السبت، ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٧ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

ديكتاتورية الحرية العاهرة! (2)

ديكتاتورية الحرية العاهرة! (2)
الثلاثاء ٠٥ ديسمبر ٢٠٢٣ - ١٢:١٩ م
63

ديكتاتورية الحرية العاهرة! (2)

كتبه/ سامح بسيوني

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فنستكمل حديثنا حول ديكتاتورية الحرية العاهرة، ومحاولات فرض الشذوذ بأنواعه على المجتمعات والأمم.

حكم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على فاعل فعل قوم لوط بالقتل: فعن ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:  (مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ(رواه أبو داود، وصححه الألباني)، وعنه: أن نبي الله قال: (لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ ، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ ، ثَلاثًا(رواه أحمد بسندٍ حسنٍ).

وقد أجمع الصحابة على قتل اللوطي، لكن اختلفوا في طريقة قتله، فمنهم من ذهب إلى أن يحرق بالنار -وهذا قول علي رضي الله عنه-، ومنهم من قال: يُرمى به من أعلى شاهق، ويتبع بالحجارة -وهذا قول ابن عباس -رضي الله عنه-، ومنهم من قال: يرجم بالحجارة حتى يموت، وكما هو معلوم فالحكم بالقتل في الشريعة منوط تطبيقه للحاكم وليس إلى آحاد الناس.

وقد بسط الإمام ابن القيم الكلام على هذه المسألة، في كتابه: "الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي"، والذي وضعه لعلاج هذه الفاحشة المنكرة وغيرها، ومما ذكره في ذلك قوله: "ولما كانت مفسدة اللواط من أعظم المفاسد، كانت عقوبته في الدنيا والآخرة من أعظم العقوبات، وقد اختلف الناس: هل هو أغلظ عقوبة من الزنا، أو الزنا أغلظ عقوبة منه، أو عقوبتهما سواء؟ على ثلاثة أقوال: فذهب أبو بكر الصديق، وعلي بن أبي طالب، وخالد بن الوليد، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عباس، ومالك وإسحق بن راهويه، والإمام أحمد في أصح الروايتين عنه، والشافعي في أحد قوليه: إلى أن عقوبته أغلظ من عقوبة الزنا، وعقوبته القتل على كل حال؛ محصنًا كان أو غير محصن. وذهب الشافعي في ظاهر مذهبه، والإمام أحمد في الرواية الثانية عنه إلى: أن عقوبته وعقوبة الزاني سواء. وذهب الإمام أبو حنيفة إلى أن عقوبته دون عقوبة الزاني وهى التعزير".

إلى أن قال: "قال أصحاب القول الأول وهم جمهور الأمة، وحكاه غير واحد إجماعًا للصحابة: ليس في المعاصي مفسدة أعظم من مفسدة اللواط، وهي تلي مفسدة الكفر، وربما كانت أعظم من مفسدة القتل، قالوا: ولم يبتلِ الله -تعالى- بهذه الكبيرة قبل قوم لوط أحدًا من العالمين، وعاقبهم عقوبة لم يعاقب بها أمة غيرهم، وجمع عليهم أنواعًا من العقوبات من الإهلاك، وقلب ديارهم عليهم، والخسف بهم ورجمهم بالحجارة من السماء، وطمس أعينهم، وعذّبهم وجعل عذابهم مستمرًا فنكّل بهم نكالًا لم ينكّله بأمة سواهم، وذلك لعظم مفسدة هذه الجريمة التي تكاد الأرض تميد من جوانبها إذا عُملت عليها، وتهرب الملائكة إلى أقطار السماوات والأرض إذا شاهدوها؛ خشية نزول العذاب على أهلها، فيصيبهم معهم، وتعج الأرض إلى ربها -تبارك وتعالى-، وتكاد الجبال تزول عن أماكنها.

وقتل المفعول به خير له من وطئه؛ فإنه إذا وطأه الرجل قتله قتلًا لا تُرجى الحياة معه، بخلاف قتله؛ فإنه مظلوم شهيد. قالوا: والدليل على هذا -يعني على أن مفسدة اللواط أشد من مفسدة القتل-: أن الله -سبحانه- جعل حد القاتل إلى خيرة الولي؛ إن شاء قتل، وإن شاء عفا، وحتَّم قتل اللوطي حدًّا كما أجمع عليه أصحاب رسول الله، ودلَّت عليه سنة رسول الله الصريحة التي لا معارض لها، بل عليها عمل أصحابه وخلفائه الراشدين -رضي الله عنهم أجمعين-.

وقد ثبت عن خالد بن الوليد: أنه وجد في بعض نواحي العرب رجلًا ينكح كما تنكح المرأة، فكتب إلى أبي بكر الصديق، فاستشار أبو بكر الصديق الصحابة، فكان علي بن أبي طالب أشدهم قولًا فيه، فقال: ما فعل هذا إلا أمة من الأمم واحدة، وقد علمتم ما فعل الله بها؛ أرى أن يحرق بالنار، فكتب أبو بكر إلى خالد فحرقه. وقال عبد الله بن عباس: ينظر أعلى ما في القرية فيرمى اللوطي منها منكسًا ثم يتبع بالحجارة، وأخذ ابن عباس هذا الحد من عقوبة الله للوطية قوم لوط، وابن عباس هو الذي روى حديث: (مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ)، واحتج الإمام أحمد بهذا الحديث.  

قالوا: وثبت عنه أنه قال: (لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ ، لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَمِلَ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ ، ثَلاثًا)، ولم يجئ عنه لعنة الزاني ثلاث مرات في حديثٍ واحدٍ، وقد لُعن جماعة من أهل الكبائر، فلم يتجاوز بهم في اللعن مرة واحدة، وكرر لعن اللوطية فأكده ثلاث مرات، وأطبق أصحاب رسول الله على قتله لم يختلف منهم فيه رجلان، وإنما اختلفت أقوالهم في صفة قتله، فظن بعض الناس أن ذلك اختلاف منهم في قتله، فحكاها مسألة نزاع بين الصحابة، وهي بينهم مسألة إجماع، لا مسألة نزاع. قالوا: ومن تأمل قوله -سبحانه-: (وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا(الإسراء: 32)، وقوله في اللواط: (‌أَتَأْتُونَ ‌الْفَاحِشَةَ ‌مَا ‌سَبَقَكُمْ ‌بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ(الأعراف: 80)، تبيَّن له تفاوت ما بينهما، فإنه -سبحانه- نَكّرَ الفاحشة في الزنا، أي هو فاحشة من الفواحش، وعرّفها في اللواط وذلك يفيد أنه جامع لمعاني اسم الفاحشة، كما تقول: زيد الرجل، ونعم الرجل زيد، أي: أتأتون الخصلة التي استقر فحشها عند كل أحد، فهي لظهور فحشها وكماله غنيّة عن ذكرها، بحيث لا ينصرف الاسم إلى غيرها..." (انتهى).

وللحديث بقية -إن شاء الله-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة