الأحد، ٢٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

في أحداث غزة... إن سعيكم لشتى!

في أحداث غزة... إن سعيكم لشتى!
الخميس ١٦ نوفمبر ٢٠٢٣ - ١٣:٥٢ م
234

في أحداث غزة... إن سعيكم لشتى!

كتبه/ غريب أبو الحسن

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

- فمواقف الإنسان في المِحَن تأتي ترجمة لسيرة الإنسان وسلوكه في حياته، والمفاجآت نادرة الحدوث، وإلا لما سميت مفاجآت؛ لأنها تفجأنا وتدهشنا، فنحن نتفاجأ عندما يصدر موقف غير متوقع من شخص نعرف طباعه ونعلم تاريخه ونتوقع سلوكه.

- جاءت أحداث غزة، حيث صفعت المقاومة الفلسطينية إسرائيل في طوفان الأقصى الذي بعثر كرامة إسرائيل، وما تلاه من هجوم إسرائيل على غزة في محاولة بائسة للملمة كرامتها المهدرة، ولن تستطيع -بإذن الله-.

- تباينت ردود الفعل حول تلك الأحداث ولستُ هنا بصدد الحديث عن أعداء الأمة الذين يدعمون إسرائيل بالعتاد، والتأييد والتبرير، ولا أعداء الأمة الذين يتكلمون بألسنتنا ثم يتهمون أعمال المقاومة في محاولاتهم لتحرير بلادهم من محتل غاصب بالبربرية والوحشية، ولكني بصدد الحديث عمن يناصر غزة ويتمنى لها الصمود والنصر على أعدائها

- وكما أسلفت، فكل موقف في المحن هو ترجمة للفكر ولمسيرة الحياة قبل المحنة، ونادرًا ما تحدث مفاجآت.

- فالمقاوم المجاهد الصامد على أرض الصمود "غزة هاشم"، والذي يرد الصاع صاعين لقتلة الأنبياء وخونة العهود لم يأخذ هذا القرار فجأة، بل هو يعد نفسه من سنوات؛ فتدرب وجمع العدة، وشحن الهمم، وبَنَى الخنادق، وهو يدرك أن اجتياح جيش الاحتلال لغزة مسألة وقت، وأنه مشروع شهيد يمشي على الأرض، فاللهم تقبَّل منهم وسدد رميهم، ووحد صفهم، فموقف الصمود وبذل النفس، وتحمل ضريبة التحرر ترسمه سيرته السابقة.

- والمساند المؤيد الذي بادر إلى تقديم الدعم وجمع المساعدات، وإرسال القوافل تلو الأخرى إلى معبر رفح، ثم تبنى حملات التبرع بالدم وعقد الندوات والمحاضرات، وأقام المؤتمرات للتوعية بالقضية هو فعل ما كان يفعله قبل المحنة من المشاركة في إصلاح مجتمعه، ومحاولة تخفيف آلام أمته؛ فهو هو الذي كان يعقد المحاضرات والندوات لدعوة المسلمين للخير، وهو هو مَن كان يقوم بحملات التبرع بالدم لمساعدة أبناء مجتمعة المصابين والمرضى، وهو هو مَن كان مهتمًا بإصلاح مجتمعه، ولم يترك مجال للتعاون على البر والتقوى إلا شارك فيه وحث عليه، فلما جاءت المحنة فعل ما كان يفعل، وربما رفعت المحنة من همته واستخرجت منه أكثر ما كان يبذل.

- وتلك المرأة التي جعلت لغزة النصيب الأكبر من دعائها في السحر، وهي ساجدة تبكي على مصاب أمتها، وتستغيث بمالك الملك العزيز القهار أن يغيث أهل غزة، والتي تستثمر ساعة الإجابة يوم الجمعة وتحرص أن تنهي واجباتها قبل تلك الساعة للتفرغ للدعاء والإلحاح على الله أن ينصرهم بجند من عنده هي هي التي دأبت على القيام، والدعاء سائر العام وهي هي التي تحمل هم أمتها ما قبل محنة غزة.

- وذلك الشاب الذي بادر لمقاطعة منتجات من دعم الكيان الصهيوني، والذي يتابع أخبار غزة ساعة بساعة، والذي يحاول على صفحات التواصل الاجتماعي أن يوعي الناس بقضية المسلمين والعرب المحورية "قضية فلسطين" واستعادة قبلتنا الأولى هو ذلك الشاب المسلم الذي لم يكن منفصلًا عن قضايا أمته، بل هو هو من كان يتابع أخبار المسلمين ويهتم بشأنهم، وهو هو مَن كان يستاء مِن سماع سفراء الحضارة الغربية عندنا الذين لا هم لهم إلا حرب الثوابت والتشكيك في العقيدة هو هو الذي كان يرفض أفكارهم الممسوخة وأقلامهم الموجهة الممولة، ويرد عليهم على صفحات التواصل الاجتماعي.

- والحكومات التي وقفت موقف الرفض والمقاومة لمحاولات إسرائيل تهجير الفلسطينيين من بلادهم وتصفية قضيتهم، وبادرت بتقديم يد المساعدة عبر آلاف الأطنان من المساعدات، ومارست الضغط في المحافل الدولية لإيقاف العدوان الإسرائيلي هي الدول التي كانت ترى من قبل في إسرائيل العدو الإستراتيجي، وهي التي خاضت الحروب تلو الحروب مع الكيان الصهيوني من قبل، وهي التي وقفت من قبل ضد تصفية القضية الفلسطينية وقدمت، ولا زالت صور الدعم المختلفة للفلسطينيين.

- وفي مقابل ذلك فالحكومات التي سارعت نحو التطبيع، والتي ظنت أن مصالحها الإستراتيجية لها طريق واحد ينتهي إلى أمريكا ولا يمر إلا عبر إسرائيل، فلما حدثت محنة غزة تثاقلت أقدامها في نصرة قضية أمتها وتلعثمت كلمات التأييد المعتادة، واستبدالها بعبارات موهمة؛ خشية أن يعكر التأييد صفو التطبيع القادم!

- وأما موقف جماعة الإخوان فسوف يدهش المتابع العابر غير المدقق، الذي كان يرى أن قضية فلسطين كانت تمثل عصب النشاط الإخواني في كثير من الدول، فكم نظمت جماعة الإخوان المظاهرات وكم جمعت التبرعات، وكم طالبت بالمقاطعة للمنتجات، وكم اتهمت الحكام العرب بالخيانة والعمالة لعدم خوض الحروب من الكيان الصهيوني، سيندهش المتابع العابر حينما يرى ذلك الفتور في التعامل مع محنة غزة الأخيرة وسيندهش عندما يرى رفض وتسفيه، والتقليل من شأن مظاهرات الشعب المصري لنصرة القضية الفلسطينية في الأسابيع الماضية، وسيندهش من ترك إعلام الإخوان المستأجر والمنتمي وهو يركز فقط على عشرات المتظاهرين الذين هتفوا ضد النظام، وترك مئات الآلاف الذين هتفوا ضد إسرائيل!

وسيندهش من موقف إعلام الإخوان الذي يبث من بريطانيا، وفي كنف المخابرات البريطانية وهو يعامل الحكومة البريطانية التي زرعت إسرائيل، ولا زالت تقدم لها الدعم الكبير سيندهش من موقف الإخوان الرقيق واللطيف تجاه الحكومة البريطانية!

وسيندهش من استمرار إعلام الإخوان في مهاجمة السلطة المصرية واتهامها بالخيانة والتقليل من أي دعم تقدمه الحكومة المصرية للقضية الفلسطينية! والمتابع المدقق لن يندهش؛ لأنه يعلم أن أهم شيء عند جماعة الإخوان هي مصلحة الجماعة، وأن الموافق للإخوان والداعم للإخوان هم أهل الحق في نظر الجماعة حتى لو كانت المخابرات البريطانية، وأن المختلف مع الإخوان الرافض لفكرهم ولسلوكهم هم أهل الباطل ولو قدَّم ماله ونفسه واقتطع من قوت شعبه لنصرة القضية الفلسطينية، فالمدقق سيعلم أن المواقف هي المواقف ولا جديد.

- وأما المتأمل في سلوك المتأثرين بالإخوان وإعلام الإخوان، فسيدرك لأي مدى أثر إعلام الإخوان بالسلب على عقل وتفكير المتابع له والمصدق له! فمنذ سقوط حكم جماعة الإخوان المسلمين وإعلام الإخوان يستثمر في مساحة الحمق والجهل بنشر كم ضخم من الشائعات والمتناقضات، والبهتان ضد خصومه السياسيين، فلا يترك خطأ إلا ضخمه ولا يترك خير يقوم به خصمه إلا شوهه بالزور والكذب، ومَن ترك نفسه وسلم عقله لإعلام تلك الجماعة، وصار سماعًا للكذب إصابة استسهال التهمة وغياب المعايير في النقد، وقبول الشيء وعكسه أصابه من ذلك ما الله به عليم، وكفى بها عقوبة على سماع الكذب وتصديقه، ستسمع منهم ترديد أن المساعدات المقدمة من مصر كانت وهمية، وأن العربات فارغة، وإن كان بها عبوات فالعبوات فارغة، وإن كانت العبوات ممتلئة فهي فاسدة!

- ستسمع منهم أن مصر وافقت على صفقة القرن منذ زمن، وأنها هجرت سكان الشيخ زويد ورفح ليحل محلهم الفلسطينيين! وستسمع منهم دعوات لفتح معبر رفح، والزعم أن الحكومة المصرية تغلق المعبر يرددون ما يسمعونه في إعلام الإخوان دون تفكير أو تدبر؛ رغم أن جماعة الإخوان تعلم جيدًا أن أي شاحنة لكي تدخل المعبر لا بد أن تمر بالتنسيق مع إسرائيل، وإلا تعرضت للقصف من طيرانهم المجرم، وستسمع منهم من قائمة طويلة من الشائعات والاتهامات تعدها لجان الإخوان وتنشرها لجان الإخوان ويتلقفها من سلم نفسه سنوات لإعلام الإخوان بالقبول والرضا؛ لأن قناعة الإخوان أن أي ثناء على موقف الحكومة المصرية هو خصم من شعبيتها، وخصم من جمهورها، فقد اختارت منذ القديم المعادلة الصفرية في صراعها مع الحكومات، تؤمل أنها مع استمرارها في هدم الحكومات أنها ستحل محلها في يوم من الأيام، فتبني مستقبلها على تزييف وعي متبعيها، فهل بمثل هؤلاء الاتباع يبنى مستقبل! لا تدرك جماعة الإخوان أن تزييف الوعي ونشر الشائعات وتشويه سمعة المخالفين، وإخراج جيل لا يأبه بالغيبة والبهتان، إنما هو حدٌ لنصل سيف من البغي أول من يقتل به هو من سله.

- وستجد سفهاء الأحلام حدثاء الأسنان ممَّن يتبنون فكر الخوارج ستجدهم على صفحاتهم يكتبون الخطب العصماء في كفر الحكام والجيوش والحكومات، وشيخ الأزهر، بل ويكفرون السلفيين ويصبون جام غضبهم على الشعوب ويصفون المجتمعات بالجاهلية! فقط هم أهل الإيمان على الأرض ولا تراهم يقدمون شيئًا لأهل غزة؛ فلا دعم ولا مساعدات، ولا مؤازرة، هم فقط يستغلون حالة الغضب والغيظ، ويوجهون الشباب نحو السخط على كل من حولهم والهروب من فعل أي شيء، وتحمل أي مسئولية نحو برج التكفير العاجي، حيث يهرب من الاشتباك مع الواقع بتكفير الجميع، وبالتالي يخرج بنتيجة أن ذلك المجتمع يستحق ما يحدث فيه، بل ربما اصطدم مع مجتمعه وبدلًا من أن يساهم في تخفيف مأساة مجتمعه كان حربًا عليه، ولا جديد ألم يقتل أسلافهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ لأنه لم يحكم شرع الله، أو لأنه حكم الرجال في دين الله! ولماذا نذهب بعيدًا ألم تترك داعش كل شيء وصبت جام غضبها على المسلمين في سوريا والعراق ومصر وليبيا! ومن المضحك المبكي: سئل أحد الأصدقاء يومًا متى تهاجم داعش إسرائيل؟ فقال بتلقائية: عندما تسلم!

- فانظر أخي لمقامك وأين تقف، هل أنت ممن  ينصر القضية فعلًا؟ أم أنت بوق يردد شائعات وأكاذيب وينشر تهم وأباطيل؟

- هل أنت تساهم في الحفاظ على مقومات مجتمعك وفي الحفاظ على قدواته، وتكون حريصًا على التفاف الناس حولهم أم أنت تسعى لتحطيم كل شيء، فلا يبقى للناس إلا الحضارة الغربية والثقافة الغربية بعد أن تحطم كل قدوات المجتمع.

- هل أنت تساهم في البناء أم الهدم؟ إن الذي يساهم في البناء لا بد أن يقابل المعوقات وقطاع الطرق والصعاب، وعليه أن يصبر ويعمل حتى يلقى الله -سبحانه وتعالى- مستحضرًا قوله -تعالى-: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ ‌وَأْمُرْ ‌بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ(لقمان: 17).

- فطوبى لعبد تعلم العلم الشرعي، فعرف الحق ورحم الخلق، وسارع في نجدة الملهوف حفظ لسانه عن الخوض في أعراض المسلمين، وقلبه عن سوء الظن، وترك تكفير الناس بغير علم، وكان همه هو دعوتهم للخير والبر، فكان خير الناس للناس.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

الكلمات الدلالية