السبت، ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٧ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

تعليقًا على قرار وزارة التربية والتعليم حول النقاب

تعليقًا على قرار وزارة التربية والتعليم حول النقاب
الأربعاء ١٣ سبتمبر ٢٠٢٣ - ١٢:٢٠ م
609

 

تعليقًا على قرار وزارة التربية والتعليم حول النقاب

كتبه/ عبد المنعم الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

الخلاصة:

- طلب موافقة ولي الأمر على حجاب ابنته أشبه باستدعاء ولي أمر الطالبة لتفوقها.

- محاولة إقناع المنتقبات بعدم لزومه مخالف للشرع وللقانون.

- حبذا لو وَجَّهت وزارة التربية والتعليم جهودها الحوارية لمحاربة البلطجة والمخدرات، ومحاربة الإسفاف على مواقع التواصل الاجتماعي.

- أدعو كل المنتقبات على اختلاف أعمارهن إلى التسلُّح بمعرفة الأسانيد الشرعية والقانونية التي تمنع أيَّ أحدٍ مِن التَّدَخُّل في اختيارهن.

التعليق:

نشرت وزارة التربية والتعليم بيانًا لضوابط الزي المدرسي، وذكرتْ فيه ما حاصله:

1- يُسمَح بارتداء غطاء شعر مع إحضار ما يفيد بموافقة ولي الأمر.

2- يمنع غطاء الوجه (النقاب).

3- ثم نشرت الوزارة أنه سيتم الاعتماد على التربية الاجتماعية في التعامل مع الطلاب؛ سواء البنات أو الأولاد، ولتعريف الطالبات الغاية من منع غطاء الوجه في المدارس، وهو كشف شخصية الطالب، وليس منعه من الالتزام.

وهذا التصريح يبدو أنه جاء تلطيفًا لقرار المنع؛ ليصبح منعًا مصحوبًا بحوارٍ، وليس بالعصا الغليظة.

ولنا مع هذا وقفات سريعة:

1- حرصتِ الوزارةُ على التأكيد على أن غطاء الشعر اختياري، وأنها لا تفرض الحجاب على الفتيات، وبما أن هناك إجماعًا من العلماء على وجوب الحجاب، وبما أن القرار يشمل كل المدارس إلى المرحلة الثانوية؛ مما يعني أنه يشمل فتيات مكلَّفات بالفروض الشرعية، ومنها: الحجاب؛ فهذا يعني أن الوزارة لا ترى نفسها مسئولة عن الإلزام بالواجبات الشرعية، ولا حتى الدعوة إليها عبر التربية الاجتماعية.

وبالتالي، فإن الأمر يبدو شديد التناقض حينما تعلن الوزارة أنها تريد إقناع الطالبات بعدم لزوم النقاب، وأن فعله زيادة منهن، فإذا كانت الوزارة ترى أن لها دورًا في تصويب ما يقع من بعض الطلاب أو الطالبات من مخالفات شرعية؛ فلتبدأ بمَن لم يحتجبن؛ وإلا فليس لها التدخل في شئون المنتقبات إلا باعتبار الحاجة إلى التحقق من شخصية الطالبة، مع صيانة حقها واختيارها، وذلك باللجوء إلى وسيلة تحقق من الشخصية لا تخدش اختيار الطالبة، ولا تفرض عليها ما لا تريده، وهذا ممكن بأن يكون التحقق من الشخصية عند الحاجة، وعَبْر مشرفات.

2- يبدو شيئًا مثيرًا للدهشة أن يطلب التأكد مِن موافقة ولي الأمر على حجاب ابنته المحجبة للتأكد من أن أحدًا لم يفرضه عليها؛ هذا مع اتفاق القاصي والداني في الوزارة وخارجها على أن الحجاب فريضة، وبالتالي فهو شيء حسن يجب على المسلمة المكلَّفة فعله، ويجب على كل المسلمين محبته، ويجب على أمة الإسلام الدعوة إليه والترغيب فيه، والأشياء الحسنة لا يمكن أبدًا أن تسبب إزعاجًا أو خوفًا أو قلقًا من الوزارة يستوجب معه تنبيه ولي أمر الطالبة حتى يفتش مِن الذي دعاها إلى هذه المحاسن.

والوزارة (في عهود سابقة لما كان الطلاب يحضرون والمدرسون يشرحون) كانوا يستدعون ولي أمر الطالب لسوء السلوك، أو لضعف المستوى التعليمي، ولم نرَ قط استدعاء ولي الأمر لحسن السلوك أو للتفوق الدراسي! واستدعاء ولي الأمر من أجل حجاب ابنته -عند العقلاء- أكثر عجبًا من استدعائه من أجل تفوقها!

وكون أن بعض الغلاة في الدِّين (وأعني هنا الغلو بالخروج عمَّا في الكتاب والسنة، ومن أخطر أمثلته: تكفير عوام المسلمين أو انتهاج العنف تجاه المجتمع، وليس الالتزام بالشرع الذي يسميه كثير من الإعلاميين: غلوًّا!).

فإذا كان بعض هؤلاء يأمر بشيء من الدِّين؛ فلا يمكن اعتبار هذا الشيء خاصية أو علامة أو سمة من سمات الغلو؛ وإلا فإن هذا قد ينسحب على الصلاة ذاتها، وعلى كثير من الأمور الشرعية التي يفعلها الغلاة وينادون بها إلا أنهم يغالون فيها، أو ينضبطون فيها، ولكن يغالون في غيرها.

ثم إن هذا الاشتراط يُخشَى معه أن يتردد بعض أولياء الأمور البسطاء في إتمام هذا الأمر؛ ظنًّا منهم أن هذا الإقرار قد يضعهم في دائرة الاشتباه.

ومطالبة إقرار ولي الأمر بالإقرار بأنه يعلم أن ابنته محجبة يعني: أن الوزارة تفترض أن كثيرًا من المحجبات (وإلا فلا نظن أن الوزارة لديها رفاهية البحث والتفتيش عن الأحوال النادرة في أمر خارج العملية التعليمية أصلًا) يخرجن من بيوتهن غير محجبات ثم تجبرهن قوى ما على الحجاب خارج المنزل، وأن هذه القوى يهمها بشكل جوهري أن تجبر الطالبات على الحجاب في المدرسة! ثم إذا رجعت هذه الطالبة إلى بيتها خلعت الحجاب خارج المنزل! (وإلا فلو عادت به فلا بد أن ولي أمرها سيعلم أنها محجبة طوعًا أو كرهًا).

ونتيجة هذا الافتراض (الذي يدمِّر نظرية الاحتمالات، ويجعل تدريسها في مناهج الوزارة ضربًا من العَبَث) قررتِ الوزارة أن تنبِّهَ الآباء المساكين ليفتشوا "مع الوزارة" عن هذه القوى الخفية التي تَفرِض على البنات الحجاب في المدارس خاصة!

3- بيَّنَّا أن الوزارة لم تضع نفسها موضع المسئول عن تصحيح كلِّ خطأ شرعي تقع فيه الطالبات؛ وإلا فسيلزمها فعل هذا مع مَن لا تتحجب؛ فلم يبقَ أمام الوزارة إلا حماية اختيار الطالبة التي اختارت النقاب؛ بغض النظر عن وجهة نظر قيادات الوزارة، أو وجهة نظر أي أحدٍ آخر.

فإن قالوا: نريد التحقق من شخصيتها، ولأن هناك مِن الرجال مَن يتخفَّى في النقاب (وفي الواقع: قد ضُبِط بالفعل في مواطن مختلفة حالات تخفي بعض الرجال في النقاب)، فعودة مرة أخرى إلى نظرية الاحتمالات: هل يمكن أن يتم هذا في الدخول إلى مدرسة بين البنات وهن يدخلن في موعدٍ واحدٍ؛ مما يسهِّل جدًّا على البنات اكتشاف هذا الرجل المتنكر؟!

ثم إنهن يدخلن بعد ذلك إلى الفصول وتجلس كل واحدة في مكانها، وتكلم زميلاتها، بل وترفع المنتقبات النقاب في الحصص التي يتولى الشرح فيها مُدَرِّسَات؛ فبالله عليكم؛ هذا الذي تخفَّى في النقاب: أخفى وجهه أم طمس نظر "بل كل حواس" مَن حوله بنقابه هذا؟!

ثم هل النقاب هو الوسيلة الوحيدة لتنكر رجل في صورة امرأة؟! بلا شك أن قليلًا من المكياج مع الملابس الحريمي قد تُمَكِّن الرجال مِن هذا، واسألوا الدراما تخبركم!

4- ونحن لا ننازع أن ثمة مواطن تحتاج إلى التحقق من الشخصية، وهذا يكون عن طريق مطابقة صور المستندات الرسمية التي تحملها الطالبة مع شخصها، وهذا يكون في الامتحانات أو في أي موطن يُحتَاج فيه إلى هذا، وحينئذٍ -وصيانة للحرية الشخصية- يجب على الجهة الإدارية أن توفِّر وسيلة تحقق لا تنتقِص من حق المنتقبة في نقابها، وذلك من خلال مشرفة أنثى تكشف لها الطالبة عن وجهها.

4- كُتُب الأئمة الأعلام، وكُتُب شيوخ الأزهر المعاصرين وفتاواهم، تؤكِّد: أن النقاب فرض في قول بعض العلماء، وفضل في قول البعض الآخر، وبالتالي فَتَدَخُّل الوزارة في إقناع الطالبات بأحد الرأيين هو تدخل في الحرية الشخصية بصفة عامة، وفي حرية التدين بصفة خاصة.

وإذا تَبَنَّتِ الوزارةُ القول الشاذ الذي يقوله بعض المفكرين بأنه عادة، وليس فرضًا ولا فضلًا! فمجرد تبني هذا القول هو نوعٌ من ممارسة الفتوى من جهة غير مؤهَّلة لذلك؛ بالإضافة لكونه كما بَيَّنَّا عدوانًا على حرية مَن لا تعتقد صحة هذا الرأي حتى ولو لم يكن شاذًّا.

5- في الآونة الأخيرة رمتنا مواقع التواصل الاجتماعي بفتيات في المرحلة الثانوية، بل والإعدادية يقدمن محتويات فاضحة، وحوكم بعضهن في القضاء، وبالتالي لو كان لدى الوزارة كفاءات في التربية الاجتماعية، فإننا نرشح لها أن تعقد دورات في خطر هذه الأخلاق الرذيلة على المجتمع المصري، وهناك كثير من الانحرافات السلوكية تنتشر في هذه المرحلة العمرية، منها: التحرش، ومنها: إدمان المواقع الإباحية، ومنها: التدخين وتعاطي المخدرات، كما تغيب عن الكثيرات منهن المعاني المطلوبة مِن التدين ومكارم الأخلاق، والحفاظ على الأوطان؛ مما يجعلهن فريسة سهلة لجماعات التخريب؛ سواء باسم الدِّين مِن الغلاة، أم باسم الليبرالية، أم باسم الاشتراكية الثورية.

فهذه أجندة مقترحة لعمل نشاط التربية الاجتماعية نظن أنها أولى بكثيرٍ من استعمال أدوات الوزارة في مخالفة الشرع والدستور والقانون!

6- أخشى إن بقي القرار على حاله أن يتم التنمر على المنتقبات مِن مسئولات "التربية الاجتماعية" غير المؤهَّلات، وأن يكون الحوار من نوعية "هو إحنا مش قلنا... واللي عاجبها تيجي كده تيجي، واللي مش عاجبها متجيش...!".

أو -على أحسن تقدير- تعقد جلسة حوارية مرة واحدة يكون الحوار فيها هو أن يتولى أحد المدرسين إلقاء بيان في أن النقاب ليس مِن الإسلام مع بعض القصص المتناثرة عن رجال تنكَّروا في زي المنتقبات، وعير ذلك من الحجج! لأن الوزارة لما أعلنت لجوءها للحوار لم تبيِّن لنا: ماذا ستفعل مع مَن لن تقتنع بعد الحوار؟!

6- أنصح كل طالبة محجبة أو منتقبة: أن تتقن الأدلة الشرعية على فرضية الحجاب، وأن تتقن الأدلة التي تبيِّن أن علماء الأمة متفقون على أن أقل أحوال ستر الوجه هو الاستحباب، ومنهم مَن قال بوجوبه، وممَّن قال بالاستحباب فريق يقول بوجوبه إذا كثر الفُسَّاق (يعنون في هذا الموطن المتحرشين بمصطلح زماننا).

وأن يدرسن أحكام المحكمة الدستورية والإدارية العليا بشأن النقاب؛ لا سيما حكم دائرة توحيد المبادئ بالإدارية العليا (يراجع في ذلك مقال دكتور طلعت مرزوق)؛ لكى يَكُنَّ على استعداد تام للنقاش إن كانت الوزارة مصرة عليه.

7- لتعلم كل منتقبة: أنه حتى على القول بأن النقاب مستحب؛ فإن المسلم لا يليق به أن يتراجع في دينه إلى الوراء ولو بترك مستحب بعد أن أقدره الله عليه.

واعلمن أنكن بنقابكن تحمين أخواتكن المحجبات، بل والمحتشمات بما هو دون الحجاب؛ لأن خصوم الفضيلة (ممَّن يضغطون على المسئولين بمنع النقاب بدعوى أنه رمزٌ للتطرف) إذا فرغوا منه انتقلوا إلى الحجاب، ثم دعوا إلى محاكاة الغرب في ثيابه ثم... وثم... وهو أمر ليس ببعيد عنا، بل إن حفلات التخرج في بعض الجامعات صارت تنافس حفلات مطربي الراب في الابتذال! وهي خطوات للشيطان يتبعها مع المجتمع ككل؛ فأنتُنَّ في خطِّ الدفاع الأول، وفي جانب مهم جدًّا من جوانب المجتمع المسلم مِن أنه مجتمع يحافظ على الفضيلة، ومِن أهم وسائل الحفاظ على الفضيلة: ستر العورة من الرجال والنساء، وإن اختلفت حدودها باختلاف طبيعة كلٍّ منهما، ثم بغضِّ البصر مِن كلٍّ منهما كذلك.

نسأل الله أن يظلل مجتمعاتنا الإسلامية بالفضيلة والعفاف، ومكارم الأخلاق.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 


الكلمات الدلالية