السبت، ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٧ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

الطريق إلى المسجد الأقصى (3) طريق نبينا محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه

الطريق إلى المسجد الأقصى (3) طريق نبينا محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه
الأربعاء ٠٦ ديسمبر ٢٠٢٣ - ١٤:١٥ م
137

 

الطريق إلى المسجد الأقصى (3) طريق نبينا محمدٍ -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه

كتبه/ سعيد محمود

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

الغرض مِن الموضوع:

إحياء قضية المسجد الأقصى في نفوس المسلمين، وبيان معالِم طريق تحريره مِن الأيدي الغاصبة، مِن خلال التعرض لصفحاتٍ مِن تاريخ الاعتداءات على بيت المقدس على مرِّ التاريخ، وكيف كان الطريق لتحريره في كل مرة.

المقدمة:

- الإشارة إلى أن أرض فلسطين "وعلى الخصوص المسجد الأقصى"، قد تعرضتْ للاعتداءات الكثيرة على مرِّ التاريخ، وفي كل مرة يقيِّض الله -عز وجل- لذلك مَن يقوم على تحريرها مِن الأيدي الكافرة الغاصبة.

- التذكير بما جاء في المرة السابقة في عبارةٍ وجيزةٍ، وأن المسجد الأقصى ظل في أيدي المؤمنين إلى أن بدأت تظهر فيهم الانحرافات عن دين الله، فكانت سنة الله الماضية؛ قال تعالى-: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) (الأنفال: 53).

- تنبيه على أن الاعتداء في هذه المرة مِن الكفار على المسجد الأقصى، كان قبْل ميلاد المسيح -عليه السلام- بأربع وستين سنة، وظل هذا الاعتداء إلى سنة (636م - 16هـ) -سبعة قرون- حتى قام أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم- بتحرير بيت المقدس وتطهيره مِن دنس الكفر والكفار في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-.

(1) مجمل الأحداث في نقاط:

- أهل بيت المقدس (اليهود المسلمون يومئذٍ) ينحرفون عن دين الله، وتكثر فيهم المعاصي والذنوب والشركيات، فكانت النتيجة ضياع بيت المقدس باعتداء أوروبا الرومية.

- ولادة المسيح أثناء الاحتلال، وعداوة اليهود له منذ اللحظة الأولى، إلى أن رفعه الله إليه، بعد محاولة قتله باتفاقٍ بين الروم واليهود.

- أتباع المسيح ينحرفون، واليهود يزدادون انحرافًا عن دين الله، حيث حرَّفوا ما جاء عن موسى وعيسى -عليهما السلام-.

- في الجهة الأخرى كان العرب قد حوَّلوا دين إبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام- إلى مظاهر شركٍ ووثنية.

- لم يكن للعرب كيان ولا وزن بين الأمم على كل المستويات (الدينية - السياسية - العسكرية - الاجتماعية).

- امتلأت الأرض بالشرك والوثنية وعبادة غير الله والظلم والقهر للمستضعفين.

- بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- لإخراج البشرية كلها مِن الظلمات إلى النور، قال الله -تعالى-: (هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ عَلَى عَبْدِهِ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَإِنَّ اللَّهَ بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ) (الحديد: 9).

- الجاهلية الوثنية تنتفض تنافح عن وثنيتها، فوقفت في وجه الدعوة الإسلامية بأساليب شتى.

- زيادة الصد والتكذيب والإيذاء والاضطهاد للمسلمين، حتى جعل النبي -صلى الله عليه وسلم- يبحث عن موطنٍ جديد للدعوة، والقرآن ينزل يصبره: (وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِّن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا) (الأنعام: 34).

- في هذه الأثناء وقعتْ حادثة على جانبٍ مِن الأهمية، وهي: "حادثة الإسراء والمعراج"، وهي تشير إلى مكانة المسجد الأقصى في عقيدة المسلمين.

(2) وقفة لبيان أهمية بيت المقدس في عقيدة المسلمين مِن خلال رحلة الإسراء والمعراج:

أولًا: أن أرض بيت المقدس هي جزء مِن الأرض التي بارك الله فيها: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) (الإسراء: 1).

ثانيًا: أن إمامة البشرية انتقلتْ مِن بني إسرائيل بعد كفرهم إلى أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-: (صلاة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- بالأنبياء إمامًا مِن لدن آدم إلى عيسى -عليهما السلام-)، قال -تعالى-: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) (البقرة: 143).

ثالثا: أن الرسولَ محمدًا -صلى الله عليه وسلم- والمسلمين مكلَّفون مِن رب العالمين بتحرير هذه الأرض المباركة مِن الذين غلبوا عليها واحتلوها منذ بضعة قرون: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) (الحج: 41).

(3) عود على الأحداث:

- عودة النبي -صلى الله عليه وسلم- مِن رحلة الإسراء والمعراج، والاستمرار في الدعوة والعمل لتمكين دين الله في الأرض، والإعداد لمراحل جعل ذلك أمرًا واقعًا، وليس مجرد عقيدة فحسب.

- الهجرة إلى المدينة وبناء اللبنة الأولى لدولة الإسلام التي ستتوسع بنورها وهديها إلى أمصار الأرض، ومنها أرض فلسطين والمسجد الأقصى وما حولها.

- مواجهة طواغيت الشرك القابعين على أرض الحرم الأول في مكة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً) (التوبة: 123). (عفو النبي -صلى الله عليه وسلم- ورحمته العظيمة بأهل مكة بعد فتحها حيث عفا عنهم).

- الإعداد لتطهير أرض فلسطين والشام بعد تطهير الجزيرة العربية، بإرسال الجيوش لمواجهة المعتدين على الإسلام ومقدساته: (معركة مؤتة حيث مواجهة الروم سنة 8هـ - غزوة تبوك وانسحاب الروم مِن تخوم الشام أواخر سنة 9هـ - عقد اللواء لأسامة بن زيد للسير إلى تخوم البلقاء مِن الشام لمواجهة الروم أوائل سنة 11هـ - 632م).

- وفاة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في هذه الأثناء، والخليفة أبو بكر -رضي الله عنه- يواصِل حمل الراية، وينفذ جيش أسامة، والروم ينسحبون.

- الخليفة أبو بكر -رضي الله عنه- يأمر بتسيير أربعة جيوش إلى أرض الشام وفلسطين.

- جيش أبي عبيدة -رضي الله عنه- يحاصر بيت المقدس سنة 15هـ - 636م، واستسلام أهل إيلياء، وفتحت بيت المقدس صلحًا.

- أمير المؤمنين عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يحضر ليتسلم مفاتيح بيت المقدس.

وقفة تفصيلية مع مشهد الفتح للإشارة إلى نوعية جيل الفتح:

- كان أهل إيلياء اشترطوا أن يقدم الخليفة عمرُ -رضي الله عنه- من المدينة ليباشرَ الصلح بنفسه؛ لما علموا من سيرته وعدله.

- خرج الفاروق وسار إلى حيثُ مدينة الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- وكتب إلى أُمَراء الأجناد أن يستخلفوا على أعمالهم ويوافوه بالجابية، وفي رواية أخرى: إنه وافاهم عند بيت المقدس.

- فلما بلغ الجابية من أعمال الشام نزل بها، وصالح عمرُ أهل الجابية ثم سار وقادته إلى بيت المقدس، وكان -رضي الله عنه- في غايةِ التواضع والاستكانة والذلَّة لله رب العالمين، قال أبو الغادية المزني: "قدم علينا عمرُ الجابية، وهو على جمل أورق، تلوح صلعته للشمس، ليس عليه عمامةٌ ولا قلنسوة، بين عُودَيْن، وطَاؤه فرو كبْش نجدي، وهو فراشه إذا نزل، وحقيبتُه شملةٌ أو نَمِرةٌ مَحْشوةٌ ليفًا، وهي وسادته، عليه قميص قدِ انخرق بعضه، ودَسَم جيبُه" (تاريخ الإسلام).

- حاول أمراءُ الجيش أن يُحسِّنوا من هيئته المتواضعة أمام الأعداء: قال له أبو عبيدة -رضي الله عنه-: "يا أمير المؤمنين، لو ألقيت عنك هذا الصوف، ولبست البياض من الثياب؛ لكان أهيبَ لك في قلوب هؤلاء الكفار. فقال -رضي الله عنه-: لا أحب أن أُعَوِّد نفسي ما لم تعتده، فعليكم معشر المسلمين بالقصد" (الفتوح لابن أعثم).

- باءت مُحَاولة أبي عبيدة بالفشل، فحاول يزيدُ بنُ أبي سفيان -رضي الله عنهما- فقال: "يا أمير المؤمنين، إنَّا في بلد الخَصْب والدعة، والسعر عندنا -بحمد الله- رخيص، والخيرُ عندنا كثير من الأموال والدواب والعيش الرفيع، وحالُ المسلمين كما تحب، فالبس ثيابًا بيضًا واكسُها الناس، واركب الخيل واحمل الناس عليها؛ فإنه أعظم لك في عيون الكفار، وألْقِ عنك هذا الصوف؛ فإنَّه إذا رآك العدو على هذه الحال ازدراك. فقال عمر -رضي الله عنه-: يا يزيد ما أُريد أن أتزيَّا للنَّاس بما يَشِينُني عند الله -عزَّ وجلَّ-، ولا أريد أن يعظم أمري عند الناس، ويصغر عند الله -عز وجل- فلا ترادني بعدها في شيء من هذا الكلام" (الفتوح لابن أعثم).

- واصل عمر -رضي الله عنه- مسيره إلى بيت المقدس على تلك الحال المُتَواضِعَة؛ فعرضت له مخاضة طين فَنَزل عن بعيره، ونزع نَعْلَيْه فأمسكها بيدٍ وخاض الماء ومعه بعيرُه، فقال له أبو عبيدة: "قد صنعت اليوم صُنعًا عظيمًا عند أهلِ الأرض، صنعت كذا وكذا، قال: فصكَّ في صدره (وقال الكلمة الخالدة التي ينبغي أن تملأ أسماع المسلمين وقلوبهم على مرِّ الزمان): "أَوَلو غيرك يقولها يا أبا عبيدة! إنكم كنتم أذلَّ النَّاس، وأحقر النَّاس، وأقلَّ النَّاس، فأعزَّكم الله بالإسلام، فَمَهْمَا تَطْلُبوا العزَّ بغيره يذلكم الله" (البداية والنهاية).

خاتمة:

- هكذا عادتْ أرض فلسطين والمسجد الأقصى بعد سبعة قرون مِن الاحتلال الرومي على أيدي الجيل الذي جعل قضية الدِّين هي أساس حياته ووجوده.

- هذا هو الجيل الذي يعرف الطريق إلى الأقصى.

- هذا هو الجيل الذي يعود على يديه بيت المقدس للمسلمين؛ جيل يعتز بإسلامه، جيل يعظم أمر الله، جيل الصيام والقيام والقرآن، جيل قدوته رسول الله والصحابة، جيل يرجو الجنة ويخاف النار، جيل يحمل العقيدة الصحيحة في كل جوانبها.

فاللهم مكِّن لدينك في الأرض، وطهِّر المسجد الأقصى مِن دنس اليهود.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية