السبت، ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٧ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الكبائر (30) مَنْعُ الزكاة (موعظة الأسبوع)

الكبائر (30) مَنْعُ الزكاة (موعظة الأسبوع)
الأربعاء ١٣ سبتمبر ٢٠٢٣ - ١٢:١٨ م
42

 

الكبائر (30) مَنْعُ الزكاة (موعظة الأسبوع)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

المقدمة:

- الكبائر هي تلك الذنوب المهلكة، التي ضَمِن الله لمَن اجتنبها في الدنيا، الجنة في الآخرة: قال -تعالى-: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) (النساء: 31).

- مَنْعُ الزكاة من كبائر الذنوب التي توعَّد أهلها بألوان الوعيد، وتهدَّدهم بأنواع العذاب الشديد في الحياة وبعد الممات: قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ . يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ) (التوبة: 34-35).

(1) نظرة الإسلام إلى المال:

- المال مِلك لله، وأنه وسيلة لا غاية، وأن مقياس الناس أعمالهم وليس أموالهم: قال -تعالى-: (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) (الحديد: 7)، وقال: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) (الحجرات: 13).

- فاوت الله بين أرزاق الخلق، فمنهم غني ومنهم فقير لحكمة بالغة؛ ليتكامل الكون ويتعايش الناس، ويخدم بعضهم بعضًا: قال -تعالى-: (وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ) (النحل: 71)، وقال: (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا) (الزخرف: 32).

- مع تفاوت الناس في الأرزاق، وفي الغنى والفقر، فإن منفعة المال الذي هو بأيدي الأغنياء منفعة عامة للجميع، حيث جعل الله في هذا المال حق معلوم للفقير: قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ . لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) (المعارج: 24-25)، قال قتادة وغيره: الحقّ المعلوم: الزكاة. وقال -تعالى-: (وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) (النور: 33).

- إذًا... الزكاة حق للفقير، وليست مِنَّة ولا تفضلًا من الغني، بل هي حق للفقراء واجب على الأغنياء، فقد جعل الإسلام المجتمع كالأسرة الواحدة يكفل بعضهم بعضًا: قال -تعالى-: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات: 10)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم، وتَرَاحُمِهِم، وتعاطُفِهِمْ، مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى) (متفق عليه)(1).

(2) مكانة الزكاة في الإسلام:

- الزكاة ركن من أركان الدين والإيمان في الإسلام: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَحَجِّ الْبَيْتِ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ) (متفق عليه).

- جعل الإسلام الزكاة مع التوبة من الشرك وإقامة الصلاة، عنوانًا على الإسلام، واستحقاق مؤديها أخوة المسلمين: قال -تعالى-: (فَإِن تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) (التوبة: 11).

- وأعلن الإسلام أن في الزكاة تنمية للمال، وحفظًا له من الزوال، بخلاف ما يتصور البخلاء: قال -تعالى-: (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (سبأ: 39)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ما نَقَصَتْ صَدَقةٌ مِن مالٍ... ) (رواه مسلم)(2).

- بغير أداء الزكاة لا يكون المسلم في عداد المؤمنين الذين كتب الله لهم الفلاح وأعطاهم الفردوس الأعلى: قال -تعالى-: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ . فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ . وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ . أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ . الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (المؤمنون: 1-11).

(3) عقوبة مانعي الزكاة في الدنيا والآخرة:

- البُخل بالزكاة من أَمَارات النِّفاق وموجِبَاته: قال -تعالى- في وصْف المنافقين: (وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ) (التوبة: 54)، وقال -تعالى-: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُم مِّن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (التوبة: 67).

- البُخل بالزكاة سبب في نزول البلايا والنقم بالمجتمعات (الفقر - الغلاء - الأمراض - ... ): قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (‌وَلَمْ ‌يَمْنَعُوا ‌زَكَاةَ ‌أَمْوَالِهِمْ، ‌إِلَّا ‌مُنِعُوا ‌الْقَطْرَ ‌مِنَ ‌السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا) (رواه ابن ماجه، وحسنه الألباني).

- البُخل بالزكاة سبب في مَحْقُ بركة المال وذَهابه بأنواع موجِبات الهلاك وأسباب التَّلَف: قال -تعالى-: (إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ . وَلَا يَسْتَثْنُونَ . فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ . فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ . فَتَنَادَوْا مُصْبِحِينَ . أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ . فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ . أَن لَّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ . وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ . فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ . بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) (القلم: 17-33). ورُوِي: "مَا ‌خَالَطَتِ ‌الزَّكَاةُ ‌مَالًا ‌قَطُّ ‌إِلَّا ‌أَهْلَكَتْهُ" (أخرجه الهيثمي في مَجمع الزوائد، وضعفه الألباني)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (‌إِذَا ‌أَدَّيْتَ ‌زَكَاةَ ‌مَالِكَ ‌فَقَدْ ‌أَذَهَبْتَ ‌عَنْكَ ‌شَرَّهُ) (رواه ابن خزيمة، وحسنه الألباني).

- البُخل بالزكاة يعرض صاحبه لعقوبة دنيوية شرعية يتولاها الحكام في المجتمع الإسلامي: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ أَعْطَاهَا مُؤْتَجِرًا فَلَهُ أَجْرُهَا، وَمَنْ مَنَعَهَا فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ مَالِهِ، ‌عَزْمَةً ‌مِنْ ‌عَزَمَاتِ ‌رَبِّنَا -عَزَّ وَجَلَّ-، لَيْسَ لِآلِ مُحَمَّدٍ مِنْهَا شَيْءٌ) (رواه أحمد والنسائي، وحسنه الألباني)، وقال أبو بكر -رضي الله عنه-: "وَاللهِ ‌لَأُقَاتِلَنَّ ‌مَنْ ‌فَرَّقَ ‌بَيْنَ ‌الصَّلَاةِ ‌وَالزَّكَاةِ، فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ، وَاللهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا" (متفق عليه).

-‌ البُخل بالزكاة سبب للتعرُّض للعقوبة في الآخرة: قال -تعالى-: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَّهُم بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (آل عمران: 180)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَن آتَاهُ اللَّهُ مَالًا، فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ له مَالُهُ يَومَ القِيَامَةِ شُجَاعًا أقْرَعَ له زَبِيبَتَانِ يُطَوَّقُهُ يَومَ القِيَامَةِ، ثُمَّ يَأْخُذُ بلِهْزِمَتَيْهِ -يَعْنِي بشِدْقَيْهِ- ثُمَّ يقولُ أنَا مَالُكَ أنَا كَنْزُكَ، ثم تلا هذه الآية: (وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ) (رواه البخاري)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (مَا مِن صَاحبِ كَنزٍ لا يؤدِّي حقَّهُ إلَّا جَعلَهُ اللَّهُ يَومَ القيامةِ يُحمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فتُكْوَى بِها جَبْهَتُهُ وجنبُهُ وظَهْرُهُ حتَّى يَقضيَ اللَّهُ -تَعَالَى- بَيْنَ عبادِهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ ألفَ سَنَةٍ) (رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (‌مَا ‌مِنْ ‌صَاحِبِ ‌إِبِلٍ، ‌وَلَا ‌بَقَرٍ، ‌وَلَا ‌غَنَمٍ، ‌لَا ‌يُؤَدِّي ‌زَكَاتَهَا، إِلَّا جَاءَتْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمَ مَا كَانَتْ وَأَسْمَنَهُ، تَنْطَحُهُ بِقُرُونِهَا، وَتَطَؤُهُ بِأَظْلَافِهَا، كُلَّمَا نَفِدَتْ أُخْرَاهَا، عَادَتْ عَلَيْهِ أُولَاهَا، حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ) (متفق عليه).

خاتمة:

- لقد غفل أكثر أصحاب الأموال، عن قول ذي العزة والجلال: (وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) (النور: 33)، وعن قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يَقُولُ ‌الْعَبْدُ: ‌مَالِي ‌مَالِي، إِنَّمَا لَهُ مِنْ مَالِهِ ثَلَاثٌ: مَا أَكَلَ فَأَفْنَى، أَوْ لَبِسَ فَأَبْلَى، أَوْ أَعْطَى فَاقْتَنَى، وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ ذَاهِبٌ وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ) (رواه مسلم).

- يا أصحاب الأموال... أعطوا الفقراء حقهم، وستجدون الخلف من الله: قال -تعالى-: (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ) (سبأ: 39)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (‌مَا ‌نَقَصَتْ ‌صَدَقَةٌ ‌مِنْ ‌مَالٍ) (رواه مسلم).

- يا أصحاب الأموال... تعرضوا لنفحات المولى -جل وعلا-، ولدعاء الملائكة الأطهار في العلا، ولدعاء الفقراء واليتامى، والأرامل والثكالى: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (ما مِن يَومٍ يُصْبِحُ العِبادُ فِيهِ، إلَّا مَلَكانِ يَنْزِلانِ، فيَقولُ أحَدُهُما: اللَّهُمَّ أعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا، ويقولُ الآخَرُ: اللَّهُمَّ أعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا) (متفق عليه).

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق والأعمال والأقوال، لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها، لا يصرف عنا سيئها إلا أنت، برحمتك يا أرحم الراحمين.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) على هذه النظرة الإسلامية للمال، في ملكيته ومنفعته؛ تتأصل عبادة الله في المال، وهي الزكاة التي تتراوح بين 2.5%، و10% على اختلاف نوع الأموال؛ إذ إن الزكاة واجبة في جميع الأموال الثابتة والمنقولة، في الزراعة والتجارة والصناعة، وفي الأموال المدخرة والمكتنزة، وفيما ظهر على وجه الأرض أو خرج من باطنها في الجملة.  

(2) البخيل إذا كانت عنده مثلًا (مائة ألف) فيها زكاة (ألفان وخمسمائة)، فهو ينظر إلى الزكاة فيراها كثيرة جدًّا! ولا يرى (سبعة وتسعين ألفًا ونصف) كثيرة، فعند ذلك يمسك ويمنع الزكاة! ولا حول ولا قوة إلا بالله.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة