السبت، ٢٦ شوال ١٤٤٥ هـ ، ٠٤ مايو ٢٠٢٤
بحث متقدم

دريمي حنظلة

دريمي حنظلة
السبت ٢٣ سبتمبر ٢٠٠٦ - ١٤:٥٨ م
20

دريمي حنظلة

كتبه/ عبد المنعم الشحات

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد،

"دريمي حنظلة " أنشودة لها قصة لطيفة نذكرها لك بعد قليل إن شاء الله، ولكن بعد أن نطوف حول القرآن والتربية الإيمانية، حيث أن القرآن بمواعظه، وترغيبه، وترهيبه لو صادف آذانا صاغية فإنه يهذب النفوس، ويجعلها تتخلص من شهواتها الدنيئة، وتتسامى على شبهاتها الساقطة، فيأخذ القرآن العبد في جولة في العالم الفسيح، وينبه قلبه إلى روعة الخلق ليصل منها إلى إجلال الخالق، ويضع نفسه في موضعها من التواضع والتذلل بدلا من الكبر والعلو الذي يغذي كثيرا من الخلق.

والقرآن ينقل العبد بين مشاهد من تأملها حق تأملها علم أن الدنيا حقيرة مهينة، وأنه إن كان عالي الهمة فلا ينبغي أن يقع بما هو دون الجنة.

القرآن ينقل العبد من الشك إلى اليقين، ومن الجحود إلى الشكر، ومن الكبر إلى التواضع، ومن الجبن إلى الإقدام، ومن البخل إلى الإنفاق كل هذا عبر مخاطبة القلب والعقل، والتنوع بين أنواع الحوافز والزواجر، وكلما صدقت نية المتلقي في علاج نفسه كلما كان أكثر انتفاعا بالقرآن.

أما الشعر فإنه يجعل العبد يعيش حال الحزن، أو حال الفرح، أو حال الإقدام والشجاعة أوغيرها من الأحوال، ولكنها مجرد حال على حد تعبير الصوفية، ينتهي كل شئ بانتهاء الإنشاد، فتجد الرجل الجبان وقد استمع أو انشد أشعار الشجاعة والإقدام، فصار في قمة حال الشجاعة، وهو بعد جالس مكانه، ثم ينتهي الإنشاد فنجد صاحبنا لم يتغير عن حاله قيد شعرة.

 وهذا الرجل الحزين يسمع الأشعار التي تدخل السرور على قلبه، فينتشي ويخرج من همه، ولكن مع بقاء حال قلبه على ما هو عليه، وربما عاودته الأحزان أشد مما كانت متى ترك الإنشاد.

وهذا الرجل الذي ليس به من ألم يأتي من ينشده أحزان غيره، فيتجاوب معها حتى ربما بكى، وبينه وبين أن يكون متألما بالفعل لألم غيره بون شاسع، والأمر لا يرتبط بكلمات الأناشيد بقدر ارتباطه بإيقاعاتها.

وإليك قصة "دريمي حنظله" جمعتنا ظروف محنة ببعض الأخوة الذين يحسنون الإنشاد بالغة الأوردية، وكان مما يكثر من إنشاده أنشودة بعنوان "دريمي حنظلة" أي "دراما حنظلة"، وهي تحكي قصة "حنظلة بن الراهب" غسيل الملائكة، في خروجه إلى غزوة أحد، وهو جنب واستشهاده، وتغسيل الملائكة له .

ورغم أن السامعين لا يفهمون شيئا مما يقال، إلا أن أكثرهم يبكي تأثرا بما يسمعه.

وهذه هي النكتة في الإنشاد ولذلك جعله الشرع مباحا، لا قربة، حيث أن الإنشاد ينقل الإنسان مؤقتا إلى الحال التي يريدها المنشد، وقد يحتاج الإنسان إلى ذلك كنوع من التسلية، عن مشقة السفر، أو العمل الشاق، أو نوع من استدعاء حال يحتاجها إليها العبد كحال، الشجاعة والإقدام في الجهاد، ولكنه لا يصلح وسيلة للتربية، وتهذيب النفس، لأنه يجاري النفس، أو يثير كوامنها، وليست لديه قدرة على تذهيبها، ومتى وصلت النفس عن طريق الشعر إلى حالة مخالفة لهوى نفسها، فإنها سرعان ما تقود إليها فور انتهاء الإنشاد، وإذا وصلت عن طريق الانشاد إلى حال موافقة لهواها، فقل عليها السلام، فيصعب عليها أن تعود مرة ثانية بعدما أذكى الشعر نار الشهوة، وأوقع أصحابها في براثنها، ولذلك قالوا: "الغناء بريد الزنا".

والصوفية الذين استخدموا الشعر لاستجلاب حال محبة الله -عز وجل- وجدوا أن تلك الحال لا تثبت بعد زوال الإنشاد، فاستبدلوه بإنشاد أشعار الغزل، والعشق بين البشر لكونها حال أكثر ثباتا، وما عرفوا أن النفوس إنما تثبت في هذه الحال موافقة لهواها.

وإذا أنضم إلى الإنشاد موسيقى، فإنها تكون أكثر قدرة على أسر النفوس، ونقلها بسرعة إلى ميادين الشهوة والهوى، ولذلك رخص الشرع في الإنشاد، ولم يرخص في الموسيقى لعظيم ضررها وخطرها.

ومن هنا نخلص إلى أن:

القرآن يهذبك ويربيك.

والشعر المباح ينقلك إلى حالة طارئة، فلا تطلبه إلا عندما تكون هذه الحالة مطلوبة بالنسبة لك وعلى سبيل الندرة،

والشعر المحرم الداعي إلى المعاصي لاسيما المقترن بالموسيقى، ينقلك إلى حال أشد من الشهوة يصعب على كثير من الخلق أن يتخلص منها.

نسأل الله أن ينفعنا بالقرآن العظيم، وأن يجعله ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء همومنا وأحزاننا.

موقع أنا السلفي

www.anasalafy.com

الكلمات الدلالية