوم من غير اتخاذ الأسباب المعينة على الاستيقاظ للصلاة.

حال الصالحين مع صلاة الجمعة:

- يستعدون لها من بعد صلاة الفجر: قال النيسابوري في تفسيره: "وكانت الطرقات في أيام السلف وقت السحر وبعد الفجر غاصة بالمبكرين إلى الجمعة يمشون بالسرج!".

- يحتسبون الخُطَا إلى المساجد يومها جهادًا في سبيل الله: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ ‌غَسَّلَ ‌يَوْمَ ‌الْجُمُعَةِ ‌وَاغْتَسَلَ، ‌ثُمَّ ‌بَكَّرَ ‌وَابْتَكَرَ، ‌وَمَشَى ‌وَلَمْ ‌يَرْكَبْ، ‌وَدَنَا ‌مِنَ ‌الْإِمَامِ ‌فَاسْتَمَعَ ‌وَلَمْ ‌يَلْغُ ‌كَانَ ‌لَهُ ‌بِكُلِّ ‌خُطْوَةٍ ‌عَمَلُ ‌سَنَةٍ ‌أَجْرُ ‌صِيَامِهَا ‌وَقِيَامِهَا) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

ورَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مُعَمَّرٍ عَنْ ثَابِتٍ قَالَ: "كَانَ أَنَسُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- يَكُونُ فِي أَرْضِهِ وَبَينَهُ وَبَينَ البَصْرَةِ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ فَيَشْهَدُ الجُمُعَةَ بِالبَصْرَةِ" (فتح الباري).  

وعن عباية بن رفاعة قال: "أدركني أبو عبس بن جبر -رضي الله عنه- وأنا ذاهب إلى الجمعة، فقال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (مَنِ ‌اغْبَرَّتْ ‌قَدَمَاهُ ‌فِي ‌سَبِيلِ ‌اللهِ ‌حَرَّمَهُ ‌اللهُ ‌عَلَى ‌النَّارِ) (رواه البخاري).

- يبكرون بالحضور، ويفوزون بأعمال تجلب عليهم الثواب والأجور: قال عقبة بن علقمة: "دخل الأوزاعي المسجد يوم الجمعة، فأحصيت عليه قبل خروج الإمام صلاته أربعًا وثلاثين ركعة، كان قيامه وركوعه وسجوده حسنًا كله!" (الجرح والتعديل لابن أبي حاتم).

- بل كانوا ينكرون على مَن جاء متأخرًا: عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: "بَيْنَا عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يَخْطُبُ النَّاسَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ دَخَلَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فَنَادَاهُ عُمَرُ: أَيَّةُ سَاعَةٍ هَذِهِ؟ فَقَالَ: إِنِّي شُغِلْتُ الْيَوْمَ، فَلَمْ أَنْقَلِبْ إِلَى أَهْلِي حَتَّى سَمِعْتُ النِّدَاءَ، فَلَمْ أَزِدْ عَلَى أَنْ تَوَضَّأْتُ، قَالَ عُمَرُ: وَالْوُضُوءَ أَيْضًا، وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- كَانَ يَأْمُرُ بِالْغُسْلِ؟!" (متفق عليه).

- وفي الجملة... كان الصالحون ينتظرون يوم الجمعة ويفرحون به؛ ففيه يزيد إيمانهم، ويتقربون فيه إلى ربهم، وتنير فيه وجوهم، وتشرح صدورهم، وتغسل فيه قلوبهم من ذنوب أسبوعهم، ويجددون فيه العهد مع ربهم، ويشعرون بهويتهم وانتمائهم لدينهم، فهو يوم عيدهم: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ، وَالْجُمُعَةُ إِلَى الْجُمُعَةِ، وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ، مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ) (رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (إِنَّ هَذَا يَوْمُ عِيدٍ جَعَلَهُ اللَّهُ لِلْمُسْلِمِينَ، فَمَنْ جَاءَ إِلَى الْجُمُعَةِ فَلْيَغْتَسِلْ) (رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني).

خاتمة:

- إنَّ حِرْصَ المُسْلِمِ عَلَى صَلَاَةِ الجُمُعَةِ دَلِيلٌ عَلَى صحة إِيمَانِهِ، وَبُعْدِهِ عَنِ الغَفْلَةِ، وَحِرْصِهِ عَلَى طَاعَةِ اللهِ وَرَسُولِهِ، وَإِجَابَتِهِ لِنِدَاءِ الشَّرِيعَةِ الربانية: قَالَ -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ) (الجمعة: 9).

- وإنَّ التَّهَاوُنُ فِي تَرْكِ صَلَاةِ الجُمُعَةِ كبَيِرَةٌ مِنَ الكَبَائِرِ، وَمُنْكَرٌ مِنْ أَعْظَمِ المُنْكَرَاتِ، وَسَيِّئَةٌ مِنْ أَقْبَحِ السَّيِّئَاتِ: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (لَيَنْتَهِيَنَّ ‌أَقْوَامٌ ‌عَنْ ‌وَدْعِهِمُ ‌الْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ. ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ) (رواه مسلم).

نسأل الله أن يهدي ضال المسلمين، وأن يعين الشباب على المحافظة على أداء الجمع، وإقامة أركان الدِّين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة