السبت، ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٧ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

إسرائيل من الانتصار على جيوش الدول للهزيمة على يد المُنظَّمات!

إسرائيل من الانتصار على جيوش الدول للهزيمة على يد المُنظَّمات!
السبت ١١ نوفمبر ٢٠٢٣ - ١٤:١٨ م
229

إسرائيل من الانتصار على جيوش الدول للهزيمة على يد المُنظَّمات!

كتبه/ غريب أبو الحسن

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

- تَجمَّع اليهود في بدايات القرن الماضي بوعد من بريطانيا العظمى التي نهبت خيرات الشعوب، والتي مهدت الطريق أمام عصابات اليهود للاستيلاء على فلسطين شيئًا فشيئًا؛ هذا لنذكِّر مَن اتخذ بريطانيا وكرًا ومقرًّا للمطالبة بالحريات، ومنبرًا للهجوم على بلادهم: أنك تتكئ على مَن احتل وساهم في اغتصاب فلسطين، وأرسل مؤخرًا قواته البحرية لإنقاذ حليفتهم المنهارة!

- عملت إسرائيل منذ نشأتها على توفير ملاذٍ آمن لشذاذ الآفاق من اليهود، ووعدتهم بالمسكن والعمل، وقبل كل ذلك بالأمان.

- وبدعم من الدول الغربية استطاعت إسرائيل أن تدير كل معاركها بعيدًا عن الأرض التي احتلتها، وعن مواطنيها الذين جمعتهم من كل بقاع العالم كما يجمع التاجر اليهودي البخيل الملاليم الصدأة ليرابي بها، ويفسد بها في الأرض.

- خاضت إسرائيل حروبها وتوسعاتها على حساب الدول العربية، وعلى حساب أمن المواطن العربي، فمن كان يقصف ويقتل هي "مدرسة بحر البقر"، و"هضبة الجولان"؛ أما المواطن في إسرائيل فكان ينعم بالأمان.

- ثم بنت إسرائيل الأسوار والجدران، وزودتها بأحدث التقنيات كعادة اليهود من العيش في الحصون والملاجئ، وحاصرت أصحاب الأرض في مساحات ضيقة وفي معاناة واسعة. 

- ثم بنت القبة الحديدية، ومقلاع داود، وغيرها من منظومات الدفاع الجوي.

- ثم أحاطت أطراف إسرائيل بالكتائب والجيوش، مثل: كتيبة غزة، والتي كانت تحيط بغلاف غزة الحبيبة.

- ثم تباهت أمام العالم مرارًا بقدراتها الاستخباراتية التي تمكنها من معرفة تفاصيل ما يحدث في الغرف المغلقة عند العرب.

- أحاطت إسرائيل نفسها بجيش متطور، وسلاح جو به أحدث الطائرات، وقطع بحرية حرمت كل شيء على قطاع غزة حتى الأسماك، وبروباجندا إعلامية عن قدراتها الأسطورية، لتحبط من حولها من دول وشعوب عن مجرد التفكير في استعادة الأرض المستباحة والكرامة المهدرة.

- أمنت إسرائيل من جيرانها العرب المنغمسين في أزماتهم الداخلية السياسية والاقتصادية والاجتماعية حتى إن آخر أزماتها لم تكن مع العرب، بل كانت داخلية عندما أراد رئيس وزرائها البغيض أن يقود المنظومة القضائية عندهم لصالحه.

- أمنت إسرائيل حتى إنها صعدت من طموحاتها التوسعية والاستيطانية في الضفة الغربية، وصارت تقضم باستمرار قطعة من الضفة حتى تسد نهمها الاستعماري الذي لا يشبع.

- أمنت إسرائيل حتى أنها دفعت بالآلاف من قطعان اللصوص من متطرفي اليهود لاجتياح ساحات الأقصى الشريف أملًا في تسريع وتيرة بناء هيكلهم المزعوم.

- ثم جاء ما بدد كل هذا الأمن وكل تلك التحصينات، لتجد إسرائيل نفسها كالفرخ المبتل المرتعد في ليلة مطيرة في أرض كثيرة الذئاب؛ فجاء "طوفان الأقصى" ليكشف إسرائيل أمام نفسها وليذل من كرامتها، جاء ليتجاوز أجهزتها الاستخباراتية المتعجرفة، وجدرانها الذكية الحصينة، وقبتها الحديدية المحكمة، وأسطول طائراتها ونخبتها العسكرية، لتنهار فرقة غزة المرعبة في ساعات على يد بضع مئات من المقاومين، ثم ليجد قطعان المستوطنين المغتصبين للأرض الفلسطينية أنفسهم وجهًا لوجه مع أصحاب الأرض وأصحاب الحق، نعم كانوا ملثمين، ولكنهم لو كشفوا القناع لرأى المستوطنون أثر الندبات والإصابات جراء القصف الوحشي المتكرر الذي ظلت ترتكبه إسرائيل تجاه الفلسطينيين، ولو نظروا لعيونهم لرأوا نظرات الحزن والألم المخزنة في عقولهم من مشاهد حفرت في صدورهم لأبنائهم وآبائهم الذين استشهدوا في جرائم القصف المتكرر على مدنهم وقراهم من قبل.

- مرت ساعات حتى استوعبت إسرائيل ما حدث وهرعت تستنجد بمن زرعها في أحشائنا من المحتلين السابقين لبلادنا، وأصبحت في حيرة... ماذا تفعل؟ وهي في ذات الحيرة حتى الآن... ماذا تفعل؟ فقد انهارت معادلتها الأمنية في ساعات؛ تلك المعادلة التي تقول لليهود حول العالم: تعالوا وسوف تحصلون على السكن والعمل والأمان! والتي تقول للسياح: إننا نملك جهاز استخبارات وقبة حديدة تجعل شواطئ تل أبيب أأمن مكان في العالم! والتي تعزز الاقتصاد وخاصة مجال التكنولوجيا وتقول للمستثمرين: أنت في أكثر الأسواق استقرارًا على مستوى العالم!

- إذًا انهارت المعادلة الأمنية التي بُنِيَت عليها إسرائيل؛ لذلك هم إسرائيل الآن هو استعادة تلك المعادلة بأي ثمن؛ إنها تريد أن تقول للمستوطنين وللعالم: إن إسرائيل تتمتع بالأمان كما كانت، ولكنها لن تستطيع أن تقول ذلك وتلك البقعة المسماة: "غزة"، والتي تساوي 6 % تقريبًا من مساحة فلسطين لا زالت تدب فيها الحياة، ولا زالت تحتضن المقاومين في باطنها.

- اليوم حين تحاول إسرائيل أن تطمن المستوطنين والسياح والمستثمرين، وتقول: لدينا جيش من أقوى الجيوش، واستخبارات عالية الكفاءة، ورؤية إستراتيجية و... سيكون الرد عليها بابتسامة استهجان أن كلَّ ذلك انهار في ساعات، وتم التغلب عليه بتقنيات أشبه بالبدائية! فكلما طمأنتهم إسرائيل ووعدتهم بالأمان، نظروا تلقاء غزة متشككين.

لذلك فالبديل الذي تريد أن تقدمه إسرائيل لشعبها أن تقول: لا توجد غزة، لم يعد هناك غزة، حاولت إسرائيل وهي في صدمة طوفان الأقصى أن تضع حلًّا ساذجًا، وهو: أن تدفع مصر للقبول بتوطين الغزاويين في سيناء، فكان رد مصر صارمًا: لا. ولا كبيرة الحجم، وبشكل قاطع، وسارعت الأردن إلى التصريح بأن الحديث عن التهجير يعني إعلان حرب، ثم حاولت إسرائيل أن تدفع الفلسطينيين بالقصف والترهيب للنزوح إلى مصر، فتمسك الفلسطينيون ببلادهم أكثر، وعانقوا أرضهم حتى اختلطت دماؤهم وأشلاؤهم بأرضها! ولن يرحلوا، حتى خرج علينا أحد مجرمي الكيان الإسرائيلي، بل هو في الحقيقة وزير من وزراء نتنياهو ليطلب قصف غزة بالنووي! هكذا بمنتهى البساطة، ولم يدرِ المأفون أن ما سقط على غزة كما يقول المحلل "فايز الدويري": يعادل ثلاث أضعاف قنبلة هيروشيما! ولم تسقط غزة.

- ثم أخذت إسرائيل تتراجع لحلول مِن نوعِ القضاء على المقاومة، بل القضاء على قدرات المقاومة العسكرية، والتي تشكل تهديدًا على إسرائيل، بل القضاء على قيادات المقاومة، بل القضاء على قائد المقاومة، والعقل المدبِّر لـ 7-10-2023م! 

- ثم اجتاحت إسرائيل غزة على حذر؛ تتقدم وتتأخر، تركِّز على جزء دون آخر، تحاول فصل الجنوب عن الشمال، لتصطدم بمقاومة أصحاب الأرض وأصحاب الحق، ومَن امتلأت صدورهم غيظا من رؤية دماء أهلهم وذويهم، وتعثرت إسرائيل مع مئات الآلاف من جنودها بحدهم وحديدهم أن تستولي على قطاع غزة؛ ذلك الشريط الرفيع على البحر، والذي لا يتجاوز عرضه من 6 - 10 كيلو مترات أمام ثلة من المقاومين الراغبين في الموت والتضحية أكثر من رغبة يهود في "حياة" -أي حياة!-، وتتحدث تقارير عن استيراد إسرائيل مرتزقة يقاتلون من أجل المال؛ لعلها تسد بهم ذلك الهلع الفطري في قلب اليهود.

- إذًا تريد إسرائيل أن تستعيد الردع كي تستعيد معادلة الأمان، وهي تتخبط في معنى الردع الذي تستطيعه؛ هل هو محو غزة؟ أم محو المقاومة؟ أم محو قدرات المقاومة العسكرية؟ أم مشهد القيادات وهي مكبلة ومأسورة؟ أم مشهد قيادات المقاومة وهي مدرجة في دمائها؟ وفي النهاية تفعل إسرائيل ما تحسنه دائمًا، وهو قتل المدنيين بوحشية منقطعة النظير! تنتقم من الشعب الفلسطيني وتقول لهم: هذا جزاؤكم؛ لأنكم احتضنتم المقاومين، ولا يدرك العقل الإسرائيلي الأبله أن الشعب الفلسطيني كله مقاومون.

- قدمت المقاومة ما تستطيع، بل أبهرت العالم بما صنعت في السابع من أكتوبر، وقدم الشعب الفلسطيني دمه، وحوصر ومُنِع منه الطعام والشراب والوقود، ولو استطاعوا أن يمنعوا عنه الهواء لفعلوا، ولن ينفع إسرائيل بشيء!

ولكن يتبقى أن يرى العرب حجمهم الحقيقي، وقدراتهم الحقيقية؛ فقد كانت إسرائيل تزييف على جانبيين تضخم من قدراتها، وتقلل من قدرات العرب، فعلى أمتنا العربية والإسلامية: أن تقف على قلب رجل واحد، وتقدم الدعم والمساعدة للشعب الفلسطيني، وأن نتوقف عن معاركنا الداخلية الصغيرة، وأن نجعل كل الجهد في دعم صمود شعبنا الأبي في فلسطين.

تستطيع الأمة الإسلامية أن تسحب سفراءها، وأن تقطع علاقاتها، وأن تشدد الحصار على إسرائيل، وأن تمنع التطبيع، وأن تلغي العلاقات الاقتصادية، وأن تغلق أسواقها ومجالها أمام إسرائيل.

- وتستطيع الأمة أن تمد الشعب الفلسطيني بما يساعده على الصمود، فإن أمريكا وأوروبا تمد الكيان الغاصب بأدوات القتل بكل تبجح، فهل على الأمة عتب أن تمد المظلوم بما يدافع به عن نفسه، وبما يشد به عوده ويقوي ساعده؟!

- فهل يعي العرب الدرس؟ وهل يستوعب العرب النتائج؟ ألا يكفي سبعون عامًا من الدعاية والتزييف عن ضعف العرب وقوة إسرائيل؟!

إن منحنى القوة الإسرائيلي آخذ في الهبوط، وظهر أمام الجميع أن حياة إسرائيل قائمة على شرايين تتدفق لها من عروق أمريكا والغرب، وأنها -بإذن الله- إلى زوال، وأن الفترة القادمة عندما تعود آليات الكيان الصهيوني من غزة محطمة ومحمولة على ظهر الخيبة، ستتغير معادلة الأمان، وستظهر معادلات أخرى للأمان يكون للفلسطينيين فيها الكلمة القوية، وإن غدًا لناظره قريب.

فاللهم فَرِّق جمع اليهود، وشتت شملهم، واجعل بأسهم بينهم، واجعل كيدهم في نحورهم، وانصر أهلنا في فلسطين.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

الكلمات الدلالية