السبت، ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٧ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الكبائر (33) الظلم (موعظة الأسبوع)

الكبائر (33) الظلم (موعظة الأسبوع)
الثلاثاء ١٠ أكتوبر ٢٠٢٣ - ١٠:٠٢ ص
85

 

الكبائر (33) الظلم (موعظة الأسبوع)

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

المقدمة:

- الكبائر هي تلك الذنوب المهلكة التي ضمن الله لمَن اجتنبها في الدنيا، الجنة في الآخرة: قال -تعالى-: (إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُم مُّدْخَلًا كَرِيمًا) (النساء: 31).

- الظلم من الكبائر العظام، والقبائح الجسام، فهو إثم عظيم، وذنب مرتعُه وخيم: قال الله -تعالى- في الحديث القدسي: (يَا عِبَادِي إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ علَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فلا تَظَالَمُوا...) (رواه مسلم).

- تعريف الظلم: هو وضع الشيء في غير محله.

(1) ذم الظلم والنهي عنه:

- الله -سبحانه وتعالى- عَدْل ويأمر بالعدل، وينهى عن الظلم: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل: 90)، (وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعِبَادِ) (غافر: 31).

- أرسل الله الرسل وأنزل الكتب لمنع الظلم بأنواعه من الأرض: قال -تعالى-: (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحديد: 25).

- بيَّن -سبحانه وتعالى- أن الظلم سببٌ للبلاء والهلاك في الدنيا قبل الآخرة: قال -تعالى-: (وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) (يونس: 13)، وقال: (فَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُّعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَّشِيدٍ) (الحج: 45)، وقال: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ ? إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (هود: 102).

- وبين -سبحانه وتعالى- أن من عواقب شيوع الظلم في الدنيا، تعميم العقوبة إذا رضي الناس به، مع قدرتهم على منعه: قال -تعالى-: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (الأنفال: 25)، وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (‌إِنَّ ‌النَّاسَ ‌إِذَا ‌رَأَوْا ‌الظَّالِمَ ‌فَلَمْ ‌يَأْخُذُوا ‌عَلَى ‌يَدَيْهِ ‌أَوْشَكَ ‌أَنْ ‌يَعُمَّهُمُ ‌اللَّهُ ‌بِعِقَابٍ مِنْهُ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني)(1).

(2) أنواع الظلم:

الظلمُ نوعان: أحدهما ظلمُ النَّفْس، وهو على قسمين:

- الأول: الشِّرْكُ بالله -تعالى-، فإنَّ المُشْرِكَ جَعَلَ المخلوقَ في مَنزِلةِ الخالق، فعَبَدَهُ وتألَّهَه، قال -سبحانه-: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) (لقمان: 13).

- الثاني: ظُلم النَّفسِ بالمعاصي على اخْتِلاف أجناسِها من كبائر وصغائر، فكُلُّ معصيةٍ يرْتكبُها العبدُ إنما هي ظُلمٌ لنفسه التي أمره الله بحفظها: قال -تعالى-: (وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) (الطلاق: 1)، وقال: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) (يونس: 44).

والنوع الثاني من الظلم:

- ظُلمُ العبدِ لغيره من الناس، وهو المقصودُ بالترهيب والتحريم في أكثر النصوص التي تربي المؤمنين: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (اتَّقُوا الظُّلْمَ، فإنَّ الظُّلْمَ ظُلُماتٌ يَومَ القِيامَةِ...) (رواه مسلم)، وقال: (المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ ولَا يُسْلِمُهُ...) (متفق عليه)، وقال: (انْصُرْ أخاكَ ظالِمًا أوْ مَظْلُومًا) فقالَ رَجُلٌ: يا رَسولَ اللَّهِ، أنْصُرُهُ إذا كانَ مَظْلُومًا، أفَرَأَيْتَ إذا كانَ ظالِمًا، كيفَ أنْصُرُهُ؟ قالَ: (تَحْجُزُهُ -أوْ تَمْنَعُهُ- مِنَ الظُّلْمِ؛ فإنَّ ذلكَ نَصْرُهُ) (رواه البخاري).

(3) صور من الظلم:

- التطاوُلُ على أموالِ اليتامى والضعفاء: (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) (النساء: 10).

- التَّسْويفُ والتأخيرُ في قضاء الدين مع القدرة: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَطْلُ الغَنِيِّ ظُلْمٌ) (متفق عليه).

- حِرمانُ المرأةِ من حقِّها في الميراث من أبيها أو زوجِها أو مُوَرِّثِها أيًّا كان، أو المماطلةُ في ذلك: قال -تعالى-: (يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ) وقال في آخرها: (آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لَا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا) (النساء: 11).

- ظلمُ الأُجَرَاء والمُستَخدَمين من عُمَّالٍ ونحوِهم ببخسِهِم حُقوقَهم، أو تأخيرِها عن أوقاتها، أو تغييرِ الاتفاقِ المُبْرَمِ معَهُم، أو إِهانَتِهم بقولٍ أو فِعْل: قال النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-: (قالَ اللَّهُ: ثَلاثَةٌ أنا خَصْمُهُمْ يَومَ القِيامَةِ: ... ورَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أجِيرًا فاسْتَوْفَى منه ولم يُعطِه أَجْرَهُ) (رواه البخاري).

- الأذى الجَسَدي أو اللفظي، أو النَّفْسي للغير: قال النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ اللهَ يُعذِّبُ الذين يُعذِّبون الناسَ في الدنيا) (رواه مسلم).

- ظلم الزوجة بالتَّقْتيرِ عليها، أو سُوءِ مُعامَلتِها أو إهانَتِها أو هَجْرِها أو تَهْديدِها أو عَدَمِ حُسْنِ الخُلُقِ مَعَها: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (خَيْرُكُمْ ‌خَيْرُكُمْ ‌لِأَهْلِهِ، ‌وَأَنَا ‌خَيْرُكُمْ ‌لِأَهْلِي) (رواه الترمذي، وصححه الألباني). 

- ظلم الجيران بالاعتداء على حقوقهم وحرمتهم: قال النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فلا يُؤْذِ جَارَهُ) (متفق عليه).

- الغش والتدليس ونحوه في البيع والشراء: قال النبيَّ -صلى الله عليه وسلم-: (مَن غَشَّ فليسَ مِنِّي) (رواه مسلم).

- ومِن أظلم الظلم: التحاكم الى غير الله (حكامًا ومحكومين): قال -تعالى-: (وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (المائدة: 45).

- (مدخل للعنصر التالي) لَا يَظُنَّنَّ أحَدٌ أَنَّ ظُلْمَهُ لِلْعِبَادِ سَيَضِيعُ وَيَذْهَبُ دُونَ حِسَابٍ وَلَا عِقَابٍ: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ) (إبراهيم: 42)، بل قد يجعل الله له من العقوبة العاجلة في الدنيا ما يردعه، أو يكون به عبرة للظالمين(2).

(4) عاقبة الظلم والظالمين في الدنيا والآخرة:

أولًا: في الدنيا:

- الظالم لا يحبُّه الله -تعالى-؛ وهو مصروف عن الهداية محروم من الفلاح: (وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) (آل عمران: 57)، (إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (المائدة: 51)، (إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ) (الأنعام: 21).

- الظالم تطارده دعوات المظلومين الموعودة بالإجابة، ليلًا ونهارًا: قال -صلى الله عليه وسلم-: (واتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ؛ فإنَّه ليسَ بيْنَهُ وبيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ...) (متفق عليه)، وقال: (‌دَعْوَةُ ‌الْمَظْلُومِ ‌مُسْتَجَابَةٌ، ‌وَإِنْ ‌كَانَ ‌فَاجِرًا ‌فَفُجُورُهُ ‌عَلَى ‌نَفْسِهِ) (رواه أحمد، وقال الألباني: "حسن لغيره")، وقال -صلى الله عليه وسلم-: (اتَّقوا دعوةَ ‌المظلومِ؛ فإنها تُحملُ على الغَمامِ، يقولُ الله: وعِزَّتي وجَلالي لأَنْصُرَنَّك ‌ولوْ ‌بَعْدَ ‌حينٍ) (رواه الطبراني، وقال الألباني: "حسن لغيره")، وقال معاوية -رضي الله عنه-: "إني لأستحيي أن أظلم مَن لا يجد عليَّ ناصرًا إلا الله" (العقد الفريد لابن عبد ربه).

لا تـظـلـمـن إذا كــنـتَ مـقـتـدرًا               فـالـظــلـم آخـره يـأتـيك بالـنـدم

تــنـام عيــــنك والمظلوم منتـبه              يدعو عليك وعيــــن الله لم تنمِ

- صور لمَن استعملوا سلاح الدعاء في مواجهة الظلمة: سعيد بن زيد -رضي الله عنه- يدعو على امرأة ظلمته بادعائها لجزءٍ من أرضه، ففوض الأمر إلى الله -تعالى-، وقال: دَعُوهَا وَإِيَّاهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، يَقُولُ: (مَن أَخَذَ شِبْرًا مِنَ الأرْضِ بغيرِ حَقِّهِ، طُوِّقَهُ في سَبْعِ أَرَضِينَ يَومَ القِيَامَةِ) اللَّهُمَّ، إنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فأعْمِ بَصَرَهَا، وَاجْعَلْ قَبْرَهَا في دَارِهَا. قالَ: فَرَأَيْتُهَا عَمْيَاءَ تَلْتَمِسُ الجُدُرَ تَقُولُ: أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعِيدِ بنِ زَيْدٍ، فَبيْنَما هي تَمْشِي في الدَّارِ مَرَّتْ علَى بئْرٍ في الدَّارِ، فَوَقَعَتْ فِيهَا، فَكَانَتْ قَبْرَهَا. (رواه مسلم).

وسعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- دعا على أبي سعدة الكوفي لما افترى عليه: "اللَّهُمَّ إنْ كانَ عَبْدُكَ هذا كَاذِبًا، قَامَ رِيَاءً وسُمْعَةً، فأطِلْ عُمْرَهُ، وأَطِلْ فَقْرَهُ، وعَرِّضْهُ بالفِتَنِ. وكانَ بَعْدُ إذَا سُئِلَ يقولُ: شيخٌ كَبِيرٌ مَفْتُونٌ، أَصَابَتْنِي دَعْوَةُ سَعْدٍ، قالَ عبدُ المَلِكِ: فأنَا رَأَيْتُهُ بَعْدُ، قدْ سَقَطَ حَاجِبَاهُ علَى عَيْنَيْهِ مِنَ الكِبَرِ، وإنَّه لَيَتَعَرَّضُ لِلْجَوَارِي في الطُّرُقِ يَغْمِزُهُنَّ" (متفق عليه)(3).

- بل الأشد أن يتركه الله يزداد في ظلمه دون عقوبة زمنًا طويلًا يغتر فيه بعمله، ثم فجأة تنزل فوق رأسه المصائب والبلايا غير المتوقعة، فضلًا عما ينتظره في الآخرة: قال -تعالى-: (سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ) (الأعراف: 182)، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظّالِمِ، حتَّى إذا أخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ) ثم قرأ: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) (هود: 102). (متفق عليه).

ثانيًا: في الآخرة:

- بيَّن الحق -تعالى- أن الحقوق إن ضاعت في الدنيا، فإنها لا تضيع في الآخرة، وإن كانت كمثقال الذر: قال -تعالى-: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ) (الأنبياء: 47).

- وصف الله -تعالى- أحوال الظالمين عند الموت: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) (الأنعام: 93).

- تهدَّدهم الكبير المتعال مِن قَبْل بسوء العاقبة، وطردهم من رحمته: قال -تعالى-: (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ) (الشعراء: 227)، وقال: (فَبُعْدًا لِّلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (المؤمنون: 41).

- يخرج الظالمون من قبورهم في رعب وهلع شديد، قد نسوا كل نعيم في الدنيا، لا يذكرون إلا مشاهد ظلمهم للعباد، وما ينتظرون من العقاب: قال -تعالى-: (مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ ? وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ) (إبراهيم: 43).

- وفي عرصات القيامة، هم في فضيحة بما ظلموا، مطردون من رحمة الله بما عملوا: (يَوْمَ لَا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ) (غافر: 52)، (وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ ? أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (هود: 18)، (فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ) (الأعراف: 44).

- ثم يساقون الى أشد ألوان العذاب: قال -تعالى-: (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذَابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ) (الزخرف: 65).

- وأما تفاصيل العذاب؛ فقد جاء في الكتاب والسنة في كلِّ ظلم عقوبته؛ إما صراحة أو ضمنًا، فراجع عواقب الكبائر والمعاصي.

خاتمة:

- أيها الظالم تُبْ قبل فوات الأوان: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: (مَن كانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لأخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْها، فإنَّه ليسَ ثَمَّ دِينارٌ ولا دِرْهَمٌ، مِن قَبْلِ أنْ يُؤْخَذَ لأخِيهِ مِن حَسَناتِهِ، مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ، ‌فَإِنْ ‌لَمْ ‌يَكُنْ ‌لَهُ ‌حَسَنَاتٌ ‌أُخِذَ ‌مِنْ ‌سَيِّئَاتِ ‌أَخِيهِ ‌فَطُرِحَتْ ‌عَلَيْهِ) (رواه البخاري). وقال سفيان الثوري: "إن لقيتَ اللهَ -تعالى- بسَبعينَ ذَنبًا فيما بَينَك وبَينَ اللهِ -تعالى-، أهونُ عليك مِن أن تَلقاه بذَنبٍ واحِدٍ فيما بَينَك وبَينَ العِبادِ" (تنبيه الغافلين للسمرقندي).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حكى الطرطوشي -رحمه الله-: "أنه كان بمصر نخلة تحمل تمرًا عظيمًا، ولم تكن نخلة تحمل نصف حملها، فغصبها أحدهم فلم تحمل تمرة واحدة في ذلك العام! قال: وشهدت السمك في الإسكندرية يغلي -يفور- به الماء لكثرته ويصيده الأطفال بالخرق، فحجر عليه أحدهم، ومنع الناس من صيده، فذهب السمك منه حتى لا يكاد يوجد فيه إلا الواحدة " (من محاضرة للشيخ: محمد صالح المنجد).  

(2) قال ابن القيم -رحمه الله-: "سبحان الله! كم بكت في تنعم الظالم عين أرملة، واحترقت كبد يتيم، وجرت دمعة مسكين (كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُم مُّجْرِمُونَ) (المرسلات: 46)، (وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ) (ص: 88)، ما ابيضَّ لون رغيفهم حتى اسود لون ضعيفهم، وما سمنت أجسامهم حتى انتحلت أجسام ما استأثروا عليه! لا تحتقر دعاء المظلوم، فشرر قلبه محمول بعجيج صوته إلى سقف بيتك... ويحك نبال أدعيته مصيبة، وإن تأخر الوقت، قوسه قلبه المقروح، ووتره سواد الليل، وأستاذه صاحب: (لأَنْصُرَنَّك ‌ولوْ ‌بَعْدَ ‌حينٍ)، وقد رأيت ولكن لست تعتبر.

احذر عداوة مَن ينام وطرفه باكٍ، يقلِّب وجهه في السماء، يرمي سهامًا ما لها غرض سوى الأحشاء منك، فربما ولعلها إذا كانت راحة اللذة تثمر ثمرة العقوبة لم يحسن تناولها، ما تساوي لذة سنة غمَّ ساعة؛ فكيف والأمر بالعكس؟! كم في يمِّ الغرور من تمساح، فاحذر يا غائص، ستعلم أيها الغريم قصتك عند علق الغرماء بك" (بدائع الفوائد).

(3) وقد حكت كتب التاريخ: عن وزير ظلم امرأة بأخذ مزرعتها وبيتها، فشكته إلى الله فأوصاها مستهترًا، وقال: عليك بالدعاء في الثلث الأخير من الليل، فأخذت تدعو عليه شهرًا، فابتلاه الله بمَن قطع يده وعزله وأهانه، فمرت عليه وهو يُجلَد فشكرته قائلة:

إذا حـــاف الــــوزيــر وكــــاتـبــاه                  وقاضي الأرض أجحف في القضاء

فــــويــل ثــــم ويـــل ثــــم ويــــل                  لقاضي الأرض مـن قـاضي السماء

(من محاضرة للشيخ محمد صالح المنجد).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة