السبت، ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٧ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الأحجار الكريمة في القرآن الكريم

الأحجار الكريمة في القرآن الكريم
الاثنين ١٣ نوفمبر ٢٠٢٣ - ١٠:٣٢ ص
105

الأحجار الكريمة في القرآن الكريم

كتبه/ علاء بكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد ورد في آيات عديدة من القرآن الكريم ذكر للأحجار الكريمة؛ تارة بذكر امتنان الله -تعالى- على عباده باتخاذها حلية يتزين بها العباد لحسنها وجمالها، وتارة بتشبيه الحور العين في الجنة وتشبيه الغلمان المخلدون الذين يطوفون بأهل الجنة ويكونون في خدمتهم بهذه الأحجار الكريمة من شدة ما هم عليه من الحسن والبهاء.

والأحجار الكريمة وإن كانت من أقدم وأشهر المعادن التي عرفها الإنسان ولا تنفصل عنها، لكنها لم تستخدم إلا للزينة، كما ورد في آيات القرآن الكريم، وذلك لما عرف عنها من الجمال والحسن والبهاء، ولما فطر عليه الإنسان من حب الزينة وحب التجمل. 

وقد استقلت الأحجار الكريمة بعلم خاص بها يعرف باسم: علم الأحجار الكريمة (جيمولوجي)، والذي يختص بدراسة تلك المعادن النادرة من حيث نشأتها، وكيفية الحصول عليها، وطرق تقييمها وتشكيلها، إلى جانب دراسة خصائصها الفيزيائية والكيميائية، ومِن هذه الأحجار الكريمة اللؤلؤ والماس والمرجان، والياقوت والمرجان، والزبرجد والكهرمان (العنبر).

علم الأحجار الكريمة: 

علم الأحجار الكريمة يعد مصطلحًا حديثًا لا يعرف بدء ظهوره على وجه التحديد، وربما يكون بداية الإشارة إليه في المراجع التي تناولت علم المعادن (المينرالولجوي)، وهو بالطبع علم قديم قد تفرعت منه علوم أخرى منها علم الأحجار الكريمة، الذي عرفه الغرب في القرن التاسع عشر، بعد أن تقدم الغرب في العلوم المختلفة، لكن يمكن القول إن علم الأحجار الكريمة عرفه المسلمون قبل الغرب بكثير، فقد جاء في كتاب: (مفتاح السعادة ومصباح السيادة في موضوعات العلوم) لطاش كبرى زاده (ت 968 هـ - 1561م): (علم الجواهر: وهو علم باحث عن كيفية الجوهر المعدنية البرية: كالألماس والياقوت الفيروزج، والبحرية: كالدر والمرجان وغير ذلك، ومعرفة جيدها من رديها بعلامات تختص بكل منها، ومعرفة خواص كل منها وغايته، وغرضه لا يخفى على إنسان، والتصانيف فيها كثيرة) (راجع: مقالة الأحجار الكريمة في القرآن الكريم، للجيولوجي الأستاذ مصطفى يعقوب عبد رب النبي - مجلة الوعي الإسلامي الكويتية - عدد جمادى الآخرة 1443 هـ - يناير/ فبراير 2002 م، ص 9)

وقد تضمن هذا التعريف أول تصنيف للأحجار الكريمة على أساس علمي صحيح؛ إذ قسم الأحجار الكريمة على أساس طبيعة النشأة إلى قسمين: الأول: معادن طبيعية لا دخل لأي كائن حي في تكوينها، أي: تكونت بفعل العوامل الطبيعية، وتوجد في الصخور التي تحتوي عليها أو في الرواسب الناتجة من عمليات التعرية، وهذا القسم يضم أكثر الأحجار الكريمة المعروفة، مثل: الماس والياقوت، والزمرد والزبرجد. والثاني: معادن ترجع في نشأتها إلى تدخلٍ مِن الكائنات الحية، مثل: اللؤلؤ والمرجان والعنبر. ومازال هذا التصنيف هو عين التصنيف الحديث في مراجع الأحجار الكريمة العالمية باللغات المختلفة. وقبل ذلك فهناك العديد من الكتب عند العرب التي حملت في عناوينها كلمة (الجواهر)، مثل: (الجواهر وصفاتها) لابن مساويه (ت: 243 هـ)، و(الجماهر في معرفة الجواهر) للبيروني (ت: 440)، و(أزهار الأفكار في جواهر الأحجار) للتيفاشي (ت: 651 هـ)، و(خب الذخائر في أحوال الجواهر) لابن الأكفاني (ت: 749 هـ). 

وفي هذا إشارة واضحة إلى فضل سبق العرب في معرفة هذا العلم علم الأحجار الكريمة (علم الجواهر)، والتي هي من العلوم المشتقة من علوم المعادن، باعتبار الأحجار الكريمة (الجواهر) طائفة مميزة من المعادن.

ذكر القرآن الكريم للأحجار الكريمة:

ذكرت الأحجار الكريمة في القرآن الكريم في مجال واحد فقط هو مجال الزينة والحسن والجمال، بالإشارة إلى اتخاذها حلية وزينة لجمالها وحسنها، وبتشبيه الحور العين في الجنة والولدان المخلدون فيها بها، لبيان شدة حسن وبهاء الحور العين، وشدة جمال الغلمان المخلدون في جنات عدن، وهذا هو الثابت علميًّا في حق هذه الأحجار حتى الآن، أنها تستخدم فقط في الزينة والتجمل وليس لها وظيفة أخرى حيوية غير ذلك. 

- جاء ذكر اللؤلؤ ذكرًا منفردًا في أكثر من آية، منها: قول الله -تعالى- عن أهل الجنة في الجنة: (‌وَيَطُوفُ ‌عَلَيْهِمْ ‌غِلْمَانٌ ‌لَهُمْ ‌كَأَنَّهُمْ ‌لُؤْلُؤٌ ‌مَكْنُونٌ(الطور: 24)، وقول الله -تعالى- عنهم: (‌وَيَطُوفُ ‌عَلَيْهِمْ ‌وِلْدَانٌ ‌مُخَلَّدُونَ ‌إِذَا ‌رَأَيْتَهُمْ ‌حَسِبْتَهُمْ ‌لُؤْلُؤًا ‌مَنْثُورًا(الإنسان: 19)، ووظيفة هؤلاء الغلمان (الولدان) المخلدون في الجنة أنهم يخدمون أهل الجنة، يدورون عليهم بالأكواب والأباريق والكؤوس، والفاكهة ولحوم الطيور. 

قال الإمام ابن كثير في تفسيره لهذه الآية: "(‌إِذَا ‌رَأَيْتَهُمْ ‌حَسِبْتَهُمْ ‌لُؤْلُؤًا ‌مَنْثُورًا) أي: إذا رأيتهم في انتشارهم في قضاء حوائج السادة وكثرتهم وصباحة وجوههم وحسن ألوانهم وثيابهم وحليهم، حسبتهم لؤلؤًا منثورًا، ولا يكون في التشبيه أحسن من هذا، ولا في المنظر أحسن من اللؤلؤ المنثور على المكان الحسن". 

فإذا كان هذا حال ووصف الخادم؛ فكيف يكون حال ووصف المخدوم؟! 

وقال الله -تعالى- في وصف نعيم أهل الجنة: (‌وَحُورٌ ‌عِينٌ . كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ . جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(الواقعة: 22-24).

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيره لتلك الآيات: "ولهم -يعني أهل الجنة- حور عين، والحوراء: التي في عينها كحل وملاحة، وحسن وبهاء. والعين: واسعات العين حسانها، وحسن العين في الأنثى من أعظم الدلالة على حسنها وجمالها. (كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ) أي: كأنهن اللؤلؤ الأبيض الرطب الصافي البهي، المستور عن الأعين والريح والشمس، الذي يكون لونه من أحسن الألوان، الذي لا عيب فيه بوجه من الوجوه، فكذلك الحور العين لا عيب فيهن بوجه من الوجوه، بل هن كاملات الأوصاف جميلات النعوت. فكل ما تأملته منها لم تجد فيه إلا ما يسر القلب ويروق الناظر. وذلك النعيم المعد لهم (جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، فكما حسنت منهم الأعمال أحسن الله لهم الجزاء، ووفر لهم الفوز والنعيم". 

- وجاء ذكر اللؤلؤ مقرونًا مع الذهب في قول الله -تعالى- في وصف أهل الجنة: (‌يُحَلَّوْنَ ‌فِيهَا ‌مِنْ ‌أَسَاوِرَ ‌مِنْ ‌ذَهَبٍ ‌وَلُؤْلُؤًا)، ورد ذلك مرتين، واحدة (في سورة الحج: الآية 23)، والأخرى (في سورة فاطر: الآية 33). 

قال السعدي في تفسيره لآية سورة فاطر: "(‌يُحَلَّوْنَ ‌فِيهَا ‌مِنْ ‌أَسَاوِرَ ‌مِنْ ‌ذَهَبٍ ‌وَلُؤْلُؤًا): وهو الحلي الذي يجعل في اليدين، على ما يحبون ويرون أنه أحسن من غيره، الرجال والنساء في الحلية في الجنة سواء. (و) يحلون فيها (‌وَلُؤْلُؤًا) ينظم في ثيابهم وأجسادهم).

- وجاء ذكر اللؤلؤ كذلك مع المرجان في قول الله -تعالى-: (‌مَرَجَ ‌الْبَحْرَيْنِ ‌يَلْتَقِيَانِ . بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ . فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ . يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ(الرحمن: 19-22). والمراد بالبحرين: البحر العذب والبحر المالح، ويتولد فيهما اللؤلؤ والمرجان. وكلاهما -اللؤلؤ والمرجان- من الأحجار الكريمة الطبيعية من نوع واحد، فكلاهما عضوي النشأة، وكلاهما يستخرج من مياه البحر على اختلافها.

- بينما جاء ذكر الياقوت مع المرجان ضمن وصف الحور العين في الجنة في قول الله -تعالى-: (‌فِيهِنَّ ‌قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ . فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ . كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ(الرحمن: 56-58).  

قال الشيخ عبد الرحمن السعدي في تفسيره للآيات: "(‌فِيهِنَّ ‌قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ) أي: قد قصرن طرفهن على أزواجهن، من حسنهم وجمالهم، و كمال محبتهن لهم، وقصرن أيضًا طرف أزواجهن عليهن من حسنهن وجمالهن ولذة وصالهن، وشدة محبتهن. (لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ) أي: لم ينلهن قبلهم أحد من الإنس والجن، بل هن أبكار عُرْب متحببات إلى أزواجهن، بحسن التبعل والتغنج والملاحة والدلال؛ ولهذا قال: (كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ)؛ وذلك لصفائهن وجمال منظرهن وبهائهن). 

وهذه الآية الكريمة فيها إشارة إلى التصنيف المعروف علميًّا للأحجار الكريمة بنوعيها: النوع الأول: الأحجار النوعية الكريمة الطبيعية، أي: التي تكونت في الطبيعة كسائر المعادن الأخرى في الأرض، والياقوت مثل وواحد منها، فذكرت الآية الياقوت باعتباره العنوان الممثل للأحجار الكريمة الطبيعية. والنوع الثاني: الأحجار الكريمة عضوية المنشأ، والمرجان مثل وواحد منها، فذكرت الآية المرجان باعتباره العنوان الممثل للأحجار الكريمة العضوية، أي: ذكرت الآية النوعين معًا بذكر أشهر مثال لكل منهما. 

اللؤلؤ: 

يتكون اللؤلؤ علميا نتيجة دخول يرقات متطفلة إلى داخل المحاريات، والمحاريات كائنات بحرية من ذوات المصراعين، وعند دخول اليرقة إلى داخل المحارة تقوم المحارة بالدفاع عن نفسها من خلال إفراز الحيوان الرخوي الموجود داخل المحارة لخلايا وأنسجة تحيط بهذا الجسم الغريب مكونة حوله طبقات دائرية تحيط باليرقة إحاطة كاملة، فتكون اليرقة هي مركز تلك الطبقات الدائرية. ويطلق على تلك الخلايا اسم: (عرق اللؤلؤ)، الذي يتألف من آلاف الخلايا نصف الشفافة، التي يحيط بعضها ببعض، مكونة عرق اللؤلؤ الذي هو معدن (الأراجونيت). وتشتهر دول الخليج العربي باستخراج أغلى وأثمن أنواع اللؤلؤ منذ عصور قديمة وحتى الآن.  

الياقوت:

هناك أنواع عديدة من الياقوت، أشهرها عبر التاريخ: الياقوت الأحمر (روبي)، والياقوت الأزرق (سفير)، وكلاهما له نفس الخصائص الفيزيائية والكيميائية، وكلاهما من نوع واحد من أنواع معدن الكورندم الذي يتكون كيميائيًّا من أكسيد الألمونيوم، لكنهما يختلفان فقط من حيث اللون. واليواقيت تمتاز بالصلابة العالية، فهي أصلب المعادن بعد الماس. وتعد الهند وسيريلانكا أشهر الدول في العالم التي يوجد في أراضيها الياقوت بأنواعه المختلفة. 

المرجان: 

المرجان يتكون من ألياف شجرية الشكل من معدن الكالسيت، و توجد أنواع مختلفة من الحيوانات المرجانية المتشعبة صغيرة الحجم، وهي تعيش في المياه الضحلة بالقرب من سواحل البحر، ومنها البحر الأحمر والخليج العربي، وتستخدم المرجانيات كأحجار كريمة بألوانها المتعددة الأبيض والوردي والأحمر.  

ويجمع المفسرون للقرآن الكريم على أن الفائدة المشتركة للأحجار الكريمة الواردة في القرآن الكريم -اللؤلؤ والياقوت والمرجان- أنها زينة يتحلَّى الإنسان بها، وبالطبع باقي أنواع هذه الأنواع من الأحجار الكريمة التي عرفها الإنسان، أي: أنها لها فائدة واحدة لا تتعداها وهي أنها زينة، للتزين والتجمل. وهذا يوافق ويؤكد ما جاء في قول الله -تعالى- عنها: (‌وَهُوَ ‌الَّذِي ‌سَخَّرَ ‌الْبَحْرَ ‌لِتَأْكُلُوا ‌مِنْهُ ‌لَحْمًا ‌طَرِيًّا ‌وَتَسْتَخْرِجُوا ‌مِنْهُ ‌حِلْيَةً ‌تَلْبَسُونَهَا(النحل: 14)، وقول الله -تعالى- أيضًا: (‌وَمَا ‌يَسْتَوِي ‌الْبَحْرَانِ ‌هَذَا ‌عَذْبٌ فُرَاتٌ سَائِغٌ شَرَابُهُ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَمِنْ كُلٍّ تَأْكُلُونَ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُونَ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا(فاطر:12)، وهو ما ثبت وما زال عن استخدام الأحجار الكريمة عبر التاريخ. 

علماء المسلمين بين أمانة النقل وحقائق العلم التجريبي: 

مما عرف عن علماء المسلمين أنهم اتصفوا بالأمانة والدقة في النقل، كما عرف عنهم أنهم الذين استحدثوا واعتمدوا المنهج التجريبي، واستخدموه في إثبات الحقائق العلمية. ومَن لا يلتفت إلى هذين الأمرين قد تلتبس عليه بعض الأمور، ويقع في الخطأ والخلط، فمما وقع فيه الخلط ما ورد في كتب علماء المسلمين القدامى حول استخدامات الأحجار الكريمة وفوائدها، فمن حيث الأمانة العلمية والدقة في النقل، فإن علماء المسلمين الذين توسعوا في حركة الترجمة للكتب اليونانية خاصة في العصر العباسي -وإن اختلطت حركة ترجمتهم ببعض السلبيات لكنها قليلة كسوء الترجمة، أو قيام قلة من النقلة أو النساخ ببعض الزيادات في النقل أو النسخ، فظهرت منهم بعض الأمور التي لا تستقيم عقلا ومنطقا-، وقد ترجم المسلمون كتب اليونانيين فذكروا ما فيها من أخطاء علمية كما هي تمشيًا مع الأمانة العلمية ودقة النقل، بغض النظر عن فحوى المنقول؛ صوابًا كان أو خطأ، كما هو متبع في النقل عن الرواة بالأسانيد في علم الحديث في السند والرواية، والعهدة على الراوي كما يقال. 

ولكن المنهج التجريبي الذي استحدثه علماء المسلمين ميزهم بعد هذه الترجمة بالدقة والقدرة على الفحص لما ترجموه ونقلوه عن اليونانيين والفرس والهنود، وغيرهم، وبالتالي التمييز بين الغث والسمين فيه، ومن المعلوم أن علماء المسلمين انتقدوا وصححوا الكثير من المعلومات والمفاهيم الخاطئة التي كانت سائدة عند اليونانيين والفرس والهنود مما كانوا يرونه من الحقائق العلمية الثابتة، والتي ثبت عند المسلمين -وغيرهم من بعدهم- بعد إخضاعها للمنهج التجريبي أنها خطأ، بل من الخرافات والخزعبلات التي ظلت سائدة لقرون طويلة زورًا وبهتانًا. 

وفي مجال الكلام عن الأحجار الكريمة ذكر بعض المسلمين القدامى خلال حركة الترجمة والنقل عن اليونانيين ما ورد في كتبهم مما يتعلق بفوائد مزعومة للأحجار الكريمة في مجال الطب والتداوي وغيره مما لم يصح علميًّا، لكن نقله هؤلاء العلماء من باب الدقة والأمانة العلمية في النقل، فظنه البعض خاصة من المستشرقين أن هذه الأخطاء هي من بنات أفكار هؤلاء المسلمين المترجمين فشنع عليهم بذلك، ولم ينتبه أن هذا كان في مراحل الترجمة والنقل، وأنه إنما هو نقل لما قاله اليونانيون القدامى لا غير، وهو ما قال علماء المسلمين بعدم صحته بعد ذلك بعد تطبيق منهجهم التجريبي عليه، وثبت عندهم خطأ قول اليونانيين القدامى به، فجاء في كتاب: (عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات) للقزويني نقل عن أرسطو في فوائد اللؤلؤ الطبية: (قال أرسطو: من خاصية الدر أي: اللؤلؤ أنه ينفع في الخفقان والخوف، ويصفي دم القلب جيدًا، ومن جعل الدر واللآلئ ماءً رجراجًا فإن طلى به البياض الذي في الجسد برصًا أو بهقًا أذهبه -بإذن الله تعالى-). 

أما عن فوائد الياقوت: فنقل عن أرسطو: (قال أرسطو: مَن تختم بالياقوت لا يعلق ببدنه الطاعون وإن عم أهل البلد، ونبل في أعين الناس، وسهل عليه أمور المعاش)، أما عن المرجان فنقل عن أرسطو: (قال أرسطو: يدخل في معالجات العين، ويصلب الحدقة) (راجع مقال: الأحجار الكريمة في القرآن الكريم، مجلة الوعي الإسلامي الكويتية - عدد جمادى الآخرة 1443 هـ - يناير/ فبراير 2022،  ص11 - 12)

وهذه كلها أخطاء علمية، وهي وإن وردت في تراث العلماء العرب؛ إلا أنها من خلال حركة الترجمة والنقل، ونقلت إلى الكتب العربية تمشيا مع الأمانة العلمية في النقل، ونسبت إلى من قالها، بغض النظر عن كونها صوابًا أو خطأ، والتشنيع على علماء العرب بأنهم قالوا بهذه الأخطاء العلمية ليس في محله، فلا لوم عليهم لأمانتهم في الترجمة والنقل، بل هذه من محامدهم أن لديهم أمانة علمية، وعندهم توثيق لمن ينقلون عنه، وهذه منقبة افتقدها علماء الغرب وهم يسطون على الإنتاج العلمي لعلماء المسلمين الذي أخذوه عنهم، ولم يوثقوا مصادره، ولا ذكروا عمَّن أخذوه، بل نسبوه لأنفسهم زورًا وبهتانًا. 

أما جهود علماء المسلمين في دراسة المعادن عامة والأحجار الكريمة خاصة من خلال المنهج العلمي التجريبي الذي أخذوا به قبل الغرب، وأخذه الغرب عنهم بعد ذلك، فجهود كبيرة وعظيمة، ومنها: أنهم توصلوا من خلالها إلى خطأ ما نقل عن أرسطو وغيره من حكماء اليونان في ذكر فوائد طبية للأحجار الكريمة، وردوه، وهو ما أكده ويؤكده العلم في العصر الحديث. 

قال العلامة البيروني واصفًا الجواهر (الأحجار الكريمة) في كتابه: (الجماهر في معرفة الجواهر) نافيًا تمامًا أي: خواص طبية للأحجار الكريمة: (كلها لعب ولهو وزينة وتفاخر لا تنفع في شيء من أمراض البدن) (راجع المصدر السابق، ص 13)، ولهذا رفض البيروني ما جاء في كتاب عطارد بن الحاسب الذي تأثر فيه بما ترجم ونقل عن حكماء اليونان في المنافع الطبية للأحجار الكريمة، حيث قال البيروني عنه في كتابه (الجماهر): (ولعطارد بن الحاسب كتاب سماه: (منافع الأحجار) أكثر فيه من هذا الباب؛ إلا أنه خلطه بمثل العزائم والرقى فاسترذل) (المصدر السابق، ص 13).

وقد رفض علماء المسلمين كذلك العديد من آراء أرسطو الأخرى التي سادت في أوروبا لقرون، وقالوا بخلافها، ومن ذلك رفض الغالبية العظمى من علماء المسلمين نظرية أرسطو التي سادت في القرون الوسطى في أوروبا، والتي تعد أشهر خرافة من خرافات اليونان في العصور الوسطى، والتي تزعم إمكانية تحويل العناصر الخسيسة: كالحديد والنحاس، إلى عناصر نفيسة: كالذهب والفضة، وهو ما لم يثبته المنهج التجريبي حتى عصرنا الحالي (راجع في ذلك: تبرئة العقل العربي من خرافة تحويل المعادن، للجيولوجي الأستاذ مصطفى يعقوب - الجسرة الثقافية - العدد 10 - خريف 2001 م، ص 181 - 191).

 للاستزادة راجع: 

- مقالة (الأحجار الكريمة في القرآن الكريم) للجيولوجي الأستاذ مصطفى يعقوب عبد رب النبي - مجلة الوعي الإسلامي - عدد جمادى الآخرة 1443 هـ - يناير/ فبراير 2022م.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة