السبت، ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٧ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

تجديد أم عبث؟! (6)

تجديد أم عبث؟! (6)
الاثنين ٣٠ أكتوبر ٢٠٢٣ - ١٢:٤٠ م
34

 

تجديد أم عبث؟! (6)

كتبه/ سامح بسيوني

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد ذكرنا في المقال السابق أن كثيرًا من العقائد الإسلامية التي تَلَقَّتْها الأُمَّة عن السَّلَف، وتلقت أحاديثها بالقبول، هي مِن أحاديث الآحاد.

ومِن أمثلة هذه العقائد:

- أفضليَّة نبيّنا مُحَمَّد -صلى الله عليه وسلم- على جميع الأنبياء والرسل.

- إثبات الشفاعة العُظْمَى للنبي -صلى الله عليه وسلم- في المحشر، وشفاعته لأهل الكبائر من أمته.

- مُعْجزاته -صلى الله عليه وسلم- المادية، ما عدا القرآن الكريم.

- ما ورد في الأحاديث عن بدء الخلق، وصفة الملائكة والجن، وصفة الجنة والنار، وأنَّهما مخلوقتان الآن.

- القَطْع بأن العشرة المبشرين بالجنة من أهل الجنة.

- الإيمان بالميزان ذي الكِفَّتينِ يوم القيامة.

- الإيمان بحَوْضِه -صلى الله عليه وسلم- الكوثر، وأن من شَرِب منه لم يظمأ أبدًا.

- الإيمان بالقلم، وأنه كتب كل شيء.

- الإيمان بأن الله حَرَّمَ على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء.

- الإيمان بأشراط الساعة: كخروج المهدِي، وظهور الدجال، ونزول عيسى -عليه السلام-، إلخ.

- الإيمان بعروجه -صلى الله عليه وسلم- إلى السماوات العُلَا، ورؤيته لآيات الله -تعالى- الكُبْرَى فيها.

9- فائدة مهمة: تنقسم الأحكام الشرعية إلى:

- أحكام قطعيَّة يقينية، وهي بدورها تنقسم إلى:

أ- أحكامٌ قطعيَّة لا يجهلها أحدٌ من المسلمين: لاستفاضة العلم بها بين العامة والخاصة: كوجوب صوم رمضان، ووُجُوبِ الصلوات الخمس، وحُرْمَة الخمر، وحُرْمة الزنا، ووجوب الغُسْلِ من الجنابة، وهذه الأحكام تسمى: المعلوم من الدين بالضرورة، فمن خالف هذا المعلوم من الدين يكفر كفر عين.

ب- أحكام قطعيَّة لا يعلَمُها إلا الخاصَّة من العلماء، ويجهَلُهَا الكثير من العامة: كحرمة زواج المرأة وخالتها، أو المرأة وعمتها، وأن للجدة السُّدس في الميراث، وأنَّ القاتل عمدًا لا يرث، وهذه الأحكام مع كونِها قطعية فمَن يخالفها لا يكفر حتى تُقام عليه الحجة التي يكفر مخالفُها.

وقد نقل الإمام النووي في شرحِه على "صحيح مسلم" عن الإمام الخطَّابي أنه قال بعد ذكره أن مانِعِي الزَّكاة في عَهْدِ أَبِي بكر -رضِيَ الله عنه- هم أهل بغي: "فإن قيل: كيف تأوَّلْتَ أمر الطائفة التي منعت الزكاة على الوجه الذي ذكرت، وجعلتهم أهل بغي؟ وهل إذا أنكرَتْ طائفة من المسلمين في زماننا فرض الزكاة، وامتنعوا عن أدائِها، يكون حكمهم حكم أهل البغي؟ قلنا: لا، فإنَّ مَنْ أنكر فرض الزكاة في هذه الأزمان كان كافرًا بإجماع المسلمينَ، والفَرْق بين هؤلاءِ وأولئك أنَّهم إنما عُذِروا لأسباب وأمور لا يحدث مثلُها في هذا الزمان، منها: قُرْبُ العهد بزمان الشريعة الذي كان يقع فيه تبديل الأحكام بالنَّسْخ. ومنها: أنَّ القوم كانوا جُهَّالاً بأمور الدين، وكان عهدهم بالإسلام قريبًا، فدَخَلَتْهُمُ الشبهة فعُذِرُوا، فأمَّا اليَوْمَ وقد شاع دين الإسلام، واستفاض في المسلمين علم وجوب الزكاة حتى عرفها الخاصّ والعامّ، واشترك فيه العالم والجاهل، فلا يعذر أحد بتأويل يتأوله في إنكارها، وكذلك الأمر في كل من أنكر شيئًا مما أجمعت الأمَّة عليه من أمور الدين، إذا كان علمه مُنتشرًا: كالصلوات الخمس، وصوم شهر رمضان، والاغتسال من الجنابة، وتحريم الزنا، ونكاح ذوات المحارِمِ، ونَحْوِها من الأحكام إلا أن يكون رجُلاً حديث عَهْد بالإسلام، ولا يَعْرِفُ حُدوده، فإنَّه إذا أنكر شيئًا منها جهلاً به لم يكفر، وكان سبيله سبيل أولئك القوم في بقاء اسم الدين عليه.

أما ما كان الإجماع فيه معلومًا من طريق علم الخاصة: كتحريم زواج المرأة على عمَّتها وخالتها، وأنَّ القاتِلَ عمدًا لا يرث، وأنَّ لِلجَدَّةِ السُّدُس، وما أشبه ذلك من الأحكام؛ فإن من أنكرها لا يكفر، بل يُعْذَر فيها لعدم استفاضة علمها في العامَّة" (انتهى كلام الخطابي).

-  أحكام ظنية غير قطعية:

الأحكام الظنية التي تَلقَّتْها الأمة بالقبول مَنْ يخالفها يُعدّ مُبتدِعًا، يُعامَل مُعاملة المبتدعينَ في الدين، ومَنْ خالف الحديث الصحيح فهو مُخْطِئٌ يُنْكَر عليه، ولا يُعتدّ بخلافه؛ لكونه من الخلاف غير السائغ، وليس له الدليل المعتبر، بل هو مخالف لما صحَّ من الدليل" (انتهى بتصرف وتهذيب من كتاب ملامح رئيسية للمنهج السلفي).

وفي الختام: لا يخفى على كل مسلم عاقل ما في هذه الدعوى -نبذ السنة النبوية تحت دعاوى أن أفعال وأقوال الرسول هي تصرفات بشرية، أو تحت دعاوى عدم حجية أحاديث الأحاد- مِن خطر بالغ ليس على الدّين فحسب، بل على استقرار المجتمعات العربية الإسلامية وأمنها؛ فإن فتح الباب لفهم القرآن وأحكام الدين كما يريد كل إنسان -لا كما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم الذي ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى- يفتح الباب إلى الفوضى الفكرية والتي تتبعها فوضى مجتمعية مدمرة للمجتمع تحت دعاوى حرية الفهم وحرية العمل في وقت تواجه فيه كل الأوطان الإسلامية -ومصر في القلب منها- تحديات خارجية كبيرة تحتاج إلى أن يتكاتف فيها الجميع لإرضاء رب العالمين، ونبذ هؤلاء العملاء الذين يخضعون لأعداء الأمة ويتبنون توجيهات الأجندات العالمية الغربية الساعية لتدمير الهوية الإسلامية في نفوس أبناء الأمة، وتضييع مصادر قوة المجتمعات الإسلامية، والتي من أعظمها: حفظ هذا الدين غضًّا طريًّا كما جاء به النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم-.

جعلنا الله وإياكم من المتبعين لسنة نبينا المقتدين به، المنافحين عن معالم دين الإسلام القويم في مواجهة هذه الحملات الممنهجة من أتباع وعملاء هذا التيار التغريبي الخبيث؛ الذي يريد فرض معالم دين عالمي جديد يناقِض دين الإسلام الرشيد.

والله المستعان على ما يصفون.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة