الأربعاء، ٢٣ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٠١ مايو ٢٠٢٤
بحث متقدم

شخصية المرأة المسلمة (2) علاقة المرأة المسلمة بنفسها

شخصية المرأة المسلمة (2) علاقة المرأة المسلمة بنفسها
الاثنين ١٠ يوليو ٢٠٠٦ - ١٤:٥٤ م
16

شخصية المرأة المسلمة (2) علاقة المرأة المسلمة بنفسها

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد؛

فقد تكلمنا في المرة السابقة عن "فضل الإسلام على المرأة"، وكيف أنه اعتنى بتكوين شخصيتها تكوينًا كاملًا شاملًا في كل جانب مِن جوانب شخصيتها الفردية والأسرية والاجتماعية؛ بحيث غدت إنسانًا راقيًا جديًر بالاستخلاف في الأرض.

وشرعنا في سلسلة: "تكوين المرأة المسلمة"، وبدأنا في هذه السلسلة بـ"علاقة المرأة المسلمة مع ربها"، واليوم نتكلم عن "علاقة المرأة المسلمة مع نفسها".

لقد حضَّ الإسلام المسلمين أن يكونوا شامة في الناس، متميزين في زيهم وهيئاتهم وتصرفاتهم؛ ليكونوا قدوة حسنة تجعلهم جديرين بحمل رسالتهم العظمى للناس.

ففي حديث الصحابي الجليل "ابن الحنظلية" أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال لأصحابه -وكانوا في سفر قادمين على إخوانهم-: (إِنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ، فَأَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ وَأَصْلِحُوا لِبَاسَكُمْ حَتَّى تَكُونُوا كَأَنَّكُمْ شَامَةٌ فِي النَّاسِ، فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلاَ التَّفَحُّشَ(رواه أبو داود بسندٍ حسن).

وإذا كان الإسلام قد حضَّ المسلمين عامة على أن يكونوا شامة في الناس، فقد حض المرأة المسلمة بخاصة على أن تكون شامة بارزة ظاهرة، متميزة في شكلها ومظهرها وهيئتها؛ لأن ذلك ينعكس على حياتها وحياة زوجها وبيتها وأولادها.

ومن هنا لا تهمل المرأة نفسها، ولا تغفل عن مظهرها الحسن النظيف في غمرة شواغل البيت وأعباء الأمومة، بل تحرص على أن تكون حسنة المظهر من غير سرف ولا مبالغة، وعنايتها بمظهرها الحسن تنبئ عن فهمها لشخصيتها، وتدل على ذوقها ودقة نظرتها لمهمتها في الحياة، وسلامة تصورها لشخصية المرأة المسلمة السوية التي لا ينفصل مظهرها عن مخبرها.

فالمرأة المسلمة الذكية هي التي توازن بين مظهرها ومخبرها، وتدرك أنها مكونة من جسم وعقل وروح، فتعطي لكل حقه، مستهدية في هذا التوازن بهدي الإسلام الحنيف.

فكيف تحقق المرأة المسلمة هذا التوازن بين جسمها وعقلها وروحها؟

1- جسمها:

- معتدلة في طعامها وشرابها:

تحرص المرأة على أن تكون صحيحة البدن، قوية البنية نشيطة، غير مترهلة ولا ثقيلة الوزن؛ ولذا لا تُقبِل على الطعام بشره ونهم وإسراف، بل تصيب منه ما تقيم به صلبها ويحفظ عليها صحتها وقوتها، ولياقة جسمها، مستهدية بقول الله -تعالى-: (وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ(الأعراف:31)، وبقول رسول الله -صلى عليه وسلم-: (مَا مَلأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاَتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لاَ مَحَالَةَ؛ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ، وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ، وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ) (رواه الترمذي، وصححه الألباني).

ولا ريب أن المرأة المسلمة بعيدة عن العادات الدخيلة على مجتمع الإسلام والمسلمين، كالسهر الطويل في اللهو والعبث، فهي تنام مبكرة وتستيقظ مبكرة؛ لتزاول نشاطها اليومي في حيوية، فلا يطفئ نشاطها سهر طويل، ولا تضعف قواها أعمال البيت؛ لأنها أخذت نفسها بنظام يمدها -دومًا- بالقوة والنشاط.

- نظيفة الجسم والثياب:

والمرأة المسلمة المهتدية بهدي دينها، نظيفة جدًّا في جسمها وثيابها، مستجيبة في ذلك لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي حثَّ على الاستحمام والتطيب، وخاصة يوم الجمعة: (اغْتَسِلُوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَاغْسِلُوا رُءُوسَكُمْ وَإِنْ لَمْ تَكُونُوا جُنُبًا، وَأَصِيبُوا مِنَ الطِّيبِ) (رواه البخاري).

وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (حَقٌّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي كُلِّ سَبْعَةِ أَيَّامٍ يَوْمًا يَغْسِلُ فِيهِ رَأْسَهُ وَجَسَدَهُ(رواه البخاري).

وتتعهد المرأة المسلمة فمها، فلا يشم منه أحد رائحة تؤذيه، وذلك بتنظيف أسنانها بحيث تغدو أنفاسها زكية معطرة، وقد كانت السيدة عائشة -رضي الله عنها- شديدة العناية بأسنانها كما جاءت بذلك الروايات الصحيحة في البخاري ومسلم، ففي "صحيح البخاري" عن مجاهد عن عروة -رضي الله عنه- قال: (وَسَمِعْنَا اسْتِنَانَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ فِي الْحُجْرَةِ... ).

- لا تنزلق إلى التبرج والإفراط في الزينة:

فهذه العناية بالمظهر لا تنزلق بالمرأة المسلمة الصادقة إلى التبرج وإبداء زينتها إلى غير زوجها ومحارمها، ولا تميل بها إلى المبالغة والإفراط بحيث تخرجها عن حد التوازن الذي أقام الإسلام عليه تشريعاته جميعًا، فالمرأة الداعية الصادقة لا يغيب عن بالها أن الإسلام الذي حض على الزينة الحلال ورغب فيها، هو هو الذي حذر مِن الإفراط والمبالغة فيها، بحيث تستعبد المرأة في هذه الحياة وتغدو شغلها الشاغل وهمها الدائم، وذلك في الحديث الشريف القائل: (تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ، إِنْ أُعْطِيَ؛ رَضِيَ، وَإِنْ لَمْ يُعْطَ؛ لَمْ يَرْضَ(رواه البخاري).

2- عقلها:

- تتعهد عقلها بالعلم:

لا يغيب عن المرأة المسلمة الصادقة أن تتعهد عقلها بالعناية كما تعهدت جسمها؛ ذلك أن العناية بالعقل لا تقل أهمية عن العناية بالجسم، وقديمًا قال الشاعر زهير بن أبي سلمى:

لسان الفتى نصف ونصف فؤاده                    فلم يبقَ إلا صـورة اللـحـم والـدم

والمرء بأصغريه: قلبه ولسانه -كما يقال-، أي: بعقله وتفكيره ومنطقه، ومِن هنا تبرز أهمية تثقيف العقل وتزويده بالمعارف النافعة وتنميته بالاطلاع على العلوم المتنوعة.

والمرأة المسلمة مكلفة كالرجل وعليها طلب العلم الذي ينفعها في دينها ودنياها، وهي إذ تقرأ قوله -تعالى-: (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا) (طـه:114)، وتسمع قول الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم-: (طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ) (رواه ابن ماجه، وصححه الألباني)؛ فتدرك أن هدي القرآن والسنة يشمل الرجل والمرأة على حد سواء، وأنها تساوي الرجل في علوم فرض العين وعلوم فرض الكفاية منذ وجد العلم في المجتمع الإسلامي.

ولقد أدركت المرأة المسلمة قيمة العلم منذ الأيام الأولى للإسلام، فقالت نساء الأنصار للرسول -صلى الله عليه وسلم-: "غَلَبَنَا عَلَيْكَ الرِّجَالُ، فَاجْعَلْ لَنَا يَوْمًا مِنْ نَفْسِكَ، فَوَعَدَهُنَّ يَوْمًا لَقِيَهُنَّ فِيهِ، فَوَعَظَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ" (رواه البخاري).

فالمرأة المسلمة كانت مقبلة على طلب العلم لا تستحيي مِن السؤال عن أحكام دينها؛ لأنها تسأل عن الحق، والله لا يستحيي من الحق، وقد وردت نصوص كثيرة توضح سؤال المرأة عن غسل الحيض والجنابة والاحتلام وغير ذلك.

- ما ينبغي للمرأة المسلمة تعلمه وإتقانه:

إن أول ما ينبغي للمرأة المسلمة أن تتقنه كتاب الله -تعالى-: تلاوة وتجويدًا وتفسيرًا، ثم تعلم علوم الحديث والسيرة، وأخبار الصحابيات والتابعيات مِن أعلام النساء، وتطلع على ما يلزمها مِن أبحاث "الفقه"؛ لإقامة عباداتها ومعاملاتها، ومعرفة أحكام دينها على أساس قويم.

- بعيدة عن الخرافات:

فالمرأة المسلمة المقبلة على العلم بعيدة كل البُعد عن الخرافات والأساطير التي تكون عادة في أذهان الأميَّات الجاهلات مِن النساء، بل إن المرأة المسلمة الداعية إلى هدي دينها، تعلم أن الركون إلى أهل البدع والخرافات، والكهانة والسحر مِن الكبائر التي تحبط الأعمال، فقد روى مسلم عن بعض أزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ؛ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً)، وروى أبو داود في "سننه" مِن حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (مَنْ أَتَى كَاهِنًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ؛ فَقَدْ بَرِئَ مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى مُحَمَّدٍ) (رواه أبو داود، وصححه الألباني).

3- روحها:

فلا يفوت المرأة المسلمة الواعية هدي دينها أن تصقل روحها بالعبادة والذكر وتلاوة القرآن في أوقاتٍ محددةٍ دائمة، فكما عنيت بجسمها وعقلها تعنى -أيضًا- بروحها، وتدرك أن الإنسان مكون من جسم وعقل وروح، وأن كلًّا مِن هذه المكونات الثلاثة له حق على المرء، وبراعة الإنسان تبدو في إحكام التوازن بين الجسم والعقل والروح بحيث لا يطغى جانب على جانبٍ.

- تلزم العبادة وتزكية النفس:

فالمرأة المسلمة التقية تستعين -دومًا- على تقوية روحها وتزكية نفسها بدوام العبادة والذكر والمحاسبة واستحضار خشية الله ومراقبته في أعمالها كلها، فما أرضاه فعلته، وما أسخطه أقلعت عنه، وبذلك تبقى مستقيمة على الجادة لا تجور ولا تنحرف ولا تظلم، ولا تبتعد عن سواء السبيل.

فالمرأة المسلمة التقية قد تخطئ وقد تقصر وقد تزل بها القدم، ولكنها سرعان ما تنخلع مِن زلتها وتستغفر الله من خطئها وتتوب من ذنبها، قال -تعالى-: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ) (الأعراف:201).

- تختار الرفيقة الصالحة وتلزم مجالس الإيمان:

فللرفيقة الصالحة أثر كبير في استقامة أمر الفتاة المسلمة، وتحليها بالعادات الحسنة والشمائل الرفيعة، فالرفيقة القرينة في الغالب صورة مماثلة لها في أخلاقها وسجاياها.

عـن الـمرء لا تـسـأل وسـل عن                    قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي

وتحرص المرأة المسلمة على حضور المجالس التي تدور فيها الأحاديث عن الإسلام والالتزام بأوامر الله واجتناب نواهيه، والإقبال على طاعته، فبمثل هذه المجالس ترقى النفس، وتزكو الروح وتخشع الجوارح، ويسمو الإنسان وتخالط قلبه بشاشة الإيمان.

- تكثر مِن ترديد الأذكار والأدعية المأثورة:

فمما يعين المرأة المسلمة على تقوية روحها وربط قلبها بالله -عز وجل- حفظها بعض الأدعية المأثورة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- في كل عمل مِن الأعمال التي ثبت أن للرسول -صلى الله عليه وسلم- فيها دعاء.

فالمرأة المسلمة الحريصة على جلاء روحها تقبل على تعلم طائفة مِن هذه الصيغ المأثورة تأسيًا بالرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحبه الأبرار، وتواظب على تردادها في أوقاتها ومناسباتها ما استطاعت إلى ذلك سبيلًا، وبذلك يبقى قلبها موصولًا بالله -عز وجل-، وتزكو روحها وترهف أحاسيسها ويزداد إيمانها.

وللحديث بقية -إن شاء الله-.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية

تصنيفات المادة