الأحد، ٢٠ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٢٨ أبريل ٢٠٢٤
بحث متقدم

مؤشرات الصعود الفلسطيني والتراجع الصهيوني

مؤشرات الصعود الفلسطيني والتراجع الصهيوني
الثلاثاء ١٩ ديسمبر ٢٠٢٣ - ٠٩:٢٦ ص
140

مؤشرات الصعود الفلسطيني والتراجع الصهيوني

كتبه/ غريب أبو الحسن

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛  

فقد زرعت دول الاحتلال الغربي إسرائيل في أحشاء العالم العربي، بل في الحقيقة لم تتوقف ‏الدول الغربية من قبل عن محاولة غزو الدول العربية والإسلامية منذ الحملات الصليبية، ‏ودأبت على محاولة إنشاء إمارات صليبية على سواحل الشام، وكأنها ظلت تحلم بشطر ‏العالم العربي لقسمين، ومِن ثَمَّ الإسلامي، فالعرب والمسلمون هم عدوهم الإستراتيجي؛ الذي أنهى الإمبراطورية الرومانية، والذي يملك حضارة تجمع بين الجانب الروحي والمادي، ‏التي غزت قلب أوروبا، وتهدد عرش الحضارة الغربية المادية البائسة؛ الحضارة ‏الإسلامية الزاهرة التي اصطدم معها الغرب عبر تاريخ كبير من الصراع. 

ثم تفتق الذهن ‏الغربي عن حلٍّ بديلٍ بعد فشل الحملات الصليبية القديمة، وحملات الاحتلال الحديثة، وهو: زرع إسرائيل في أحشاء العالم العربي، وحرصت الدول ‏الغربية منذ قيام دولة الكيان المحتل على فرض معادلة من التفوق الإسرائيلي المستمر ‏في القدرات العسكرية والجانب الاقتصادي، وحرصت على دعم الصلف الإسرائيلي ‏المستمر؛ يظهر ذلك في التعامل باستهانة مع قرارات المنظمات الدولية التي تتحكم فيها ‏أمريكا ووكلاؤها بشكل مستمر، وحتى في أحداث غزة الأخيرة تلقت إسرائيل دعمًا ‏دبلوماسيًّا لتغطية مذابحها الوحشية على قطاع غزة، وسائر الأراضي المحتلة، مع جسر ‏مفتوح من المساعدات العسكرية، ومخازن مفتوحة من السلاح صُبَّت كلها فوق رؤوس ‏المدنيين!

فدعونا بعد قرابة المائة عام من الصراع، نراجع مؤشر القوة بين إسرائيل والفلسطينيين ‏الذي تحرص إسرائيل على أن يكون لصالحها بفارق كبير، وتروج لذلك إعلاميًّا بشكل مُلِحٍّ ‏حتى يصيب ذلك الفلسطينيين بالإحباط الدائم فلا يفكروا في حلم التحرر والعودة!‏

فلو نظرنا لمؤشر القوة الإسرائيلي بعد أحداث السابع من أكتوبر؛ لوجدنا أن هذا المؤشر ‏آخذ في التهاوي، ومن دلائل انحدار وتهاوي مؤشر القوة الإسرائيلي:‏

‏-‏ انهيار أسطورة التفوق الاستخباراتي:‏

كان لنجاح المقاومة في اختراق جدار غزة، ومفاجأة الجيش الإسرائيلي بعملية "‏طوفان الأقصى"، الأثر الكبير في تحطيم أسطورة المخابرات الإسرائيلية التي تدعي ‏أنها تعرف دقائق الأمور في قطاع غزة، وأنها تمتلك تكنولوجيا متطورة وجيشًا من ‏العملاء، وغيرها من الأساطير التي تحب إسرائيل تردادها على مسامع العالم، ‏وخاصة العرب والفلسطينيين كنوعٍ من الحرب النفسية والبروباجندا الإعلامية؛ ‏انهار كل ذلك حين نجحت المقاومة الفلسطينية في التمويه وخداع الاستخبارات ‏الإسرائيلية التي أفاقت على هول ما حلَّ بها، وعلى ما حصلت علية المقاومة من ‏معلومات بعد عملية "طوفان الأقصى".

‏-‏ اختلال معادلة الأمن الإسرائيلي:‏

 بعد أن نقلت المقاومة المعارك إلى العمق الإسرائيلي؛ مما أربك هذه المعادلة، ‏وتحولت إسرائيل من دولة تتباهى بأن كل معاركها كانت على أرض خصومها، ‏إلى دولة تخوض المعارك في عمق أراضينا التي احتلتها.

‏-‏ الصراع الداخلي في إسرائيل:‏

 تفاقم الصراع السياسي الإسرائيلي قبيل أحداث طوفان الأقصى، ‏والذي شهد ذروته في صراع حكومة "نتن ياهو" مع القضاء والمعارضة، والشارع؛ ‏ذلك الصراع المنبعث من صراع اجتماعي بين تصنيفات الإسرائيليين المختلفة ‏والمنقسمة بين علمانيين، وقوميين، ومتدينين، وعرب؛ صراع قديم لم يستطع عامل ‏الوقت أن يصهر تلك المكونات، ومن المتوقع أن يحتدم الصراع كأقوى ما يكون ‏بعد مرور الأزمة الأخيرة التي وحَّدت الداخل الإسرائيلي بشكل مؤقت.

- الهجرة العكسية من إسرائيل:‏

كان من آثار طوفان الأقصى، واختلال المعادلة الأمنية وصدمة، وهجوم المقاومة ‏الذي ضرب عمق الأراضي المحتلة، ووصوله لمستوطنات غلاف غزة؛ زيادة الرغبة في الهجرة العكسية من إسرائيل، خاصة وأن العديد من ‏الإسرائيليين يحملون جنسيات مزدوجة، وفكرة الهجرة العكسية تقوض وجود دولة ‏إسرائيل من أساسها، حيث قامت على استقدام اليهود من كل دول العالم للأراضي ‏المحتلة.

‏-‏ تراجع التفوق الإعلامي في إسرائيل على يد السوشيال ميديا والإعلام الشعبي:‏

ظلت إسرائيل على امتداد الصراع العربي الإسرائيلي تملك زمام الإعلام حول ‏العالم عن طريق امتلاكها للقنوات الإعلامية وتحكمها فيها، وتحكمها في ‏الإعلاميين والتنكيل بكلِّ مَن يخالف التوجهات والروايات الإسرائيلية للأحداث، ‏ولكن تغير الفلسفة التي تدير بعض المنصات الإعلامية حول العالم ومزاحمة عالم السوشيال ميديا ‏للمنصات المملوكة للدول ولرجال العالم التي كانت تتلاعب بهم إسرائيل، فدخول ‏عالم السوشيال ميديا على الخط صعَّب على إسرائيل السيطرة على كل هذا النهر ‏المتدفق من المقاطع والمشاركات واليوتيوبرز والبلوجرز، وغيرهم؛ مما أثَّر على ‏الرأي العالم العالمي، ثم أجبر حكومات بعض الدول الغربية على ترك الرواية ‏الإسرائيلية للأحداث والرضوخ نسبيًّا للضغط الشعبي في تلك الدول.‏

- ارتفاع صوت المعارضة لإسرائيل في العالم الغربي:‏

 وكنتيجة للصوت الداعم للفلسطينيين ارتفع الصوت المعارض لإسرائيل في العالم ‏الغربي، وإن كان هذا الصوت يمثل بدرجة أكبر الصوت الشعبي الغربي؛ إلا أن ‏بعض المسئولين الغربيين قد أعلنوا عن رفضهم للعدوان والإجرام الصهيوني على ‏غزة مثل حكومات إسبانيا والبلجيك، والعديد من المسئولين في الخارجية الأمريكية ‏والعديد من نواب الكونجرس الديمقراطيين والجمهوريين، وارتفاع الصوت ‏المعارض لتأييد بايدن المطلق للهمجية الإسرائيلية الوحشية على قطاع غزة.‏

‏-‏ أثر الأسلحة الفلسطينية محلية الصنع على سمعة السلاح الإسرائيلي:‏

وأيضًا انتقال المقاومة الفلسطينية من المقاومة بالحجارة للمقاومة بالأسلحة ثم ‏إطلاق الصواريخ، ثم زيادة المدى الذي تصل إليه هذه الصواريخ، مع عدم تمكن ‏القبة الحديدية من التصدي لكل صواريخ المقاومة؛ مما يعني أن كل ما تحتله إسرائيل أصبح ‏مهددًا بصواريخ المقاومة، وهذا له أثر كارثي على الصناعة الإسرائيلية، وعلى ‏السياحة الإسرائيلية، بل وعلى استقرار المجتمع الإسرائيلي ذاته.

‏-‏ الفشل في تحرير الرهائن بالقوة:‏

 وكان للفشل الإسرائيلي في تحرير الرهائن بالقوة واضطرارها بعد ذلك للتفاوض ‏مع المقاومة عن طريق الوسطاء رسالة واضحة على تراجع ميزان القوة ‏الإسرائيلي لصالح المقاومة، والكل يتحدث الآن عن أن إسرائيل نزلت من على ‏الشجرة وقبلت بالتفاوض حتى تحقق شيئًا ملموسًا فيما يتعلق بالرهائن الذي شكَّل ‏ذويهم ضغطًا متزايدًا على حكومة نتن ياهو.

‏-‏ جرائم الحرب التي تفقد إسرائيل أي شرف لمعاركها: ‏

نعم الإجرام الإسرائيلي ليس بجديد، ولكن الجديد هو أن التاريخ أصبح يُوثَّق ‏بالصوت والصورة، بل وينقل في بث مباشر فيراه العالم؛ فقد شاهد العالم بالصوت ‏والصورة جرائم الكيان الصهيوني في غزة؛ تلك الجرائم التي فاقت ما فعله التتار ‏والنازيين بخصومهم، ورغم أنها حاولت قلب الحقائق في بادئ الأمر؛ إلا أن السحر ‏انقلب على الساحر، وخرجت المظاهرات حول العالم للتنديد بهذا الإجرام في حق ‏الأطفال والنساء والمدنيين.

‏-‏ تأزم العلاقة مع الدول التي وقَّعت معها معاهدات سلام، مثل: مصر والأردن: كانت ‏إسرائيل تعمل على بقاء العلاقة بينها وبين مصر والأردن هادئة، فكلا الدولتين ‏تملكان حدودا مترامية الأطراف مع الكيان الغاصب ومن مصلحة الكيان المحتل ‏أن تظل تلك الحدود هادئة، ولكن توترت العلاقة بشكل كبير بعد هجوم إسرائيل ‏على قطاع غزة، ومحاولتها تهجير الشعب الفلسطيني نحو تلك الدولتين؛ مما ترتب ‏عليه ارتفاع نبرة الانتقاد المصري والأردني لدرجة غير مسبوقة من عشرات ‏السنين، وإعلان الأردن أن التهجير هو بمثابة إعلان حرب، وتوتر العلاقة بين ‏إسرائيل من جهة، والأردن ومصر من جهة أخرى، خصم من مؤشر القوة ‏الإسرائيلي بلا أدنى شك.‏

‏-‏ تراجع مشاريع التطبيع مع العديد من الدول العربية، وبالتالي المشاريع الاقتصادية ‏مع العديد من الدول العربية: كانت إسرائيل تعوِّل بشكل كبير على أن تكون ‏المعادلة في المنطقة هي: الاقتصاد مقابل السلام، وليس الأرض مقابل السلام؛ ذلك ‏الشعار الذي عملت إسرائيل على القضاء عليه وعلى الاستهزاء به، فبمساعدة ‏أمريكية كانت إسرائيل على وشك تطبيع العلاقة مع عدد من الدول العربية المهمة، ‏ولكن جاءت عملية طوفان الأقصى ثم الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة؛ ليفقد ‏إسرائيل الأمل في هذا التطبيع، ومن ثم تعود إسرائيل لعزلتها المستمرة في واقع ‏إقليمي معادٍ لها.

-‏ آثار الحرب الاقتصادية والتي ستدفع إسرائيل ضريبتها الفترة القادمة:‏

ومن مؤشرات تراجع القوة الإسرائيلية: الأزمة الاقتصادية الكبيرة التي أصيبت ‏بها إسرائيل بعد عملية طوفان الأقصى، ففاتورة الحرب العسكرية على القطاع ‏وفاتورة المستوطنين الفارين من غلاف غزة والشمال المحتل، وفاتورة توقف ‏المصانع بسبب استدعاء الاحتياط، وفاتورة عزوف المستثمرين والسياح، سوف تظل ‏تدفعها إسرائيل لفترة كبيرة من الزمن.

‏-‏ تراجع الرغبة في الهجرة لإسرائيل:‏

بنيت إسرائيل عن طريق الترويج ليهود العالم عن الفرص المتاحة والحياة الجديدة ‏الرغيدة التي تنتظرهم عندما يهاجرون لإسرائيل، وأنهم سوف يجدون السكن والعمل، والميزات المتعددة، نعم تراجعت الهجرة إلى إسرائيل، فمنذ فترة الهجرة الروسية ‏لإسرائيل لم تحدث هجرة كبيرة لإسرائيل، ولكن الفترة المقبلة بعد عملية طوفان ‏الأقصى وزيادة الرغبة في الهجرة العكسية من إسرائيل فمتوقع أن تقل نسبة ‏الراغبين للهجرة إلى إسرائيل في ظل التهديد الأمني الخطير الذي أصبحت تشكله ‏المقاومة، وتوقف الهجرة إلى إسرائيل وزيادتها إلى خارجها من المتوقع أن يقوِّض ‏عمود الخيمة الذي تعتمد عليه إسرائيل. 

-‏ إسرائيل تذوق طعم إجلاء سكانها كما أذاقته للفلسطينيين:‏

لم يتوقف نهم الإسرائيليين عن اقتطاع المساحات من أراضي الضفة، وغيرها من ‏الأراضي المحتلة وزرع مستوطناتها، ونشرها كما تنتشر الخلايا السرطانية في ‏الجسد، لكن بعد عملية طوفان الأقصى حدث ما لم يكن في الحسبان؛ فقد تم إجلاء ‏سكان مستوطنات غلاف غزة ومستوطنات شمال الأراضي المحتلة، وتكدست فنادق ‏الكيان المحتل، وتأفف الاشكيناز من يهود أوروبا من السفرديم، وهم اليهود الشرقيين، ‏والذين كانت تلقي بهم إسرائيل في مستوطناتها المتطرفة بعيدًا، والذين تنظر لهم ‏نخبة الاشكيناز بشيء من الاشمئزاز والاحتقار.

 

الصعود الفلسطيني:

إذا تحدثنا عن الصعود الفلسطيني بعد أزمنة من المعاناة والنسيان: ‏

-‏ هجوم 7 أكتوبر وتغير معادلة الردع:‏

سيكون -بإذن الله- هجوم السابع من أكتوبر نقطة تحول في معادلة الأمن في ‏الأراضي المحتلة، فبعد نجاح المقاومة في تحطيم سور الحصار في غزة، والتغلب ‏على المخابرات الإسرائيلية، وتدمير كتيبة غلاف غزة والتغلب على التقنية الحديثة ‏التي تراقب السور على مدار الساعة، ووصول صواريخ المقاومة لكل مكان في ‏إسرائيل تقريبًا، وتصدي أسلحة المقاومة محلية الصنع لمدرعات جيش الاحتلال، ‏أصبح واضحًا أن معادلة الأمان سوف تتغير، وأن الغطرسة الإسرائيلية لن تكفي ‏وحدها لتحقيق الأمن لإسرائيل، ولكن في المرحلة المقبلة لابد أن يكون الأمن ‏متبادلًا؛ الأمن مقابل الأمن والتفكير الجاد في حل الدولتين الذي كانت تماطل فيه ‏دولة الكيان المحتل.‏

‏-‏ توعد إسرائيل القضاء على المقاومة وفشلهم في ذلك:‏

بعد هجوم السابع من أكتوبر توعدت إسرائيل بمحو غزة والمقاومة، وأعطاها ‏الغرب الغطاء اللازم لتصب على غزة آلاف الأطنان من القنابل الذكية والغبية، ‏والموجهة وغير الموجهة، والقنابل الفسفورية المحرمة دوليًّا، ورغم فارق القوة والدعم ‏الأمريكي والغربي المفتوح لم تستطع إسرائيل لا محو غزة، ولا تهجير سكانها، ولا ‏القضاء على المقاومة، ولا حتى إيقاف الصواريخ المتدفقة من غزة، وهذا الصمود ‏الفلسطيني والفشل الصهيوني مؤشر على زيادة قوة المقاومة الفلسطينية، بينما ‏يتراجع مؤشر القوة الصهيوني.

‏-‏ تطور القدرة الصاروخية الفلسطينية والتي أصبحت تصل لكل الأراضي المحتلة: ‏فلم تعد المقاومة قصيرة الذراع في استهداف كل الأراضي المحتلة؛ مما يشكل ‏ضغطًا كبيرًا على الاقتصاد الإسرائيلي، وعلى الحكومات الإسرائيلية، وأصبح يشكل ‏صداعًا دائمًا في رأس صناع القرار في إسرائيل، وهو الألم الذي سوف يدفع إسرائيل ‏لاحترام حقوق الشعب الفلسطيني الذي كانت تعتبره بلا حقوق لعقود من الزمان.

‏-‏ تطور قدرة المقاومة في صناعة الأسلحة المحلية، والتي أرهقت المدرعات ‏الصهيونية وأصابتها بالإحراج البالغ: في ظل صمت عالمي تجاه الجرائم ‏الإسرائيلية، بل وتأييد مستمر لتلك الجرائم وصلف إسرائيلي تجاه أي قرار أممي، ‏استطاعت المقاومة الفلسطينية أن تصنع من سلاحها المحلي رادعًا يوقف هذا ‏الصلف وتلك الغطرسة، وأصبح ليس من السهل على إسرائيل أن تجتاح بعض ‏الأراضي المحتلة، وهذا نوع من الاستقرار يتيح للمقاومة أن تطور منظومة ‏أسلحتها وهي الطريقة التي يستطيع بها الفلسطينيون التفاهم مع الدولة التي تحتلهم ‏وتسلب حريتهم، وتنتهك مقدساتهم ومقدسات جميع المسلمين، وهو إبداع يستحق ‏الإشادة كيف استطاعت المقاومة أن تصنع سلاحها وتحفر خنادقها، وتطلق ‏صواريخها في ظل انفرادها بالمواجهة.‏

‏-‏ التفوق الاستخباراتي للمقاومة والقدرة على المناورة وخداع إسرائيل:‏

كان التخطيط المحكم لعملية طوفان الأقصى ونجاحها في خداع الاستخبارات ‏الإسرائيلية وتحقيق عنصر المفاجأة في الهجوم له الأثر الكبير في اختلاف النظرة ‏للمقاومة الفلسطينية من حيث تحسن الأداء، وللكيان الصهيوني حيث علم الجميع أن ‏السمعة المدعاة لقدرات الكيان المحتل أكبر بكثير من الحقيقة.

‏-‏ نقل المعارك إلى عمق الأراضي المحتلة للمرة الأولى منذ بداية الصراع العربي ‏الإسرائيلي: فقد نجحت المقاومة في أن تجعل الإسرائيليين يستيقظون على صوت ‏القصف فوق رؤوسهم وصوت الطلقات في طرقاتهم ومقاتلي المقاومة في قواعدهم ‏العسكرية، وفي منازلهم الأمر الذي لم تكن تحلم به إسرائيل في أسوأ كوابيسها.

‏-‏ تفوق تدريب ومعنويات المقاتل الفلسطيني صاحب الأرض على المقاتل الإسرائيلي ‏المحتل: تتحدث التقارير عن فرار مقاتلي كتيبة غلاف غزة من أمام المقاومين في ‏السابع من أكتوبر، بل وفر بعضهم من الدبابات أمام المقاومين المترجلين، ثم ‏تتحدث التقارير عن فرار سريتين إسرائيليتين أثناء اجتياح جيش الاحتلال البري ‏لقطاع غزة، رغم فارق التسليح بين جيش الاحتلال والمقاومة؛ إلا أن عامل التدريب ‏والجهوزية والروح المعنوية كان لصالح أفراد المقاومة.

‏-‏ تزايد التأييد الشعبي العربي والإسلامي: مع كثرة المآسي التي تمر بها أمتنا ‏الإسلامية والعربية توارت القضية الفلسطينية قليلًا، وكأن الشعوب العربية اعتادت ‏على سماع المآسي، وأحاط طريق العودة مزيد من الصعوبات والإحباط. ثم حدثت ‏عملية طوفان الأقصى والهجوم الإسرائيلي المجرم الأمر الذي أشعل عاطفة ‏الشعوب العربية والإسلامية، وزاد التأييد الشعبي والشعور بالجسد الواحد بين أبناء ‏أمتنا الإسلامية، وليس أدل على ذلك من المساعدات التي يقوم بها أبناء العالم ‏الإسلامي، والتي تحط في مطار العريش قبل أن ترسلها السلطات المصرية للقطاع.

- تزايد التأييد الشعبي العالمي للقضية الفلسطينية: حاولت الآلة الإعلامية الإسرائيلية ‏أن تدفع العالم وفق رواية إسرائيلية مغلوطة عن الأحداث لكي تحصل على الدعم ‏والتعاطف العالمي، ولكن انقلب هذا التأييد من قِبَل الحكومات الغربية إلى تعاطف ‏شعبي عالمي مع القضية الفلسطينية، فخرجت المظاهرات حول العالم للتنديد بجرائم ‏الحرب الصهيونية، وإدراك أن القضية لم تبدأ في السابع من أكتوبر حين هاجمت ‏المقاومة الأراضي المحتلة، ولكن القضية بدأت حين سرق اللص الإسرائيلي ‏الأراضي الفلسطينية وهجر شعبًا بأكمله، وارتكب الفظائع من أجل هذا الإجلاء.

‏-‏ الموقف القوي لمصر والأردن: فقد كان للموقف المصري والأردني في هذه المرة ‏الدور الرئيسي في التصدي لمحاولة تهجير أهالي غزة إلى مصر وأهالي الضفة ‏للأردن رغم الضغط العالمي، ورغم العروض السخية من أجل تهجير الشعب ‏الفلسطيني لتصفية القضية وإعادة المعادلة الأمنية الإسرائيلية المستباحة بعد أحداث ‏السابع من أكتوبر. نعم أجرمت إسرائيل، ولكن كان هناك موقف قوي من الحكومة ‏المصرية والأردنية حتى لا يكون هذا الإجرام أضعاف ما قامت به حكومة ‏الاحتلال الصهيوني، ورغم حجم المأساة، ولكن وضع الخطوط الحمراء أمام إسرائيل ‏كبح جماح شهوتها نحو مزيد من القتل والتهجير.

‏-‏ عودة القضية الفلسطينية على رأس اهتمام الدول العربية والإسلامية، ورغم حالة ‏الانقسام التي تعاني منها الأمة العربية، فرغم أن تاريخ العلاقات العربية يغلب عليه ‏الصراع والقليل من أوقات التعاون؛ إلا أن الأحداث فرضت نفسها، فزادت الدول ‏الداعمة من دعمها، وتراجعت الدول المندفعة نحو التطبيع.‏

وأخيرًا:‏

إن القضية الفلسطينية تحتاج لمزيد من الدعم على مستوى الأفراد والشعوب والدول، تحتاج أن نتمسك بالنقاط التي توحد شعوبنا في وجه الصلف الإسرائيلي المجرم، والدعم ‏الغربي المتبجح والمطلق للعدوان الإسرائيلي على أهلنا في فلسطين.

 

ومن صور الدعم ‏التي نستطيع أن نقدمها للقضية الفلسطينية: ‏

-‏ الوحدة العربية السياسية والعسكرية والاقتصادية، والتوقف عن الصراع الداخلي ‏الذي يستنزف مقدرات أمتنا العربية.

‏-‏ نحتاج أن نلتف حول ما يوحدنا من دين واحد، وشريعة واحدة وحَّدت الأجداد، ‏وصنعت منهم قوة غيَّرت وجه التاريخ؛ فإن أمة لها دين واحد، ولسان واحد، وتاريخ ‏واحد، وهموم واحدة، وتطلعات واحدة؛ فأي عقل يقول: أن تظل هذه الأمة بلا وحدة ‏اقتصادية، وعسكرية، وسياسية، واحدة؟! وكيف تتوحد دول أوروبا التي تختلف في كل ‏شيء إلا القرب الجغرافي، ولا تتوحد أمتنا التي تتفق في كل شيء؟!

‏-‏ نحتاج لوحدة فلسطينية تأخرت كثيرًا تجمع جهود شعبنا المجاهد على ثوابت الأمة ‏وثوابت الدين.

‏-‏ ونحتاج أن تسفر جهود الوحدة العربية عن الضغط الدبلوماسي والإعلامي على ‏إسرائيل، فحتى الاستنكار الجماعي أكبر أثرًا من الاستنكار الفردي.

‏-‏ استمرار مقاومة التطبيع والحصار الاقتصادي لإسرائيل.

‏-‏ الدعم التام والصريح للمقاومة الفلسطينية، وتقديم كل صور الدعم العسكرية ‏والسياسية والاقتصادية للشعب الفلسطيني المقاوم، وهذا حقه المشروع؛ حتى يسترد ‏أرضه وحقوقه، ومقدسات أمتنا الإسلامية.

‏-‏ استخدام كل سلاح متاح، وخاصة ما تملكه الأمة العربية من مقومات من: بترول ‏وغاز، وممرات، وأجواء، وطرق.

‏-‏ الضغط على الدول التي تدعم الكيان الصهيوني، وجعلها تدفع ثمن هذا الدعم خصمًا ‏من مصالحها في المنطقة.

‏-‏ زيادة وعي شعوب العالم بعدالة القضية الفلسطينية، والتي بالتالي تضغط على دولها ‏المنحازة لإسرائيل.

‏-‏ الضغط على إسرائيل لقبول حل الدولتين كمرحلة يحصل فيها الشعب الفلسطيني ‏على بعض حقوقه المهدرة، والقدرة على بناء دولته المعترف بها دوليًّا، حيث لها ‏مطاراتها وموانيها، ولها مواردها ويجتمع فيها ويعود لها الفلسطينيون في الشتات.

فما ضاع حق وراءه مطالب.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

 

الكلمات الدلالية