السبت، ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٧ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

حوار مع الإعلام المنتقد لموقف حزب النور من انتخابات الرئاسة 2024م

حوار مع الإعلام المنتقد لموقف حزب النور من انتخابات الرئاسة 2024م
الجمعة ١٣ أكتوبر ٢٠٢٣ - ٢٢:١٦ م
676

 

حوار مع الإعلام المنتقد لموقف حزب النور من انتخابات الرئاسة 2024م

كتبه/ عبد المنعم الشحات

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد خرج علينا كلُّ مذيعي قنوات إعلامية، يجمع بينها أنها دُشِّنت بعد 3-7-2013م، ورفعت شعار: "الدفاع عن الشرعية!" ثم حوَّلته إلى شعار: "المعارضة المصرية في الخارج"، ومنهم مَن يصرِّح بأنه إخواني، ومنهم مَن لا يصرح، ولكن انتماؤه الإخواني معروف، ومنهم مَن يعمل عندهم رغم أنه دعا إلى إسقاط الإخوان في 30-6!

وأرجو أن تتسع صدور كلِّ هؤلاء لتسجيل ملاحظة: أن هذه القنوات تتميز أيضًا بأن الخطوط العريضة للاسكريبتات التي تُقَال فيها واحدة؛ خذ عندك -مثلًا- حادثة مقتل جمال خاشقجي -رحمه الله-: كيف عَزَف الجميع على وَتَر أن مَن لم يذكر هذه الواقعة ليل نهار؛ فهو فاقد للإنسانية، و... وفي توقيت واحد قرَّروا جميعًا الاكتفاء بهذا القَدْر من المعالجة بصورة لا يمكن تفسيرها إلا بنظرية الجهاز السامسونج!

وتستطيع أن تسرد عشرات المواقف، يمكنك فيها أن إذا سمعتَ أحدهم، أن تغيِّر فقط اللزمات الشخصية، وتكتب أنت ما سيقوله الآخر!

وبالطبع في الموقف من الانتخابات الرئاسية 2024، يمكنك بسهولة أن تتحقق من وجود نظرية الاسكريبت الموحَّد، والجملة المفتاحية في الاسكريبت "لم نتفاجأ بموقف حزب النور ولكن..." (سيل من الشتائم يجود كل واحد منهم بما تسمح به مرونته الأخلاقية!)، ولا ينسى هؤلاء: التأكيد على أن الحزب غير موجود، وغير مؤثِّر، إلخ!

وبالطبع لم يُشر أيٌّ منهم إلى ورقة العمل التي قدَّمها الحزب مع بيان التأييد، والتي تتضمن رؤية سياسية واقتصادية تعبِّر عن معظم ما يشعر به المصريون، وحيث إن "بيان التأييد"، و"ورقة العمل" قد نُشِرا على إعلامنا الإنترنتي المتواضع، فمَن عرف بالأُولى سيكون قد عرف بالثانية، ويكون كتمه لها نوعًا من عدم المهنية.

وفي الواقع: إن حزب النور قد صرَّح بأنه يستحيل أن يتبنى موقفًا يؤدي إلى انهيار الدولة، وأن الشرط الجوهري في الرئيس أن يكون قادرًا على قيادة مؤسسات الدولة، ولا نجد هذا الشرط متحققًا فيمَن تقدَّم إلا الرئيس عبد الفتاح السيسي، فكان التأييد مع تقديم النصح الذي نراه.

وإذا كان هؤلاء المذيعون جادون في مناقشة رؤية حزب النور، فعليهم أن يناقشوا هذه النقطة -على الأقل- بموضوعية وعقلانية؛ يعني لو كانوا مصرين أن يرددوا ما قاله أحد المرشحين المحتملين في حوار: "أن الرئيس الذى سيأتي بإرادة شعبية يستحيل أن تستعصي عليه المؤسسات!"، فلما استدركت عليه المذيعة: أن الدكتور محمد مرسي جاء بإرادة شعبية، ومع ذلك لم تعمل معه المؤسسات؛ اكتفى بأنه طمئننا أنه دارس هذه التجربة جيدًا، ولن يكرر أخطاءها!

لكن دعنا من مدى جديتهم في مناقشة مدى صلاحية المرشحين من هذه الحيثية تحديدًا، ولنعد الآن إلى اسكريبت: "التعليق على موقف حزب النور".

خلاصة الموقف: أنهم يصرِّحون أن موقف حزب النور ليس مفاجأة؛ إلا أنهم منفعلون منه! لكن طالما سمحوا لأنفسهم بمناقشة موقف حزب النور؛ فليسمحوا لنا بمناقشة موقفهم من خلال عددٍ من الأسئلة البسيطة:

1- هذه القنوات كانت تبث من تركيا، وكان كثير من ضيوفها يقيمون في قطر: وإلى هذا الحد فيمكنك أن تبالغ في حُسْن الظن، وتُعمِل قاعدة: "فظن خيرًا ولا تسأل عن الخبر"، فيمكنك أن تقول: قطر تقوم سياساتها على استضافة المعارضين، وأما تركيا فيوجد تقارب ما في الفكر بين أردوغان والإخوان، وهم قوم يبحثون عن منبر يتحدثون منه، ولكن بعد أن تحسَّنت العلاقات بين مصر وكلٍّ من: قطر وتركيا، وتم طرد هذه القنوات من تركيا، رحلت جميعها إلى لندن.

والسؤال المنطقي: لماذا ترحِّب لندن بهذه القنوات؟

لن أتهم أحدًا في نيته، ولكن أقول: ألم يكن حريًّا بهم أن يسألوا أنفسهم: لماذا تستضيفهم لندن بكلِّ رحابة صدر؟!

2- طبعًا كنا نسألهم على استحياء: هل ينكرون المنكرات في بلاد إقامتهم؟

وسبب الاستحياء: أننا لا نريد أن نظهر بمظهر الداعي إلى التثوير في بلاد إسلامية، مثل: قطر وتركيا؛ لأننا ندعو المسلمين إلى انتهاج المنهج الإصلاحي في كلِّ بلاد المسلمين، وأظن الآن مِن حقنا أن نتساءل: لماذا أصبحت كلمة "لندن" حلوة المذاق في أفواههم؟! فالواحد منهم يردد كلمة "لندن" عدة مرات بمناسبة، وبدون مناسبة: (هنا في لندن - صرَّحت صحيفة كذا اللندنية هنا - ...)، بل وصل الأمر إلى الاحتفاء بتقارير المخابرات الإنجليزية! وكأن من شروط التعاقد التطبيع مع لندن، ومع تقارير الـ bbc، وتقارير المخابرات البريطانية!

ولما حدثت عملية "طوفان الأقصى" علَّق هؤلاء مرحبين بالعملية، ولكن ثمة تأييد بريطاني أمريكي يؤيِّد حقَّ إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وهذا عدوان خاص يستدعي استنكارًا، وانتظرنا أحدًا يقول: بريطانيا دولة استعمارية، وهذا هو اللائق بها! أو أحدًا يتساءل: أما آن لبريطانيا أن تكفِّر عن جرائم سايكس بيكو، ووعد بلفور؟!

ولكن القوم لم يفعلوا شيئًا من هذا! بل حتى نبرة التفاعل مع حدث بحجم عملية "طوفان الأقصى"، لو قارنته بنبرة التفاعل مع أي واقعة في مصر؛ لأدركت أن تناول هذا الحدث تمت هندسته بشكل موحَّد ومبرمج، وكل هذه المعاني!

3- تخرج هذه القنوات يوميًّا لتعلن: أن لندن -حيث يبثون قنواتهم- ليست وحدها، بل "واشنطن" هي الأخرى على الخط، والبرلمان الأوروبي؛ كل هؤلاء "يحكمون الحصار على السيسي"؛ هذا نص تعبير معظم هذه القنوات! فبما أنهم قنوات مهتمة بالشأن السياسي؛ فلا بد من تحليل سياسي.

أنتم منذ عشر سنوات تتحدَّثون عن السيسي باعتباره عميلًا صريحًا لأمريكا وإسرائيل، والآن أمريكا تريد أن تسقطه لصالح رجل أنتم تدعمونه؛ فهل أمريكا تريد إسقاط رجلها لصالح رجل وطني شريف؟! (أظن مَن يقول: نعم، يكون قد كفانا مؤنة الحوار).

أم أن أمريكا تريد أن تسقط عميلًا بعميل آخر؟! (وفي هذه الحالة يكون مَن يدعم هذا العميل خائنًا).

أم يلزمكم أن تعترفوا: أنكم قد افتريتم على "السيسي" عندما وصفتموه بالعمالة؟ (بالمناسبة فَرْق جوهري بين الاتهام بالعمالة الذي يجري على ألسنة مذيعي كل هذه القنوات، وبين أن تقول: إن هناك خللًا في ملف أو أكثر).

4- الأهم من هذا كلِّه: قنواتكم قدَّمت الشيخ محمد عبد المقصود، والشيخ وجدى غنيم، و... (رغم أن أحد مذيعي هذه القنوات بعد ما انتقلت القناة إلى لندن خرج ليقول: إنه لا يحب كل مَن يحمل أي مظهر تدين).

فالمهم: هذه القنوات قدَّمت خطابًا دينيًّا مفاده: أن كلَّ مَن يتشكك في عودة الدكتور "محمد مرسي" للحكم؛ فهو شاك في الله، بل استمروا في ذات الخطاب بعد وفاة الدكتور "مرسي -رحمه الله-، مع تعديل الخطاب ليكون: "عودة الشرعية" بدل "عودة الدكتور مرسي"، ثم كان هذا التطور الدراماتيكي، وصار الحديث عن ضمانات لانتخابات رئاسية، ودعم مرشح يؤكِّد على احترام الدستور والقانون.

الدستور الذي قال عنه "عصام تليمة": "لو لم يكتبوا فيه إلا نصوص من الكتاب والسنة فقط فهو يرفضه؛ لأن رافض كل شيء تم بعد 3-7!".

صحيح أيضًا أننا لم نتفاجأ، وكنا نعلم أن هذا اليوم سيأتي عاجلًا أو آجلًا، ولكن هذا الكلام (الباطل شكلًا وموضوعًا)، كان يحتاج إلى توبة صريحة، وبيان اعتذار لجمهور ضُلِّل عشر سنوات بمعلومات شرعية مغلوطة، وكان يقتضي ظهور نفس المشايخ يقولون: إنهم فهموا الأمر خطأ، وأغلق عليهم الحماس أبواب الفهم.

5- يعني: هل بالفعل تم الإقرار بالأمر الواقع في مصر، وإذا لم يكن فيكف يتم مساندة مرشح تحت مظلة الدستور؟

وإذا كان كذلك؛ فكان الواجب التراجع عن الشتائم التي كيلت لحزب النور طوال السنوات العشر بدلًا من الاستمرار فيها، أم أن الأمر ليس تراجعًا عن موقف سياسي بمقدار ما هو اصطفاف مع لندن وواشنطن في إضعاف مصر لصالح إسرائيل وإثيوبيا وإيران؟! وهي الدول التي يعتبرها الغرب مع التفاوت بينها واختلاف أدوارها في تطويق العالم الإسلامي السني؛ لأن البعض يصرِّح بأنه إن اختلف مع حاكم بلده تمنَّى لها كل سوء ظنًّا منه أن هذا يعجِّل بتخليص البلاد ممَّن كَرِه، وهو يعجل بسقوطها درى أم لم يدرِ!

6- ويتفرَّع على هذا السؤال: أنكم صرحتم أن المرشح الأقرب لكم هو "أحمد طنطاوي"، وأن هذه القنوات تتابع أخباره ليل نهار، والأستاذ أحمد طنطاوي كان أحد أفراد حزب الكرامة، ثم صار رئيسًا له ثم استقال منه، وحزب الكرامة هو أحد أبرز مكونات "جبهة الإنقاذ" التي كنتم تسمونها: "جبهة الخراب!"؛ فهل تبرأ الأستاذ أحمد طنطاوي من هذا التاريخ؟!

في حدود معلوماتي أنه لم يتبرأ، ولا أظن أنه سيتبرأ، فيبقى السؤال: كيف عالجتم هذا الأمر؟!

ملاحظة: على مدار السنوات التي عَمِل فيها مؤسسو حزب النور حتى قبل تأسيسيه، كان رفضهم للعالمانية بكلِّ مدارسها (ومنها: الليبرالية، والاشتراكية) واضحًا، بخلاف الإخوان الذين تغيَّر موقفهم من هذه المدارس عِدَّة مرات؛ فتبنى الإخوان معظم كتب الغزو الفكري التي كُتِبَت في القرن العشرين الميلادي، وفيها التحذير من هذه المدارس، بينما شهد أداؤهم السياسي تحالفًا مع هذه الأحزاب، كان من آخرها: التحالف الذي كان في الانتخابات البرلمانية 2012، ثم لما تولى الدكتور محمد مرسي الحكم، وكان وصوله للرئاسة عبر وعود لهذه الأحزاب بإشراكهم في الحكم، ولمَّا لم يجد هؤلاء صدى لهذه الوعود أسسوا جبهة الإنقاذ، وحينها -وعلى خلاف المتوقع- سعى حزب النور إلى إيجاد تفاهم بين جبهة الإنقاذ وبين الرئاسة آنذاك؛ مراعاة لكون الرئيس يجب أن يكون رئيسًا لكلِّ المصريين، ومراعاة للعهود التي قطعها الدكتور مرسي على نفسه، ولكن هذا لا يمنع أن حزب النور قدَّم، وسيستمر في تقديم نقد لكل المذاهب العالمانية.

فائدة:

الليبراليون واليساريون في مصر يقعون في تناقضاتٍ (أو قل: مغالطات انتخابية): فالليبراليون يرون أن ما قبل 52 كانت حياة سياسية ليبرالية، وأن 1952 -شكلًا ومضمونًا- كانت تنكبًا لمسيرة الليبرالية، ولكنهم في ذات الوقت رفعوا في يناير وإلى يومنا هذا شعار: "عيش - حرية - كرامة إنسانية"، وهي شعارات في العقل الجمعي المصري ذات دلالات اشتراكية، وفي رفعها نوع من التمويه الانتخابي.

وأما الاشتراكيون "لا سيما الناصريون منهم": فحالهم أشد اضطرابًا؛ فمعظمهم يستقوي بالدول الغربية صاحبة المنهج الليبرالي، ثم موضة العصر: اعتبار "المدنية" وصفًا ممدوحًا في كلِّ المناصب السياسية! مع أن عبد الناصر هو مؤسس مدرسة الاستعانة بالعسكريين السابقين في كلِّ الوظائف الإدارية في الدولة! (وفي الواقع: إن الأمر لا ينبغي أن يُعَلَّق على الوظيفة السابقة للمرشح، بقَدْر ما يبحث في أهلية المرشح في أن يستعمل كل شيء في موضعه).

وحتى لا يُنسَى أول الكلام، ويقول قائل: إن القضية عندنا ليست الحفاظ على الدولة أمام خصومها التاريخيين "وخصوم أمتنا ككل"، بقدر ما هو دفاع عن شخصٍ؛ فبرجاء مراجعة بيان الحزب في تأييد ترشيح الرئيس السيسي، مع ورقة العمل المقدمة من الحزب.

ونسأل الله -تعالى- أن يوفِّقنا إلى تطبيق المنهج الذي أرشدنا الله إليه على لسان أنبيائه: (‌إِنْ ‌أُرِيدُ ‌إِلَّا ‌الْإِصْلَاحَ ‌مَا ‌اسْتَطَعْتُ) (هود: 88).

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


الكلمات الدلالية