الأحد، ٢٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

عملاء إيران بالمنطقة... صغار في الذهاب وفي الإياب!

عملاء إيران بالمنطقة... صغار في الذهاب وفي الإياب!
السبت ٠٢ ديسمبر ٢٠٢٣ - ٢٣:٣٨ م
156

 

عملاء إيران بالمنطقة... صغار في الذهاب وفي الإياب!

كتبه/ غريب أبو الحسن

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

- وقف الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" أمام حشد من أنصاره، وراح يذكر أمجاده إبان فترة حكمه للولايات المتحدة الأمريكية. وذكر رد الفعل الإيراني عندما قامت الولايات المتحدة الأمريكية باغتيال صفوة رجالاتها وأكثرهم خطورة "قاسم سليماني"، فقد اغتالته أمريكا بعد هبوطه في مطار بغداد بفترة قصيرة وأعلنت ذلك بفخر، وخرج علينا المسئولون الإيرانيون ليتوعدوا أمريكا برد غاشم وأنها ستدفع ثمن ذلك غاليًا، ثم أطلقت بضعة صواريخ لتقع بالقرب من قاعدة عين الأسد حيث تتواجد القوات الأمريكية بالعراق. 

ولكن ترامب بيَّن خلفيات تلك الرشقات الهزيلة، فقال: "بعد مقتل سليماني تواصلت معنا إيران، وقالت: يجب أن يكون لنا رد على مقتل سليماني، ونرجو أن تتفهموا ذلك، سوف نطلق 18 صاروخًا على قاعدة الأسد، ولكن خارج القاعدة!"، فقال ترامب: "الكل كان قلقًا؛ إلا أنا لم أكن قلقا!"، تلخص هذه الكلمات التي خرجت من ترامب طبيعة العلاقة بين إيران وأمريكا والغرب.

- العلاقة بين إيران وأمريكا علاقة إستراتيجية لا يفسدها حتى قتل أمريكا لأخلص رجال إيران.

- قد يحدث أحيانًا خلافات بين إيران وأمريكا تستلزم أن تعطي أمريكا إيران بعض الصفعات لتذكرها بأنها مجرد لاعب له مساحة لا يتخطاها، وأنها لا ينبغي أن تتجاوز هذه الحقيقة، وأن تعود للخطوط الحمراء التي رسمتها لها أمريكا.

- إن درجة التنسيق بين إيران وأمريكا درجة عالية جدًّا، فليس هناك أعلى من التنسيق في الانتقام والاتفاق عليه والاتفاق أنه يكون انتقاما صوريًّا!

- فما سر هذه العلاقة الإستراتيجية بين إيران وأمريكا، وكيف نربط بين التعاون الإستراتيجي بينهما وبين حالة العداء الظاهرة؟

كما أسلفنا، يلخص هذا الحديث علاقة أمريكا مع إيران عبر عشرات السنين منذ أن نشأت إيران على أنقاض الحكم الملكي وبدعم من الغرب؛ تتلخص علاقة إيران مع أمريكا والغرب بدور وظيفي حدده الغرب لإيران، وهو: أن تكون إيران فزاعة للدول العربية حتى تفر الدول العربية من مخالب إيران لحضن أمريكا، فمنطقة الشرق الأوسط تشكل أهمية خاصة، ففيها احتياطي النفط العالمي والذي استخدمته الدول العربية كسلاح فعال في حرب 73، وتألمت أمريكا من استخدام الدول العربية لسلاح النفط؛ لذلك أرادت أمريكا أن تتواجد بشكل دائم أمام آبار النفط، ولكن كيف تفعل ذلك؟ ببساطة تفعل ذلك إذا خافت الدول الخليجية من عدو ما وطلبت الحماية الأمريكية، وهذا ما كان، دعمت أمريكا قيام الدولة الخمينية وصنعت منها فزاعة لدول الخليج. 

قامت دول الخليج في بادئ الأمر بدعم العراق لتكون حائط صد أمام الأطماع الفارسية في الوطن العربي، ونشبت حرب استمرت لسنوات، واستطاع صدام حسين بالفعل لجم الأطماع الفارسية في المنطقة؛ لذلك سعت أمريكا للوقيعة بين الدول الخليجية والعراق ثم أغرت العراق بغزو الكويت لتهرع دول الخليج لطلب الحماية الأمريكية، تحركت أمريكا بالفعل وحطمت الجيش العراقي وأزالت العقبة من أمام إيران للتوسع في المنطقة ولتسارع بعض الدول العربية للطلب من أمريكا أن تقيم قواعد عسكرية على أراضيها لتحقق لها معادلة الأمن بعد انهيار الجيش العراقي، وانفتاح الشهية الإيرانية لابتلاع المنطقة، وكانت هذه وظيفة إيران في المنطقة، أن تكون الفزاعة التي تضمن بقاء القواعد العسكرية في العديد من الدول في الشرق الأوسط بجوار آبار النفط.

- ثم هبت رياح الربيع العربي والشرق الأوسط الجديد وفلسفة أمريكا العبثية من أن الفوضى خلاقة، وأننا لو وقفنا في وجه الفوضى والصراعات، فإننا نقف أمام حركة التغيير، وأن الفوضى يمكن أن تؤدي إلى نظام جديد أكثر استقرارًا وتوازنًا. وحقيقة الأمر: أن أمريكا أرادت أن تفتت دول المنطقة وفق معيار طائفي لتزداد الدول ضعفًا أمام إسرائيل وليسهل الاستيلاء على خيراتها، ولتنشب الصراعات العنيفة ولتنشأ حدود الدم التي تستمد وقودها من مصانع السلاح الغربية، وليزداد العالم العربي والإسلامي ضعفًا، وتزداد أمريكا والدول الغربية قوة، وتزداد الهوة الحضارية بين شمال العالم وجنوبه.

- هنا أضافت أمريكا لإيران دورًا جديدًا بعد أن أزالت حكم الجنرالات في المنطقة بثورات الربيع العربي، حيث ترتب على هذه الثورات انهيار أنظمة الجنرالات، وحلت محلها أنظمة ضعيفة لا يملك الرؤساء فيها زمام الأمور ولا السيطرة على الجيوش، بل يستمدون قوتهم من التحالف مع أمريكا التي تنصب من تشاء وتقيل من تشاء، كانت هذه اللحظة مثالية تمامًا لتقوم إيران بالتوسع على حساب الأنظمة العربية ولتصدير ثورتها، ولتؤدي وظيفتها الجديدة، وهي تفتيت الدول العربية لدويلات صغيرة بعد أن تغرقها في جحيم الصراع الطائفي البغيض،  فسارعت للعبث بمقدرات العراق وتشكيل ميلشيات تابعة لها والتوغل في الشارع العراقي، وإعانة عملائها على الاستيلاء على مقدرات الشعب العراقي ثم أصبحت تملك زمام الأمور في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وكادت تفعلها في البحرين حتى تفاخر أحد مسئوليها أن إيران تحكم عواصم أربع دول عربية.

- ولكن لو كان الأمر كذلك؛ فلماذا تختلف إيران مع أمريكا؟ ولماذا تحاصر أمريكا إيران وتفرض عليها العقوبات من آن لآخر؟

لماذا تجميد الأموال وتمنع إيران من بيع النفط وغيرها من الخلافات بينهما؟!

وحقيقة الأمر: أن الأمر أشبه بالخلاف بين لصين على السرقة، فإيران تريد مزيدًا من التوسع على حساب دول المنطقة وأمريكا تقول لها: يكفي ما أخذتِ! 

تريد إيران امتلاك السلاح النووي وأمريكا ترفض، فمستوى قوة إيران ينبغي أن يظل تحت السيطرة لتظل إيران تؤدي دورها الوظيفي في رعاية المصالح الأمريكية والغربية في المنطقة، ولكن تريد إيران المزيد من القوة والنفوذ على حساب خراب الدول العربية وأمريكا تخشى أن يزداد حجم وقوة إيران فتستعصي على سماع التوجيهات الأمريكية، وتبدأ بتهديد المصالح الأمريكية، وتأمل فقط كيف سارعت أمريكا لغزو العراق تحت ذريعة احتمال وجود أسلحة نووية، فدمرت الجيش العراقي وأشعلت نيران حرب طائفية، وبين تعاملها في ملف إيران النووي، فحجم النفع الذي تمثله إيران لأمريكا وحجم التعاون الإستراتيجي يجعل من أمريكا حريصة على بقاء إيران وتثبيتها كما يثبت المزارع "فزاعة الحقل" التي يصرف بها الطيور عن الحبوب، ولا تريد القضاء عليها. 

- حدث "طوفان الأقصى" وكان كالصدمة للجميع القريب والبعيد، وبعثر كل أوراق السياسة الخارجية للدول في المنطقة، وسوف يكون له الأثر الكبير في ترتيب الأوراق الخارجية لتلك الدول في المرحلة المقبلة، وسوقت إيران نفسها لدول المنطقة وعلى مدار عشرات السنوات أنها تشكل محور الممانعة والمقاومة، وحرصت على أن يصيح وكلاؤها في شعاراتهم بالموت لأمريكا والموت لإسرائيل! وعاث حزب الله في لبنان فسادًا تحت ذريعة أنه يشكل المقاومة، وأنه هو الذي يحمي البلاد من إسرائيل، وملأ الفضاء بالخطب الرنانة التي يسب فيها أمريكا وإسرائيل، ويمجد بالطبع الجمهورية "الإسلامية" الإيرانية على حدِّ زعمه، حتى إنه في لحظة تجلٍّ قال حسن نصر الله: "إن كل ميزانية، وأكل وشرب، وسلاح حزب الله، من الجمهورية الإسلامية الإيرانية ولا ينسى على الدوام حسن نصر الله أن يهاجم الدول العربية ويصفها بالتهاون والتخاذل، ويصفها بكل أوصاف الخيانة والعمالة. 

- ولكن حقيقة الأمر: أن حزب الله يشكل أحد عوامل الحماية لإسرائيل في شمال الأراضي المحتلة، فقد منع حزب الله أي فصيل من المقاومة أن يتواجد في الجنوب اللبناني لتظل الحدود بيد إيران وحدها هي من تشعلها وهي من تطفئها وفق مصالحها، فكانت النتيجة: أن وفَّر حزب الله الأمان لإسرائيل، وجعل همها همًّا واحدًا، وجعل التفاوض مع جهة واحدة هي إيران، فوفر على إسرائيل تعدد الجبهات، وتعدد الخصوم.

- ثم لما غزت أمريكا العراق كان حزب الله حاضرًا في الصراع الطائفي هناك، وكان أحد معاول الهدم في العراق، ومنفِّذًا بطبيعة الحال لمصالح إيران ومن ورائها أمريكا في معظم الحالات ولمصالح إيران فقط في لحظات الخلاف الإيراني الأمريكي المحدودة، وكان حضوره في سوريا أوضح، فكم خاض الحروب وكم قتل من أبناء الشعب السوري، والأمر لا يختلف كثيرًا في اليمن من تقديم الدعم والسلاح والتدريب والخبرة للحوثي الوكيل الإيراني في اليمن.

- ولما قامت أحداث غزة كنا نعلم سابقًا أن حزب الله لن يخدم إلا مصالح إيران، فإن كانت مصلحة إيران في الحرب فلن يتردد، وإن كانت مصلحتها في الصمت والمشاهدة سيفعل، وكأنه يشاهد أحد مباريات الدوري الإنجليزي، وسيكتفي ببعض الصيحات من آنٍ لآخر، وبالفعل اختارت إيران أن تكتفي بالمشاهدة بعد تهديد أمريكي أو بإغراءات مالية أمريكية كما تتحدث التقارير، فالحليفان يعلمان كيف يتفاهمان!

- ثم خرج علينا حسن نصر الله في خطاب من خطاباته الطويلة المملة التي يعيد فيها نفس المعاني البالية، ونفس الشعارات الممجوجة، وبعد أن هاجم الدول العربية؛ بيَّن أنه قد قام بفعل عظيم، وهو: أنه جعل إسرائيل تأتي بجزءٍ من جيشها على الحدود اللبنانية، وأنه لن يتدخل ولن يزيد عن ذلك وكأنه يقول لإسرائيل: اسحبوا هذا الجيش، فلن يتعدى دوري مهاجمة أبراج الاتصالات، فأنا فتى إيران، وإيران قد قبضت الثمن، وأبرمت الصفقة مع الأمريكان كعادتها.

- جاءت أحداث غزة واضحة لتذكرنا بتاريخ الشيعة عبر العصور المختلفة، وأنهم لم ينصروا الإسلام يوما وإنما جل همهم هو نصرة عرقهم الفارسي وقوميتهم الفارسية، وسخرت شيعة العرب لنفس الغاية والهدف، وأن الشيعة عبر تاريخهم يحسنون عقد الصفقات مع الصليبين والتتار على حساب السنة، وعلى حساب الغدر بالسنة، فكما فتح ابن العلقمي أبواب بغداد للتتار، فتحها أحفاده للأمريكان، وكما سلَّم الفاطميون بيت المقدس للصليبين سلم أحفادهم المنطقة لليهود، وكما كان الصفويون خنجرًا في ظهر الدولة العثمانية وأعاقوا فتوحاتها في أوروبا، فكذلك أحفادهم لا زالوا خنجرًا في خاصرة الدول العربية، وخراب على أهلها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، ولا زالت شهيتهم مفتوحة للمزيد من العواصم لولا تخوف سيدهم الأمريكي من زيادة قوتهم عن الحد المطلوب، فيخشى السيد من تمرد عبده ويصير آبقًا.

- إن أحداث غزة فرصة رغم ما بها من آلام أن تبصر الأمة مَن هم حلفاؤها ومَن هم أعداؤها، وأن يبصر شباب المسلمين المخلصون مَن هم الذين يروجون لإيران ومَن يرونهم حليفًا، ومن يحاول أن يجمل صورتها حتى هذه اللحظة، وعلى ظهر مَن تدخل إيران للدول العربية، ومن يتحالف معها ومع وكلائها في المنطقة، فلم تدخل إيران بلدة من البلاد إلا جعلت أهلها شيعًا يقتل بعضهم بعضًا، وإلا كانت هي حامية المصالح الأمريكية الممهدة لها حتى لو صرخ وكلاؤها كل صباح: الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل!

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com


الكلمات الدلالية