الخميس، ٢٤ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٠٢ مايو ٢٠٢٤
بحث متقدم

تجديد أم عبث؟! (2)

تجديد أم عبث؟! (2)
الثلاثاء ٠٣ أكتوبر ٢٠٢٣ - ١١:٠١ ص
34

 

تجديد أم عبث؟! (2)

كتبه/ سامح بسيوني

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد تكلمنا في المقال السابق عن محاولات العبث بالثوابت الدينية والخطاب الديني، وبيَّنًّا أن هذه المحاولات ليست جديدة؛ فهي قائمة منذ بداية الرسالة النبوية، وبينَّا كيف أن الله -تعالى- في كتابه الكريم هدم تلك الدعوات الخبيثة الداعية لنبذ السنة النبوية الشريفة بقوله -عز وجل-: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (الحشر: 7).   

وهذه الآية اشتملت على أمر، ووصف، وتحذير:

أمر؛ بالأخذ بكل ما جاء به الرسول -صلى الله عليه وسلم،- أو صدر عنه من قول أو فعل أو تقرير، أو صفة (فيندرج تحت ذلك جميع أدلة السنة)، وتحذير من عقاب الله الشديد لمَن نبذ أدلة السنة الثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ورفض العمل بها والامتثال لها، أو شكك في حجيتها، ووصف لسبيل النجاة بتحقيق التقوى المنشودة التي هي امتثال للأمر الذي يأتي من الرسول واجتناب للنهي منه -صلى الله عليه وسلم-.

كما يوضح ذلك أيضًا ما جاء عن عَبْدُ اللهِ بن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: (لَعَنَ اللهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُوتَشِمَاتِ، وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ، الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللهِ)، فَبَلَغَ ذَلِكَ امْرَأَةً مِنْ بَنِي أَسَدٍ يُقَالُ لَهَا: أُمُّ يَعْقُوبَ، فَجَاءَتْ فَقَالَتْ: إِنَّهُ ‌بَلَغَنِي ‌أَنَّكَ ‌لَعَنْتَ ‌كَيْتَ ‌وَكَيْتَ، فَقَالَ: وَمَا لِي لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، وَمَنْ هُوَ فِي كِتَابِ اللهِ، فَقَالَتْ: لَقَدْ قَرَأْتُ مَا بَيْنَ اللَّوْحَيْنِ، فَمَا وَجَدْتُ فِيهِ مَا تَقُولُ، قَالَ: لَئِنْ كُنْتِ قَرَأْتِيهِ لَقَدْ وَجَدْتِيهِ، أَمَا قَرَأْتِ: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) قَالَتْ: بَلَى، قَالَ: فَإِنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْهُ، قَالَتْ: فَإِنِّي أَرَى أَهْلَكَ يَفْعَلُونَهُ، قَالَ: فَاذْهَبِي فَانْظُرِي، فَذَهَبَتْ فَنَظَرَتْ، فَلَمْ تَرَ مِنْ حَاجَتِهَا شَيْئًا، فَقَالَ: لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ مَا جَامَعَتْنَا. (متفق عليه).

فالإسلام من أركانه وواجباته التي يجب الإيمان بها والعض عليها بالنواجذ:

- أن الله -عزَّ وجلَّ- قد بعث محمدًا -صلى الله عليه وسلم- للنَّاس كافة رسولًا مُشرِّعًا خاتمًا، ونبيًّا هاديًا، وأمر الناس كافة باتباعه وتصديق نُبوَّته، واعتقاد عِصمته، ولزوم طاعته والامتثال لأمره واجتناب نهيه والانقياد له والرِّضا بحُكْمِه والتَّسليم لما جاء به، والتزام سُنته والاقتداء بهديه والتَّخلُّق بأخلاقه والتَّأدب بآدابه في العُسْر واليُسْر، والمَنْشَط والمَكرَه، فأركان الإسلام وواجباته لا تكتمل إلا بتحقق ذلك قولًا وعملًا.

- ليس من مفهوم الإسلام أبدًا أن يُعبد الله كما يشاء كل أحدٍ دون اتباعٍ للنبي المُرَّسل صاحب الشَّرع الحنيف -صلى الله عليه وسلم- في أمره ونهيه وتوجيهه، فقد قال -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ ‌عَمِلَ ‌عَمَلًا ‌لَيْسَ ‌عَلَيْهِ ‌أَمْرُنَا ‌فَهُوَ ‌رَدٌّ) (رواه مسلم)؛ أي: مردود عليه لا يقبله الله، وقال أيضًا -صلى الله عليه وسلم-: (فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي) (متفق عليه)

- القولَ بأن أفعال النبي -صلى الله عليه وسلم- ليست دينًا من عند الله، وأن تصديرها للناس على أنها دين يُعد مشكلة؛ هذا القول -إن لم يُعذر صاحبه بالجهل- يخرجهُ من الدين؛ وإلا فما معنى شهادة أن محمد رسول الله كركن من أركان الإسلام؟! ولماذا إذًا أرسل الله رسوله خاتما للرسل؟!

- بالنظر أيضًا إلى الأفعال التي فعلها النبي -صلى الله عليه وسلم- من باب عادات قومه أو طبيعته البشرية (كحبه -صلى الله عليه وسلم- للدباء، ومعافاة نفسه أكل الضب مثلًا)؛ فهذه الأفعال لا أقلَّ من أن يحوزَ المُقتدِي فيها بالنبي -صلى الله عليه وسلم- شرفَ الاقتداء به، وثوابَ المحبة له -صلى الله عليه وسلم- إن خلُصت نيته في ذلك، كما قال -تعالى-: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا) (الأحزاب:21)، وقوله كذلك -سبحانه وتعالى- على لسان نبيه -صلى الله عليه وسلم-: (قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ، وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) (آل عمران: 31).

وللحديث بقية -إن شاء الله-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 


الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة